خطِّطْ تنجح

علي حسين عبيد

2016-12-18 08:44

إهمال وضع الأهداف في حياة الفرد (وحتى الجماعة)، قد تكون أقرب الى الظاهرة في المجتمعات المتأخرة، في حين نلاحظ اهتماما منقطع النظير بوضع الهدف مسبقا من لدن الأفراد والجماعات في المجتمعات المتقدمة، إذ قلما تجد من يعيش حياته بطريقة مرتجَلة أو عشوائية في الحواضن المتطورة فكريا وسلوكيا، ولعله من الأمور المؤكدة أننا بحاجة للتنبؤ بالمستقبل واستقرائه، ويستدعي هذا الاحتياج استنهاض القدرات الذاتية، للفرد والمجتمع، على أن يتقدم ذلك، دور فاعل للتخطيط بشقيه الآني والبعيد، ولعل هذه الخطوة تؤمن نجاحا أكيدا للوصول الى الهدف بسبب وضع خطوات الوصول إليه والشروع في تنفيذها علميا وعمليا.

من المهم أن يفهم ويؤمن الفرد أن رسم الخطوات نحو الهدف أمر لا يمكن الاستغناء عنه، وهو ما يسمى بالتخطيط المسبق، لأن هذا الأسلوب يعد من أهم وأضمن الطرق، للوصول للأهداف المطلوبة، وتحقيق الغايات المرسومة، فالنجاح في الحياة ما هو إلا ثمرة من ثمار التخطيط الناجح، أما الفشل فيعود لغياب التخطيط للمستقبل، وعدم وضوح الأهداف، وغياب أية رؤية لاستشراف آفاق المستقبل وتحدياته، من هنا تكمن أهمية وضع الخطوات القادرة على استشراف حيثيات القادم، خاصة أننا نعيش في فورة عارمة من المنافسة العالمية، تتسارع بصورة مذهلة نحو الابتكارات!، هذه المنافسة تجعل من الصعب فوز من لا يرسم الخطوات مسبقا نحو أهدافه في المجالات كافة، حيث لا مجال لضربة الحظ كونها فعلا طارئ أو غير دائم.

من هنا تسعى المجتمعات الراقية الى ترسيخ قضية التخطيط في جميع مفاصل الحياة، لاسيما أننا نعيش الجديد في كل يوم، حيث الاكتشاف والابتكار يدهش الجميع، في هذا الشأن أو ذاك، وكأن البشرية مجبولة بحق على هاجس الابتكار، في كل لحظة تمر من عمر الزمن، ولم يحدث هذا النوع من السباق لتطوير المجتمعات، بصورة عشوائية، بل هناك تخطيط دقيق، يتصدى له علماء عباقرة ولجان متخصصة، لها خبرات كافية في المجال الذي تعمل فيه، فتضع المهمات المطلوبة على شكل مقترحات أو خطوات ملزِمة، ليبدأ المنفذون، وهم الجهات التنفيذية في الدولة، حيث تتحول الأفكار والمقترحات والبنود الإجرائية، الى عمل يفرض نفسه على الواقع، ويؤكد قيمته العملية، وبهذا يأخذ رسم الهدف والمسارات التي تقود الى تحقيقه حيزا مهما من تفكير الأفراد والمجتمع الناجح بكل مكوناته وفئاته المختلفة.

لكي تضمن مستقبلا متميزا

هل القول بأهمية التخطيط المسبق أمر حاسم في هذا المجال؟ الجواب نعم، إذ لا يمكن التقدم خطوة الى أمام من دون التخطيط، ويمكن أن نجزم بأن النجاح يقع ضمن إطار رسم الأهداف وليس العشوائية، وعندما يتم الإعلان عن ابتكار معين، لابد أن تكون للمستقبل حصة فيه، لأن الحاضر وحده لا يكفي لعملية نجاح متواصلة في بناء الدولة، إنما أنت تؤسس الآن (في الحاضر)، من خلال هذا العمل او ذاك، لعمل أو ابتكار مهم، كي تضمن مستقبلا قويا ومتميزا، لاسيما أن الزمن متحرك في اتجاه واحد لا غير!، ألا وهو المضيّ الى أمام، فما علينا سوى مجاراة الزمن والاستعداد للتغيير دائما، من اجل مواكبة المستجدات، والابتكارات، والصناعات المختلفة، كي نكون على المحك دائما، ونسير ضمن السائرين عالميا الى أمام دائما.

وقد لا نأتي بقول جديد عندما نؤكد على هذا الجانب، ولكن ثمة فائدة دائما في التذكير كما يرد في النص القرآني المبارك (وذكر عسى أن تنفع الذكرى)، لذا علينا أن نجدّ في هذا المجال، ونسعى الى االتفاعل مع حيثيات المستقبل، ولابد أن نخطط له بجدية وعلمية أيضا، أما إهمال المستقبل وما ينطوي عليه من مكابح وأزمات، فإننا سنكون عرضة للمفاجآت دائما، بسبب جهلنا الناتج عن عدم توافر الإرادة الصلبة التي تستشف حيثيات المخبوء وتستكشف خفاياه، ومن ثم تضع التصوّرات اللازمة، والمعالجات التي تتسق مع التوقعات القريبة، من اجل تحاشي الصدمات أو المفاجآت غير المحسوبة، ومن ثم ضمان عبور أو تجاوز المعرقلات التي قد تظهر أثناء التنفيذ وصولا الى الهدف المرسوم سلفاً.

من الأمور البديهية أن نربط النجاح بالتخطيط الجيد، ولكن ثمة ما يكمل هذا الاشتراط، ونعني بذلك طريقة التنفيذ السليم لخطوات التخطيط، فالنجاح هنا يرتكز على مرتكزين، الأول هو التخطيط، والثاني هو التنفيذ المتقن أو السليم حيث يستدعي التخطيط نحو القادم، حضور الإرادة القوية، لذلك فإن التخطيط للمستقبل هو دأب الشخصية المتطلعة نحو الأفضل دائماً، والإنسان الذي يحمل أهدافاً طموحة، وتطلعات عالية ورغبة في التقدم والتطور المستمر، أما الشخص الذي يعيش بلا أهداف، وبلا تطلعات، وبلا رؤية للمستقبل، وبلا رغبة في تطوير الذات، فإنه لن يفكر إلا في اللحظة الآنية، ويخسر التطلع الى ما هو أبعد وأهم وأكثر منفعة وفائدة على المستويين المادي والمعنوي، فالفائدة التي ينبغي أن يرجوها الانسان من أهدافه المستقبلية لا ينبغي أن تتركز على الجانب المادي فقط، فالانسان كما يُقال يطير نحو المجد والنجاح بجناحين، هما الجناح المادي والجناح المعنوي كي يحلق في فضاء النجاح المتحقق بلا أدنى ريب، لسبب بسيط يتمثل في تحديد ومعرفة ماذا يريد الانسان وكيف يصل الى ما يريده.

التعاون بين الفرد والجماعة

علماً يجب على الإنسان ونعني هنا الباحث عن النجاح والساعي له باستمرار، أن يطمح الى ما هو أرقى وأبعد وأسمى من الأمور والأهداف العادية، بل يجب أن تكون أهداف الانسان متميزة وكبيرة حتى لو واجه مصاعب كبيرة في هذا المضمار أو ذاك، فالحياة البسيطة لا تحتاج إلى الكثير من التخطيط أو الاستعداد، بينما تسلق القمم يحتاج إلى التخطيط المنظم وإتقان المهارات الخاصة، لأن الإنسان الذي يعيش بدون أي شعور بالمسؤولية تجاه نفسه أو أهله أو مجتمعه أو أمته، لن يشعر بأهمية التخطيط للمستقبل، بل قد يعد ذلك بأنه نوع من الترف الثقافي أو العبث الذي لا ينبغي تضييع الوقت فيه، وبهذا نلاحظ انه يفتقر أصلا للإرادة التي تأخذ به الى مضارب التميز والنجاح والارتقاء، وهذا الأمر لا يمكن أن يحققه كل من هب ودب وإنما المتميزون الجادون فقط قادرون على تحقيق أهدافهم المرسومة.

إذاً ما هو المطلوب من الفرد والجماعة كي يضمنوا النجاح في الحياة، ربما صار واضحا ما هو المطلوب، لاسيما أن التجارب الفردية والجماعية أكدت أن التخطيط السليم والتنفيذ الجيد لخطوات المرسوم المسبق، هو السبيل الأقصر والأدق والأضمن لتحقيق الأهداف بمختلف أحجامها وأنواعها بغض النظر عن المصاعب التي قد ترافقها، وهو أمر محتمل الحدوث حتى لو كان رسم الخطوات سليما، فأفضل التخطيط ذلك الذي يضع هامشا للمفاجآت (المحسوبة)، حتى لا يحدث شيء خارج المتوقَّع، وبهذا يكون النجاح رهن التخطيط العلمي المحسوب، مضافا إليه ذلك التنفيذ المدعوم بالذكاء العملي المبرمج.

ذات صلة

مصائر الظالمينترامب يصدم العالم.. صنعنا التاريخفوز ترامب.. فرح إسرائيلي وحذر إيراني وآمال فلسطينيةالنظامُ التربوي وإشكاليَّةُ الإصلاح والتجديدالتأثير البريطاني على شخصية الفرد العراقي