الامام الحسين والنهوض الإنساني العظيم

باسم حسين الزيدي

2022-08-10 06:26

عندما يلتقي معسكر الخير كله، ضد معسكر الشر كله، في يوم من الايام، لتدور رحى معركة مصيرية يحدد من خلالها مسار الإنسانية ومستقبل اجياله، لوضع الحد الفاصل بين الحق والباطل، والحرية والاستعباد، والحياة والموت، فاعلم انه اليوم الموعود لنصرة الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) الذي خرج ليمثل الإنسانية في يوم نهوضها العظيم ضد كل قيم الشر والاستبداد والعنف والتخلف والجهل في العاشر من محرم الحرام.

"كانت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وستبقى نبراساً لسائر النهضات التحررية في العالم ضد الظالمين، فقد كانت وستبقى النهوض الإنساني العظيم الذي هز عرش الطغاة المستبدين، كما وإن واقعة كربلاء قد مهدت الطريق أمام الثورات الأخرى وهيأت الأسباب لقلع جذور دولة بني أمية وبني العباس وغيرهم، وعلمتهم النضال ضد الحكام المستبدين والاستقامة في مجاهدتهم حتى يعيشوا في ظل جهادهم الحياة الحرة الكريمة، ويمكن الوقوف على هذه الحقائق من خلال مراجعة التاريخ".

ان التفاعل الإنساني العالمي مع نهضة الامام الحسين (عليه السلام) منذ لحظة انطلاقها سنة (61) ه وحتى وقتنا الحاضر (1444) ه، يعطي دلالة واضحة على ان ما جرى في كربلاء يتعدى حدود الزمان والمكان، ليحول عاشوراء الامام الحسين (عليه السلام) وما جرى في واقعة الطف الأليمة بكل تفاصيلها الى ثقافة تقوم على الفطرة الإنسانية السليمة في رفض الظلم والاستبداد والاستعباد والذل والمهانة، وتطالب بعدم سلب حرية الانسان وامتهان كرامته وضياع حقوقه من اجل منصب او مال او جاه او مكسب دنيوي زائل، "ما زالت كربلاء نبراساً للمجاهدين والأحرار، وسراجاً للأمم والشعوب".

يوضح المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي هذا المعنى في قوله: "إن سيد الشهداء الإمام الحسين (سلام الله عليه) عبر نهضته المباركة دل الأجيال على الطريق، وأوضح عن السبيل لعلاج مشاكل المجتمع، والحصول على سعادة الدنيا وكرامة الآخرة"، لان "عاشوراء" بدلالاتها المادية والمعنوية تحولت الى قوة جاذبة نحو التغيير والقدرة على العطاء اللامحدود في زمن فقدت فيه الإنسانية بوصلتها نحو الخير، وقد تحولت الى:

1. موسم العطاء الرباني

2. موسم الفضيلة والتقوى والأخلاق

3. موسم العلم والمعرفة

4. رمز لانتصار مبادئ الحق على جيوش الضلال

ويرى الامام الشيرازي (رحمه الله)، ان هذا التحول الإنساني الفطري في يوم النهوض العظيم، سيكون بمثابة اعلان الحرب ضد الطواغيت والمستبدين أينما كانوا، وبالتالي ستكون المواجهة حتمية، مثلما وقعت الواقعة بين الامام الحسين (عليه السلام) وطواغيت عصره، وسيسعى هؤلاء، خوفً على مناصبهم، الى استخدام كل الوسائل والقدرة التي يملكونها في تحويل مسار هذا الطوفان القادر على اقتلاعهم من جذورهم وانهاء استبدادهم وتسلطهم الى الابد، او تحريفه عن وجهته او محاربة بصورة مباشرة: "عشرة عاشوراء كالمطر، فقد يحول العصاة والطغاة هذه المناسبة الدينية إلى نقيض أهدافها المثالية، وذلك حينما تستغل لقتل الناس الأبرياء، وحرق المساجد والحسينيات والمؤسسات، والاعتداء على المواكب العزائية، وتكريس الفرقة والاختلاف".

لذلك ما زال يوم عاشوراء وما جرى فيه من احداث، هو الفيصل والصراط الواضح بين طريق الخير والحق امام دهاليز الشر والباطل والمكر والخداع، وكيف يمكن للإنسان ان ينتصر مهما كان يعاني من قلة الناصر او الخذلان، ما دام ذو همة عالية، ونفس كبيرة، وعطاء غير محدود، وايمان واستقامة، وهذه المسؤولية تقع على عاتق الجميع في رفع راية الاحرار وشعلة كربلاء في يوم عاشوراء والاستقامة في طريق الامام الحسين (عليه السلام) الذي اختاره لإسعاد البشرية وحفظ كرامتها ومنع استغلال الانسان وسلب كرامته وحريته واستعباده من قبل طواغيت العصر.

ومن اهم الواجبات التي يمكن من خلالها الاستمرار بالتفاعل مع هذه النهضة الإنسانية العظيمة:

1. "أن نصب اهتمامنا لإحياء كربلاء ماديا ومعنويا، وأن نكثر الاستفادة من هذا السراج الوهاج، الذي ينير الدرب لكل من يطلب السعادة في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة".

2. "يلزم الاستفادة من ذكرى عاشوراء لتوطيد الإيمان والفضيلة والتقوى والمثل الأخلاقية الرفيعة في المسلمين، وتوسعة دائرتها، وتوطيد وجودها".

3. "واجبنا اليوم هو أن نتعرف على عظمة شخصية سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، وعلى أهداف نهضته المباركة".

4. "نسعى للعمل بكل قوانين الحياة التي أتى بها جده رسول الله (صلى الله عليه واله) وبينها أهل بيته (عليهم السلام) ورعاها هو (عليه السلام) بشهادته وسقاها بدمه الطاهر ثم نعرض صورتها وصورة الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)، بجمالها اللائق ونورها المتألق إلى العالم كله".

5. "يلزم علينا أن نتعلم من يوم عاشوراء درساً في إحياء الحريات الصحيحة، وإزالة المفاسد الاجتماعية، وإلا فإن الشخص الذي يكتفي فقط بالشعائر المقدسة المعروفة، ولا يعمل ببقية دروس عاشوراء، مثله كمثل المريض الذي يقرأ وصفة الطبيب المعالج ولا يعمل إلا ببعضها، وبذلك فإنه لا ينتفع بالشكل المطلوب".

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2022
http://shrsc.com

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي