ملف التعيينات: إهدار للمال ام بناء للدولة؟

مصطفى ملا هذال

2023-02-19 05:14

كان ملف القضاء على البطالة حاضرا بقوة في حديث رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني امام الشعب العراقي بيوم التصويت على تمرير حكومته، ولا يزال يؤكد حرصه على انهاء هذا الملف الذي كان ولا يزال من اعقد الملفات التي واجهت رؤساء الحكومات السابقة.

وحرص في عدد من المناسبات على توضيح ان حكومته ستكون مختلفة عن الحكومات السابقة، مبينا مظاهر القوة التي تتمتع بها والمقبولية الجماهيرية التي ستكون سندا لها في تجاوز العديد من الإخفاقات والتحديات التي يأتي في مقدمتها إمكانية الخروج بمظاهرات احتجاجية، مؤكدا ان العراق الجديد سيختلف عن العقود الماضية وانه قادر على العودة ليأخذ مكانة مرموقة.

وفي هذا الاتجاه (وهو التغيير الموعود)، خطى السوداني بعض الخطى التي يحاول من خلالها إصلاح إخفاقات واخطاء ارتكبها من سبقوه، وأفصح عن نيته في تعديل سلم الرواتب وجعله موحدا، وكلف بذلك بعض اللجان المختصة التي وضعت اللبنات الأولى لمشروع القانون الذي من المحتمل تمريره في الدورة البرلمانية الحالية.

وبعد انتهاءه من تلك الفقرة انتقل الى قضية توفير فرص العمل وتقليل اعداد العاطلين عن العمل، وخير شاهد على ذلك قرارته الخاصة بتثبيت العقود والاجراء اليوميين، فضلا عن شمول شرائح أخرى في تخصيص درجات وظيفية بعدد من المؤسسات الحكومية والوزارات المتعددة.

الإجراءات المتخذة من قبل حكومة السوداني وان كانت إيجابية في مجملها لكن مع ذلك بقيت حكومته تدور في نفس مضمار المشاكل السابقة التي ورثها من السابقين، فهي لا تزال تعاني وتحارب لتخفيض سعر صرف الدولار مقابل الدينار، وجيشت إمكاناتها الاقتصادية والسياسية للنجاح في هذه المهمة ولا يزال الوضع ضبابي رغم التطمينات المتكررة من قبل رئيس الحكومة شخصيا.

ان تعيين هذه الاعداد له أوجه عديدة، بعضها إيجابي وبعضها الآخر سلبي، فمن جهة نقول ان تعيين هذا الكم الكبير من العاطلين عن العمل، سيؤدي بتقادم الزمن الى الضغط الكبير على الموازنة العامة، وعلى النفقات الحكومية المخصصة لهذا الحقل، وبالتالي تزداد قيمة الاستهلاك الكلي للأموال مقابل ثبات المدخلات وربما تراجعها فيما إذا انخفض سعر البرميل الواحد من النفط.

ولم يتركنا خبراء الاقتصاد في حيرة من امرنا وعبر البعض منهم عن مخاوفه إزاء ما يتم من عملية توظيف بهذه الطريقة، اذ أثار إعلان السوداني، تثبيت العقود اليومية وتوفير فرص عمل، ردود فعل سلبية بسبب رفع قيمة فقرة الرواتب في موازنة عام 2023 من 43 تريليون دينار عراقي اي (ما يعادل 28 مليار دولار) إلى 62 تريليون (ما يعادل 42 مليار دولار) سنويا، وهو أمر قد يسبب عجزا في الموازنة مع مرور الوقت.

لكن من الجهة الأخرى والقراءة الإيجابية لهذه الخطوات نتلمس بعضها بشكل واضح وهو إمكانية هذا التثبيت والتعيين من تقليل نسب العاطلين عن العمل التي ارتفعت الى مستويات مخيفة خصوصا في السنوات والشهور الأخيرة، وبالتأكيد ان الالتفات لهذه الشرائح سيجعل هنالك ارتياح جماهيري وتكوين جنين ثقة عامة بعد ان ماتت الاجنة السابقة.

وهنالك من يقول ان العراقيين أحق بالأموال من الطبقة الناهبة او المتسلطة على المال العام، وحجتهم على ذلك ما سميت بسرقة القرن، قادرة على توفير تخصصات مالية تكفي لتعيين آلاف المحرومين من خيرات بلادهم، اذ أُهدر فيها أكثر من 3 تريليونات دينار عراقي (ما يعادل 2.5 مليون دولار)، والتي لم يعلَن حتى الآن المبلغ الذي تم استرداده من هذه الفضيحة بصورة دقيقة، ولا يعلم العراقيون الفاقدون للثقة بدولتهم ما إذا كان استرداد هذه الأموال يتم ضمن سياق قانوني أم لا.

كل ما تقدم من مخاوف وإشكالية على خطوات التعيين غير المحسوب الآثار، تمحورت حول مخاوف من إرهاق ميزانية الدولة من رواتب الموظفين والمتقاعدين، لكن هنالك مخاوف أكبر خطرا على إرهاق تلك الميزانية وهي الفساد والعقود الوهمية التي يبرمها التجار المرتبطون بصناع القرار في البلاد.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا