زيارة الاربعين مؤتمر الشعوب
جواد العطار
2018-10-29 05:01
شهدت مدينة كربلاء تجمعا لأداء مراسم زيارة الاربعينية احياءا لذكرى استشهاد الامام الحسين في العاشر من محرم الحرام، وبحسب آخر احصائيات مجلس المحافظة لأعداد الزائرين فقد بلغت 12 مليون من العراقيين ونصف مليون من العرب والمسلمين... قدموا من كل حدب وصوب ومن مختلف الاراضي والبقاع للمشاركة والتعزية واداء الزيارة.
التساؤل الذي يطرح نفسه، هو اي قوة هائلة تقف وراء هذا التجمع والاندفاع والتحدي والبذل والعطاء اللا محدود من قبل مختلف الشرائح بدءا من الشيخ الكبير والمرأة المسنة والشاب اليافع وصولا للطفل الصغير، فالجميع يقطع القفار ومئات الكيلومترات سيرا على الاقدام غير آبه بالظروف الجوية ولا بالتهديدات ولا بتفجيرات التكفيرين وتربص اعداء الحسين (ع) الجدد.
يقول أحد المفكرين الغربيين (ان ذكرى كربلاء كافية لكي تحدث في قلب اكثر الناس تهاونا في الامور وحماسة وحزنا وهيجانا شديدا، وان تتعالى بالروح الكمال بحيث تستهين بالألم والموت)، لذلك فان احياء هذه المناسبات والتخطيط لاستثمارها بشكل امثل يحقق لامتنا، قبل غيرها من الامم، الامور التالية:
اولا: شحذ الهمم والنفس بالمعنويات، لان الانسان بحاجة بين فترة واخرى الى الغذاء الروحي لمواجهة المشاكل والتحديات والصعاب، وهذه المناسبات وخاصة عاشوراء واربعين الامام الحسين (ع) تعتبر محطة كبرى مفتوحة للتزود بالقيم والمثل والنبل، بما يخدم مسيرة التقدم والتطور والرقي ليس على مستوى العراق فحسب بل على مستوى شعوب المنطقة والعالم اجمع.
فالحسين كان ولا يزال مدرسة لتعليم الانسانية القيم السامية والمثل العليا في محاربة القهر والاستبداد والظلم والظالمين، لذا نرى الحسينيون، على مر التاريخ القديم والحديث، يتقدمون صفوف المضحين والمقارعين للسلطة الظالمة، لان روح الحسين تتحرك في دمائهم وتدفعهم في اتجاه الصواب دائما، ونرى ذلك واضحا في مواقف معاصرة، في انتفاضات صفر الخالدة 1977 والشعبانية عام 1991.
ثانيا: حفظ الهوية، فقد كانت مهمة الامام الحسين وثورته تهدف الحفاظ على الهوية الاسلامية التي حاول طمسها الامويين بالتزييف والترهيب، من هنا كان احياء منهجها خطرا على استبداد الامويين والعباسيين، وكل ظالم على مر العصور. ولسنا ببعيدين عن آخرهم من الصداميين الذين كانوا يواجهون المناسبات الحسينية بقسوة يدفعها خوفهم، منها، لممارسة أقسى انواع القتل والتنكيل والتشريد، ولكنهم لم يفلحوا في ثني الامة وابعادها عن الحسين، فالحسين يمثل هوية هذه الامة واحياءا لوجودها وحفاظا عليها وتكريسا وترسيخا لواقعها ومستقبلها.
ثالثا: البعد الحضاري، المناسبات الحسينية حركة اجتماعية يمثلها الغنى الثقافي والاحتكاك بين مختلف الشعوب وتلاقي الحضارات، واثراء التراث الفكري والاسلامي واحياء جوانبه المنيرة.
اما بخصوص بعض المواقف السلبية تجاه الشعائر التي لا يستسيغها البعض، فإنها فرصة لطرح البديل القابل للإثراء والتنوع، ولا يعني ذلك الغاء القائم او الموجود، وانما البقاء للأفضل والاكثر تكيفا للممارسة والتأثير، ذاك ان الشعائر الحسينية تعبير عن الرأي العام المفضي للإصلاح، والممارسة والتظاهرة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية المفتوحة لتأشير مواطن الخلل في بناء الانسان وكيان الدولة، لذا يجب تنميتها وتعميقها بالشكل الذي يمنحها دورا أكثر قابلية وفاعلية.
رابعا: الاثر التنموي، فالمناسبة بما تمثله من جذب لملايين الزوار تشكل اثرا ايجابيا وقطاعيا على حركة الحياة في مختلف المجالات خصوصا مجال السياحة الدينية، كما انها تعتبر محركا اساسيا ورئيسيا سوف يحتكم اليه الاقتصاد العراقي الذي سيتنامى لا محالة في مجالات النقل الجوي والبري وحتى البحري، وفي مجالات التنمية والتبادل التجاري والاستثمار الخارجي.
لذا فان المناسبة على الصعيد الاقتصادي فرصة لامتصاص البطالة المتفاقمة، وارض خصبة لتوفير العملة الصعبة وموردا يضاهي بامكانياته موارد الحج والعمرة على سبيل المثال، وعليه فهي استثمار للطاقات وتوفير للوقت وليس كما توصف من قبل بعض الاقلام التي لا تنظر بعين الحقيقة " تعطيل للطاقات واضاعة للوقت ".
هذه المناسبات اذن تعد بوتقة لصهر الحضارات الاسلامية المختلفة، ومؤتمرات موسعة يشارك فيها الملايين من مختلف الشرائح والتوجهات بعفوية ولا يقتصر ذلك على العراقيين فحسب بل هي مناسبة للتداول في شؤون الامة والتحديات التي تواجهها والسبل الناجحة لمواجهتها من خلال اللقاءات والاجتماعات في الهيئات والمواكب والتزاور والتشاور طيلة ايام المناسبة، يجمعهم مشترك واحد هو الحسين (ع) الذي قال عنه الرسول الاكرم (الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة).
لكن، ما يثير التساؤل والاستغراب هو محاولات التقليل من شأن هذه المناسبات او وضع علامات الاستفهام حول انواع معينة من الشعائر التي يمارسها الحسينيون اثناء اداءهم للزيارات ووصفها بالغريبة او المستقدمة من البلدان الاخرى، والاجابة كانت واضحة من خلال ما تقدم، فكيف لا وكربلاء بوتقة تنصهر في قيمها الشعوب فتنقل منها وتنقل اليها من بلدانها، وبلا شك، جزءا من ممارساتها وعاداتها الايجابية.