المجتمع العاطفي ونهضة الإمام الحسين

تجربة التعامل مع الشهيد مسلم بن عقيل

علي ال غراش

2022-08-04 08:01

قضية الإمام الحسين -عليه السلام- تقدم لنا الدروس والعبر في فنون التعامل مع الظروف والتغيرات السياسية، والتعامل مع القيادة ومع المصلح والثائر والتضحية ونصرة الحق وحماية والدفاع عن القائد والكوادر التي تعمل مع القائد وصناعة الشخصية وبناء المجتمع الواعي المتمسك بالحق وانتزاع حقوقه والوقوف والتضحية الذوبان مع القائد. وعدم الاكتفاء بالمحبة والتعاطف القلبي فقط.

فالحب العاطفي بدون عمل وتضامن وتضحية لا قيمة له بل هو وباء كما حدث مع المجتمعات التي تدعي محبة الحسين (ع) وانها تقف معه، وأرسلت الرسائل للإمام تتعهد بنصرته وهذه المبادرة جيدة ولكنها تفتقد المقومات؛ كالوعي والاستعداد لتقديم التضحيات وتحمل المسؤولية والتحديات...

هذا المجتمع انكشف وسقط وتحول إلى أداة ضد مشروع الإمام الحسين (ع) والبداية اتضحت عندما ارسل الإمام الحسين (ع) ممثلا عنه وهو مسلم ابن عقيل ليكون قائدا.

عندما وصل مسلم بصفة رسول الحسين إلى الناس استقبلوه استقبال المحبين والمتلهفين وتسابقوا للتقرب منه وخدمته، ولكن عندما تم إرهابهم وتهديدهم، وشعروا بأن الوقوف بجانب الرسولي الحسيني القائظ مسلم بن عقيل، يعني تقديم التضحيات؛ ابتعدوا عنه، لأن هناك أبواق تنشر التهديد أصوات انهزامية تؤثر على النفوس العاطفية الضعيفة غير الواعية بأهمية العزة والكرامة والتضحية. ولأنه مجتمع عاطفي يتأثر كثيرا بالكلام والمواقف العاطفية المحبطة.

مثل السلطة الحاكمة سوف تستخدم جيشا كبيرا لا يرحم باستخدام أحدث الأسلحة الفتاكة وأنها سوف تعتقل وتعذب وتقتل الصغار والشباب والشيوخ وسوف تأخذ النساء سبايا وسوف تحول البلاد إلى ساحة للفوضى والدمار ومحرقة وستمنع الماء والأكل والكهرباء أي كافة الخدمات.

ولأن المرأة أكثر عاطفية من الرجل بطبيعتها لقد حاولت الأنظمة الظالمة المفسدة للعب والتأثير على المرأة والأب والأسرة.

حيث تقوم المرأة بمنع زوجها ويقوم الأولاد بمنع والدهم ويمنع الزوج أولاده ويمنع زوجته وينتشر الكلام والتساؤلات المحبطة التي تحطم الروح وتفشي ثقافة الانهزامية باسم المحافظة على الأرواح والاعتداء والفوضى مثل:

لماذا ترمي بنفسك للتهلكة لماذا تعرض عائلتك للضياع؟.

ما دخلك بنصرة الثائر هناك الملايين غيرك، اذا انت لم تنصره فهناك الملايين سينصروه..؟.

والنهاية أن هذا المجتمع سيكون ضعيفاً ولا تحتاج السلطة لإستخدام الجيوش ضده بل هو سيكون في خدمة السلطة ليقوم بمنع أي عمل ضد السلطة ومراقبة المجتمع والتجسس لصالح الحكومة للحصول على المال أو بحجة الأمن والأمان ثم يصبح هذا المجتمع المتخاذل أداة وسيف وبندقية لصالح السلطة ضد القائد الثائر وضد الثوار والمصلحين.

ويتسابق أفراد هذا المجتمع للعمل لخدمة السلطة لدرجة الانقلاب ضد من كان يحبهم بالأمس وهو حب كاذب لدرجة رفع السيوف ضد القائد رغم أن قلوبهم العاطفية معه.. كما حدث للقائد رسول الإمام الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل حيث تخلى عنه معظم أفراد المجتمع بعد اعتقال من يملك الحب الحقيقي والوعي والاستعداد للتضحية، وعندما أعلنت الحكومة اعتقال ومحاربة القائد شارك أفراد المجتمع ضد قائدهم بالأمس ليكونوا أصحاب مناصب وفي أمان.. فقام ذلك المجتمع بأبشع الأدوار بالمشاركة بالسيوف والأحجار ورمي النار على القائد والرسول مسلم بن عقيل وبعد اعتقاله قتل بقطع رأسه ورمي جسده من أعلى القصر والناس تنظر وكأنها تقول الحمد لله نحن إحياء والا لكنا مثله، ولاثبات انهم ضد المقتول المظلوم قاموا بسحل جثته في الطرق والازقة ونشر الشائعات ضده عبر من كانوا بالأمس معه!!.

وعندما التقى الإمام الحسين -عليه السلام بالفرزدق في الطريق عند سفر الإمام للكوفة سأله عن أوضاع الناس هناك في الكوفة فقال له : "قلوبهم معك وسيفوفهم عليك". وأخبره بما حدث لرسوله البطل الشهيد مسلم بن عقيل رضوان الله عليه.

القلوب والعاطفة مع القائد المصلح الثائر الإمام الحسين -عليه السلام- ومع رسوله الشخصي مسلم بن عقيل ع ولكن هذا الميل القلبي والعاطفي لم يمنع أصحاب القلوب من الانقلاب على الإمام الحسين وعلى مشروعه ورفع السيوف ضده.. بعد قيام السلطة باعتقال والتنكيل بالذين يحملون الوعي الرسالي والحب الحقيقي الذي يعني الذوبان مع المحبوب والتضحية بالروح والاستعداد للتضحية بكل شيء من أجله حيث قامت بإعدام هاني بن عروة وهو شخصية اجتماعية وشيخ قبيلة وغيره واعتقال شخصيات كبيرة مثل المختار الثقفي وسلمان بن صرد.. وغيرهم مما بث الخوف والرعب في نفوس المجتمع وقد نجحت السلطة في أحداث إنقلاب في المجتمع ليكون عميلا ومرتزقا للسلطة الحاكمة التي زرعت الخوف والانهزام والتخاذل إلى درجة الذل العار بل لدرجة ارتكب المحارم كالقتل!!.

وكل ذلك بسبب عدم الوعي والنضوج، وهذا يحدث لغاية اليوم من قبل الكثير من الشعوب ومنها المجتمعات التي تدعي محبة الإمام الحسين وتكرر قول يا ليتنا كنا معكم لنفوز فوزا عظيما وتبكي بحرقة وحتما هولاء قلوبهم وعاطفتهم مع الإمام الحسين (ع).

ولكنهم هل هم على الاستعداد للتضحية على طريق الإمام الحسين عليه السلام؟.

هل هم على استعداد لمواجهة من يرتكب الظلم والجور والاستبداد والفساد والقتل بحق الأبرياء ويمارس الترهيب والتخويف والتهديد بكل من يحيي ذكرى ثورة الإمام الحسين ويرفع شعار الحسين ويردد أقوال الإمام مثل "هيهات منا الذلة" و "لا اعطيكم إعطاء الذليل"..؟.

لغاية اليوم يوجد حكومات تحاول محاربة مجالس ذكر الحسين، ومنع رفع راية الحسين، والهتاف بـ "لبيك يا حسين" و "هيهات منا الذلة" وغير ذلك!!.

السلام على رسول الحسين القائد الشهيد الغريب مسلم بن عقيل، والسلام على أرواح الشهداء الأبرار المظلومين.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي