مخرجات العمل الصالح

علي حسين عبيد

2024-09-18 04:32

حين قمتُ بعمل جيد، ساعدتُ فيه أحد الأشخاص، لم يخطر في بالي شيء محدد، ولم أكن أنتظر مكافأة على المساعدة التي قدمتها لشخص كان يحتاجها، كما أنني لم أفكر بالفوز بكلمة إشادة أو إعجاب من أحد، لأنني قمتُ بهذا العمل بيني وبين نفسي، ولم أُطْلِعْ عليه أحد عندما قمتُ به، ولكن لا أخفيكم هناك سعادة غامرة شعرتُ بها، خصوصا بعد النتائج أو المخرجات التي حدثت بعد قيامي بعمل الخير.

وقبل أن أقص عليكم ما هي المساعدة التي قدمتها لشخص يحتاجها، وما تفاصيلها، أود أن أدعوكم بقلب حقيقي إنساني صادق أن تعملوا الخير دائما لأنه الطريق الوحيد لبناء السعادة الإنسانية المشتركة التي تشمل جميع الناس وتجعلهم يعيشون في ظروف واحدة، يتساوون في الفرص، وفي طبيعة العيش، ويشعرون بالمساواة وعدم الغبن، فتغيب الأحقاد فيما بينهم، ويتعاونون مع بعضهم بعضا على مصاعب الحياة، هذه هي مخرجات العمل الصالح، إنها تبني مجتمعا متماسكا متعونا متحابًّا. 

أما عمل الخير الذي قمتُ به من دون قصد مسبق، فهو كالتالي: قبل ظهيرة الخميس الحارقة توجهت من كربلاء إلى جامعة بغداد لحضور مناقشة رسالة الدكتوراه لزوجة ولدي كمال علي.. كانت الحرارة جنونية.. صعدت في سيارة أجرة نوع كوستر تحمل ٢٣ راكبا.. السيارة مبردة بشكل جيد.. تخلصنا من الحرارة القاسية.....

جلست خلف السائق مباشرة والى جانبي رجل يقارب عمري يرتدي دشداشة شعبية وتبدو عليه البساطة والفقر فيما كنت ارتدي بدلة زرقاء أنيقة اهداها لي ولدي مع ربطة عنق أنيقة... وقبل ان نصل بغداد جمع الركاب الأجرة.. سعر النفر الواحد ثلاثة آلاف وخمسمائة دينار.. الرجل الستيني الذي يجلس جانبي أخرج الفي ٢ دينار فقط وقال للسائق لا امتلك غيرهما.. أخذهما السائق دون أن يعلق بشيء.. نظرت إلى وجه الرجل البسيط.. شعرت بالأسى والقهر يملأ روحي.. رجل في هذا العمر المتأخر ولا يستطيع دفع هذه الأجرة القليلة.. قربت فمي من اذن الرجل وسألته إلى أين ذاهب فقال إلى ابنتي في منطقة بغداد الجديدة.. فقلت له وكيف تصل إلى هناك وانت لا تمتلك فلوسا.. قال سأذهب مشيا على الأقدام.

فكرت مع نفسي ليس من العدل ان ارتدي بدلة انيقة وهو يرتدي دشداشة وليس من العدل أن يذهب مشيا مسافة بعيدة لابنته... كان في محفظتي خردة ٤ أربعة آلاف وربع دينار اخرجتها من محفظتي واعطيتها بسرية للرجل أخذها مني بصمت ووضعها في جيبه.. ثم شعرت ان الظلم لا يزال موجودا أخرجت عشرة آلاف أخرى واعطيتها للرجل بسرية تامة أخذها مني ونظر في وجهي بهدوء وامتنان وقال لي كلمة واحدة لا أكثر (شكرا) ....

نزلت عند راس جسر الجادرية.. تضاعفت حرارة الشمس.. لا توجد سيارات أجرة نوع كيا... يجب أن اتسلق المرتفع إلى الشارع العام مشيا حيث تمر سيارات كيا تذهب إلى جامعة بغداد.. مشيت تحت جنون الشمس وهي تسكب نارها فوق راسي.. ورحت اتسلق المسافة البعيدة الى الشارع العام.. فجأة توقفت إلى جانبي سيارة صالون حديثة بيضاء اللون يسوقها شاب كأنه ملاك.. قال لي بشكل مباشر يا استاذ انا اصل إلى جامعة بغداد هل تركب معي... قلت له انا وجهتي جامعة بغداد. فتحت الباب وركبت السيارة.. كأنني انتقلت من الجحيم إلى الجنة.. سألني الشاب الملاك إلى أين تصل يا استاذ فقلت إلى كلية الإعلام لحضور مناقشة رسالة دكتوراه.. قال الملاك سوف اوصلك إلى باب كلية الإعلام... شكرته بلطف وقلت له.. العمل الطيب يزداد في أيامنا هذه.. حتما سوف يوفقك الله يا ولدي.... وها أنني أصل كلية الإعلام وأدخل قاعة مناقشة رسالة الدكتوراه في الإعلام.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي