تداعيات التدخل السافر في حياة الأبناء
علي حسين عبيد
2024-02-28 08:54
يبذل الآباء الكثير من الجهود من أجل بناء شخصية جيدة لأبنائهم، وجميع الآباء تقريبا لديهم رغبة في أن يتفوق أبناؤهم على الجميع، وهناك آباء يُسرفون في المصاريف المادية، وكأن عملية البناء تحتاج إلى الأموال فقط لا غير.
لمن هذا التوجّه ليس صحيحا، فالبناء يجب أن يشتمل على جانبين، ويجب أن تكون التربية ذات خطين متوازيين، يتصاعدان معا، هما الخط التربوي المادي و الخط التربوي المعنوي، لكن قلّة من الآباء من يدرك أهمية أن يتساوى الخطان التربويان المادي والمعنوي في بناء شخصية الابن.
هناك آباء لا يعرفون قيمة التربية المعنوية وأثرها في شخصية الابن، وهؤلاء الآباء لا يمتلكون رؤية تربوية مسبقة واضحة المعالم، لهذا تأتي خططهم التربوية عشوائية غير منتظمة، فتبقى شخصية الابناء عرجاء، كأنها جسد يسير على ساق واحدة، بسبب تركيز الآباء على التربية المادية والإسراف في هذا الجانب، مع تقصير واضح في التربية المعنوية.
لقد جرت العادة بين الناس على أن الأبناء يحاولوا أن يشبهوا أباءَهم، وليس كما يسعى البعض من الآباء الذين يعكسون هذه المعادلة الفطرية، فيحاولون أن يتشبهوا بأبنائهم، والحقيقة أن الأب ربما يحرص في بعض الحالات على أن يكون ابنه نسخة منه، وقد يحدث هذا التشبّه للأبناء بالآباء، بصورة طبيعية وغير مخطَّط لها، فالأبناء كما هو متعارف، يفتحون عيونهم على محيط العائلة، وهي أول بيئة اجتماعية يراها ويعيشها الطفل.
والعائلة مكوّنة من الأب والأم والأفراد الآخرين، لكن الطفل يرى في أبيه نموذجا وقدوة له، وهذا الطفل لا يمكن أن يفضّل رجلا أو بشرا آخر على أبيه، خصوصا إذا كان الأب من طراز الآباء الناجحين المهتمين بالأسرة أكثر من أي شيء آخر، هنا يبدأ الابن في لحظات الوعي الأولى يتسقّط حركات أبيه وكلماته، وما يميزه في العمل أو في أي شيء آخر.
صناعة نسخة ثانية للأب
ويسعى الطفل من دون إرادته وبلا قصدية أن يتشبّه بأبيه حتى في شكله وملبسه وحركاته، ومع مرور الزمن، تنشأ نسخة جديدة من شخصية الأب، ونادرا ما يظهر الابن خلافا لأبيه، ولو أننا اجرينا إحصائية ميدانية دقيقة لنسبة تشابه الأبناء بالآباء، من حيث طبيعة ونوع العمل أولا، ثم المواصفات الأخرى كالملبس والتصرفات الأخرى.
نلاحظ في هذا الجانب، أن هناك عائلات طبية كاملة، الأب طبيب و زوجته كذلك، ويأتي الأولاد (ذكور وإناث) ليكملوا العائلة الطبية بشكل كامل، ويمكن أن نجد عائلات بصفات عملية أخرى، كأن تكون عائلة هندسية مكونة من مجموعة مهندسين تجمع الأب والأم والأولاد في هذه المهنة أو تلك.
أما اليوم فكما نلاحظ يتدخل الآباء والأمهات بشكل كبير وسافر، فيما يفضّله الأبناء، ويجبرون أبناءهم على اختيار ما يفضلونه هم وليس أولادهم، وتحديد نوعية وماهية مستقبلهم حتى لو كان الابن رافضا لاختيار الأب والأم، ويفضل الذهاب في مجال آخر.
قلّة من الآباء والأمهات يستجيبون لأولادهم ورغباتهم واختياراتهم، كونهم يرون مصلحة هؤلاء الأولاد فيما يختارونه لهم، وليس فيما يختاره الأولاد لأنفسهم، فالآباء والأمهات ينظرون إلى أبنائهم أطفالا صغارا حتى وإنْ تجاوزوا سن البلوغ، وهذا ما نلاحظه شائعا في المجتمع العراقي لاسيما في ظل الطفرة السكانية الكبيرة التي جعلت تعداد المجتمع العراقي يفوق الـ أربعين مليون نسمة.
هناك آراء لبعض علماء الاجتماع، تؤكد على أهمية أن لا يضغط الآباء على أبناءهم ويحرموهم من الخيارات الخاصة، والرغبات الذاتية التي تفتح الآفاق واسعة لإبداعات الأبناء، ولا يريد كثرة كاثرة من الآباء والأمهات أن يفهموا بأن الأبناء الأحرار في خيارتهم المستقبلية العملية والإبداعية وغيرها، هم أدرى بإمكانياتهم، وأعرف بقدراتهم.
متى يصبح الأب نسخة من ابنه؟
وقد ثبت من التجارب، أن هناك آباء يتمنون اليوم أن يكونوا نسخة من أبنائهم، بعد النجاح الكبير الذي حققه هؤلاء الأبناء في حياتهم.
الأبناء الذين فُسِح لهم المجال في اختيار ما يتوافق مع قدراتهم، حققوا منجزات عملية وإبداعية كبيرة، وبنوا شخصيات مستقلة بعقول ذات تفكير دقيق ومتميز، لدرجة أن الأب يتمنى أن يكون نسخة من ابنه، فلماذا هذه الضغوط الهائلة على الأبناء حتى يكونوا نسخًا مكررة من الآباء؟
هل يمكن للأب أن يختلي مع نفسه في زاوية منعزلة وهادئة ويفكر في قضية مستقبل الأبناء بعيدا عن التحكم الأبوي القسري، نعم على الأب أن يراقب ويتابع ويصحح الخطأ ولكن ليس عليه فرض ما يرغب هو على ابنائه فيدمر بذلك مواهبهم بسبب لغة الإرغام والإكراه التي يعتمدها في أسلوبه التربوي.
ونعود فنقول، إن الابن هو الذي يجب أن يتشبّه بأبيه وليس العكس، حتى لو بالغ الآباء وأعلنوا بأنهم يرغبون أن يكون أبناؤهم أفضل حتى منهم، لأن الأب يبقى هو النموذج الأول والأفضل في عين الطفل، ويبقى هكذا طويلا، ومن الأفضل أن يسعى الأب لترسيخ هذه الصورة النموذجية في أذهان أبنائه من خلال تقديم الشخصية النموذجية لهم في كل شيء.