دراما رمضان: ترفيه في قبضة الجشع
علي حسين عبيد
2017-06-03 06:30
الترفيه مفردة مشتقة من كلمة الرفاهية، والأخيرة هدف مهم وكبير تسعى إليه الحكومات الناجحة من أجل شعوبها، وهي ليست متفضلة عليهم في هذه الحالة، وإنما تقوم بواجب مهم وأساس من واجبات الحكومات تجاه شعوبها، ولذلك فإن الرفاهية وردت في دساتير الدول المتقدمة، وألزمت الحكومات بتنفيذ هذا البند كشرط أساس من شروط نجاحها وقبولها بحسب معايير الدول والحكومات الناجحة.
ويمكن أ، تكون الرفاهية معيارا مهما من معايير استقرار الدول ونجاحها، وفي حال ضعفها أو فقدانها فإن ذلك يعطي تصورا بوجود خلل في أداء الحكومة والدولة تجاه المجتمع، أما إذا كانت طبيعة الرفاهية متذبذبة حضورا وغيابا، وخاضعة للمزاجية والعشوائية ورؤوس الأموال والنفوس الجشعة، فإن ذلك دليل على فشل الدولة في تحقيق نمط معاشي جيد ومستقر لشعبها، ولابد من الإشارة الى أن هنالك أنواع للرفاهية بحسب الجهة أو المصدر، فثمة الرفاهية الرسمية ومصدرها الدولة والحكومة تحديدا، وهنالك الرفاهية التي يتبناها القطاع الخاص، وهي الرفاهية التي تقدمها شركات أهلية وشخصيات لديها رؤوس أموال تستثمرها في هذا المجال الترفيهي أو ذاك.
رأس المال العربي بشقّيه الأهلي والحكومي، دأب على توظيف رأس المال في إنتاج الأعمال الدرامية المختلفة التي تخص شهر رمضان تحديدا، أي أن مواضيعها وأفكارها من حيث القصة والفكرة والأحداث وطبيعة الفن تخص شهر رمضان تحديدا، وقد نما هذا النوع من الدراما وتطور مع مرور السنوات، حتى اكتسب نوعا من الثبات والحضور السنوي المعتاد في هذا الشهر، وأخذ عدد من الشركات الفنية الأهلية والحكومية تدخل بقوة في مجال إعداد وانتاج البرامج الترفيهية بصورة مضاعفة في هذا الشهر.
وهو أمر وتوجّه لا اعتراض عليه من حيث المبدأ، وإن كانت الرفاهية (الفنية) ينبغي أن تكون غير محصورة بهذا الشهر الكريم تحديدا، بمعنى أن الناس هم بحاجة الى الجانب الترفيهي الفني في كل حين، لذلك فإن التركيز على هذا النوع من الأعمال في هذا الشهر لا يمكن تبريره أو تفسيره إلا تحت هدف واضح بقوة، ألا وهو تحصيل الأموال والأرباح المضاعفة للشركات والأفراد (المنتج، الممثل، المصور، التصوير، الإخراج.....إلخ).
ولكن تبقى أمامنا عدة تساؤلات حول هذا الموضوع، منها لماذا التركيز على تقديم الأعمال الدرامية بصورة كبيرة جدا في هذا الشهر تحديدا، ثم ألا يحق لنا أن نتساءل ما هي طبيعة مضامين هذه الأعمال، ولماذا ينحدر قسم مهم منها الى مستنقع التهريج، والإساءة للقيم الإنسانية ما يعني بالنتيجة تناقضا مع طبيعة هذا الشهر الذي ينبغي أن تتعزز فيه القيم.
نماذج من الأعمال الدرامية الهابطة
وحتى لا نكون كمن يطلق سهامه بصورة عشوائية ضد أهداف محددة، فإننا نحاول هنا أن نضع نماذج لأعمال درامية يتم تقديمها عبر قنوات فضائية عديدة تحت مبضع التشريح، ولنأخذ هنا مثالا أو نموذجا، العمل الذي يقدمه أحد الفنانين المصريين، وبرنامجه لهذه السنة حيث يستدرج فيه (كما هي عادته في كل سنة من شهور رمضان الماضية)، عددا من المشاهير، معظمهم يعمل في مجال الفن السينمائي، ويقوم هذا البرنامج على فكرة تعريض الضيف الى مواقف مرعبة ويبقى المشاهد يترقب ردود الأفعال التي يبديها الضيف ودرجة وعلامات الرعب التي تظهر عليه، وقد يصل الأمر بإصابة الضيف بفقدان الوعي بسبب حالات الرعب التي يتعرض لها.
في برنامج (بالطول بالعرض)، يتم توجيه دعوة لأحد الفنانين لإجراء حوار معه حول أعماله وتجربته، ويتم استقباله في مكان يتم تصميمه في الصحراء واحة مصنّعة تظهر عليها علامات بذخ من طراز خاص يصيب الضيف بالدهشة ويشعره بالزهو، وبعد الانتهاء تبدأ جولة تعريض هذا الضيف لحالات الرعب وإدخاله في كثبان رملية مخيفة في سيارة دفع رباعي تسير بصورة توحي بانقلابها وتعريض حياة الضيف ومن معه للخطر، لينتهي بهم الأمر في كثيب رملي متحرك يشفط سيارتهم الى الأسفل، وفي هذه اللحظات التي يواجه فيها الضيف الموت تظهر سحلية كبيرة الحجم وتهجم عليه ومن معه لتبدأ ردود فعل مرعبة تظهر على الممثل وفي هذه اللحظات الكابوسية تنكشف حقيقة السحلية عندما يظهر منها وجه (رامز) للضيف وهو يطمئنه بأن الأمر كله خدعة لا غير.
الآن بعد هذا التوصيف السريع لفكرة هذا البرنامج، ألا يحق لنا أن نتساءل ما هو الهدف منه بالضبط، خصوصا أن المعلومات تشير الى صرف مبالغ طائلة على مراحل الإعداد والتصوير وللضيوف تصل مئات ملايين الدولارات كما حصل مع الممثل (الهندي الشهير شاروخان) الذي أنهى حلقته بتهديد رامز بأنه اذا اقترب منه سوف ينهي حياته!!.
إن التبرير الذي تتلفع به مثل هذه البرامج، أنها تقدم مادة ترفيهية للمشاهد في شهر رمضان، حتى تخفف عنه من صعوبة الصيام!!، حقا أمر غريب هذا التبرير، إن هذا البرنامج وسواه من البرامج التي تقترب منه من حيث المضمون والهدف، لا تصمد أمام حقيقة بسيطة، أن المشاهد العربي يعيش واقعا مرعبا بين الحروب والتطرف والإرهاب والجوع والحرمان والأذى السياسي من الحكومات، وهو غير مستعد لاستقبال جرعات إضافية من الرعب تفاجئه في مثل هذه البرامج التي لا يمكن وصفها إلا بأنها أكثر من بائسة.
ما هو المطلوب من الدراما الرمضانية؟
سؤال ليس الأول من نوعه، لكننا ونحن نواجه برامج من نوع (بالطول بالعرض)، لابد أن نبحث عن حلول توضّح الحدود الفاصلة بين الترفيه الجيد والترفيه الصادم أو المسيء، إننا في الحقيقة لا نسعى لتكرار طلبات وأقوال صارت قديمة بسبب تكرارها كثيرا، وهي تطالب بالتركيز على نشر القيم الإنسانية في مجتمعنا العربي الذي بات يواجه هجمات أكثر رعبا وتدميرا بشتى الأساليب، منها عبر الحروب العسكرية، كما في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، ومنها ما هو فكري كالتطرف، ومنها الإرهاب الذي يفجر هنا وهناك بغض النظر عن إزهاق أرواح الأبرياء.
إن مجتمعا مهدَّدا بمثل هذه الأساليب المتعددة والمخيفة، هو أحوج ما يكون لترسيخ القيم النبيلة أكثر فأكثر في شهر رمضان، ولا ريب انه في حاجة الى مواجهة شاملة مع المسلسل التدميري الذي يتعرض له في القيم والأخلاق والثوابت عبر أساليب لا حدود لها تدخلت فيها الأفكار والثقافات وربما حتى الفنون كما سبق الحديث عن الدراما الرمضانية والكلام عن نماذج منها، لهذا ليس أمام العرب، والمقصود هنا أجهزة ودور التشريع والقضاء بوضع آليات عملية قانونية تضبط مضامين الأعمال الدرامية وسواها، ليس بمعنى محاصرة الفكر والفن، ولكن من حق المجتمع ومن واجب الدولة أن تحمي العقول من التدمير المنظّم.
سوف يأتي أحدهم ويعترض على ما ذهبنا إليه، وقد يكون محقا في اعتراضه، ولكن عليه تقديم البديل، ما هو الحل؟؟ كيف نواجه مسلسل الانحدار في القيم والأخلاق والعادات، كيف نواجه شراسة المادة ورؤوس الأموال وهي تسعى (بلا أخلاق ولا ضوابط)، لكي تفعل أي شيء مقابل الحصول على الأموال، إننا لا نملك سوى رأس المال البشري بالنتيجة، وهذا ما يتم استهدافه الآن ومنذ زمن ليس بالقريب، لكن الهجمة تشتد يوما بعد آخر، فالمطلوب مواجهة ذلك بحنكة وذكاء وهدوء وعقلانية وعلمية، وهو أمر ليس بالعصيب أو المعيب حتما.