الخطاب الشيعي.. من تخوم الانفعال الى افق الفعل

حيدر الجراح

2016-03-31 12:55

هو في الحقيقة ليس خطابا واحدا، انه جملة من الخطابات تبعا لمرجعياته الدينية والسياسية والثقافية.. وليس المقصود بهذا الخطاب لغة القرآن والحديث، فهذا خطاب ليس من اختيار البشر، بل هو خطاب الوعظ والإرشاد ومنابر الجمعة والشرائط المسجلة، والكتيبات بل الملصقات والإعلانات التي تستعمل لغة الدين للترويج للمنتجات .

وهو الخطاب الرسمي في أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية خاصة بعد انتشار القنوات الفضائية وتخصيص بعضها للبرامج الدينية، وهو خطاب شبكات المعلومات، وهو أيضا خطاب الجماعات الشيعية المتعددة.

ويضم الخطاب جانبان: الأول لمخاطبة الأنا، والثاني لمخاطبة الآخر، الأول يغلب عليه حشد الجماهير ورفض الواقع الاجتماعي والسياسي. والثاني يغلب عليه الدفاع عن الأنا والهجوم على الآخر، واقصد بالتخوم: الحدود الفاصِلة بين الأراضي، أو هي معالم يُهتدى بها في الطريق.

في حين اقصد بالأفق، ما ظَهَر من نَواحي السَّماء مَاسًّا الأَرْضَ، او هو مَجال يَنْفسِح أمام الفِكْر والنَّشاط، أو هو ما يَسْتطيع العقلُ أن يُحيط به من مَدًى.

الخطاب

عرفه المتقدمون بأنه الكلام المقصود منه إفهام من هو متهيئ للفهم . وعرفه قوم بأنه ما يقصد به الإفهام أعم من أن يكون من قصد إفهامه متهيئا أم لا.

ويُعرّف الخطاب على أنّه الكلام الذي يتجاوز طوله الجملة الواحدة، على أن ترتبط هذه الجمل مع بعضها لغويًا ومضمونًا. لذا يُعتبر الخطاب نصًّا يهدف الى تحقيق أهداف معينة ضمن سياقات اجتماعية متعددة.، فالخطاب لغة هو (مراجعة الكلام - وهو الكلام والرسالة - وهو المواجهة بالكلام، أو ما يخاطب به الرجل صاحبه ونقيضه الجواب - وهو مقطع كلامي يحمل معلومات يريد المرسل (المتكلم أو الكاتب)أن ينقلها إلى المرسل إليه (أو السامع أو القارئ)، ويكتب الأول رسالة ويفهمها الآخر بناءً على نظام لغوي مشترك بينهما.

والخطاب هو كل فعل للقول يفترض متكلما وسامعا، بحيث تكون للأول رغبة التأثير في الثاني، وبذلك يكون المعنى الذي تُوصلُنا إليه المعاجم متمثلا ًفي"الحوار"، الذي يرتبط بدوره بوجود ثلاثة عناصر:.المرسل،المستقبل، الرسالة.

هناك عدة دلالات للمدخل المعجمي للخطاب ومن أهمها :

أ‌- الموضوع الذي نتكلم فيه.

ب- خطبة شفوية أمام جمع من الناس.

ج- كتابة أدبية تعالج موضوعا بطريقة منهجية.

د- التعبير اللفظي عن الفكر (الكلام).

هـ- الكلام. وقد يعني ملفوظا لغويا قابلا للملاحظة (جملة، متوالية من الجمل المنطوقة، نص مكتوب، وذلك على النقيض من النسق المجرد للسان).

و- عالم الخطاب : أي مجموع أسيقته.

السمات الأساسية للخطاب نلخصها كما يلي :

+ سمة المجتمعية :

"تخضع الخطابات باعتبارها وحدات عبر –جملية للقواعد التنظيمية المعمول بها داخل مجتمع محدد".

+ سمة التوجيهية :

"يكون الخطاب موجها، ليس فقط لأنه مشكل تبعا لوجهة نظر المتكلم، ولكن أيضا لأنه يتطور بشكل خطي في الزمان".

+ سمة الفعل والتأثير :

"فعل الكلام هو شكل من أشكال التأثير على الغير وليس فقط تمثلا للعالم".

+ سمة التفاعلية :

"الخطاب، باعتباره نشاطا لفظيا، نشاط بيني يشرك شريكين بحيث يبرزان في الملفوظ من خلال الزوج أنا-أنت".

+ سمة السياقية :

"لا وجود لخطاب إلا داخل سياق معين".

+ سمة الذاتية :

"لا يعتبر الخطاب خطابا إلا إذا أرجع إلى ذات؛ إلى أنا تمثل في نفس الآن مصدرا لتحديد الشخصية والزمكانية، وكذا تحديد موقفها إزاء مقولها ومخاطبها".

+ سمة التبريرية :

"يخضع الخطاب- شأنه في ذلك شأن باقي السلوكات الأخرى- لعدة معايير".

+ سمة التبعية :

"لا معنى للخطاب إلا داخل عالم خطابات أخرى يشق عبرها مساره الخاص".

نبيل موميد / حد الخطاب بين النسقية والوظيفية / مجلة فكر ونقد

وتعد دراسة محمد عابد الجابري، للخطاب إحدى الدراسات التي نقلت هذا المفهوم من دائرة الدراسات النقديّة إلى حيّز الدراسات الاجتماعية والأيديولوجيّة.

فالخطاب عنده، باعتباره مقولة الكاتب أو أقاويله –بتعبير الفلاسفة العرب القدماء-، هو بناء من الأفكار إذا تعلّق الأمر بوجهة نظر يعبّر عنها تعبيراً استدلاليّاً، وإلا فهو أحاسيس ومشاعر، فن أو شعر يحمل وجهة نظر، أو هو هذه الوجهة من النظر مصوغة في بناء استدلالي أي استعمال مواد (مفاهيم) ولا بد من إقامة علاقات معينة بين تلك المواد حتى يصبح بناء يشد بعضه بعضاً ("الاستدلال" أو "المحاكمة العقلية")، وسواء تعلّق الأمر بالمواد أو بطريقة البناء فلا بد من تقديم أو تأخير، ولا بد من تضخيم أو بتر… إلخ، فالخطاب من هذه الزاوية، إذا كان يعبّر عن فكرة صاحبه فهو يعكس أيضا مدى قدرته على البناء، وبعبارة أخرى لما كان كل بناء يخضع لقواعد معينة تجعله قادراً، على أداء وظيفته، فإن الخطاب يعكس كذلك مدى قدرة صاحبه على احترام تلك القواعد، أي على مدى استثماره لها لتقديم وجهة نظره إلى القارئ بالصورة التي تجعلها تؤدي مهمتها لدى هذا الأخير، مهمة الإخبار والإقناع… إلخ.

أما الخطاب باعتباره مقروء القارئ -أو مقول القوْل بتعبير المناطقة القدماء- فهو ذلك البناء نفسه، وقد أصبح موضوعاً لعملية إعادة البناء، أي نصاً للقراءة، وكيفما كانت درجة وعي القارئ، بما يفعل فإنه ولا بد أن يمارس في ذلك النص ما يمارسه صاحب الخطاب عند بناء خطابه (إبراز أشياء والسكوت عن أشياء، تقديم أشياء وتأخير أشياء) فيسهم القارئ هكذا في إنتاج وجهة النظر، بل إحدى وجهات النظر، التي يحملها الخطاب صراحة أو ضمناً، والقارئ عندما يسهم في إنتاج وجهة نظر معينة من الخطاب، يستعمل هو الآخر أدوات من عنده هي في جملتها وجهة نظر أو جزء منها عناصر صالحة لتكوينها ومن هنا يأتي اختلاف القراءات وتعدّد مستوياتها.

فالخطاب رسالة من مرسل إلى مستقبل لغاية التأثير عليه، لغاية إقناعه بها عن طريق التأثير عليه بوسائل متعددة.

ما الذي يعاني منه الخطاب الشيعي، بتنويعاته المتعددة بين الديني والسياسي والثقافي؟

الانفعال المفرط تجاه الاحداث، وهي السمة الابرز ونجدها في الانواع جميعا.

هيمنة الصبغة الدينية، حتى لو كانت المسألة المطروحة سياسية او ثقافية.

وجود طرفي النقيض في الخطاب الشيعي، اما نخبوية منقطعة عن الجمهور الشيعي، او شعبوية فاقعة في مخاطبتها لوعي هذا الجمهور.

تشظي الخطاب الشيعي تبعا لمرجعياته الدينية او السياسية..

خاصية الادعاء بتمثيل الجميع..

الاستمرار في التأكيد على المظلومية التاريخية، حتى بعد تمكن الشيعة من الصعود الى السلطة (نموذج العراق).

استعداء الاخرين من قبل بعض الاصوات المتطرفة..

ماهي المقترحات لتطوير هذا الخطاب؟

الانفتاح على الاخر (المذهبي، السياسي، الثقافي)، من خلال الهموم الانسانية المشتركة.

المحافظة على الوسطية في الخطاب.

توحيد الخطاب الشيعي، وفق رؤية موضوعية تجاه التحديات الكبرى.

اشراك المثقف الشيعي ومنحه الفرصة للتعبير عن ذاتيته الشيعية.

* ورقة قدمت من قبل مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث في ملتقى النبأ الاسبوعي..

ذات صلة

لماذا لا يدفعون الثمن؟التنفيذ المركزي واللامركزي في العراق.. التخصيصات الاستثمارية مثالاًالتفكيرُ عراقيَّاًفكرة المشروع الحضاري في المجال العربي.. التطور والنقدالإرهاب الصامت