عاشوراء في أوروبا.. طقوس وقيم تفرض احترامها على العالم
دلال العكيلي
2015-10-17 08:54
يحرص المسلمون في أنحاء العالم على مراسيم عاشوراء التي تجسّدها مواكب شعبية، وفعاليات خيرية، ومجالس دينية، وقد باتت ظاهرة سنوية في الكثير من المدن الأوروبية، يشترك فيها حتى غير المسلمين، ويتآلف عندها أبناء الطوائف والمذاهب المختلفة، لتشكيل حلقه متجانسة من التفاهم والتسامح معبرة عن القيم الأخلاقية والإنسانية التي تفرض احترامها على العالم.
ليس عبر الفعاليات الاحتفالية الخالصة بمناسبة واقعة ألطف، التي استشهد فيها حفيد رسول الله (ص) أبا عبد الله الحسين (ع) في أرض كربلاء، بل عبر ما يرافقها من فعاليات اجتماعية كإطعام الفقراء، والتكافل الاجتماعي، والحوارات البناءة، فضلا عن الجوانب الثقافية والإعلامية في صور من الخطابة والشعر وإقامة الماراثونات والمواكب الراجلة، وفعاليات يحرص الجميع على متابعتها وفهمها لزيادة الوعي وتحصين الذات.
إن "مجالس عاشوراء المشتركة أثبتت جدارتها كظاهرة أوروبية بارزة قائمة على التسامح وعدم إلغاء الآخر بل مشاركته والانسجام معه"، مؤكداً أن "اغلب المواكب الحسينية في أوروبا باتت معلماً حضارياً يتطلّع إلى مشاهدته وفهم أبعاده الكثير من الأوربيين" المواكب الدينية في عاشوراء في أوروبا، أكثر تنظيماً وتعبيراً عن الحدث مقارنة بالكثير من المواكب الدينية في دول أخرى.
بريطانيا
ففي لندن، تقوم المراكز الإسلامية والجوامع والحسينيات كل عام، برعاية تجمعات المسلمين الضخمة في عاشوراء، حيث تقام مجالس العزاء والمواكب الحسينية لاسيما في "مآربل أرتش" في "الهايد بارك" في العاصمة لندن، تشارك فيها الجالية العراقية إلى جانب الجاليات العربية والإسلامية في المملكة المتحدة، من لبنان والبحرين والسعودية وسوريا وإيران وباكستان وأفغانستان وتركيا والهند، كما يشترك فيها موطنون انكليز وأوروبيون من أديان ومذاهب مختلفة، وتطوف في شوارع المنطقة المسيرات التي تحمل الشعارات المكتوبة، والأعلام والرايات السود والحمر والخضر، فضلا عن الرموز الدينية الدالة على معركة ألطف.
واعتاد المسلمون في بريطانيا، على إقامة مجالس عاشوراء كل عام، في مساجد مهيأة لاستقبال المناسبة منذ فترة، وتنطلق في الغالب المواكب الحسينية باتجاه وسط لندن مروراً بمنطقة "ادجور رود" إلى أن تنتهي عند "ماربل ارتش" في منطقة "هايد بارك".
ويعد الإسلام في المملكة المتحدة ثاني أكبر ديانة، و يتزايد المسلمون فيها بشكل ملحوظ، إذ يصل عدد المسلمين إلى أكثر من مليوني شخص، ويوجد في بريطانيا أكثر من 1500 مسجد ومصلى موزعة بين أنحاء البلاد.
وفي ظاهرة متميّزة، حملت باصات الركّاب الانكليزية الحمراء، يافطات وملصقات إعلانية تحمل شعار "لبيك يا حسين" و"اليوم العاشر" و"يوم وقف الحسين لأجل حقوقك"، حيث مُوّلت بأموال جمعها المسلمون بالتبرعات في هذه المناسبة، كما شرعت فعاليات إسلامية في حملة ترويجية لتفسير قصة عاشورا باللغة الانجليزية، حيث أسهمت كثيراً في توضيح معنى اليوم العاشر ورموز عاشوراء، ونشر الثقافة الإسلامية.
المانيا
في ألمانيا ينظّم مركز "الحسنين" في برلين احتفالات سنوية في ذكرى عاشوراء في مجالس عزاء حسينية، بحضور عدد غفير من المسلمين، وأيضا يجتمع المسلمون في هانوفر، عاصمة ولاية ساكسونيا السفلى إحدى ولايات ألمانيا، وإحدى أكبر مدن البلاد، لإحياء مراسيم عاشوراء عبر تلاوة آيات من القرآن الكريم، والقصائد الشعرية في المناسبة وتنظيم موائد الأكل للمدعوين، إضافة إلى حملات التبرعات للمعوزين والمحتاجين، وتمويل الفعاليات الدينية والاجتماعية.
حيث أن عاشوراء أصبح فرصة يجتمع عندها أبناء الشعوب المقيمين في ألمانيا، فتجد العراقي إلى جانب التركي والإيراني والمصري والألماني والمغربي، يؤدون جميعهم ذات الطقوس ويتبادلون ثقافات الاحتفال المختلفة من شعب إلى آخر.
السويد
عملت الجمعيّات الدينية، والمراكز الإسلامية في مدينة كريستيان ستاد السويدية، على الاحتفال الموحد في عاشوراء، ويقوم المغتربون المسلمون كل عام برفع الرايات السود والخضر في الأماكن التي ينظم فيها العزاء الحسيني.
من الجدير بالذكر أنّ أول آذان رُفِع في السويد كان في 26/4/2013، من جامع في منطقة "فيتيا" جنوب ستوكهولم. ويقدّر عدد المهاجرين المسلمين بنحو ثلاثمائة ألف مسلم، أي بنسبة 3 بالمائة من سكان السويد.
الدنمارك
أما في الدنمارك، حيث تمكّنت الجاليات الإسلامية من الحصول على موافقة السلطات لبناء مسجد "الإمام علي"، بقبة زرقاء ومئذنتين، يتجمع العراقيون ومعهم أبناء الجاليات الأخرى لتنظيم مراسيم عاشوراء، الذي أضحى ليس احتفالية دينية فحسب، بل مناسبة اجتماعية وثقافية يلتقي فيها الآباء الذين يحرصون على تواصل الأبناء من الأجيال الجديدة، مع دينهم وثقافتهم ولغتهم الأم.
النرويج
أما النرويج، فان التعريف بقضية الإمام الحسين وصل إلى مراحل متقدمة، فبالإضافة إلى المجالس الحسينية التي يحرص البعض من غير المسلمين إلى دراسة معانيها، نجحت الجالية العراقية المسلمة في إقناع السلطات بإضافة منهج دراسي يعرّف بالإسلام، حيث تَقرّر لطلاب مرحلة الرابع الابتدائي دروس في حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، في فصل مستقل بعنوان (ثورة الحسين).
واعتاد المسلمون في النرويج، إضافة إلى ذلك، على أعداد برامج دينية تتضمن محاضرات ودروسا في اللغة والدين وتفسير القرآن وتلاوته.
بلجيكا
في مسجد الإمام الرضا في العاصمة البلجيكية، يجتمع سنوياً المئات من المسلمين لإحياء مراسيم عاشوراء الحسين، وتبدأ المراسيم منذ الأول من محرم، حيث يتشح المكان بالسواد ورايات الحسين والشعارات الدينية حول معركة ألطف إضافة إلى آيات من القرآن الكريم.
وتزيّن جدران المسجد، السجاد الذي رسمت عليه مكة المكرمة والآيات القرآنية، في حين يكلّل المنبر الحسيني بالسواد، ويُزيّن المكان بالأعلام والرايات.
هولندا
في المدن الهولندية التي تتواجد فيها أعداد كبيرة من الجاليات العراقية المسلمة، صار احتفال عاشوراء تقليداً سنوياً يمارسه المئات من المسلمين, ففي مدينة لاهاي تُنظّم المسيرات والاحتفالات الأكبر بالمناسبة يقصدها المسلمون من مختلف أنحاء هولندا, والى جانب ذلك، تقام في مثل هذه المناسبات، الدروس الدينية، إضافة إلى حملات التبرع بالدم.
واعتادت مدينة لاهاي على استقبال المواكب الحسينية التي تمثل مدنا ومقاطعات مختلفة، حيث تشترك مؤسسة الكوثر الثقافية في مدينة لاهاي، والجمعية الثقافية في مدينة دوردرخت، إضافة إلى جمعيات اجتماعية ودينية، في تأمين سير احتفالات عاشوراء على أحسن ما يرام.
وفي مدينة ايندهوفن في الجنوب الهولندي، اعتادت هيأة الصادق إحياء ذكرى عاشوراء وتعظيم الشعائر الإسلامية في شهر محرم الحرام عبر جلسات دينية يومية، تتضمن تلاوة القرآن الكريم، ومحاضرات دينية باللغتين العربية والهولندية، ومجالس تعزية يومية.
فنلندا
في فنلندا، لا تُفوّت الجالية المسلمة بمشاركة أبناء الجاليات الأخرى، فرصة حلول شهر محرّم الحرام ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)، فتحتفل في مركز وحسينية "أصحاب الكساء" عبر إعداد برنامج عاشوراء الذي يبدأ من الليلة الأولى من شهر محرم الحرام، ويستمر حتى صباح يوم العاشر من المحرم، حيث تشهد المجالس الدينية اليومية تلاوة آي من الكتاب العزيز، وقراءة زيارة عاشوراء، ومحاضرات إسلامية و مراثٍ حسينية.
وفي الكثير من دول العالم، توجد جاليات مسلمة، تتّشح المناطق التي يعيش فيها المسلمون بالسواد، وتقام المواكب الدينية ومجالس العزاء، وتلاوة القرآن الكريم في ذكرى عاشوراء، كما يخرج المئات لإحياء الذكرى ويرتدي المشاركون من الأطفال الرضع والصبيان والنساء والرجال والشيوخ، الملابس السوداء لاستذكار واقعة ألطف.
علما ان عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم في التقويم الهجري ويسمى عند المسلمين بيوم عاشوراء، ويصادف اليوم الذي استشهد فيه الإمام الحسين بن علي (ع) حفيد النبي محمد( ص) في معركة كربلاء، كما وقعت في اليوم نفسه، العديد من الأحداث التاريخية الأخرى، ويعد يوم عاشوراء عطلة رسمية في بعض الدول مثل إيران، باكستان، لبنان، البحرين، الهند، والعراق إن عاشوراء فرصة تاريخية يجب أن تُستثمر للتعبير عن وحدة المذهب والدين وأن الحسين (ع) لم يكن حصّة طائفة معينة، بل للمسلمين والإنسانية كافة.