حمزة الزغير اسطورة القصيدة الحسينية

من عظماء الخدمة الحسينية

مروة حسن الجبوري

2016-10-13 02:10

كنا جالسين في ليلة الثامن من شهر محرم الحرام نرتب الشموع بالورد واغصان الياس العطرة لخروج القاسم " عليه السلام " وكما هو المتعارف في كربلاء بيوم القاسم حيث تخرج الهيئات والاطراف بصواني الشمع والورد، مواساة بعريس ال محمد، شردت قليلا تذكرت حال رمله هذا اليوم، وامنياتها التي اغتالت في ساعة واحدة، ومن بين الشهقات جاءني الصوت يمه ذكريني من تمر زفة شباب، انتبهت لهذا القصيدة فلا احد منا لا يعرف قارئها وصدى صوته، دخل الصمت بين الجالسين، غريبة كان ضجيجهم يملا المكان، التفت الى ابنتي الصغيرة توقد الشمعة وتردد معه، اخذت انظر لهم وانا صامته ايضا دموعي تترجم الكلمات التي مازالت تقرا في كل عصر وان قطع الصمت والدي وسألني هل تعرفين قارئ هذه القصيدة، اجبت وبكل ثقة نعم ومن لا يعرف حمزة الزغير، بين خفايا دموعه رساله اجابني لا يا ابنتي نحن لانعرف حمزة الزغير!!.

فبعد سنين من بث قصائده واعاده قراءتها جيلا بعد جيل كيف لا نعرفه توقفت عند كلام والدي لا نني اعلم انه يحاول ان يعلمنا درس من خلال حديثه، طلبت منه ان يحدثنا عن خادم الحسين (المله حمزة الزغير) رحمه الله، لكوني لم أملّ يومًا عن قصص والدي، ولم أنقطع عن كتابة يومياته، فهي كانت ولا تزال الرّفيق الدّائم لأحلامي وذخيرتي، وسوف تبقى أملي الدّائم، فتلك القصص علّمتني على مر السّنين بأن لا أفقد الأمل حتّى وإن واجهت بعض العقبات بين الحين والآخر، ولو انطفأت الشّمعة الوحيدة الّتي تضيء لي، علمتني ان العشيرة لا ترفع الانسان ، وان المال لا ينفع، علّمتني أنّ الخير لا بدّ من أن ينتصر على الشّرّ، وأنّ النّهايات السّعيدة في الاخرة وليست في الدنيا.

يجتر بقايا التعب الذائبة في أجفانه، أنفاسه المتلاحقة، بصوت منخفض يقول ما ان يهل هلال شهر محرم الحرام وتكتسي المدينة بسواد اعلانا عن قدوم موسم الحزن والعزاء، اول قصيدة نسمعها هي " يا شهر عاشور" بصوت الرادود الملا حمزة الزغير رغم رحيله لا انه مازال حي في أسماع العاشقين.

كثيرون يا بنتي هم مَن خدموا الحسين و كتبوا الاشعار والرثاء في حقه، ولكن المله نال الحظ الأوفر و ذكرا وقد برز اسمه وتواكب مع كل العصور ليفرز لنا صوت وصورة لا مثيل لها في تاريخ القراءة الحسينية فكان اسطورة، اما سيرة حياته فقد ولد خادم الامام الحسين الرادود حمزة الزغير عام 1921 ميلادية في مدينة كربلاء محلة باب الطاق، واسمه حمزة عبود إسماعيل (السعدي)، لماذا سمي " بالزغير يا ابي " اشتهر بــ (حمزة الزغير) وذلك لوجود رادود آخر كان في المحلة (حمزة السماك)، وكان أكبر منه سناً وأقدم منه في القراءة وأطول منه قامةً، وللتمييز بينهما سُميَ بــ (حمزة الزغير).

نشأ رحمه الله يتيم الأب كان وحيد والديه تعلم قراءة القرآن والأدب، أخذ بيده ووجهه صوب المنبر الحسيني والقراءة الحاج الشيخ عباس الصفار(رحمة الله عليه) كان ملازما له وكان الملا حمزة رحمة الله عليه مولعا بحفظ القصائد الحسينية والأوزان وكانت أغلبية القصائد التي قرئها من كتابة الشاعر المعروف المرحوم الحاج كاظم المنظور، ومن أشهر القصائد التي كتبها له (آيحسين ومصابه).

ماهي مهنته يا ابي تشوقت ان اعرف اكثر.

امتهن ثلاث مهن في حياته 1- محل عطارة 2-محل أواني 3- كي الملابس

ان المرحوم حمزة الزغير كان يمتهن مهنة المكوجي ( مكوى ملابس)

و كان يمتلك دكان صغير في فلكة البلوش تقاطع شارع الإمام علي (عليه السلام ) عندما يمر المارة من أمام دكانه يتذكرون كيف كان يجلس أمام الدكان ويدخن النرجيلة ويتذكرون انه كان قد كتب بيتاً ظريفاً من الشعر و دعاية للمحل بشكل لطيف، وهو: سمـعوا يخوتي صـوتي.. عد حمزة اضرب الاوتي.

من الشخصيات المعاصرة له والشعراء السيد ناجي العميدي، السيد حسن الاستر ابادي، الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي، الشيخ عبد الزهرة الكعبي، عزيز كلكاوي الكربلائي، مهدي الأموي الكربلائي، سعيد الهر، السيد عبدالحسين الشرع، الشيخ ياسين الكوفي، الحاج زاير، كاظم البنا، سليم البياتي، عبود غفله

حمزة الصغير في البحرين

زار حمزة الزغير البحرين مرتين في السبعينات، بعد محاولات دؤوبة لاستقطابه للمشاركة في مواكب العزاء، بدأت القصة يا بنتي بمحاولة مأتم خلف تسيير موكب عزاء كبير، فأرسل الوجيه مرزوق أحمد المرزوق الحاج رضي القاري للاتفاق مع الملة الصغير، وأعطاه شيكا مفتوحا لئلا يعود خالي الوفاض. وهناك حاول المبعوث العودة من رحلته مكللا بالنجاح، ولكن طلبه قوبل بالرفض، فكان مما قاله الزغير "كيف أترك المشهد هنا وأترك مثوى رأس الحسين"؟ وكان أن عاد المبعوث البحريني كسير الخاطر، في العام التالي، وقبل يومين من دخول شهر المحرم، فوجئ المرزوق باتصال هاتفي من المطار وكان الزغير على الطرف الآخر، يخبره بأنه منع من الدخول، واتضح أنه لم يحصل على تأشيرة دخول، ويظهر أنه كان يجهل الموضوع، فقيل له انه القانون وقام المرزوق بكفالته لمدة 72 ساعة، تم تجديدها عدة مرات ليكمل خمسة عشر يوما هي مجموع ما بقي في ضيافة أهل البحرين، ما كاد يستقر الضيف حتى سأله مضيفوه عن سر مجيئه هذا العام، بينما رفض المجيء قبل عام، فقال: إن أجري مدفوع، فقد جاءني نداء الضمير، لمشاركة أهل البحرين في عزائهم. وهكذا حل ضيفا في منزل الحاج عبد الرسول بن رضي، ليشارك في موكب عزاء مأتم حجي خلف بالعاصمة المنامة ليلا، ومأتم سيد مهدي المقابي في قرية مقابلة عصرا وكانت مشاركته على فترتين: الفترة الأولى بداية العشرة كان يقيم العزاء داخل المأتم، وبعد يوم السابع من المحرم يقود الموكب خارج المأتم. ولأن للعراقيين طريقتهم الخاصة التي تختلف في بعض تفاصيلها عن طريقة عزاء البحرين، فإنه كان يرتبك أحيانا أثناء المسير، فيأخذ آخرون بمساعدته، فيما يعتمد العراقيون على طريقة العزاء وهم واقفون في أماكنهم. لم يكتب للزغير أن يزور البحرين ومشاركة اهلها في مواسم العزاء لأكثر من عامين، فبعد انتهاء رحلته الثانية قفل راجعا إلى بلاده، ولم تمر غير ستة أشهر حتى توفاه الله، في العام الثاني عاد الصغير إلى البحرين، لينزل ضيفا هذه المرة على مأتم حجي عباس بالمنامة بالاتفاق مع مأتم الديه الكبير.

رحيله الى الافق الاعلى

مرض الملا فترة وجيزة وساءت حالته الصحية، وقرر البعض من الحسينيين إرساله إلى بغداد للعلاج، وكُلفَ الرادود محمد حمزة الكربلائي بالتفرغ من عمله ومرافقته إلى بغداد، وعرض على الطبيب فرقد فيها لإجراء الفحوصات والعلاج لمدة 10 أيام تقريبا وخلال فترة مكث ملا حمزة الزغير في المستشفى ببغداد، وفي بداية عام 1976 أُشيع خبر مرضه الخبيث، دون أن يعلم؛ وذلك أثر ظهور ورم في أنفه، وكانت هذه البداية حيث أخذ يراجع الأطباء في مدينة كربلاء المقدسة، الذين لم يشخصوا السبب وراء هذا الورم، وأخذوا بإعطائه الكثير من العلاجات والعقاقير الطبية؛ لكن ورمه أخذ بالتزايد دون معرفة السبب، فهمس الطبيب في أذن مرافقيه قائلا: عُد به إلى البيت؛ فلا يعيش أكثر من شهر واحد.. وبعد انتهاء الشهر ساءت حالته لأقصى الحدود، ونقله الحسينيون على وجه السرعة إلى مستشفى كربلاء، ثم وافاه الأجل في يوم الثلاثاء 23 شوال 1396هـ.

أما فراقه فكان مؤلما، أقيم له في كربلاء تشييع حسيني يليق به وبمكانته وكانت مدينة كربلاء حزينة كئيبة، إذ تعطلت جميع المحلات وتعتم نورها في تلك الليلة، وأخذ موكب التشييع طريقه صَوْبَ مرقَد الإمام الحسين (عليه السلام) وبعد انتهاء مراسيم الزيارة في مرقد سيدنا العباس (عليه السلام)، حمل الى مثواه الأخير، في وادي كربلاء، اعتلت مكبرات الصوت بقصيدة الملا المحروم وهو يقرأ (شلون ليلة يودع حسين العقيلة).

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي