فئران الثقافة
علي حسين عبيد
2016-02-23 05:02
الفئران كائنات صغيرة وضعيفة، لكنها تمتلك قوة تدميرية ربما تضاهي كائنات مفترسة او قوية أو سلاح عصري متطور، لا زلت أتذكر احداث القصة الموحية عندما كنا اطفالا، وكان الفأر بطل القصة في مواجهة بطل آخر هو الأسد، وشتان بين الفأر والأسد في الشجاعة والقوة، ومع ذلك عندما قيل للأسد إنك قد تحتاج للفأر في يوم ما وقد يكون خلاصك على يده، سخر الأسد من هذا الكلام، وعندما سقط ذات يوم في شباك الصياد، حاول الاسد بكل ما يملك من قوة على تقطيع حبال الشبكة لكنه أخفق، حين ذاك جاء الفأر الكائن الضعيف وبدأ يقرض بصبر حبال الشبكة وخلص الأسد من محنة محققة.
هنا كان فعل الفأر جيدا، أي يدخل في باب التعاون، ولكن هذا الكائن الصغير يبقى مجبولا على إلحاق الاذى بالكائنات الاخرى لاسيما بالانسان، فالفأر قارض نهم لأشياء البشر (الأثاث المنزلي المصنوع من الخشب، والكتب والورق، وافرشة وأغطية المنام والملابس وما الى ذلك)، فيلحق خسائر بالانسان، والأخطر من الخسائر المادية، عندما يكون هذا الكائن الصغير وسيلة ووسيطا لنقل الامراض الفتاكة المعدية والسريعة الانتقال من شخص الى آخر.
في الخلاصة الفأر كائن ينطوي على أضرار، وأحيانا على فوائد (كما فعل للأسد حينما أنقذه من المصيدة) مع التعميم الرمزي لهذا الفعل، حتى الانسان من الممكن أن يستفيد من الفأر، كما يحدث في التجارب الطبية الكثيرة والمهمة التي تجري على الفئران باعتبار الفأر يقترب أو يتشابه في التكوين الفسيولوجي مع الانسان، لذلك فالنتائج التي تظهر على الفأر في الاختبارات الكيمياوية والطبية وسواها، من الممكن أن تظهر على الانسان لتقارب الصفات الخلْقية.
في الوسط الثقافي هناك فئران، تحمل في تكوينها قدرات التدمير، فتأخذ دور الفأر الناقل للأمراض، ومنهم من له القدرة على صنع الامراض ايضا، فتكون مهمته مزدوجة، صانع وناقل للامراض الثقافية، وهذه مشكلة من النوع المركب يواجهها الوسط المثقف والمجتمع معا، فالمعروف أن الثقافة هي صاحبة القدح المعلى في التطوير وفي رفع مستوى التفكير وتقديم البدائل والمعالجات وتحقيق التغيير العصري.
لكن فئران الثقافة تمنع مثل هذا الدور عن المثقف، وتضع الحواجز والعقبات امامه، فلا يتمكن المجتمع ولا المثقفين الجيدين من تحقيق الاهداف المنشودة للثقافة، وفي هذه الحالة يكون انشغال المثقفين والثقافة في وضع مزدوج، كونهم يهدفون في الوقت نفسه الى اعطاء الثقافة دورها في تطوير المجتمع وفي الوقت نفسه، عليهم مكافحة الفئران المضرة بالثقافة والمثقفين.
اجراءات مكافحة الفئران
من البديهي أن النوع المؤذي من المثقفين، سوف يعمل بالضد مما تسعى إليه الثقافة السليمة، ونعني بهم الفئران الضارة، هناك مثقف يبحث عن النفع المادي ويستميت من اجل مصالحه، وهو مستعد ان يعقد صفقات سرية ومعلنة من اجل تحصيل المنافع والمزايا والامتيازات، وهذا النوع من المثقفين المرضى له سوقه ايضا، فهو مطلوب في حالات معينة، اذ هناك جماعات وشخصيات وربما بعض الاحزاب تستقطب مثقفين مستعدين لأخذ دور الفئران الضارة للأسف.
بعض الشخصيات والجماعات، هدفهم ذاتي، محصور برؤية ضيقة، غايتها اهداف لا تخدم المجتمع، وهؤلاء لهم افكار ومساعي، يحتاجون لمن يتبنى افكارهم ونشرها، فيبحثون عن نوع المثقفين الفئران، كونهم مستعدون لتلبية مطالب ورغبات هكذا شخصيات وجماعات، مقابل مزايا مادية، اموال، ايفادات، وما شابه، وهؤلاء مستعدون لنشر الخراب الثقافي، والاهتمام بالذاتي القصير المدى على حساب الثقافي الاستراتيجي البعيد المدى والأعم فائدة.
بطبيعة الحال يحاول هؤلاء جذب آخرين، وفق نظام (الشللية)، لأن شبيه الشيء منجذب إليه، حيث هناك من يفضل الخراب مقابل المنفعة الذاتية، وهؤلاء من اخطر المثقفين على الثقافة وعلى المجتمع والدولة ايضا، كونهم لا يتورعون عن التزييف، وعم نشر الاكاذيب، وعن الاشتراك في مسلسل تدمير القيم، ولا هم لهم سوى الأموال والمنافع المادية، لذلك يصح عليهم تسمية (الفئران) كونهم مرضى أصلا، ويسعون الى نقل امراضهم لغيرهم من المثقفين، من اجل أن يبقى سوقهم رائجا.
مكافحة هؤلاء ليست سهلة، بل تتطلب تخطيطا واتحادا لقوى المثقفين الأصلاء، ولابد ان يكون هناك تخطيط للمواجهة، فمثل هؤلاء المرضى لا تمكن هزيمتهم بسهولة، كما انهم في الغالب يتسمون بالعناد، ويصعب التغلب عليهم، لاسيما أنهم من نوع المثقفين الذين يطلق عليهم خبراء الفرص، او (قناصي الفرص)، فلا مبادئ لديهم، ولا انسانية، ولا مصلحة وطنية او انسانية، المهم لدى هذه الفئران ملء بطونها بالسحت الحرام وهم يرددون سرا وعلانية، ليذهب الجميع الى الجحيم!.
مكافحة هذا النوع مهمة، اذا كان هناك هدف جدي لتحقيق ثقافة جادة، لأن وجود هذه الفئران المحسوبة على الوسط الثقافي، يعني وجود التهديد بالمرض على نحو مستمرـ كون هؤلاء مرضى وينقلون المرض لغيرهم بأساليب وقدرة على الاقناع يتميزون بها، لذا على من يتصدى لمسؤولية محاصرة هؤلاء، ان يفهم ان القضاء عليهم ليس سهلا، حتى تحجيمهم قد يكون صعبا، ولكن هناك آراء تذهب في اتجاه آخر ربما تكون له حصة من النجاح.
امكانية الاصلاح المزدوج
فثمة من يرى أن اصلاح هؤلاء مهمة ليست مستحيلة، وربما تكون هناك فرص لاعادة هؤلاء الى الجادة الصواب، ويرى اصحاب هذا الرأي ان التصادم مع الفئران لا يجدي نفعا، اذ ربما يؤجج المعاداة معهم، ويزيدهم عنادا واصرارا على التمسك بأساليبهم واهدافهم، لذلك من الافضل الابتعاد عن اسلوب التصادم، واستخدام اسلوب الاحتواء، وهو ممكن جدا في حالة التخطيط له بصورة منتظمة ومتواصلة.
ولكن يحتاج الامر الى مقومات وركائز وتخطيط مسبق، فالصبر على هؤلاء يعد الركيزة الأهم، ومحاولة توضيح الامور لهم امر في غاية الأهمية، كما أن توفير مصادر رزق مناسبة لهم يمكن أن تشكل عامل سحب لهم نحو تغيير افكارهم واساليب عملهم وحتى تغيير القيم التي يؤمنون بها، وفي هذه الحالة يمكن ان يكونوا مثقفين فاعلين مصطفين الى جانب الثقافة القادرة على رفع ميتو وعي وثقافة المجتمع، والاسهام في بناء الدولة المتقدمة.
لابأس اذن من التجريب، والتواصل، والبحث الدائم عن شتى الحلول المناسبة، فمكافحة الفئران بالطرق الهادئة والسليمة والصحيحة، قد تجعل منهم أصحاء فاعلين قادرين على رفد الثقافة الصحيحة بالجديد والفاعل في مجال التغيير نحو الأفضل، وفي هذه الحالة يكون المجتمع قد ضرب عصفورين بحجر، او حقق هدفين مهمين في مسار واحد، اولا اصلاح المثقفين، وثانيا اعادتهم الى حضن الثقافة الصحيحة، وهنا يكون الربح مزدوج، وهذا هو المطلوب في نهاية المطاف.