الإمام الحسين (ع) في الزيارات المأثورة
الشيخ جاسم الأديب
2025-07-14 02:33
كُتبت حول الإمام الحسين (عليه السلام) كثيراً من البحوث ومن زوايا متعدّدة، وساهم كل منها في بيان جانب من بحر عظمته الواسعة التي لا يبلغ الخلق ساحلها المترامي الأطراف.
وبالرغم من كثرة ما كُتب حول الإمام الحسين (عليه السلام) ووفرته إلا أنه مازال هناك مجالاً واسعاً للكتابة والبيان حوله، فالإمام الحسين (عليه السلام) فوق من أن يحدّ بمداد الأقلام، وأعظم من أن يحاط بعقول البشر المحدودة.
ومن الأبواب التي قلّ طرقها في معرفة الإمام الحسين (عليه السلام) وبيان عظمته المترامية الأطراف -رغم أهميّة ذلك الباب وامتيازه على كثير من الأبواب الأخرى التي طرقها الباحثون- هو باب الزيارات المأثورة الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، فلم أجد بحثاً مستقلاً يبيّن لنا من هو الإمام الحسين (عليه السلام) بمنظار الزيارات المأثورة الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) رغم كثرتها.
قد يُقال: هناك كثير من الأبحاث طرقت باب زيارات سيّد الشهداء (عليه السلام) وتعرّضت إلى مضامينها الرفيعة عبر العصور المختلفة.
وفي جوابه يقال: ما كُتب في شرح زيارات الإمام الحسين (عليه السلام) هو بيان لمضامين الزيارات بشكل عام وغير مختص بتعريف المولى أبي عبدالله (عليه السلام) فقط، أضف إلى ذلك هناك بعض الزيارات لم نجد لها شرحاً.
والأهم من ذلك كلّه أنّ هذا البحث يطلع القارئ على أبعاد مختلفة من الزيارات حول الإمام الحسين (عليه السلام) ويفتح له آفاقا جديدة لها مدخلية خاصة في تزويد الموالين بمعرفة من نوع آخر بأبي الأحرار (عليه السلام) الذي أُكد على زيارته عن معرفة.
لماذا هذا البحث؟
قد يتساءل البعض عن السبب في كتابة هذا البحث حول الإمام الحسين (عليه السلام) رغم كثرة البحوث التي كُتبت حوله ووفرتها وجودتها؟
وفي جواب هكذا تساؤل نقول: هناك عدّة أمور قادتني إلى كتابة هذا البحث وهي:
أولاً: أنّ هذا البحث بمثابة دعوة وتحفيز لكافة البشرية بأن تتوجه نحو الزيارات وتطرق بابها العظيم لكي تطلع على الكنوز الثمينة فيها.
ثانياً: أنّ البحث يساهم إلى حد ما في فهم الزيارات المأثورة الواردة في أهل البيت (عليهم السلام) ويُطلع القارئ على بعض مقاصدها.
ثالثاً: أنّ البحث يساهم إلى حد ما في معرفة الزائر بالمزور -أي المولى أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) - ويرفع من مستوى اطلاعه على مفردات الزيارات المأثورة.
من هو الإمام الحسين (عليه السلام)؟
عرفت الزيارات المأثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وبيّنت عظمته بأنحاء مختلفة ومن ذلك:
التعريف بالاسم، ففي أكثر من زيارة عرف الإمام باسمه ومن ذلك: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍ(1).
وفي الأخبار الشريفة أنّ الله انتخب له هذا الاسم على لسان نبيّه الأكرم (صلى الله عليه وآله)، والشواهد على ذلك كثيرة منها أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السلام) فأقرأها من الله السلام، وقال لها: يا بنيّة سمّيه الحسين فقد سمّاه الله الحسين.
فقالت: من مولاي السلام وإليه يعود السلام والسلام على جبرئيل، وهنأها النبي (صلى الله عليه وآله)(2).
وهذا الاسم كاسم نبي الله يحيى (عليه السلام) لم يسم به أحد من قبله، ففي الحديث عن عبد الخالق بن عبد ربّه، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لم يجعل الله له من قبل سميّاً الحسين بن علي (عليه السلام) لم يكن له من قبل سميّاً(3).
نسب الإمام الحسين (عليه السلام)
قبل أن نذكر الزيارات المأثورة التي تعرّضت إلى نسب الإمام الحسين (عليه السلام) ينبغي أن نجيب على تساؤل وهو: ما هو الوجه في تركيز الزيارات المأثورة على نسب الإمام الحسين (عليه السلام)؟
وفي جوابه يقال: ليس المُراد بذلك هو بيان ماهو نسب الإمام الحسين (عليه السلام)، لأنّ ذلك لا يخفى على أحد، بل المقصود بذلك هو أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) ينحدر من هكذا نسب طاهر وسلالة طيّبة لا تضاهيها سائر الأنساب ولاتبلغ من الشرف رتبتها.
وعلى كل فقد تناولت الزيارات نسب الإمام الحسين (عليه السلام) على نحوين:
النحو الأول: التعريف العام لنسبه حيث عرفته الزيارات بأنّ ينحدر من خيرة الأنساب وأطهرها ومن ذلك:
ما ورد في الزيارة الناحية: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى آبَائِكَ الطَّاهِرِين (4) .
النحو الثاني: التعريف الخاص لنسب الإمام الحسين (عليه السلام) وبيانه بالتفصيل ومن ذلك:
والد الحسين (عليه السلام)
عرّفت الزيارات المأثورة الإمام الحسين (عليه السلام) من حيث الأب تارة بالاسم، وأخرى باللقب، وتارة بالصفات، وهذا الاختلاف والتنوع في البيان والألفاظ ليس هو نوع من الترف الأدبي بل هناك مقاصد ومعاني عميقة عديدة قصدها المعصوم (عليه السلام) من هذا الاختلاف في الألفاظ والعبارات وإن اجتمعت جميعها في إثبات أبويه أميرالمؤمنين (عليه السلام) للإمام الحسين (عليه السلام).
ففي بعض الزيارات: وَأَشْهَدُ أَنَ أَبَاكَ عَلِيَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ(5).
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَابْنَ عَلِيٍ الْمُرْتَضَى(6).
وفي بعضها: السلام عليك يا ابن أميرالمؤمنين(7).
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ ابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ(8).
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ وَ ابْنَ وَلِيِّهِ (9).
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَيْكَ... وَابْنُ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ (10).
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلَايَ الشَّهِيدَ بْنَ الشَّهِيدِ (11).
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ يَعْسُوبِ الدِّينِ (12).
والدة الحسين (عليه السلام)
نصّت الزيارات المأثورة على أنّ والدة الإمام الحسين (عليه السلام) هي فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين، وهو شرف عظيم ومقام كريم له، فقد جاء في الزيارة: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (13).
وكان الإمام الحسين (عليه السلام) يعتبر أن انتسابه إلى الصديقة الزهراء (عليها السلام) شرفاً ومنزلة، ولذا كان يذكر القوم في يوم عاشوراء بذلك ويقول: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ أمي فاطمة بنت محمد؟
فقالوا: اللهم نعم (14).
الحسين ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عرّفت الزيارات المأثورة نسبة الإمام الحسين (عليه السلام) إلى جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعناوين متعددة ومنها: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ مُحَمَّد الْمُصْطَفَى (15).
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابن رَسُولِ اللَّهِ (16).
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ خَاتِمِ النَّبِيِّينَ (17).
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ (18).
وفي بعضها: كُنْتَ لِلرَّسُولِ وَلَداً (19)
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ (20).
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ بَقِيَّةِ النَّبِيِّينَ (21).
وكما ذكرنا أنّ الاختلاف في الألفاظ له مقاصده وأهدافه العظيمة، فإنّ الألفاظ المذكورة وإن كانت تجتمع في إثبات أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو جد الحسين (عليه السلام)، ولكنها تختلف في مقاصدها، فإنّ اللفظ الذي يثبت أن الحسين (عليه السلام) ابن خاتم النبيين يختلف في دلالته وإيحاءاته على اللفظ الذي يثبت أنه ابن البشير النذير، وتفصيل ذلك يوكل إلى محله.
الإمام الحسين (عليه السلام) ابن خديجة الكبرى (عليها السلام)
من الأمور التي عرّفت الزيارات المأثورة الإمام الحسين (عليه السلام) بها أنّه ابن السيّدة خديجة الكبرى، ومن ذلك: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ خَدِيجَةَ الْكُبْرَى (22).
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ خَدِيجَةَ الْكُبْرَى أُمِ الْمُؤْمِنِينَ (23).
وهذه مفخرة ما فوقها مفخرة أن ينتسب الإمام الحسين (عليه السلام) إلى السيدة خديجة أُمّ المؤمنين (عليها السلام) وزوج النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
الإمام الحسين (عليه السلام) أخو الإمام الحسن (عليه السلام)
عرّفت بها الزيارات الإمام الحسين (عليه السلام) على أنه أخ الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) وذلك بعبارات مختلفة، ومن ذلك: أَنَا يَا سَيِّدِي مُتَقَرِّبٌ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَإِلَى جَدِّكَ رَسُولِ اللَّهِ وَإِلَى أَبِيكَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلَى أَخِيكَ الْحَسَنِ (24).
وفي بعضها: وَكَذَلِكَ أَخُوكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه (25).
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَخَا الْحَسَنِ (26).
وفي بعضها: السَّلَامُ عَلَى أَخِيكَ وَشَقِيقِكَ الْحَسَنِ (27).
ومن المسلّم به أنّ من مفاخر الإمام الحسين (عليه السلام) أيضاً أنه أخ للإمام الحسن (عليه السلام) وهذا لا يحتاج إلى دليل ولكنّا نشير إلى بعض الشواهد على ذلك:
عن الإمام الحسين (عليه السلام)، قال: دخلت أنا وأخي الحسن على جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأجلسني على فخذه وأجلس أخي على فخذه الآخر وقبّلنا، وقال: بأبي وأمّي أنتما من إمامين زكيين صالحين اختاركما الله عزّ وجلّ منّي ومن أبيكما وأمكما، واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم وكلاكم في المنزلة سواء (28).
وفي يوم عاشوراء ناشد الإمام الحسين (عليه السلام) القوم بأن يعرضوا عن قتله وعرفهم بحسبه ونسبه، وكان مما قاله لهم: أتعلمون أنّ في الأرض حبيبين كانا أحبّ الى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) منّي ومن أخي، أو على ظهر الأرض ابن بنت نبيّ غيري وغير أخي الحسن؟
قالوا: لا (29).
الفرق بين الأخ والشقيق
قد يتساءل البعض عن الوجه في اختلاف تعبير الزيارات عن الإمام الحسن (عليه السلام) حيث عبّرت بعضها عنه بأخيك، وعبّر بعضها بشقيقك، فما الوجه في ذلك؟
الجواب: أنّ الأخ لغةً ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أخ شقيق وهو الأخ الذي يلتقي مع أخيه بالأبوين.
القسم الثاني: أخ غير شقيق وهو الذي يلتقي مع أخيه بأحد الأبوين.
قال في النهاية: شقيق الرجل: أخوه لأبيه وأُمّه، ويجمع على أشقّاء (30).
وفي لسان العرب: شقيق الرجل: أخوه لأمه وأبيه (31).
ولذلك فإنّ الإمام الحسن (عليه السلام) هو الأخ الشقيق للإمام الحسين (عليه السلام)، أي أنهما يجتمعان في أخوتهما من حيث الأب والأم.