لمن ستكون رئاسة فرنسا؟
حسين درويش
2017-04-26 07:43
كان الفرنسيون بالآلاف عندما أطلقوا هتافات الحماس وهم يتابعون بشغف النتائج الأولية للدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وسرعان ما ملئت الكؤوس بالشامبانيا في صالات كبيرة احتفاءً بنصر مرشحهم الشاب إيمانويل ماكرون بأعوامه الـ 39.
بعدها جاء إعلان وزارة الداخلية الفرنسية للنتائج النهائية بفوز ماكرون الذي حصل على 23.75 بالمئة من الأصوات بينما حصلت لوبان المنافسة اليمينية على 21.53 بالمئة.
وتمثل النتيجة هزيمة ثقيلة ليمين الوسط ويسار الوسط اللذين سيطرا على الساحة السياسية الفرنسية لنحو 60 عاما كما أن النتيجة تقلل من احتمال حدوث صدمة على غرار تصويت بريطانيا في يونيو حزيران بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.
وسرعان ما انهالت رسائل التهنئة والدعم الدولي بهذا الفوز، فقد هنأ رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ماكرون مساء الأحد حيث أشاد في تغريدة بـ"النتيجة التي حققها" ماكرون في الدورة الأولى وتمنى له "التوفيق لاحقا" في الدورة الثانية عندما سيتواجه مع مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، وكذلك ألمانيا التي رحبت بالنتيجة.
من هو إيمانويل ماكرون؟
يصدر ماكرون نفسه على أنه "لا من اليمين ولا من اليسار"، ولم يسبق أن تولى أي منصب منتخب وهو ويدافع بشدة عن عزمه على تخطي الانقسامات الحزبية التقليدية.
وعلى مدار الحملة الانتخابية للرجل، استقبله محترفو السياسية في فرنسا ببعض الازدراء، وسخروا لفترة طويلة من غموض مشروعه، غير أن وزير الاقتصاد السابق في حكومة الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند بين آب/ أغسطس 2014 و2016 خالف توقعات كل الذين اعتبروه مجرد "فورة" إعلامية.
وقد راهن هذا المرشح الذي انطلق في حملته بدون أي خبرة انتخابية، على "تغيير البرمجيات" في المشهد السياسي ليصبح من المرشحين الأوفر حظا.
ويمثل ماكرون نموذج الطبقة الفرنسية المثقفة، وهو موظف كبير سابق في الدولة تخرج من معاهد النخب ثم عمل مصرفي أعمال، ودخل السياسة عام 2012 مستشارا للرئيس هولاند.
ويبني ماكرون كل طروحاته حول خط أساسي يقضي بالتوفيق بين "الحرية والحماية"، فيدعو إلى إصلاح مساعدات العاطلين عن العمل ويقترح تدابير "تمييز إيجابي" لصالح الأحياء الفقيرة. ويستهدف برنامجه بشكل أساسي الطبقات الوسطى التي يقول إنها "منسية" سواء من اليمين أو اليسار.
كما يعتمد المرشح خطابا خارجا عن إطار الأحزاب التقليدية يتسم بالليبرالية بالمعنى الأنجلوسكسوني للمفهوم، أي ليبرالية اقتصادية إنما كذلك اجتماعية، فيجتذب شبان المدن وأوساط الأعمال.
أيضا يطرح ماكرون نفسه كمرشح "الغضب الحقيقي" والتجديد، في مواجهة "الوجوه ذاتها منذ ثلاثين عاما" في الطبقة السياسية.
تحديات قد تواجه ماكرون
وإذا فاز ماكرون فإن أكبر التحديات التي سيواجهها ستكون عندما يحاول أولا ضمان أغلبية برلمانية لحزبه الشاب في يونيو حزيران ثم عندما يسعى لدعم شعبي واسع لإصلاحات عمالية من المؤكد أنها ستلاقي مقاومة.
وفي مواجهة المعركة المقبلة أعلن ماكرون أنه سيسعى إلى كسر نظام "غير قادر على الاستجابة لمشكلات بلادنا منذ أكثر من 30 عاما".
ومن المرجح أن تلقى إجراءات ماكرون التي تقضي بالتحرر تدريجيا من القيود ترحيبا من أسواق المال العالمية وكذلك خفض الإنفاق العام والخدمة المدنية.
لكن منافسته اليمينية لوبان تريد طبع النقود لتمويل مخصصات الرعاية الاجتماعية الكبيرة وخفض الضرائب ووقف العمل باليورو وربما الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
ماذا لو أخفق؟
ويقول محللون إنه إذا أخفق ماكرون في الفوز بأكثر من 60 في المئة من الأصوات في الجولة الثانية فربما يجد صعوبة في طمأنة فرنسا المنقسمة أن لديه الصلاحية اللازمة لإصلاح ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو الذي بدأ يتحسن بعد سنوات ظل فيها النمو ضعيفا للغاية.
وبالتالي فقد يواجه صعوبات في تحويل ما وعد به من تجاوز الانقسامات الحزبية التقليدية إلى أغلبية عاملة تدعم حزبه السياسي "إلى الأمام" في الانتخابات البرلمانية خلال يونيو حزيران أي بعد ستة أسابيع.
يقول المحللون إن من العوامل التي تعمل لصالح ماكرون أن 25 في المئة من الناخبين يعتقدون أنه أفضل مرشح يمكن أن يوجه الاقتصاد الفرنسي في المسار الصحيح مقابل 20 في المئة فقط للوبان وذلك حسب استطلاع أخير للرأي أجرته أودوكسا.
من ناحية أخرى فإن موقف لوبان المناهض للعملة الأوروبية الموحدة اليورو، والذي يعارضها فيه كثير من أنصارها وكذلك أغلبية الناخبين، يتيح له مادة غنية للهجوم عليها.
ويتجاوز اهتمام كثير من المحللين الآن فوزه المتوقع في الجولة الثانية ويتساءلون عما إذا كان بوسعه تحقيق الحشد السياسي الكافي لتنفيذ برنامجه.
لوبان تهاجم ماكرون وتصفه بـ "ملك المال"
أما منافسته لوبان فتحاول أن تصنع التاريخ كأول امرأة تتولى رئاسة فرنسا، وتسير على خطى والدها الذي أسس الجبهة الوطنية ووصل إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2002.
ومني والدها جان ماري لوبان بالهزيمة في نهاية المطاف عندما احتشد الناخبون من اليمين واليسار حول المرشح المحافظ جاك شيراك من أجل استبعاد حزب اعتبروا أفكاره اليمينية المتطرفة المناهضة للمهاجرين غير ملائمة.
وبذلت ابنته جهودا مضنية لتخفيف صورة الحزب عما كانت عليه سابقاً ولاقت تأييدا واسعا وسط الناخبين الشبان من خلال تنصيبها لنفسها كمناهضة للمؤسسة ومدافعة عن العمال الفرنسيين والمصالح الفرنسية في مواجهة الشركات العالمية واتحاد أوروبي يكبل اقتصاد فرنسا.
وفي أول كلمة بعد إعلان النتائج قالت لوبان "الشيء الأساسي على المحك في هذه الانتخابات هو العولمة المتوحشة التي تهدد حضارتنا".
وراحت تشن هجوما على سياسات ماكرون الذي وصفته مرة أخرى "بملك المال" في انتقاد يحط من قدر خلفية المصرفي السابق.
وقالت لوبان إن سياساته الداعية للتحرر من القيود ستؤدي إلى منافسة دولية غير عادلة ضد المصالح التجارية الفرنسية وإلى هجرة جماعية وحرية حركة "الإرهابيين".
ومع ذلك دعا عدد من المرشحين المهزومين أنصارهم إلى وقفها ويبدو أن لوبان ستلقى نفس مصير والدها عندما تواجه ماكرون بعد نحو أسبوعين.
وتدعو مارين لوبان إلى الخروج من اليورو وفرض ضرائب على المنتجات المستوردة، كما تعد بتعليق اتفاقات شنغن لحرية تنقل الأفراد داخل الاتحاد الأوروبي، وطرد الأجانب المدرجة أسماؤهم على لوائح التطرف لدى أجهزة الأمن، وإلغاء حق الجنسية للمولودين على الأراضي الفرنسية.
توقعات الدورة الثانية
وكشف استطلاعان للرأي أجريا مساء الأحد الماضي بعد إعلان نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، أن إيمانويل ماكرون سيفوز بفارق كبير على مارين لوبان في الدورة الثانية من الانتخابات.
وأفاد معهد إيبسوس سوبرا ستيريا أن مرشح حركة "إلى الإمام" سيحصل على 62% من الأصوات في مقابل 38% لمرشحة حزب "الجبهة الوطنية". بينما أورد معهد هاريس إنترأكتيف أن الفارق سيكون أكبر مع 64% من الأصوات لماكرون و36% للوبان.