النساء في واقعة الطف: مواقف خالدة في مشهد النصرة والفداء
مروة الاسدي
2016-10-09 11:56
ان إلقاء الضوء على دور المرأة في قضية الإمام الحسين (ع) يمكن أن يوضح دورها في المجتمع الإنساني، ولاسيما في الحركة السياسية والاجتماعية العامة، فالمرأة كان لها دورا كبيرا ومهما في النهضة الحسينية لا يقل عن دور الرجل فيها، ولاسيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار الخصوصيات التي يتميز بها الإمام الحسين (ع) كإمام مفروض الطاعة وله مواصفات خاصة لا يمكن أن يشبهه فيها أحد من الناس.
أدت المرأة في المجتمع الإسلامي دورا رائعا بفضل إيمانها بالعقيدة الإلهية التي صاغت منها وجودا طاهراً وفاعلا، فإن نموذج المرأة التي اشتركت في واقعة الطف كانت قد بلغت القمة في ذلك الدور، وتألقت في آفاق الإنسانية لتخلد بخلود الموقف، وأصبحت بعد هذه الملحمة البطولية المثل النسوي الذي جسد المبادئ الإسلامية، والمعروف إن دور الرجل يتوزع على مسؤوليات عديدة مختلفة في الحياة، ودور المرأة لا ينقص عن دائرة الرجل في تعدد المسؤوليات الشرعية والإنسانية والاقتصادية في الحدود التي يجيزها الشرع والعقل والعلم، ولكن هناك دور تفضل فيه المرأة على الرجل، وهو أخطر شيء في حياة المجتمع الإسلامي، ألا وهو تنشئة الجيل وفق الرؤى الإسلامية وإعداده إعدادا مؤهلا كي يديم الحياة، ويساهم في تطويره نحو الأحسن، لذلك أكد الرسول (ص) على حسن التبعل، قال: "اختاروا لنطفكم فان العرق دساس"، فكل الأنبياء لهم أمهات طاهرات حملن رجالا تأدبوا بآدابهن فانعكست تلك التربية على شخصيتهم.
وهناك نساء لهن دور في صياغة مواقف وقفها رجال وأولاد وأبناء غيروا وجه التاريخ، وكانت نساء الطف اللاتي شاركن الحسين بثورته، من ارفع النساء وأشرفهن تاريخا المرأة التي اشتركت في كربلاء بلغن القمة في ذلك الدور، وتألقن في آفاق الإنسانية لتخلد بخلود الموقف، أصبحت نساء الطف بعد هذه الملحمة المثل النسوي الذي جسد المبادئ الإسلامية. فانتصرت المرأة في كربلاء أكثر من مرة.. مرة للحق باعتبار أن موقف الإمام الحسين (ع) كان موقفاً عادلا، ومرة للإنسانية، لأن رسالة الحسين (ع) كانت من أجل الإنسانية، ومع أن المرأة الثورية مارست دوراً رائداً في واقعة الطف وملحمة الخلود كربلاء، إلا أن التاريخ لم يعكس على صفحاته ذلك الدور وبحجم واقعه الحقيقي على الأرض، ولم تلق من قبل الباحثين والكتاب وكأنها عنصر هامشي في هذا الموقف الخطير.
فسجلت المرأة في معركة الطف أدواراً متميزة في مشهد النصرة والفداء كانت من أنصع الصفحات وأكثرها إشراقاً في التاريخ الرسالي، وقد جاوزت المرأة في ذلك طبيعتها المعتادة في الحرص على سلامة أبنائها وأزواجها وتمني دفع الغوائل عنهم إلى الحالة الأسمى في التضحية بدفع الأبناء والأزواج معاً إلى سوح الوغى وحثهم على الصمود والبسالة فيها، وتقبل استشهادهم فيها بالرضا والاطمئنان!.
ومن مواقف الشهامة والمبدئية العالية للمرأة ما لم يكن لمثله من أولئك الرجال الأوغاد الذين حملتهم مطامعهم وأهوائهم إلى الاستكانة للشر والبغي - ما كان من أمر خولي بن يزيد الأصبحي مع زوجته فإنه عهد إليه برأس الإمام الحسين عليه السلام وقد أتى به إلى منزله ووضعه تحت أجانة، ودخل فراشه ثم قال لامرأته: جئتك بغنى الدهر، هذا رأس الحسين عليه السلام معك في الدار"!، فغضبت لما أخبرها بذلك وقالت له: "ويحك لقد جاء الناس بالذهب والفضة، وجئتني برأس ابن بنت رسول الله!، والله لا يجتمع رأسي ورأسك في بيت أبداً"، وقامت من فراشه وخرجت من الدار، وقالت: "لا زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من الأجانة وإليها، ورأيت طيوراً بيضاء ترفرف حولها".
وايضا كانت امرأة من آل بكر مع زوجها وقد رأت ان القوم قد احتملوا على نساء الحسين عليه السلام وفسطاطهن وهم يسلبونهن فأخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط وقالت: "يا آل بكر بن وائل اتسلب بنات رسول الله، لا حكم إلا بالله يا لثارات رسول الله". فردها زوجها إلى رحله، فهذه النساء ضربن أروع أمثله للشجاعة والإباء ورفض الظلم والذل، وكان لهن في ثورة الإمام الحسين عليه السلام بشكل عام وفي واقعة الطف بشكل خاص دور كبير ومهم ساعد في إنجاح الثورة وأوصلن رسالة مدوية للعالم بنصرتهن للمظلوم ورفضهن للظلم والطغاة.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة تبين عدد الشخصيات النسائية اللاتي شهدن واقعة ألطف، الا ان الكتب والأبحاث تناقلت بعض أسماء النساء الجليلات اللاتي شهدن الواقعة، أو اشتهر حضورهن من خلال مواقفهن مع أقاربهن (الزوج، الأب، الولد ..)، واليكم بعض منهن في تقرير (شبكة النبأ المعلوماتية) ادناه.
السيدة زينب (ع)
فكما أن الإمام الحسين (عليه السلام) يبقى رمز كل الرجال الذين شاركوا في واقعة كربلاء، وملحمة الشهادة والفداء والبذل والتضحية والمعاناة، كذلك تبقى الحوراء زينب (عليه السلام) عقيلة بني هاشم تمثل الرمز في هذه الحركة بالنسبة إلى النساء، وكان لها دور عظيم في كربلاء والكوفة والشام ، وكان لها دور بارز في جميع المواطن في واقعة ألطف فكانت تشفي العليل وتراقب أحوال أخيها الحسين عليه السلام ساعة فساعة وتخاطبه وتسأله عند كل حادثه وهي التي كانت تدبر أمر العيال والأطفال وتقوم في ذلك مقام الرجال .
وهي الذي صبرت الحسين عليه السلام على مصائبه خصوصا مصيبة ولده علي الأكبر بعد سقوط على الأكبر من على ظهر جواده نادا :عليك مني السلام يا أبتاه يا أبا عبد الله فذهب له الحسين وهو ينادي: واولداه واعليا وذهب عنده وأخذ بالبكاء حتى أنه كان سيفارق الحياة على جسد ولده علي الأكبر فأتى له العباس وحاول أن يرده إلى الخيام فلم يستطع فخشي عليه من الموت فذهب للسيدة زينب فأخبرها فخرجت السيدة زينب متجه إلى ساحة المعركة وهي تنادي: واولداه وابن أخاه واعلياه فعندما رآها الحسين عليه السلام قام من على مصرع ولده وذهب إليها وأرجعها للخيام.
وعندما سقط الإمام الحسين ذهبت إلى مصرعه وهي تنادي: وأخاه واحسيناه فعندما وصلت إلى مصرعه قالت لابن سعد: يا ابن سعد أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه فصرف بوجهه عنها ودموعه تجري فقالت :ويحكم أما فيكم من مسلم فأخذت تخاطب الحسين وإذا بسوط يأتي على ظهرها وإذا هو شمر ابن ذي الجوشن لعنة الله عليها يقول لها: ابتعدي عنه وإلا قتلتك معه فأبت أن تتركه فقال لها الحسين عليه السلام: أخيه زينب ارجعي إلى الخيام وإحفظي العيال والأطفال فرجعت إلى الخيام وحفظت العيال وبعد أن أحرقوا الخيام ذهبت الي التل الزينبي وقالت: يا أخاه يا حسين إن كنت حيا فأدركنا وإن كنت ميتا فأمرنا وأمرك إلى الله فقام الحسين ومشى 3 خطوات يسقط بين كل خطوه فلم يستطع القيام فقال: يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم وأرجعوا لأحسابكم إن كنتم عربا كما تدعون فقال له الشمر لعنة الله عليه : ما تريد يبن فاطمة قال الحسين عليه السلام : أنا أقاتلكم وأنتم تقاتلونني والنساء لا جناح عليهم فقال شمر لعنة الله عليه : دعوه نسائه واجتمعوا عليه فإنه كفؤ كريم . فجمعت زينب العيال والأطفال ووقفت في وجه الأعداء وفي وجه شمر بن ذي الجوشن لعنة الله عليه وعندما كان يحاول قتل العليل وقفت في وجه وقال: ابتعدي وإلا قتلتك ورفع السيف في وجهها فقالت: هيا افعلها ليعلم الناس أن يزيد قد جند الجند وجيش الجيوش لقتل إمرأه ذنبها أنها حفيدة محمد وهذا قليل من ما قامت به بطلت كربلاء العقيلة زينب عليها السلام.
ومما لاشك فيه ان الدور الذي اضطلعت به الحوراء زينب (ع) منذ تحرك ركب الإمام الحسين من المدينة إلى يوم واقعة ألطف، اي بعد ان قضى الحسين وأهل بيته واصحابة نحبهم قد تحول من مجرد ربة بيت (لو جاز التعبير) اي محافظة على تماسك الجبهة الداخلية وتحديداً لزمرة الحريم بحيث لا تؤثر عواطفهن على الموقف المبدئي بشكل سلبي، خاصة اذا ما علمنا ان عدد النساء في معسكر الحسين لا يستهان به، لكن ما ان أغمض الحسين (ع) جفنه حتى تحول دورها (ع) الى قائداً للثورة، نعم هي لم تحمل السلاح ولم تقاتل، ولكنها أخرجت لسانها من غمده فكان أمضى من كل سلاح، وكيف لا وهي ربيبة أمير البلاغة الإمام علي (ع)، فقد خطبت بأهل الكوفة وأهل الشام لتكشف لهم الحقيقة التي غيبها الإعلام الأموي، ثم لتقف أمام الطاغية يزيد وهي تخاطبه بكل شجاعة (وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء..) لتذكر الناس بأفعال بني أمية الجاهلية اللااخلاقية ، ثم تهدده بسوء العاقبة (وحسبك بالله حاكماً وبمحمد (ص) خصيماً وبجبرائيل ظهيراً.. بأس للظالمين بدلاً) وتختتم كلامها برباطة جأش لتصف ما جرى كما تراه بنظرتها الإيمانية، لا بمقاييس أهل الدنيا (فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا.. الحمد لله رب العالمين الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة).
ويستسلم هذا الطاغية مشدوهاً أمام القدرة الربانية التي تحملها هذه القديسة الطاهرة، بل ويقام رغماً عنه وفي شامه وفي قصره مجلس عزاء الإمام الحسين (ع)، ولم يقتصر دورها (ع) على الجانب الإعلامي بل هي من فدت بروحها حجة الله وبقية عتره رسول الله (ص)، وذلك عندما خطب الإمام زين العابدين (ع) في مجلس بن زياد إذ أمر اللعين جلاوزته بقتل الإمام (ع) فتعلقت به عمته زينب (ع) وصاحت وأسمعت الملأ (يا بن زياد حسبك من دمائنا، والله لا أفارقه، فان قتلته فاقتلني معه) واحدث هذا النداء ضجة في المجلس مما أدى بابن زياد ان يحجم عن هذا الفعل.
وكان الحضور مجدداً لمشهد التحدي من فارسة الطف زينب بنت علي عليهما السلام حين تمادى عبيد الله بن زياد في تعسّفه لما رجع من معسكره بالنخيلة فدخل قصر الإمارة ليضع رأس الحسين عليه السلام الشريف بين يديه ولينكث بالقضيب ثناياه ساعة، وقد انحازت السيدة زينب عليها السلام عن ذلك الموقف وهي متنكرة عن النساء لتوجه خطابها المهين لابن زياد وقد عرفها فقال متشمتاً، وقد أخذته العزة بالإثم: "الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم"!، وزاد ابن زياد من الكيد والشماتة في قوله للسيدة زينب عليها السلام: "كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟.
فأجابته السيدة زينب عليها السلام جواباً استحضر فيه الشاهد التاريخي مسيرة الإبلاغ الرسالي وعنوانه الأكبر في الشهادة وحضوره في الكل الإيماني الذي لا يتزلزل ولا يتحول: "ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله لهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ".
وتبلغ الشجاعة بالسيدة زينب عليها السلام في خطابها للقائل المتغطرس وهو في نشوة زهوه بالانتقام لتسمعه كلاماً لا يجرؤ غيرها عليه لتنقص من قدره بنسبته إلى أمه دون أبيه، وبتقريع المستخف بشأنه: "ثكلتك أمك يا ابن مرجانة"، ويغضب ابن زياد من كلام سيدة الطف في ذلك المحتشد وقد همّ بالفتك بها، فكان ثمة من يردعه عن ذلك من خاصته معبراً في ذلك عن موقف سلبي كان ولا يزال البعض من الناس لا يقدر فيه للمرأة منزلتها، وبأي مستوى تكون ما قد قاله عمرو بن حريص: إنها امرأة وهل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها، ولا تلام على خطأ"!.
وبمثل تلك الشجاعة التي قابلت بها السيدة زينب عليها السلام الطاغية كان التصريح لعلي بن الحسين عليهما السلام حين نازعت ابن زياد الشماتة بقتل جده الإمام علي بن أبي طالب، وأخيه الأكبر علي (عليهما السلام) فكان رده مسنداً إلى قرار الله وحكمه: "اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا".
وقد كبر على ابن زياد أن يرد عليه بمثل ذلك فأمر بضرب عنقه، فكانت الوقفة البطولية والشجاعة الفريدة للسيدة زينب عليها السلام قد أنقذته من القتل أنها قد بادرت إلى اعتناقه، قائلة لابن زياد:"حسبك يا ابن زياد من دمائنا ما سفكت، وهل أبقيت أحداً غير هذا؟، فإن أردت قتله فاقتلني معه" فكف عن ذلك فيما لم يكف علي بن الحسين عليه السلام عن تحدٍّ غريب ومثير لابن زياد وقف عنده ذلك الرجل بكل غطرسته وصلفه صاغراً أمام عظم ذلك المشهد من التحدي في موضع لا يصح فيه مثل ذلك لمن سواه.
ويكون الموقف الأكثر جرأة وإقداماً للمرأة في غمار الفاجعة ما قد حصل في حضور الرأس الشريف للأمام الحسين عليه السلام عند يزيد ابن معاوية وقد وضعه أمامه في طست من ذهب وكانت السبايا من النساء خلفه، وقد أذن للنساء أن يدخلوا في وقت أخذ فيه القضيب لينكث به ثغر الحسين عليه السلام ويقول متشفياً بنعرة من نعرات الجاهلية وقد سمعته السيدة زينب وهو يتمثل في ذلك بقول ابن الزبعرى:
ليت اشياخي ببدر شهدوا
لأهلوا واستهلوا طربا
قد قتلنا القوم من ساداتهم
لعبت هاشم بالملك فلا
لست من خندف إن لم انتقم
جزع الخزرج من وقع الأسل
ثم قالوا يا يزيد لا تشل
وعدلناه ببدر فاعتدل
خبر جاء ولا وحي نزل
من بني أحمد ما كان فعل
فانتفضت السيدة زينب عليها السلام في مجلسه مشيرة إلى وجه المأساة الدامية وفظائع الفتك التي جرت عليهم في الطف مخاطبة يزيد بذات اللهجة المتحدية ما كانت قد خاطبت بها واليه عبيد الله بن زياد، وبالنبرة القوية المفعمة بروح التحدي لكبريائه وغطرسته، وبالعبارة المهينة "يا ابن الطلقاء"، وهي كناية عمن دخل في الإسلام كرها، مزدرية فيه هتافه بأشياخه في الجاهلية، داعية عليه بالويل والثبور: "اللهم خذ لنا بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا".
ثم خاطبته بما لم يجرؤ أحد غيرها عليه، وبتلك اللهجة المتحدية لكيده، والمقللة من شأنه مذكرة إياه بما يكون من مصير الطغاة: "فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين".
وتبلغ السيدة زينب في شجاعتها إلى الغاية في استصغار شأن يزيد والاستهانة بتقريعه وتوبيخه، ومن ثم إنذاره بسخط الله ورسوله وملائكته عليه، جراء ما اجترح من الجناية بحقهم ما لم يبلغنا عن امرأة أنها قد نطقت أمام حاكم جائر مستبد بمثل ما قد نطقت به تلك المرأة المفجوعة بأهلها وذويها وبعبارات ملؤها التحدي وكبرياء الموقف، وفي تحذير صريح بالمصير المحتوم للظالمين: "ولئن جرت عليَّ الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى"، "ولئن اتخذتنا مغنماً، لتجدنّ وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، وما ربك بظلام للعبيد، وإلى الله المشتكى وعليه المعول".
وقد أحدثت خطبة السيدة زينب عليها السلام تلك دوياً واسع المدى في أرجاء دمشق، تلافاها الحاكم الأموي بمحاولة إلقاء تبعة الجريمة التي ارتكبت في الطف على عاتق واليه ابن زياد، وعمل على إخراج الإمام السجاد عليه السلام والعيال عن الشام إلى موطنهم وتمكينهم مما يريدون، وقد أمر النعمان بن بشير وجماعة معه بأن يسيروا معهم إلى موطنهم في المدينة، وقد بادر زين العابدين عليه السلام لما عرف الموافقة من يزيد إلى طلب رؤوس الشهداء كلها ليمضي بها إلى كربلاء ليلحقها بالأبدان وقد استقبلت موكب الشهادة في كربلاء جماعة من بني هاشم ورجال من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام، وقد أقاموا النواح على الحسين عليه السلام ثلاثة أيام.
السيدة طوعة بطلة الكوفة
كانت امرأة عادية ولكن الولاء لأهل البيت (ع) حوّلها إلى عنصر فعّال في مجتمع خانع انعدمت فيه الإرادة ، وصار الغدر والانقلاب على الأعقاب من أهم سماته، لقد قامت بما لم يقم به الرجال في ذلك الوقت العصيب، فاستحقت بذلك أن يخلّدها التاريخ وتنال وسام نصرة الإمام الحسين (ع) حتى صارت جزءاً من ملحمة الطف الخالدة فلا تجد كتاباً يتحدث عن ثورة الحسين (ع) إلا ويذكرها.
كانت طوعة جارية للأشعث بن قيس، وهو من أصحاب رسول الله (ص) ولكنه ارتدّ وصار خارجياً ملعوناً، وفي رواية الصدوق أنه ممن كتم شهادته في قول رسول الله (ص): ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه )، ثم أعتقها فتزوجها أسيد بن مالك وكان أيضاً من خصوم آل محمد وكانت كارهة لهذا الارتباط لأنه من أزلام السلطة الأموية ، لذا عاشت في كنفه حياة تعسة ، لكن عداء هذين الزوجين لأهل البيت (ع) لم يؤثر على ولاء هذه المرأة المؤمنة فقامت بما تخلى عنه ذوو النفوس الضعيفة ، فشعّ نورها في ظلم تلك الفترة الزمنية وكانت خاتمة أمرها شفاعة المصطفى (ص) وجواره في جنان الخلد.
مسلم في الكوفة دخل مسلم بن عقيل (ع) إلى الكوفة سفيراً عن الحسين (ع) وبايعه أهلها حتى وصل عدد من بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً، ولكن وضع الكوفة انقلب رأساً على عقب عندما دخلها عبيد الله بن زياد وقام بعدة إجراءات منها:
1- أنه أمر من عنده من الأشراف أن يشرفوا على الناس من قصره، وذلك بعد أن حاصرهم مسلم بن عقيل وجيشه، فيمنّوا أهل الطاعة بالكرامة والزيادة، ويخوفوا أهل المعصية بالحرمان والعقوبة ففعلوا ذلك، وسلّط شرطته على الناس ليحذروهم من جند الشام القادمين، وأخذ الناس يتفرقون فكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها وتقول : انصرف الناس يكفونك، ويفعل الرجال مثل ذلك، فما زال الناس ينصرفون عن مسلم حتى لم يبق معه إلا ثلاثون رجلاً فصلّى بهم صلاة المغرب، ولما خرج متوجهاً إلى باب المسجد لم يبلغه إلا ومعه منهم عشرة، ثم خرج من الباب وإذا ليس معه إنسان.
2- حذّر الناس من إيواء مسلم حيث أصدر مرسوماً جاء فيه: (برئت الذمة من رجل أصبناه في داره).
3- تخصيص جائزة ثمينة لمن يأتي به: (من أتى بمسلم بن عقيل فله عشرة آلاف درهم، والمنزلة الرفيعة من يزيد بن معاوية وله كل يوم حاجة مقضية) .
4- إلقاء القبض على جماعة من أعوان مسلم مثل المختار الثقفي، وعبد الأعلىالكلبي ، والأصبغ بن نباتة وغيرهم.
5- وضع الشرطة والحرس في سكك الكوفة وأزقتها، كما أمر شرطته بتفتيش الدور وتوعد أعوانه بالعقاب الشديد إذا استطاع مسلم الإفلات.
بقي مسلم بن عقيل (ع) وحيداً بعد تفرق الناس لا يدري إلى أين يتوجّه وإلى أي بيت يأوي، فقرر الاختباء عن أعين السلطات، فمشى وقد بلغ به التعب والإرهاق مبلغاً عظيماً بعد أحداث يوم حافل انقلبت فيه موازين القوى بسرعة لصالح ابن زياد، وبسبب كثرة المراصد التي انتشرت في أزقة الكوفة التي اجتازها بصعوبة وجهد كبيرين، حتى انتهى به المسير إلى باب بيت طوعة فكان دارها هو المأوى والملاذ.
كانت طوعة واقفة على بابها تنتظر ابنها الذي كان مع الناس، فاقترب منها مسلم (ع) وطلب منها الماء، فسقته لكنه لم ينصرف بل بقي واقفاً، لا تطاوعه نفسه أن يطلب منها الإذن بالدخول ولا يعرف مكاناً آخر ينصرف له، والشوارع مليئة بحرس السلطة، وأصحابه الخلّص كانوا في السجون، وعامة الناس قد شلّهم الخوف أو أغراهم المال فنقضوا بيعتهم، وقعدوا عن نصرة الحق، فقط إنسان واحد في مجتمع كامل كان لا يشعر بالخوف ومستعداً لنصرة هذا الوحيد وإيوائه.
طلبت منه المغادرة قائلة: يا عبد الله ألم تشرب الماء؟ فقال مسلم: بلى، فقالت له: اذهب إلى أهلك فسكت، فكررت عليه القول، فهي امرأة عفيفة ومصون تأنف من وقوف أجنبي على بابها، إلى أن قالت له: سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله واذهب إلى أهلك فإنه لا يصحُّ لك الجلوس على بابي ولا أحلّه لك ولأنه رجل مؤمن وتقي؛ فإن عبارة ( لا أحلّه لك ) قد استفزّت تقواه لذا ردّ عليها: يا أمة الله ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة فهل لك إلى أجر ومعروف؟ ولعلي مكافئك به بعد اليوم، فقالت له: وما ذاك؟ فقال لها: أنا مسلم بن عقيل لقد كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني، فقالت له: أنت مسلم؟ قال: نعم، فقالت له: ادخل على الر حب والسعة أدخلته بيتا غير الذي تكون فيه، وفرشت له، وعرضت عليه الطعام إلا إنه لم يأكل واكتفى بالماء.
ورجع ابنها الذي كانت تنتظر عودته، فلاحظ كثرة ترددها على تلك الدار، ألحَّ عليها لتخبره بسرّها، وتحت إلحاحه أخبرته بالحقيقة بعد أن أخذت عليه الأيمان الغليظة أن لا يبوح بالسر لأحد، فنام على جمر ينتظر طلوع الصباح ليفشي سراً أقسم أن لا يفشيه وانتهت وشاية هذا الغادر بمسلم وهو فوق قصر الإمارة المشؤوم، وقد ضرب عنقه الشريف، وأُلقي بجسده من فوق القصر.
السيدة طوعة بعد استشهاد مسلم، بعد استشهاد مسلم أمر ابن زياد بإلقاء القبض على السيدة طوعة وهدم دارها، فجيء بها وهي مكبلة بالحديد وأوقفوها أمامه، فلما رآها قال لها: ما الذي دعاك إلى إيواء مسلم بن عقيل؟، فقالت: كيف لا آوي ابن عم رسول الله، وسفير سيدي الإمام الحسين (ع)، فقال لها ابن زياد: هؤلاء خوارج ، فقالت له بجرأة نابعة من عمق إيمانها وولائها: إن هؤلاء أئمة الدين، وإن الخارجي هو أنت وأبوك، فقال لها: اسكتي أيتها المرأة الضالة، ثم أمر بها إلى السجن، والذي كان يغصُّ بالمئات من المواليات لأهل البيت (ع).
استمر حبسها فترة من الزمن إلى أن تدخل أحد أقاربها ممن كان من أعوان السلطة فأطلق سراحها وخرجت من السجن عليلة هزيلة الجسم ولم يمضِ وقت طويل على خروجها حتى اشتد بها المرض الذي أدّى إلى وفاتها (رضوان الله عليها)، لقد وقفت السيدة طوعة موقفاً واحداً لكنه كان موقفاً مشرفاً ينمُّ عن وعي رسالي، ووضوح في التفكير والرؤية وعمق في الإيمان والولاء لأهل البيت (ع) رغم خطورة المرحلة وشراسة العدو؛ لذا استحقت أن يخلّدها التأريخ كما خلّدهم، واقترن اسمها مع اسم بطل الكوفة مسلم بن عقيل الذي بشّرها عندما هجم عليه جلاوزة السلطة بقوله: نعم لا بد لي من الموت وأنت قد أدّيتِ ما عليك من البرِّ والإحسان، وأخذت نصيبك من شفاعة رسول الله (ص).
إنها امرأة واحدة في مجتمع كان يغص بالرجال ، لكنها حملت المسؤولية ولم تقل كما كان سواها من نساء الكوفة يقلن لرجالهن: انصرفْ الناس يكفونك، بل قامت بواجبها في نصرة الحق فأثبتت أن المواقف العظيمة والخالدة ليست حكراً على الرجال وكما قال الشاعر:
ولو كنّ النساء كمن ذكرنا لفُضّلت النساء على الرجال
فلا التأنيث باسم الشمس عيبُ ولا التذكير فخر للرجالِ
أم وهب
هي بنت نمر بن قاسط و زوجة عبد اللّه بن عمير الكلبي، وقصتها هي أن زوجها عندما رأى الناس يستعدون ويتجهَّزون بالنخيلة للذهاب إلى قتال سبط رسول الله (ص) الامام الحسين بن علي (ع) عَزَمَ على الذهاب لنصرته ومقاتلة هؤلاء الناس، قائلاً : واللّه لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً، وإني لأرجو ألاّ يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثواباً عند اللّه من ثوابه ايّاي في جهاد المشركين.
وعندما أخبر زوجته أم وهب وأعلمها بما يريد أن يفعله، قالت هذه المرأة الرشيدة والمؤمنة: أصبت، أصاب اللّه أرشد امورك، افعل وأخرجني معك، فخرج بها ليلاً حتى اتى الامام الحسين (عليه السَّلام) بكربلاء فأقاما معه، حتى صار يوم عاشوراء فلما برز يسار وسالم من جيش عمر بن سعد، قام عبد اللّه بن عمير الكلبي، فقال مخاطباً الحسين (عليه السَّلام): أبا عبد اللّه رحمك اللّه ائذن لي في الخروج اليهما.
فقال الحسين: إني لا حسبه للاقران قتّالاً، اخرج إن شئت، فخرج اليهما مرتجزاً وتقاتل معهما فقتلهما جميعاً بعد تراشق بالالفاظ . عندها أخذت ام وهب عموداً وأقبلت نحو زوجها وهي تقول له: فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد، فاقبل اليها يَرُدَّها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه وهي تقول: إني لن أدَعَك دون أن اموت معك، فناداها الحسين (عليه السَّلام) وقال: جزيتم من أهل بيت خيراً، ارجعي رحمك اللّه إلى النساء فاجلسي معهن، فإنه ليس على النساء قتال.
وعندما قتل زوجها خرجت أم وهب تمشي إليه حتى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب وهي تقول: هنيئاً لك الجنة، فقال شمر بن ذي الجوشن لعنه الله لغلام يسمى رستم : اضرب رأسها بالعمود، فضرب رأسها فشدخه فقتلت رحمها اللّه، وهي أول امرأة استشهدت في كربلاء مع الإمام الحسين (ع).
وروي أن أم وهب كانت تحث ابنها على القتال قائلة له: "قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله"، فاستأذن الحسين عليه السلام وانحدر إلى المعركة فقاتل حتى قتل جماعة ورجع إلى أمه، وقال: "أرضيتِ يا أماه"! فقالت: "لا أرضى حتى تقتل بين يدي أبي عبد الله".
فخرج من فوره وقتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً، وقطعوا يمينه فصار يقاتل بشماله فقطعوا شماله، فأخذت زوجته عموداً من حديد وانحدرت إلى المعركة تقاتل معه، ولما لم يكن له بد من إرجاعها فانه عض بأسنانه على ثيابها ليرجعها إلى الخيمة فأفلتت نفسها منه وعادت إلى الحرب، فاستغاث بالحسين عليه السلام، فقال: جزيتم من أهل بيت خيراً، ارجعي إلى النساء بارك الله فيك فانه ليس عليكن قتال"، ولم يزل بها حتى أرجعها، فوقفت تنظر ما يكون من زوجها حتى قتل، فجاءت وجعلت تخضب شعرها بدمه، وتمسح جبينها بنحره، فأمر الشمر غلاماً يقال له رستم فضربها بعمود من الحديد فصرعت إلى جنب زوجها.
وحمل جسد وهب إلى ابن سعد (قائد حملة الأعداء) فجعل ينظر إليه ويقول: "ما أشد صولتك" وأمر بقطع رأسه ورمي به إلى معسكر الحسين عليه السلام فأخذته أمه وجعلت تمسح الدم والتراب عنه وتقول: "الحمد لله الذي بيّض وجهي بشهادتك بين يدي أبي عبد الله"، ثم قالت: "الحكم لله يا أمة السوء، إن النصارى في كنائسها، واليهود في بيّعها لخير منكم"، ثم رمت برأس ولدها نحو عسكر ابن سعد، ومن عجيب الاتفاق ما ذكر من أن الرأس قد أصاب صدر قاتل وهب وقتله.
سكينة بنت الإمام الحسين (ع)
لم يتح لسكينة بنت الحسين (عليهما السّلام) ما أتيح لآل الحسين من الظهور على ساحة أحداث كربلاء ؛ لتلهب الأجواء بالخطب والبيانات، فإنّ مهمة ذلك موكول إلى الكبار من أهل هذا البيت الطاهر، فمع وجود أخيها الإمام، وعمّتها العقيلة، وأُمّ كلثوم، وأختها فاطمة فإنّ سكينة كانت في عداد الهاشميات الصغيرات، والمخدّرات اللواتي لم يتحمّلنَ مهمّة التبليغ بعد، ولم تظهر إلاّ بعد أن حطّ الآل ركبهم في المدينة، وأخذت تستذكر فيما بعد أحداث الفاجعة، لتروي لنا نتفاً ممّا علقت بها ذاكرتها من محن وأحداث.
وإذا كانت سكينة بنت الحسين (عليهما السّلام) لم تُسلّط عليها أضواء أحداث الفاجعة، يتعامل معها وجدان الأُمّة كأحد مظلومي هذا البيت الطاهر، ولم تستطع الأُمّة أن تستعرض السيّدة سكينة في ركب المظلومين من آل الحسين (عليهم السّلام)، الذين شاهدوا مصارع ذويهم الأبرار، لقد حضرت هذه العلوية الشريفة مع والدها أرض كربلاء، وشاهدت ما جرى على أبيها واخوتها وعمومتها وبقية بني هاشم وأنصارهم، وشاركت النساء مصائب السبي، والسير من كربلاء إلى الكوفة ثم الشام فالمدينة.
وعندما ذُبح أخوها عبد الله الرضيع اُذهلت سكينة، حتى أنّها لم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الحسين عليه السلام، حيث حفّت به بنات الرسالة وكرائم الوحي، وقد ظلّت في مكانها باكية، فلحظ سيّد الشهداء عليه السلام ابنته وهي بهذا الحال، فوقف عليها يكلّمها مصبّراً لها وهو يقول:
سيطول بعدي يا سكينة فـأعلمي * مـنك البكاء إذا الحِمـام دهاني
لا تحـرقي قلبـي بدمعكِ حسرةً * مـا دام منّي الروح في جثماني
فإذا قتلتُ فأنـتِ أولـى بـالذي * تـأتينه يـا خيـرة النســوان
وبعد مصرع الحسين عليه السلام ومجىء جواده إلى الخيام عارياً وسرجه خالياً، خرجت سكينة فنادت: واقتيلاه، واأبتاه، واحسناه، واحسيناه، واغربتاه، وابعد سفراه، واكربتاه، فلمّا سمع باقي الحرم خرجن فنظرن الفرس، فجعلْن يلطمن الخدود، ويقلْن: وامحمداه، وعند رحيل العيال بعد مصرع الحسين عليه السلام مرّوا على أرض المعركة ، فشاهدت سكينة جسد أبيها على الصعيد، فألقت بنفسها عليه تتزوّد من توديعه وتبثه ما اختلج في صدرها.
أم عمرو بن جنادة الأنصاري
بعد إن قتل زوجها في الحملة الأولى دفعت ولدها ليقاتل دون الحسين عليه السلام وكان شاباً وهو ابن إحدى عشرة سنة فجاء ولدها عمرو يستأذن الحسين (ع) فأبى أن يأذن له بالقتال، وقال: هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى، ولعل أمه تكره ذلك، فقال الغلام: إن أمي أمرتني، فأذن له (ع)، ثم برز وهو يرتجز:
أميري حسين ونعم الأمير سرور فؤاد البشير النذير
علي وفاطمة والداه فهل تعلمون له من نظير
فما أسرع أن قتل ورمي برأسه إلى جهة الحسين، فأخذته أمه ومسحت الدم عنه، وضربت به رجلاً قريباً منها، فمات، وعادت إلى المخيم فأخذت عموداً، وهي تقول:
أنا عجوز في النساء ضعيفة خاوية بالية نحيفـــة *** أضربكم بضربة عنيفــة دون بني فاطمة الشريفة، فردها الحسين إلى الخيمة، بعد أن أصابت بالعمود رجلين.
أم عبد الله (أو عبيد الله) بن الحسن المجتبى (ع)
وهو (غلام لم يراهق خرج من عند النساء وهو يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين)، وكان الحسين صريعاً على الأرض ؛ فإنّه من الطبيعي في مثل ذلك السن أن يكون مع أمه، وقد ذكر بعضهم كما في إبصار العين للسماوي، أنّ أمه كانت تنظر إليه، ولا أعلم هل هذه رواية أو هو استنتاج من واقع كونه صغير السن، وأنّه لا يمكن أن يكون من دون أمه.
فاطمة بنت أمير المؤمنين (ع)
وقد ورد ذكرها في أكثر من موضع، منها في الشام عندما نظر إليها الشامي وأراد أن يأخذها جارية، ولها حوار مع زينب في طريق العودة من الشام، وهي زوجة أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب الذي استشهد من أولاده محمّد في كربلاء.
حميدة بنت مسلم بن عقيل
حيث ورد ذكر لها أنّ الحسين عليه السلام لما جاءه خبر شهادة أبيها، وهو في منطقة زرود، أجلسها في حجره، ومسح على رأسها، وأخبرها بخبر أبيها، ومن الطبيعي أن تكون معها أمها.
فاطمة بنت الحسن المجتبى (ع)
هي زوجة الإمام زين العابدين وأم الباقر عليهما السلام، فإنّ الباقر وهو في سن الثالثة أو الرابعة على ما قيل لا يمكن أن يكون منفرداً عن أمه.
رقية بنت أمير المؤمنين (ع)
والتي استشهد زوجها مسلم في الكوفة بينما استشهد ابنها عبد الله في كربلاء، أصابه سهم، فأثبت يده في جبهته بعدما قتل من الأعداء عدداً كبيراً.
خديجة بنت أمير المؤمنين (ع)
زوجة عبد الرحمن بن عقيل الذي استشهد في كربلاء مع الإمام الحسين عليه السلام، ومن الطبيعي أن تكون معه زوجته في تلك الرحلة.
الرباب بنت امرئ القيس
هي زوجة الإمام الحسين عليه السلام، وأم عبد الله الرضيع، ومعها أيضاً ابنتها.
جارية لمسلم بن عوسجة
فإنّه لما قتل خرجت من خبائه جارية، وهي تنادي: وامسلماه، وا ابن عوسجتاه.
رقية بنت الإمام الحسين (ع)
التي روي أنّها توفيت في الشام.
زوجات الشهداء الذين كانوا في المعركة
يحتمل أنّ عدداً من الذين خرجوا مع الحسين عليه السلام قد اصطحبوا زوجاتهم معم، فليس طبيعيا في المجتمع العربي والمسلم أن يخرج الرجل في سفر بعيد كالذي حصل مع الحسين من المدينة إلى مكة، ومنها إلى كربلاء، ولم يكن ذلك السفر معلوماً في توقيت العودة، أو أصلها، فليس من الطبيعي أن يترك الرجل زوجته أو زوجاته، ويخرج في سفر عنهن منفرداً، خصوصاً مثل ذلك السفر الحسيني.