الشعائر الحسينية في باكستان
محمد طاهر الصفار
2015-11-12 04:36
يرتبط تاريخ التشيع في باكستان بتاريخ التشيع في الهند لأنهما كانا دولة واحدة حتى عام (1947) وهو عام استقلالها والهند عن بريطانيا وكان يطلق عليهما (شبه القارة الهندية)، حيث دلت المصادر والآثار التاريخية على أن الشيعة هاجروا إلى هذه الأرض في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) وأغلبهم من العلويين وبعد تقسيم الهند كانت هناك هجرة جماعية للشيعة من الهند إلى باكستان وسكن أغلبهم كراتشي ومولتان ولاهور وتفرق البعض في المدن الباكستانية الأخرى.
وقد حرص الشيعة في باكستان على إقامة الشعائر الحسينية غاية الحرص فلم يكن لهذه الشعائر دور كبير في إنماء الفكر الديني لدى المسلمين وتزويدهم بالثقافة العقائدية فقط بل إنها جذبت الكثير من غير الشيعة إلى اعتناق مذهبهم والإنتماء لمدرسة أهل البيت، يقول المؤرخ الفرنسي الدكتور (جوزيف رينو) في مقال له عن المسلمين في العالم نشرته مجلة (العلم) النجفية نقلا عن جريدة (الحبل المتين) الفارسية التي كانت تصدر في الهند:
(إن العدد الكثير الذي يرى اليوم في بلاد الهند من الشيعة هو من تأثير إقامة هذه الشعائر ففرقة الشيعة حتى في زمن السلاطين الصفوية لم تسع في ترقي مذهبها بقوة السيف بل ترقت هذا الترقي المحير للعقول بقوة الكلام الذي هو أشد تأثيرا من السيف، ترقت اليوم هذه الفرقة في إداء مراسيمها المذهبية بدرجة جعلت ثلثي المسلمين يتبعونها في حركاتها، جم غفير من الهنود والفرس وسائر المذاهب أيضا شاركوهم في أعمالهم).
كما لم يقف تأثير هذه الشعائر على المسلمين من غير الشيعة فقط بل كان تأثيرها كبيرا على غير المسلمين وقد دخل بسببها الكثير إلى الإسلام كما في كراتشي حيث يسمى من يدخل الإسلام منهم (الخوجا) يقول السيد صالح الشهرستاني:
(إن في بعض المدن والمناطق الهندية أنشأ الهندوس المباني والعمارات وأوقفوها على الإمام الحسين وأطلقوا عليها اسم (الحسينية) تأسيا بالمسلمين ويقيمون فيها شعائر الحزن والأسى والمأتم وأصبح اسم الحسين لديهم من الأسماء التي يتبركون بها ويقدسونها ولا يذكرون هذا الإسم إلا بكل احترام وتعظيم وتبجيل).
ويروي السيد عبد اللطيف بن أبي طالب بن نور الدين بن نعمة الله الموسوي الشوشتري (1172 ــ 1219هـ) في كتابه (تحفة العالم) مشاهدات حية أثناء رحلته إلى الهند عن الشعائر الحسينية هناك فيقول من بعضها:
(إن العظماء والإثرياء والهنود فيها يقيمون المآتم العظيمة على الإمام الحسين في أماكنها الخاصة فإنهم فور رؤيتهم هلال شهر الأحزان يلبس الجميع لباس الحداد والحزن ويلقون جانبا الملذات ولذائذ الحياة).
ويقول السيد إبراهيم الحيدري في كتابه (تراجيديا كربلاء ص157) عن الشعائر في باكستان:
(وكانت المجالس تمتلئ في شهر محرم من المسلمين وغير المسلمين).
ويقول هوليستر: (إن عددا غير يسير من أهل السنة والهندوس يشاركون فيها ويعتقدون بها كثيرا).
ويقول الفيلسوف الألماني الدكتور (ماربين):
(وفي هذه المدة القليلة استوعبت ـ أي الشعائر ـ بلاد الهند من أولها إلى آخرها ويظهر أنها في كل يوم في زيادة).
ويأتي هذا التأثير الذي يصل إلى حد التولّه بتلك الشعائر نتيجة تقديس الباكستانيين لهذه الشعائر والتأكيد على إقامتها في شهر محرم في جميع المدن والقرى ومن أهم هذه الشعائر بعد مجالس المآتم والتعزية التي تذكر حادثة كربلاء هو تقديس (ذو الجناح) فرس الحسين فيوضع على ظهره سرج ثمين وينثر الناس عليه باقات الورود وكذلك (إمام برا) وهو علم أخضر يرمز إلى راية العباس(ع) وقد كتب عليه (يا عباس)، والشعائر الحسينية تقام في كل مدن وقرى باكستان فلا تجد قرية أو مدينة تخلو من الشيعة وقد تقصينا تلك المدن ونسبة الشيعة فيها وأبرز حسينياتهم وشعائرهم وهي:
1ـ (حيدر آباد): وهي من أكبر المدن الباكستانية فلا تخلو مدينة أو قرية فيها من الشيعة ولهم فيها العديد من المراكز والجمعيات الدينية منها مدرسة (مشارع) للعلوم الدينية و(جمعية الرسالة الحسينية) و(الجمعية الإمامية) و(الجمعية الحيدرية) و(جمعية الخوجا الإثني عشرية) وغيرها وتهتم هذه الجمعيات بالمناسبات الدينية مثل مواليد ووفيات الإئمة ولها اهتمام خاص بالمجالس والشعائر الحسينية في محرم وقد برز في هذه المدينة الكثير من الشعراء والمؤلفين باللغة الأوردية والإنكليزية.
2ـ (ديرة إسماعيل خان) وهي مدينة تقع على شاطئ نهر السند الغربي فيسكن فيها الآلاف من الشيعة وفيها مسجد جامع كبير للشيعة تقام فيه الجمعة والجماعة ومساجد أخرى متفرقة وفيها أيضا عشر حسينيات تقام فيها الشعائر الحسينية في محرم وقد برز من هذه المدينة كبار شعراء المراثي الحسينية والمدائح العلوية الذين أحيوا اللغة الملتانية وجعلوها لغة تدوين وأدب وتمتد في مقاطعة هذه المدينة على الشاطئ الغربي من نهر السند عدة بلدات منها (بلوت وكات كر وجارا وسيد علي وبهاربور ومياودا) وغيرها وكل سكانها من الشيعة وهم يحرصون على إقامة الشعائر بالذكرى الحسينية.
3ـ (سركودها) يشكل عدد الشيعة في هذه المدينة خمس سكانها فلهم فيها أربعة مساجد أكبرها مسجد (القائم) الذي بناه السيد أبو الحسن البخاري عام (1961) وألحق به حسينية لإقامة الشعائر الحسينية ولهم أيضا خمس حسينيات تقام فيها الشعائر ومؤسسة علمية دينية أسسها الشيخ محمد حسين عام (1949) وهي تدرس بنفس المنهاج العلمي الذي يدرس في النجف الأشرف كما تعمل هذه المؤسسة على إرسال طلابها إلى النجف وتتكفل نفقتهم ومؤونتهم وحاجاتهم.
4ـ (سيالكوت) تعد هذه المدينة من أقدم المدن في باكستان فقد كانت عامرة عندما غزا الإسكندر المقدوني الهند سنة (320) قبل الميلاد والتشيع فيها يعود إلى القرن الثاني الهجري ويروي سكان المدينة أن رجلا من الشيعة جاء إلى سيالكوت وكان له دور في التبليغ والإرشاد ونشر فكر أهل البيت وإقامة الشعائر الحسينية وهذا الرجل اسمه محمد عبد الله الذي أنشأ في المدينة معملا لقطع الأخشاب (منشرة) عام (1880) وبعد بضعة أيام من إقامته في المدينة أصبحت تلك (المنشرة) مركزا للتبليغ والإرشاد الديني وصارت الناس تتهافت على المعمل للإستماع إليه، وفي عام (1915) خرجت المواكب الحسينية من منشرة محمد عبد الله لأول مرة في سيالكوت ثم أنشئت حسينية كبرى في المدينة عام (1925) وفيها مسجد كبير تقام فيه الجمعة والجماعة.
5ـ (شيكر) يشكل الشيعة أغلبية في هذه المدينة وقد شيدوا فيها العديد من المساجد والمدارس الدينية والحسينيات ويطلقون على الحسينية اسم (مأتم سرا) ولغتهم ممزوجة من الأوردية والبلتستانية.
6ـ (كراتشي) تعتبر هذه المدينة أعظم المدن وأكبرها وأكثرها كثافة بالسكان في باكستان ويسكن فيها الكثير من الشيعة ويشكلون فيها نسبة كبيرة من السكان وكانت هذه المدينة هي العاصمة عندما أنشئت باكستان عام (1960) ثم انتقلت إلى إسلام آباد ومن أحياء الشيعة القديمة فيها حي (كرادر) وهو في الأصل يقطنه الأغاخانية وهم من أصل هندوسي فتحول معظمهم إلى الجعفرية وبه بنى الشيعة مسجد وحسينية وكل من أسلم من الأغاخانية يطلق عليه لقب (الخوجا) ويظل هذا اللقب يطلق على أبنائه وأحفاده حتى أصبح يطلق على هذا الحي (حي الشيعة الخوجا)، ويحرص شيعة كراتشي على إقامة الإحتفالات بالمناسبات الدينية وخاصة في محرم ويوم مولد الإمام علي بن أبي طالب(ع) الذي يسمونه (يوم علي) فيقيمون فيه احتفالا كبيرا ومهيبا ثم أصبحت كراتشي أكبر مركز للشيعة في باكستان بعد تقسيم الهند حيث هاجر إليها شيعة الهند وأقاموا فيها وأنشأوا أحياء كبرى لهم منها (رضوية وكوليمار والفردوس) وسكان هذه الأحياء كلهم من الشيعة، إضافة إلى توجدهم بكثرة في أحياء كثيرة منها (ناظم آباد ولياقت آباد وبحش وحيدر آباد ومحمود آباد وحي محمد علي وبهادر وبنكلور وبهار والسادات وسعود آباد وشارع دريغ وملير وحسين آباد ومحمد آباد ولاني وكورنغي وحي الموظفين الحكومي التعاوني) وغيرها ولهم في كل هذه الأحياء مساجد وجمعيات وحسينيات تقام فيها الشعائر الحسينية.
7ـ (كشمير) تقع هذه المدينة بين جمهوريتي الهند وباكستان أما الحديث عن الشيعة فيها فنتركه للقاضي نور الله التستري (956 ــ 1019) حيث يقول في كتابه (مجالس المؤمنين): (لم أجد شرح مذاهب أهل كشمير في كتاب والذي حققته أيام عبوري بتلك الديار هو أن أهلها قريبو عهد بالإسلام وإلى الآن بينهم كثير من غير المسلمين ومن زمان إقامة السيد الأجل العارف محمد الخلف الصدق لسيد المتألهين السيد علي الهمذاني في تلك الديار قال بعض أهلها بمذهب الشيعة، وبعد ذلك جاء إلى كشمير المير شمس العراقي الذي هو من خلفاء شاه قاسم نور بخش وأقام هناك وحيث أن حكومة تلك البلاد كانت للطائفة المعروفة (جك ترم كام) اهتمت بتقوية السيد المذكور فانتشر مذهب الشيعة تدريجيا وأكثر عساكر تلك البلاد مثل طائفة (ونه) وطائفة (هكربان) وطائفة (رانكر) هم شيعة ومن أهل المدينة الساكنين محلة حسن آباد ومحلة زدبيل التي فيها مير شمس العراقي كلهم شيعة وهكذا أولاد علي الذين هم من خلفاء مير شمس ومريديه وهم جمع كثير كلهم شيعة، ومن القصبات هناك قصبة شهاب الدين كلهم شيعة فدائية و(بشوكة) المشتملة على مائتي قرية كلها شيعة مع قرى متفرقة أخرى أهلها شيعة).
ونكتفي بهذا القدر من كلام التستري بعد أن أوضح لنا الكثير من الأمور المهمة فنجد في قوله (لم أجد شرح مذاهب أهل كشمير) ما يدل على أنهم لم يعرفوا مذهبا قبل التشيع وهو المذهب البكر الذي دخل أرضهم وأن الشيعة يشكلون عماد هذه المدينة.
8ـ (لاهور) تعد هذه المدينة القريبة من الحدود الهندية مركز الثقافة الدينية الشيعية في الباكستان فقد قطنها الشيعة منذ العصر الإسلامي الأول ورغم العهد الدموي الذي مر به الشيعة من قبل محمود الغزنوي الذي عرف بنزعته المذهبية المتطرفة وسياسة الإضطهاد التي مارسها عليهم هو ومن جاء بعده من الغزنويين حيث حاربوهم وحاربوا مؤسساتهم وعقائدهم، إلا أن التشيع بقي ثابتا في النفوس حيث اخذ بالإنتشار والإنتعاش بعد سقوط الدولة الغزنوية وظهر الفكر الشيعي أكثر من ذي قبل فلم يجد الملك (محمد أكبر) أكفأ وأتقى وأعلم من العالم الشيعي فتح الله الشيرازي ليعينه مستشاره الشرعي الأول، كما لم يجد أورع من السيد نور الله التستري للقضاء فازدهرت لاهور وسادت الحرية والعدالة الإجتماعية واستطاع الشيعة أن ينشئوا الحسينيات ويقيموا الشعائر الحسينية حتى اشترك معهم في إقامة هذه الشعائر من غير الشيعة فكان (أستاذ تاج) هو أول من أسس مأتما حسينيا من غير الشيعة كما يذكر ذلك الأستاذ (جفتاي)، وتزخر لاهور بالعديد من الجمعيات الشيعية التي تعددت خدماتها ليس للشيعة فقط بل للمسلمين عامة مثل إقامة المآتم وكفالة شؤون الأموات، وهناك أيضا مؤسسة شيعية إسمها (الرباط الحيدري) أسست سنة (1927) لتكون مقام استراحة مجانية للقاصدين إلى الحج أو في طريقهم إلى العراق أو الحجاز كما تقام في هذه المؤسسة الشعائر الحسينية في شهر محرم ومن المؤسسات الثقافية الشيعية في لاهور أيضا (إمامية منشن) و(معارف إسلام) و(جامعة المنتظر) و(جامعة إمامية) و(حسينية هائي سكول) و(قراءة كالج) و(تجويد كالج) وغيرها.
9ـ (ملتان) توجد في هذه المدينة التي يشكل الشيعة فيها أكثر من ثلاثين بالمائة من مجموع السكان أقدم حسينية في العالم حيث يعود تاريخها إلى عصر السلطان ناصر الدين محمد همايون (1508 ــ 1556) وقد جدد بناؤها عام (1293) كما توجد مدرسة (باب العلوم) التي أسسها (حسين بخش) وأوقف لها أوقافا دائمة ولم يحافظ أولاده على هذه الأوقاف فقط بل زادوا في اوقافها ففيها الطعام واللباس والكتب توزع مجانا وفي ملتان أسر علوية كثيرة أشهرها (آل كرديزي) وهي من أقدم الأسر ومن حملة لواء التشيع إلى تلك البلاد.
10ـ (مظفركر) تعد هذه المدينة التي تقع بين نهري السند وجناب أقدم المدن الباكستانية في التشيع حيث كانت أول منطقة يصلها المهاجرون العلويون ويتجمع فيها عشرات الآلاف من الشيعة وكان للتشيع الفضل الكبير في إحياء لغتها الملتانية ومنها برز الكثير من شعراء المراثي الحسينية.
11ـ (باراشنار) امتاز أهل هذه المدينة بالفروسية والشجاعة ويشكل فيها الشيعة نسبة (95%) من مجموع السكان وفي هذه المدينة توجد حسينية كبيرة جدا تحمل اسمها تقام فيها المناسبات الدينية وخاصة في شهر محرم كما تنتشر الحسينيات في مناطقها المتعددة.
12ـ (بيشاور) تشتهر هذه المدينة بمعالمها الأثرية والتاريخية ويشكل الشيعة فيها غالبية عظمى وتوجد فيها (35) حسينية مابين صغيرة وكبيرة أكبرها حسينية (حسين آباد) التي تتسع لخمسة آلاف شخص.