لماذا خطبت السيدة زينب في مجلس يزيد؟
شبكة النبأ
2021-09-22 06:53
بقلم: السيد محمد كاظم القزويني، مقتبس من كتاب زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد
لقد شاهدت السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) في مجلس يزيد مشاهد وقضايا، وسمعت من يزيد كلمات تعتبر من أشد أنواع الإهانة والإستخفاف بالمقدسات، وأقبح أشكال الإستهزاء بالمعتقدات الدينية، وأبشع مظاهر الدناءة واللؤم.. في تصرفاته الحاقدة!!
مظاهر وكلمات ينكشف منها إلحاد يزيد وزندقته وإنكاره لأهم المعتقدات الإسلامية.
مضافاً إلى ذلك.. أن يزيد قام بجريمة كبرى، وهي أنه وضع رأس الإمام الحسين (عليه السلام) أمامه وبدأ يضرب بالعصا على شفتيه وأسنانه، وهو ـ حينذاك ـ يشرب الخمر!!
فهل يصح ويجوز للسيدة زينب أن تسكت، وهي إبنة صاحب الشريعة الإسلامية، الرسول الأقدس سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله)؟!
كيف تسكت.. وهي تعلم أن بإمكانها أن تزيف تلك الدعاوى وتفند تلك الأباطيل، لأنها مسلحة بسلاح المنطق المفحم، والدليل القاطع، وقدرة البيان وقوة الحجة؟!
ولعل التكليف الشرعي فرض عليها أن تكشف الغطاء عن الحقائق المخفية عن الحاضرين في ذلك المجلس الرهيب، لأن المجلس كان يحتوي على شخصيات عسكرية ومدنية، وعلى شتى طبقات الناس. فقد كان يزيد قد أذن للناس إذناً عاماً لدخول ذلك المجلس، فمن الطبيعي أن تموج الجماهير في ذلك المكان وحول ذلك المكان، وقد خدعتهم الدعايات الأموية، وجعلت على أعينهم أنواعاً من الغشاوة، فصاروا لا يعرفون الحق من الباطل، منذ أربعين سنة طيلة أيام حكم معاوية بن أبي سفيان على تلك البلاد.
وعلامات الفرح والسرور تبدو على الوجوه بسبب إنتصار السلطة على عصابة عرفتهم أجهزة الدعاية الأموية بصورة مشوهة.
وقد تعود أهل الشام على مشاهدة قوافل الأسرى التي كانت تجلب إلى دمشق بعد الفتوحات.
أما ينبغي لحفيدة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تنتهز هذه الفرصة، وتجازف بحياتها في سبيل الله، وتنفض الغبار عن الحق والحقيقة، وتعرف الباطل بكل صراحة ووضوح؟
بالرغم من أنها كانت أجل شأناً، وأرفع قدراً من أن تخطب في مجلس ملوث لا يليق بها، لأنها سيدة المخدرات والمحجبات!
ولكن الضرورة أباحت لها أن توقظ تلك الضمائر التي عاشت في سبات، وتعيد الحياة الى القلوب التي أماتتها الشهوات، وغمرتها أنواع الفجور، والإنحراف عن الفطرة، فباتت وهي لم تسمع كلمة موعظة من واعظ، ولا نصيحة من ناصح.
خطبة السيدة زينب عليها السلام في مجلس الطاغية يزيد
لقد روى الشيخ الطبرسي في كتاب « الإحتجاج » خطبة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)، ورواها ـ أيضاً ـ السيد ابن طاووس في كتاب « الملهوف ».
وبين الروايتين بعض الفروق والإضافات المهمة، ونحن نذكر ـ أولاً ـ نص الخطبة على رواية الطبرسي، ثم نذكر شرحاً متواضعاً للخطبة.. وبعد الفراغ من شرحها، نذكر نصاً آخر للخطبة على رواية أخرى من دون أن نشرح كلمات النص الثاني.
ونكتفي بذكر توضيحات مختصرة لبعض كلمات الخطبة ـ على رواية ابن طاووس ـ في هامش الصفحة، والله المستعان.
روى الشيخ الطبرسي في كتاب « الإحتجاج » ما يلي:
« إحتجاج زينب بنت علي بن أبي طالب، حين رأت يزيد (لعنه الله) يضرب ثنايا الحسين (عليه السلام) بالمخصرة (1).
«روى شيخ صدوق من مشايخ بني هاشم، وغيره من الناس: أنه لما دخل علي بن الحسين (عليه السلام) وحرمه على يزيد، وجيء برأس الحسين (عليه السلام) ووضع بين يديه في طست، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده، وهو يقول:
لعبـت هاشم بالملـك فـلا
خبـر جاء ولا وحـي نزل
ليـت أشياخـي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلـوا واستهلـوا فرحـا
ولقالـوا: يا يزيد: لا تشل
فجـزينـاه ببـدر مثـلاً (2)
وأقمنـا مثل بـدر فاعتـدل
لسـت من خندف إن لم أنتقم
من بني أحمد ما كان فعل (3)
قالوا: فلما رأت زينب ذلك أهوت إلى جيبها (4) فشقته (عليها السلام)، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب: «يا حسيناه! يا حبيب رسول الله، يا بن مكة ومنى، يا بن فاطمة الزهراء سيدة النساء، يا بن محمد المصطفى».
قال: فأبكت ـ والله ـ كل من كان، ويزيد ساكت، ثم قامت على قدميها، وأشرفت على المجلس، وشرعت في الخطبة، إظهاراً لكمالات محمد (صلى الله عليه وآله) وإعلاناً بأنا نصبر لرضى الله، لا لخوف ولا دهشة، فقامت إليه زينب بنت علي، وأمها فاطمة بنت رسول الله، وقالت:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على جدي سيد المرسلين.
صدق الله سبحانه، كذلك يقول: « ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوئى أن كذبوا بآيات الله، وكانوا بها يستهزئون ». (5)
أظننت ـ يا يزيد ـ حين أخذت علينا أقطار الأرض (6)، وضيقت علينا آفاق السماء، فأصبحنا لك في إسار، نساق إليك سوقاً في قطار، وأنت علينا ذواقتدار، أن بنا من الله هواناً، وعليك منه كرامةً وامتنانا (7)، وأن ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، تضرب أصدريك فرحاً، وتنفض مذرويك مرحاً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة (8) والأمور لديك متسقة، وحين صفى لك ملكنا، وخلص لك سلطاننا، فمهلاً مهلا، لا تطش جهلاً، أنسيت قول الله (عزوجل): « ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً، ولهم عذاب مهين » (9).
أمن العدل ـ يابن الطلقاء ـ تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناقل، ويتبرزن لأهل المناهل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والشريف والوضيع، والدنيئ والرفيع، ليس معهن من رجالهن ولي، ولا من حماتهن حمي، عتواً منك على الله، وجحوداً لرسول الله، ودفعاً لما جاء به من عند الله.
ولا غرو منك ولا عجب من فعلك، وأنى ترتجى مراقبة إبن من لفظ فوه أكباد الشهداء، ونبت لحمه بدماء السعداء، ونصب الحرب لسيد الأنبياء، وجمع الأحزاب، وشهر الحراب، وهز السيوف في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله). أشد العرب لله جحوداً، وأنكرهم له رسولاً، وأظهرهم له عدواناً، وأعتاهم على الرب كفراً وطغياناً.
ألا إنها نتيجة خلال الكفر، وضب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر.
فلا يستبطى في بغضنا ـ أهل البيت ـ من كان نظره إلينا شنفاً وإحناً وأضغانا، يظهر كفره برسول الله، ويفصح ذلك بلسانه وهو يقول ـ فرحاً بقتل ولده وسبي ذريته، غير متحوب ولا مستعظم، يهتف بأشياخه ـ:
لأهلـوا واستهلـوا فرحاً
ولقالوا: يا يزيد: لا تشل
منحنياً على ثنايا أبي عبد الله ـ وكانت مقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ ينكتها بمخصرته، قد التمع السرور بوجهه.
لعمري لقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنة، وابن يعسوب الدين (10)، وشمس آل عبد المطلب.
وهتفت بأشياخك، وتقربت بدمه إلى الكفرة من أسلافك، ثم صرخت بندائك، ولعمري لقد ناديتهم لو شهدوك، ووشيكاً تشهدهم ولن يشهدوك، ولتود يمينك ـ كما زعمت ـ شلت بك عن مرفقها وجذت، وأحببت أمك لم تحملك، وإياك لم تلد (11)، حين تصير إلى سخط الله، ومخاصمك رسول الله (صلى الله عليه وآله).
اللهم خذ بحقنا، وانتقم من ظالمنا، واحلل غضبك على من سفك دماءنا، ونقض ذمارنا، وقتل حماتنا، وهتك عنا سدولنا.
وفعلت فعلتك التي فعلت، وما فريت إلا جلدك، وما جزرت إلا لحمك، وسترد على رسول الله بما تحملت من دم ذريته، وانتهكت من حرمته، وسفكت من دماء عترته ولحمته، حيث يجمع به شملهم، ويلم به شعثهم، وينتقم من ظالمهم، ويأخذ لهم بحقهم من أعدائهم، فلا يستفزنك الفرح بقتلهم، « ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله ». (12)
وحسبك بالله ولياً وحاكماً، وبرسول الله خصماً، وبجبرائيل ظهيرا.
وسيعلم من بوأك ومكنك من رقاب المسلمين أن «بئس للظالمين بدلاً» وأيكم شر مكاناً وأضل سبيلا.
وما استصغاري قدرك، ولا استعظامي تقريعك توهماً لانتجاع الخطاب فيك، بعد أن تركت عيون المسلمين ـ به ـ عبرى، وصدورهم ـ عند ذكره ـ حرى.
فتلك قلوب قاسية، ونفوس طاغية، وأجسام محشوة بسخط الله، ولعنة الرسول، قد عشش فيها الشيطان وفرخ، ومن هناك مثلك ما درج (13).
فالعجب كل العجب لقتل الأتقياء، وأسباط الأنبياء، وسليل الأوصياء، بأيدي الطلقاء الخبيثة، ونسل العهرة الفجرة!!
تنطف أكفهم من دمائنا، وتتحلب أفواههم من لحومنا.
تلك الجثث الزاكية على الجبوب الضاحية، تنتابها العواسل، وتعفرها أمهات الفواعل. (14)
فلئن اتخذتنا مغنماً، لتجد بنا ـ وشيكاً ـ مغرماً، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد.
فإلى الله المشتكى والمعول، وإليه الملجأ والمؤمل.
ثم كد كيدك، واجهد جهدك.
فوالله الذي شرفنا بالوحي والكتاب، والنبوة والإنتخاب (15)، لا تدرك أمدنا، ولا تبلغ غايتنا، ولا تمحو ذكرنا، ولا يرحض عنك عارها.
وهل رأيك إلا فند؟ وأيامك إلا عدد؟ وجمعك إلا بدد؟
يوم ينادي المنادي: ألا: لعن الله الظالم العادي.
والحمد لله الذي حكم لأوليائه بالسعادة، وختم لأصفيائه بالشهادة، ببلوغ الإرادة، ونقلهم إلى الرحمة والرأفة، والرضوان والمغفرة.
ولم يشق ـ بهم ـ غيرك، ولا ابتلي ـ بهم ـ سواك.
ونسأله أن يكمل لهم الأجر، ويجزل لهم الثواب والذخر، ونسأله حسن الخلافة، وجميل الإنابة، إنه رحيم ودود».
فقال يزيد ـ مجيباً لها:
يـا صيحة تحمد مـن صوائح
ما أهون الموت (16) على النوائح (17)