رسالة عاشوراء: صناعة الامل في التغيير
باسم حسين الزيدي
2019-09-03 04:55
صناعة الامل في التغيير واحداث الفرق وتحويل الواقع المتخلف لمجتمعات بشرية غارقة في الجهل والاستبداد والفقر الى واقع متطور ومتعلم، يتنفس الحرية، وينعم بالرفاه، يحتاج الى ثورة شاملة للإصلاح، وقدرة عالية للعمل، واستعداد للتغيير، وقدوة او مثل اعلى لقيادة هذا التحول، وقد نجحت بعض الأمم في تحقيق هذه القفزة وفشلت أمم أخرى في ذلك، بينما بقي المسلمون يراوحون في مكانهم من دون أي تقدم او تطور يذكر.
ومع ان الإسلام هو الدين السماوي الذي خط طريق التقدم والرفاه والحرية والسعادة لجميع بني البشر، الا ان المسلمين وقفوا عاجزين عن الاستفادة من علومه وتطبيق نظرياته واحكامه الحقة، مثلما تناسوا أصحاب الهمم العالية والقدوة الحسنة والانجم الساطعة في طريق الحق والإصلاح من (الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) كسيدنا رسول الله (صلى الله عليه واله) وامير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهما السلام) واهل البيت الاطهار (عليهم السلام) والاصحاب المنتجبين ومن سار بهدي القرآن الكريم من العلماء والصالحين.
جامعة ومانعة
ومع ان المصلحين ممن ساروا على طريق الحق والإسلام كثر، الا ان للإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) واقع وتأثير خاص لا يرقى اليه في ذلك أحد، كما ان رسالة عاشوراء وما وقع فيها من احداث اختلطت فيها المأساة والدعوة للإصلاح ورفض الظلم والاستعباد والاستبداد والثورة ضد الباطل، كانت رسالة قوية ومعبرة ومستمرة، وفيها قال المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي لقد "قام الإمام الحسين (عليه السلام) في سبيل إحقاق الحق ونشر العدالة الإلهية والحرية الحقيقية، ومحاربة الباطل وأهله، وليكون درساً للحق يقتدى به، فجميع ما عمله الإمام (عليه السلام)، من بذل حياته، وأهل بيته وكل شيء في الدنيا، كل هذا ابتغاء مرضاة الله تعالى، وتطبيقاً لأوامره".
ان السبب في قوة التأثير التي تملكها ثورة الامام الحسين بن علي (عليهما السلام)، فضلاً عن خلوها من الرياء والسمعة وإنها قامت خالصة لوجه الله تعالى، هو كونها ثورة "جامعة مانعة" لكل قيم الفضيلة والتقدم والسعادة التي يبحث عنها الاحرار في العالم وبغض النظر عن ديانتهم وعرقهم وثقافاتهم والوانهم، وقد اشار السيد محمد الشيرازي الى هذا المعنى بالقول "صار كلما يذكر الإمام الحسين (عليه السلام)، أو عاشوراء، أو كربلاء، يذكر إلى جانبه، ويتجسم بحياله: الإسلام، القرآن، الحرية، الاستشارية، المؤسسات الدستورية، التعددية الحزبية، الأخوة الإسلامية، الحقوق الإنسانية الفردية والاجتماعية، العدالة العامة والضمان الاجتماعي، التقدم والازدهار، الرقي والحياة الرغيدة، السعادة والهناء، كما ويذكر إلى جانبه: الحرب ضد التجبّر والطغيان، وضد الدكتاتورية والاستبداد، وضد التوحش والبربرية، وضد التقهقر والرجعية، وضد الفقر والجهل، وضد الاستثمار والاستعمار، وضد الكبت والحرمان".
قصة خالدة
ان عاشوراء الامام الحسين (عليه السلام) قادرة على إعطاء الانسان الامل في احداث التغيير رغم صعوبة التحديات، فالمبادرة مهما كانت ضعيفة في إمكاناتها المادية يمكن ان تنتصر في النهاية إذا كانت تسير على الحق وتسعى لتغيير واقع يحكمه الباطل باخر يحكمه الحق والعدالة، وهذا ما قام به الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) مع عدد بسيط من اهل بيته واصحابه امام جيوش الباطل والظلم، ومع استشهاده استطاع تحقيق النصر على أعداء الإنسانية، بعد ان ارتبط اسمه وقصته الخالدة كرمز وراية لجميع الاحرار والمصلحين، وهو ما اوجزه السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) في كتابه (رسالة عاشوراء) بالقول "نعم قصة الإمام الحسين (عليه السلام) قصة خالدة، ترتبط بواقع الكون الرحيب، وتتصل بعمق الحياة المليئة بالمعنويات، مما يمكن الاستفادة منها لإصلاح الدنيا في كل مجالاتها، واسعاد الإنسان في جميع أبعاده، ونشر الدين بكل فضائله، واحراز الآخرة بجميع خيراتها، فإن وراء ما ظهر من قصة الإمام الحسين (عليه السلام) الخالدة، حقائق وواقعيات عميقة الغور، بعيدة المدى، لا ينالها الإنسان بفكره، ولا يدركها بعقله، إلا بعد تدبّرها وتحقيقها، مطالعتها ومدارستها، وذلك لأنها قصة مستوحاة من الوحي، ومستقاة من السماء".
الآيات الحيوية
وإذا كان الحال مع الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) على هذا النحو فالأولى بالمسلمين ان يقتدوا بسيرته في السعي للتغيير والإصلاح ورفض الظلم والاستعباد والذل والخنوع، وان يطبقوا ما حارب الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) من اجله وفي مقدمتها ما يصفها السيد الشيرازي (رحمه الله) بـ "الآيات الحيوية" في القران الكريم والتي تدعوا الى تغيير واقع الامة الإسلامية وجميع البشر نحو الخير والسعادة والتقدم، وعدم تضييقها على آيات الصوم والصلاة وغيرها من العبادات، والآيات الحيوية هي:
1. "آية الشورى حيث يقول سبحانه: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) فإنه يصونهم عن الوقوع في الدكتاتورية وتسلط الدكتاتوريين".
2. "آية الحرية حيث يقول سبحانه: (يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) فإنه يحفظهم من الكبت والاختناق، ومن الاستغلال والعبودية، ومن التأخر والتقهقر".
3. "آية الأخوة حيث يقول سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) فإنه يمنعهم من الاختلاف والتفرقة، ومن التنازع والمشاجرة".
4. "آية الأمة الواحدة، ذات البلد الواحد، والتاريخ الواحد، والعملة الواحدة، بلا حدود جغرافية، ولا حواجز نفسية، وذلك حيث يقول سبحانه: (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) فيقوى امرهم، ويعظم خطرهم، ويهابهم أعداءهم، ولا يكونون لقمة سائغة يتلاقفها الأقوياء، ويزدريها من مناوئيهم أخبثهم وارجسهم".
5. "آية اتباع الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث يقول سبحانه: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فيتقدموا يسعدوا في الدنيا والآخرة، إذ في اتباع الرسول (صلى الله عليه وآله) سواء اتباعه في سيرته وأخلاقه الكريمة، أم في أفعاله وأقواله الحكيمة، خير الدنيا والآخرة، ومما قاله (صلى الله عليه وآله): (الأرض لله ولمن عمرها) فإن اتباع قوله (صلى الله عليه وآله) هذا، يحلّ مشكلة الأرض، ويفسح عن أزمة السكن، ويفرج عن الناس، وخاصة الشباب منهم، ضيق المعاش، وعسر الزواج، وصعوبة المسكن".
الحريات الاساسية
يقول الإمام السيد محمد الشيرازي "ولا يتوهم أحد بأن الحرية تنافي الدين وتناقضه، بل الحرية من صميم الدين ومن واقعه، وإنما ينافي الدين ارتكاب المحرمات، وفعل المنكرات، من قبيل شرب الخمر، وتعاطى المخدرات، ولعب القمار، والاشتغال بالبغاء، وإشاعة الفحشاء، وكذلك الدكتاتورية في الحكم، واستثمار الشعوب، ونهب الخيرات، وسلب الثروات، والظلم والاستبداد، ومصادرة حقوق الناس، وكبت الحريات، وما إلى ذلك من جور وعدوان، وبغي وحرمان، وإلا فحرية التجارة والزراعة، والصناعة والعمران والصحافة والثقافة، والسفر والحضر، وألف شيء وشيء مما يرتبط بالحريات الإسلامية الفردية والاجتماعية".
طبعاً الفرق واضح بين الامرين، بين من يريد ان يصدر لك الكسل واللهو والخمول والفساد باسم الحرية والتطور، وبين من يسعى الى احترام عقلك وصون بدنك وتطوير فكرك وثقافتك وحفظ حريتك، لذلك سعى من لا يريد الخير لك ولغيرك الى خلط المفاهيم وتشويه الدين حتى تصبح منافساً لهم او نداً او متقدماً عليهم، وقد نجح أعداء الإسلام في ذلك حتى اصبح الواقع ما نعيشه اليوم من تقليد اعمى للغرب لكن بلا مضمون او محتوى، بعد ان تنازلوا طواعية عن حرياتهم وحقوقهم الأساسية، واصبح المسلمون مجرد مستهلكين لأفكار وسلع جاهزة تأتيهم من الغرب والشرق، وفيها يقول السيد محمد الشيرازي "إن المسلمين اليوم، نسوا الحريات الأساسية التي أمر بها الإسلام العظيم، وسنّها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)، وسار عليها الأئمة المعصومون (عليهم السلام)، ولذلك تأخروا تأخراً فاحشاً، بينما أخذ غير المسلمين بها، فتقدموا تقدماً باهراً وإن لم يأخذوا بالعقائد الصحيحة".
وحتى نستطيع تغيير هذا الواقع ونعود الى تعاليم الإسلام الحقة، وما ثار من اجله الامام الحسين بن علي (عليهما السلام)، يرى الشيرازي بأن "علاج هذا الواقع السيئ وارجاع الحريات الأساسية إلى المسلمين يتطلب قبل كل شيء الوعي الجماهيري العام للحريات الأساسية في الإسلام، كما يتطلب وعي ثقافة التعددية الحزبية، فإن أول شيء يحتاجه المسلمون اليوم هو: ثقافة الأحزاب الحرة، والصحافة الحرة، والمؤسسات الدستورية، التي تحاسب النظام الحاكم، والهيئة الحاكمة على كل صغيرة وكبيرة، وتسد عليهم طريق الاستبداد في الرأي، والدكتاتورية في الحكم، وتظهر الصدق من الكذب، والواقع من غير الواقع".
العلم والعمل
لا خلاف بأن العلم والعمل هما السبيل لتحقيق التقدم والتطور في مختلف الأصعدة الدنيوية والاخروية، وفي عاشوراء يمكن ان نفعل هذين الامرين لدى عامة الناس، بل وغرس حب العمل والعلم في نفوس المسلمين واعتبارها طريقة لحياة افضل واكمل، يقول الإمام السيد محمد الشيرازي "إن أغلب حكام بلاد الإسلام نراهم قد فرضوا على أنفسهم أن يحولوا بين شعوبهم وبين أي تقدم في أي مجال من مجالات الحياة، والتي أولها العلم، مع أنه ورد في الحديث الشريف: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) وقال الفقهاء: (الصناعات واجب على الناس تعلّمها كفاية)، فاللازم علنيا أن نجعل من عاشوراء منبراً لإحياء موازين الإسلام في العلم والعمل".
الاستعباد والتسلط
من يرغب في ان يعيش ذليلاً لا يعرف معنى الحياة بكل تأكيد، لان الحياة مع الذل والخضوع للاستعباد هي حياة بلا حياة، لان صاحبها في عداد الأموات بعد ان سلبت منه كرامته وحقوقه وحريته، لذلك ثار الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) من اجل ان يوضح حقيقه عدم التنازل عن الحقوق مهما كلف الامر، يقول الإمام السيد محمد الشيرازي "فالإمام الحسين (عليه السلام) استشهد في سبيل الله من اجل إحياء الإسلام وإحياء حرياته الفردية والاجتماعية، التي قضى عليها بنو أمية، وقد أكّد الإمام الحسين (عليه السلام) على الحرية الإسلامية، وحبّذ الشهادة من أجلها حين قال (عليه السلام): (ألا وأن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت) والذلة التي يأباها الله تعالى للإنسان هي ذلة العبودية، وحقارة الرضوخ للاستعباد والاسترقاق، ومهانة الخضوع للطغاة والظالمين".
الخاتمة
وبهذا يمكن معرفة ان عاشوراء الامام الحسين (عليه السلام) يحوي العديد من الرسائل التي يمكن ان تلامس احتياجات والام ومشاكل الانسان، بل وتلبي متطلباته وتعرفه الطريق الذي ينبغي ان يسلكه في سبيل تحقيق النجاح، وبذلك لا يقتصر تأثير الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) او تراثه على المسلمين فقط بل يتعداه الى الجميع، خصوصاً وان العديد من المصلحين والمثقفين والادباء والعلماء وغيرهم قد صرحوا بانهم استلهموا جانباً او اكثر من جوانب ثورة الامام الحسين الإصلاحية، وانها اثرت في نفوسهم وحركت طاقاتهم الكامنة نحو التغيير وتحقيق النجاح، لذلك كان لزاماً ان نسلط المزيد من الضوء على هذه الثورة العظيمة والقصة الخالدة التي شبهها السيد الشيرازي بـ "الانفجار العظيم" كونها قادرة على العطاء مهما طال بها الزمن واختلف المكان.