زينب شريكة للحسين في نهضته
هلال ال فخرالدين
2016-11-21 06:56
قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)ال عمران:139
جاء في تفسير الطبري: وهذا من الله تعالى ذكره تعزيةٌ لأصحاب رسول الله (ص) على ما أصابهم من الجراح والقتل بأحد.
قال: (ولا تهنوا ولا تحزنوا)، يا أصحاب محمد، يعني: ولا تضعفوا بالذي نالكم من عدوكم بأحد، من القتل والقروح - عن جهاد عدوكم وحربهم.
عن الزهري قال: كثر في أصحاب محمد (ص) القتلُ والجراح، حتى خلص إلى كل امرئ منهم البأسُ، فأنـزل الله عز وجل القرآن، فآسَى فيه المؤمنين بأحسن ما آسى به قومًا من المسلمين كانوا قبلهم من الأمم الماضية، فقال: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنم مؤمنين) إلى قوله: (لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ).
عن قتادة، قوله: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، يعزّي أصحاب محمد (ص) كما تسمعون، ويحثهم على قتال عدوهم، وينهاهم عن العجز والوَهن في طلب عدوهم في سبيل الله.
عن ابن عباس قال: أقبل خالد بن الوليد يريد أن يعلو عليهم الجبل، فقال النبي (ص): اللهم لا يعلُون علينا ". فأنـزل الله عز وجل: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين".
فبعد خسارة معركة احد وشهادة 70 من الصحابة الصادقين وانهزام جموع الصحابة ولم يبقى مع النبي (ص) الا انفار منهم سيد الفتيان الامام علي وابو دجانة.. قال النبي (ص): اللهم لا قوة لنا إلا بك، وليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر"!. فذلك قوله: "وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين".
النظرية القرآنية والمفهوم الالهي يؤكد ان خسارة معركة يجب ان لايفل في عضد المؤمنين الصادقين وبل تكون حافزا للصمود ومواصلة الجهاد فهم الاعلون وما النصر الا من عند الله..
زينب شريكة للحسين في نهضته
وهذا النهج الرسالي صمم عليه الحسين وكانت شريكته بأخطر المواقف اخته زينب حتى استشهاده (ع).. ومن بعده حملت لوائه فريدة النساء ووحيدة الثبات واسوة المقاومة التي جعلت من خسارة معركة الطفوف انتصارا ساحقا للأحرار وفتحا مبينا للإسلام حتى اصبحت رمز التحدي واسطورة انثى.
زينب رمزا لنساء الطف اسوة الوعي وقمة التضحية
كان للنساء دور مهم وواضح في صياغة مواقف وقفها رجال وأولاد وأبناء غيروا وجه التاريخ، وامتازت نساء الطف اللاتي شاركن الحسين بثورته، بالتفرد وبكل مافي معاني الاسوة من رفيع المنزلة وبلوغ القمة تاريخيا في كربلاء في تلك الأدوار المتميزة، وتألقن في آفاق الإنسانية لتخلد بخلود المواقف الملحمية، فأصبحت نساء الطف المثل النسوي الذي جسد المبادئ الإسلامية.
فانتصرت المرأة في كربلاء أكثر من مرة.. مرة للحق باعتبار أن موقف الإمام الحسين (ع) كان موقفاً عادلا، ومرة للإنسانية، لأن رسالة الحسين (ع) كانت من أجل الإنسانية، ومع أن المرأة الرسالية مارست دوراً رائداً في واقعة كربلاء، إلا أن التاريخ لم يعكس على صفحاته ماجسده ذلك الدور بحجمه الحقيقي على الأرض، فسجلت المرأة في معركة الطف أدواراً متميزة في مشهد النصرة والفداء كانت من أنصع الصفحات وأكثرها إشراقاً في التاريخ الرسالي، وقد جاوزت المرأة في ذلك طبيعتها المعتادة في الحرص على وسلامة أبنائها وأزواجها وتمني دفع الغوائل عنهم إلى الحالة الأسمى من الوعي والقناعة بالتضحية بدفع الأبناء والأزواج معاً إلى سوح الوغى وحثهم على الصمود والبسالة فيها، وتقبل استشهادهم فيها بالرضا والاطمئنان!.
ولم تلق من قبل الباحثين والكتاب والخطباء وكأنها عنصر هامشي في هذا الموقف الخطير.
زينب المضطهدة اعجاز بشري واسطورة انثى
قامت النهضة الحسينية على صرحين: الاول زينب بفضح الظالمين في عقر دارهم الثاني: علي بن الحسين ببيان المظلومية.
اولا: زينب الصرح الاول لبقاء واستمرار النهضة الحسينية.. تقريع المنافقين وفضح الطغاة وافحام الظالمين في عقر دارهم.!!!
فالاسيرة زينب شتت شمل الجمع وهزمت القوم وولوا الدبر، وللعقيلة زينب خطب ومواقف كثيرة زلزلت النظام والهبت روح المقاومة وايقظت الامة من سباتها..ما لم تقم بها انثى لا من قبل ولا من بعد اطلاقا بل هي مستعصية على اشد الرجال قوة واكثرهم بأسا واكفائهم حنكة واقدرهم حكمة سياسية:
زينب رضيعة العصمة ووريثة الحسين والمطالبة بدمه
1-لم تخرج زينب الا ليلا
ان معادن الاشخاص تفرزها جلائل الخطوب وتكشفها عظائم الاحداث فتميط الثام عن عظيم كفاءاتهم ورفيع ملكاتهم القيادية، كما أوضحت السيدة الخالدة زينب للعالم حقيقة ثورة كربلاء، وأبعاد حوادثها..
لم ترتعد ولم ينتابها الروع او الوجل لهول توحش جحافل جيش اوباش (الشجرة الملعونة) وضخامة الفاجعة الكبرى بمقتل أخيها الحسين (ع) واخوتها واهل بيتها وأنصارهم.. واحراق خيامهم ونهبهم.. حيث تنفي مصادر خروجها نهارا.. فخرجت والهيبة والوقار يجللها نحو ساحة المعركة، تبحث عن جسد أخيها الحسين بين القتلى غير عابئة بالأعداء المدججين بالسلاح، فلما وقفت على جثمان أخيها العزيز الذي مزقته سيوف الحاقدين وهي تراه جثة بلا رأس مقطع إرباً إرباً، فالكل كان يتصور أنها سوف تموت أو تنهار وتبكي وتصرخ أو يغمى عليها، لكن ما حدث هز أعماق الناظرين، فأمام تلك الجموع الشاخصة بأبصارها إليها جعلت تطيل النظر إليه فوضعت يدها تحت جسده الطاهر المقطع وترفعه نحو السماء وهي تدعو بمرارة قائلة: (اللهم تقبل منا هذا القربان).
2- لأول مرة انثى وريثة لثورة وصاحبة الدم المطالبة به
ويقال ان فخر المخدرات زينب خرجت عند مصرع اخيها الحسين وخاطبت قائد الجيش الاموي عمر بن سعد، حتى بكى..! فلا ادري ممن بكائه الهول هزة استفاقة الضمير لفادحة جنايته وعظيم ما اجترحه من جرم لايغتفر؟! ام لهول المأساة وبالغ الكارثة؟!
فموقف زينب هذا وتقريعها لعمر ابن سعد وهو في نشوة انتصاره وعنفوان غطرسته وامام جحافل عساكره وفي تلك اللحظات وأهلها مجزرين كالأضاحي وحماتها مقطعي والعدى محيطين بهم متهيئين لافتراسهم وحرق مخيمهم ولاتسمع الا عويل الارامل وصهيل الخيل وصكصكة الاسنة.. فتجمع كل تلك الكوارث التي تهد الجبال الراسيات على زينب فواجهتها بثبات وشجاعة فزع منه الاعادي فهي غير مكترثة بحشودهم وغير وجلة لتوحشهم ولا منكسرة لكثرتهم.. بل صعقتهم بموقفها وخاطبتهم بكل شمم واباء وعزة وكبرياء تحملهم وزر تلك الجريمة النكراء التي تلطخت يديهم بها واذا زينب (امة في امرأة)... فأصبحت رضيعة العصمة الوريثة لثورته وصاحبة الدم المطالبة به..
فقد ذكر الطبري عمن حضر المعركة قوله: فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا منه –أي الحسين- ولا أجرأ مقدما والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله إن كانت الرجالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب قال فوالله إنه لكذلك إذ خرجت زينب ابنة فاطمة أخته...وهي تقول ليت السماء تطابقت على الارض وقد دنا عمر بن سعد من حسين فقالت يا عمر بن سعد أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه قال فكأني أنظر إلى دموع عمر وهى تسيل على خديه ولحيته قال وصرف بوجهه عنها.. انظر الطبري 4 - 345 !!. ثم نادى شمر ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل..الخ.
ولوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا.......لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجال
وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ.......ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ
3-من المعلوم ان الأسير او المسبي يكون واهن القوى خائر العزيمة مضطرب الجنان خائف من مصيره.. لعظيم الصدمة وشدة اهوال الخطوب وتكالب زمر العدوان ووحشية ال ابي سفيان الاوغاد.. لكن الملفت للنظر لحد الاعجاز ان تنطق زينب ابنة علي وكأنها في عز امان سرادقها ومحاطة بحماتها وفتيان اهلها.. وليست بين ايادي الجلاد ين وجلاوزتهم وفي جموع اجلافهم.
الاسيرة زينب شتت شمل الجمع وهزمت القوم وولوا الدبر وجعلتهم ايدي سبأ في خطبة الكوفة: فأوْمَأَتْ الى الناس أن اسكتوا، فسكتوا.
فقالت الحمد لله، والصلاة على مُحمَّد، وآله الطاهرين.
أما بعد! يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر والمكر! أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة أو الزفرة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم.
ألا وَهَل فيكم إِلاّ الصلف النَطِف؟ والصدر الشنف؟ وملق الإماء، وغمز الأعداء، أو كمرعىً على دمنة، أو كفضة على ملحودة.
ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم، أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.
أتبكون؟ وتنتحبون؟ إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة؟ وملاذ حيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجتكم، ومدرة سنتكم؟؟
ألا ساء ما تزرون، وبُعداً لكم وسحقاً! فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بِغَضَبٍ مِنَ الله، وَضُرِبَتْ عليكم الذلة والمسكنة.
ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أيَّ كبدٍ لرسول الله فريتم؟
وَأَيَّ دَم لهُ سَفكتم؟
وَأَيَّ حُرْمَةٍ لَهُ انْتَهكْتُم؟
وَأَيَّ كريمة لهُ أَبْرَزْتُم؟
لَقد جئتم بها صلعاء، عنقاء، فقماء، خرقاء، شوهاء كطلاع الأرض ومِلئ السماء.
أَفَعَجِبْتُمْ أَنْ مَطَرَت السماء دما؟ وَلَعَذاب الله أَخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل، فإنَّه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوتَ الثار، وَإِنَّ ربكم لبالمرصاد.
زينب فرضت هيمنتها فقلبت الموازين فقدحت اوار الانتفاضات واججت نيران الثورات.
ويقول الراوي: فرأيت الناس حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخاً إلى جنبي يبكي قد بل لحيته بدموع عينيه، وهو يقول: بأبي أنتم وأُمِّي! شبابكم خير الشباب، وكُهولكم خير الكهول، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل، لا يُخزى ولا يُبْزَى.
4- تخيل ابن زياد بان سفكه لدم الحسين واهل بيته واصحابه والتمثيل بهم سيجبر اهل البيت على التراجع والاستسلام لانكسار شوكتهم بإبادتهم وترويعهم ولكن خابت تلك الاحلام الشيطانية.. وفاجئته مخدرة بني هاشم فأفحمته بل والقمته حجرا بعد حجر..
وأدخل عيال الحسين(ع) على ابن زياد، فدخلت زينب أخت الحسين في جملتهم متنكرة وعليها أرذل ثيابها، فمضت حتى جلست ناحيةً من القصر، وحفت بها إماؤها.
فقال ابن زياد، من هذه التي انحازت ناحيةً ومعها نساؤها؟!
فلم تجبه زينب.
فأعاد القول ثانيةً وثالثةً يسأل عنها؟
فقالت له بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله.
فأقبل عليها ابن زياد وقال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.
فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد (ص) وطهرنا من الرجس تطهيرا، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله.
فقال ابن زياد: كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟!
فقالت: ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتختصمون عنده فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك أمك يابن مرجانة !!
فغضب ابن زياد واستشاط، فقال له عمرو بن حريث: أيها الأمير، إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.
شتان بين الطهر والرجس والرحمة والعدوان والسماحة والحقد.
في هذا الحوار القصير بين الخير والشر، وبين الفضيلة والرذيلة، وبين القداسة والرجس، وبين ربيبة الوحي وعقيلة النبوة وبين الدعي ابن الدعي ! إنكشفت نفسيات كل من الفريقين.
وقد فرضت الضرورة على حفيدة النبوة، ووليدة الإمامة، ورضيعة العصمة أن تتنازل وتجيب على تلك الكلمات الساقطة السافلة.
5- الفارعة زينب ابن علي تخرس يزيد وترد كيده الى نحره وتفضح الطلقاء في قلب عاصمة البغاة دمشق وفي قلعة يزيد الكفر وبمحضر عتاة الفجرة واعوان الظلمة من حزب الشيطان...
فبعد عربدات يزيد واحقاده وغطرسته بكفره مزهوا بين ارجاسه..
ففتتحت زينب خطبتها قائلة: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه كذلك يقول (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون) أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة وأن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورا حيث رأيت الدنيا لك مستوثقة والأمور متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا؟!! فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله عز وجل (ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب أليم؟!، أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف، ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي، وكيف ترتجي مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان ثم تقول غير متأثم ولامستعظم لأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذرية محمد صلّى الله عليه وآله ونجوم الأرض من آل عبدالمطلب، وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم، فلتردن وشيكاً موردهم ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت.
اللهم خذ لنا بحقنا وانتقم ممن ظلمنا واحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا.
فوالله ما فريت إلا جلدك، وما حززت إلا لحمك ولتردن على رسول الله صلّى الله عليه وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ لهم بحقهم (ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) وحسبك بالله حاكماً وبمحمد صلّى الله عليه وآله خصيماً وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم من سوّل لك ومكنك من رقاب المسلمين، (بئس للظالمين بدلا)، وأيكم (شر مكاناً وأضعف جندا)
ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك واستعظم تقريعك واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى والصدور حرّى.
ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا والأفواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعفرها أمهات الفراعل، ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً حين لا تجد إلا ما قدمت، وما ربك بظلاّم للعبيد، فإلى الله المشتكى وعليه المعوّل.
فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، والله لا تمحو ذكرنا ولاتميت وحينا ولا تدرك أمدنا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي (ألا لعنة الله على الظالمين).
فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل.