كن متعاوناً تفزْ بحياة أفضل
علي حسين عبيد
2016-02-28 05:05
هل هناك انسان لا يرغب بحياة أفضل وأجمل؟ من البديهي أن الاجابة سوف تكون كلا، بل لا يقتصر الأمر على الانسان، فالكائنات الاخرى ترغب بالغريزة أن تعيش بصورة أكثر استقرارا وأمنا، ويتقدم عليها الانسان بالذكاء والاحساس والطموح نحو الأفضل دائما، لهذا اشترط العلماء والمعنيون أن يكون الانسان إيجابيا متفاعلا حيويا حتى يكون قادرا على تحقيق طموحه بحياة أجمل، وهذا هو الشرط الأساس لتحقيق هذا الهدف.
ولكي يكون الانسان حيويا معطاءً ينبغي أن تكون لديه قدرة على التعاون مع الآخرين، فالعطاء يعني في ابسط تعريف له، أنه يمثل استعداد الانسان لتقديم المعاونة للآخر، الذي يستحق المعونة ويحتاجها، وبهذا فإن العطاء يعني نوعا من الايثار، ونكران الذات، ونبذ الانانية، والتعامل وفق الفطرة الانسانية التي تنحو الى الخير، وتذهب الى نشر المساواة والعدل في بناء منهج سلوكي يحفظ كرامة الجميع، الغني والفقير، القوي والضعيف، ويسهم في بناء مجتمع متوازن.
هكذا ينبغي أن يكون الانسان في تفكيره ورؤيته، وفي سلوكه الذي يذهب نحو بناء سليم للقيم والفكر ومنظومة العمل ايضا، وهي تمثل نوعا من التربية النفسية والاستعداد الدائم للتضحية من اجل الناس الذين هم بحاجة الى التضحية، وغالبا ما تعود هذه التضحية وهذا النوع من الايثار بسعادة غامرة على من يؤديها تجاه الآخرين، ومعظم الاحيان يكتسب الانسان سمة العطاء من محيطه العائلي والاجتماعي عموما، ومع تقدم العمر، يكون الانسان اكثر فهما لقيمة العطاء في بناء المجتمع واكثر استعدادا للقيام بالتضحية من اجل الآخرين، هذه هي المزايا التي يتحلى بها المجتمع الناجح، حيث يتحلى أفراده بأكثر القيم ايجابية.
إن مساعدة الآخرين، والاستعداد الدائم لمد يد العون لهم هو العنوان الذي يتقدم سيرة الانسان الناجح، إذ يقول أبراهام لنكولن محرر العبيد والزعيم الأمريكي الراحل: (كلما تقدم عمرك ستكتشف ان لديك يدان، واحدة لمساعدة نفسك، والأخرى لمساعدة الآخرين). بهذا فإن الانسان المعطاء يساوي نفسه مع الآخرين، ويقتسم معهم كل ما يملك، او يكون على استعداد اكيد لتقاسم ما يملكه مع المحتاجين، وهكذا تكون احدى يديه في خدمته، والاخرى في خدمة من يحتاجه، والمعنى هنا مجازي بطبيعة الحال، حيث يكون الانسان في حالة من الرضا النفسى للعطاء والبذل من اجل الآخرين، على أن لا ينحصر العطاء في فئة معينة، أو يقتصر على افراد بعينهم، بمعنى ينبغي ان يكون العطاء شاملا، ويسهم فيه الجميع تحقيقا للمجتمع الأفضل.
العطاء كرم وأخلاق
في المجتمعات المتعاونة سوف تجد ميزة اساسية، يتميز بها غالبية الناس، وهي حالة التعاون المتبادلة بين افراد المجتمع، وانعكاس ذلك على النتائج الجماعية بخصوص العلاقات الاجتماعية والانتاجية على وجه العموم، لذا فإن محصلة التعاون والعطاء لا تصب في فائدة المحتاجين فقط، لأن الانسان الذي يقوم بفعل العطاء، سوف يكسب فوائد نفسية جمة، تشعره بالسعادة الغامرة والرضا التام عن الذات، فالسعادة كما يقول المختصون يصنعها التعاون مع الآخرين.
وقد عبر المعنيون في هذا المجال عن الفائدة المتبادلة بين من مصدر التعاون وبين من يحتاجه لأي سبب كان، يقول احد الكتاب في هذا المجال: (إن العطاء لا تنحصر نتائجه على المحتاجين بل على المعطين ايضا، انه معاكس تماما للأنانية والبخل، فهو نوع من الكرم والخلق الرفيع إذ انه لا يرتبط بأيه توقعات شخصية، فأفضل العطاء من القلب، انه افضل تدريب للنفس حينما تنزل الى الأسفل لترفع الى الأعلى شأن إنسان آخر)، ويمكن تفسير ذلك، بأن من يعطي لن يخسر قط، بل هو الرابح الأول بسبب تعاونه من الناس كونه يسهم في بناء منظومة قيم مجتمعية راقية.
هناك أناس مجبولون على مساعدة الآخرين، حيث يدفعهم الشعور والاحساس الانساني للوقوف الى جانب الناس، بدافع انساني بحت، لذا فإن العطاء لمثل هؤلاء، يمثل السلوك المتميز بالإيثار والشعور بالانتماء الإنساني والخلقي التلقائي الموجه لشخص او مجموعة من الناس دون قيود او شروط سابقة او لاحقة، يخلو من انتظار أي ردود فعل، انه العمل التلقائي المتدفق من القلب مباشرة تجاه الانسان والكائنات الاخرى والحياة، فيتجاوز حدود الواجب والولاء والالتزام العرفي والاجتماعي، لان في الولاء والالتزام و الواجب قيود والتزام تجاه الأخر، انه يعتمد على نظرة ومفهوم الإنسان للحياة و للانسانيه، وقدرته على ترك بصمات ايجابية في بناء وتماسك النسيج المجتمعي.
ويرى المختصون أن الانسان المتعاون هو انسان معطاء بالدرجة الاولى، وان قدرته على نكران الذات لم تأتي من فراغ، بل تعود الى الحاضنة الاجتماعية الاولى التي تربى بها، أي العائلة التي غالبا ما يكون تأثيرها قاطعا بالنسبة لتكوين شخصية الفرد، حيث يمكنها صناعة انسان متعاون مضحي مسامح، أو العكس تماما، وهنا يحضر دور الاخلاق ايضا، فثمة علاقة كبيرة تربط بين التعاون والعطاء من جهة، وبين الاخلاق من جهة اخرى، لذلك نجد دائما أن الانسان المتعاون مع الآخرين يتحلى بدرجة اخلاق عالية.
نشر السعادة بين الناس
الانسان المتعاون، هو الأقدر على نشر السعادة بين الناس، فهو مجبول على هذا النوع من العطاء، وبهذا المعنى يشكل العطاء قيمة اخلاقية كبيرة، فضلا عن الطابع الانساني للعطاء، إذ يحوي شتى أنواع السلوكيات الإنسانية ذات المنفعة للآخرين من المودة و الحنان والعاطفة لقلب الطفل، والمريض والكبير والمسكين وأصحاب المصاعب والاحتياجات، وإعطاء الفرصة للشكوى، والتلاطف والتعاطف، والمساعدة المالية والتثقيف والتعليم والإسناد والتوجيه والمشاركة والمساعدة في الجهد والوقت والمعرفة، ورفد المجتمع بما يحتاجه من نواقص في المجالات الحياتية المتنوعة.
لذلك ترتبط السعادة دائما كما يؤكد المختصون، بقدرة الانسان على منح الآخرين حالة من الشعور بالسعادة والسكينة والأمان، حتى السعادة الذاتية لا يمكن أن تتحقق من خلال الاهتمام بالذات حصرا، بل مساعدة الناس هي الجوهر الحقيقي للسعادة، حيث يقول الخبراء في هذا الشأن أن العطاء أقوى وسيلة لإسعاد الذات، حينما تصبح احتياجات الناس أمامك وتحلها بالعطاء، وفي هذه الآلية فان الانسان يجد ذاته، ويتمتع بطعم الحياة و أهدافها، ناهيك أنها ترفع الهم والكرب عن الآخرين، وتزيل عنهم الشعور بالحزن والحسرة وتحديات الحياة.
في الخلاصة الأخيرة، توصلت بعض الابحاث المعنية بالعطاء، أن الأشخاص ذوي العطاء يختلف وظائف أجزاء من أدمغتهم عن البخلاء، ذلك أن الاشخاص الذين يعطون تتأصل لديهم هذه الممارسة في عقليتهم ونظرتهم الى العالم والآخرين، وليست فقط مجرد ممارسة سلوكية مجردة من الإحساسات النفسية والروحانية، أي ان هناك اختلاف في المفاهيم والنظرة الوجودية للإنسان والعالم و الحياة، وبهذا يصبح التعاون قيمة مهمة يمكنها ان تسهم بصورة فاعلة في تطور المجتمع وانسجامه واستقراره، وهذه السمات التي تتحلى بها المجتمعات الناجحة، لا يمكن تحقيقها بعيدا عن حضور القيم الايجابية ومنها التعاون والتكافل ومساعدة الآخرين.