تأديب أسري أم عنف حتى الموت؟!
الطفلة رهف ميسر نموذجاً
علي حسين عبيد
2019-02-10 04:50
رهف مسير طفلة عراقية في السابعة من عمرها، شاءت يدُ الموت أن تأخذ منها أمها لتبقى يتيمة رغم وجود أبيها على قيد الحياة، فالأم هي الحامي الأعظم والأقوى والأكثر حنانا على أطفالها سواء بحضور الأب أو غيابه، هذه هي القاعدة وقد تكون لها شواذ، رهف فقدت أمها فجاء أبوها بامرأة ثانية تحتل مكان الأم، ومن المفترض أن تأخذ المرأة الثانية مكان أم رهف بخصوص رعاية الطفلة لكن ما حدث شكلّ صدمة هائلة لكل من تابع أو سمع قصة الطفلة رهف التي انتهت بها إلى الموت على يد الأم البديلة أو (زوجة الأب).
لقد تعرضت الطفلة رهف للعنف الأسري على يد الأم البديلة زوجة الأب، فأي نوع من العنف هذا الذي استخدمته الأم البديلة بحجة تأديب الطفلة؟ وهل يجوز للأب أو الأم أو أي فرد من أفراد الأسرة (الأخ الأكبر والأخت الكبرى)، أن يضربوا الطفل أو الطفلة الصغرى حتى الموت بحجة التأديب أو التربية التي تقوم الأطفال وتعيدهم إلى السلوك الصحيح؟!.
لنطلع على رحلة موت الطفلة رهف أولا، فقد أكد المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية، سيف البدر، يوم 8 شباط 2019، لشبكة رووداو الإعلامية أن الطفلة رهف ميسر توفيت إثر ضربة تعرضت لها في منطقة الرأس وتسببت بحدوث نزيف دماغي، مبيناً أن حالات تعنيف الأطفال أكثر من البيانات المعلنة نظراً للإحجام عن نقلهم إلى المستشفيات. وأوضح: "على إثر ملاحظة وجود هذه الآثار تم إبلاغ السلطات الأمنية من قبل المستشفى وجرى اعتقال المرأة التي نقلتها إلى المستشفى"، مؤكداً: "بعد ذلك نقلت الطفلة رهف من مستشفى الأطفال إلى المستشفى العام". وتابع أن "وزارة الصحة أجرت التحقيقات اللازمة منذ بداية الحادثة وقد زار الوزير الطفلة قبل ساعات من وفاتها"، مشدداً على أن "الكدمات لم تكن السبب، بل حدثت الوفاة بسبب الضرب على الرأس الذي أدى إلى النزيف الدماغي". وأشار إلى أن "هذه الحالات لا تقتصر على بغداد بل تحصل في كل المحافظات وقد حصلت قبل فترة في إقليم كوردستان أيضاً"، مبيناً أن "العدد أكبر مما يعلن عنه لأن هناك الكثير من حالات تعنيف الأطفال والتي لا يتم نقلها إلى المستشفى".
الطفلة رهف ورحلة الموت
وقد أعلنت وزارة الصحة العراقية، في بيان مقتضب إن "الطفلة رهف في السابعة من عمرها، والتي نقلت الى احدى مستشفيات العاصمة بغداد بعد تعرضها لتعنيف خطير، توفيت بعد تدهور حالتها الصحية". وكان مستشفى الشهيد الصدر العام في بغداد، قد كشف الخميس، عن إسعاف طفلة في السابعة من عمرها وإدخالها الى العناية المركزة بعد إصابتها بنزيف في الدماغ، جراء تعرضها لاعتداء وحشي بالضرب والحرق من قبل أهلها. وذكر بيان لإدارة المستشفى، اطلعت عليه شبكة رووداو الإعلامية، بأنه "شهدت مستشفى الشهيد الصدر العام في بغداد جريمة بشعة بعد وصول طفلة في السابعة من عمرها فى حالة إعياء شديد، وعلى جسمها آثار تعذيب وحروق في أنحاء متفرقة من الجسم". وأضاف البيان، "عند الكشف الطبي عليها، تبين وجود آثار ضرب مبرح، وتعذيب وحروق على الظهر والصدر، وفى أنحاء متفرقة من جسم الطفلة مع اصابتها بنزيف حاد في الدماغ اثر ضربة على الرأس من قبل اهلها".
هذه بعض التفاصيل المقتضبة عمّا تعرضت له طفلة الـ 7 سنوات رهف من تعذيب وضرب وحشي أدى بها إلى فقدان حياتها، بسبب العنف الأسري الذي طالها حيث أكد الأطباء أن سبب الموت ليس الحمى، كما ادعت زوجة الأب التي نقلت الطفلة للمستشفى بعد فقدانها الوعي، وإنما السبب هو ضرب الطفل على رأسها بآلة حادة تسببت بنزيف في الدماغ أفقدها حياتها!
تُرى أي بشاعة وأي توحّش سيطر على عقل زوجة الأب، وما هي التركيبة النفسية التي قادتها إلى هذا النوع من الضرب والتعذيب الذي يرقى إلى مصاف طرق وأساليب الدكتاتوريات التي عانى منها العراقيون لعقود من السنوات المريرة، وهل هنالك حجج ومبررات قانونية وشرعية وعرفية تبيح للأسرة القيام بما قامت به أسرة الطفلة رهف؟
القانون والعنف ضد الأطفال
إن الفقرة الرابعة من المادة 29 من الدستور العراقي تنص على منع كل اشكال العنف والتعسف تجاه الأطفال في الأسرة والمدرسة والمجتمع، إلى أي حد يتم تطبيق هذه الفقرة؟، لا شك معنى هذا المنطوق الدستوري يحمي الأطفال من الوحوش البشرية من أمثال زوجة أب رهف، والكثير من أمثالها، فمن يتعرض لهذه الوحشية ليس هذه الطفلة وحدها، فهناك المئات إن لم نقل الآلاف من الأطفال الذين يعانون من العنف الأسري دون حل يلوح في الأفق، لذا فهذا القانون ليس أكثر من كلمات جميلة تهدّئ الخواطر لكن ما يحدث في الواقع من الملائم أن نصفه بأنه واقع مرعب ونحن لا نبالغ في ذلك إذا اطلع من يعترض على واقع حال الأطفال وما يتعرضون له من أصناف العنف من أسرهم ومدارسهم، ولعل الأمر كان سيبقى قيد الكتمان لولا وسائل التواصل الاجتماعي التي تعد من أهم إيجابياتها كشف مثل هذه السلوكيات الوحشية ضد الأطفال من ذويهم أو معلميهم أو من أية جهة كانت، فالعنف ضد الأطفال مرفوض جملة وتفصيلا.
ما هي الحلول الممكنة التي نستطيع من خلالها محاصرة هذا الغول المتوحش المسمى (العنف ضد الإرهاب)، بالطبع هنالك حلول كثيرة، لكننا نخشى أن تبقى جميلة المعنى بكلماتها فقط، وتبقى مركون دون تنفيذ، كالفقرة الدستورية التي سبق ذكرها، من الحلول الممكنة لمواجهة العنف ضد الأطفال ما يلي:
- تعديل العادات وبعض الأعراف وتحسينها، ونعني تلك التي تبيح استعمال العنف ضد الأطفال بحجة تأديبهم.
- نشر الفقرات القانونية والشرعية التي تمنع العنف ضد الأطفال وتحسين وتحديث تلك التي تبرر التجاوز على الطفل بحجة التأديب وتقويم السلوك.
- منع العنف ضد الأطفال منعا باتا في المدارس.
- التحذير القاطع من العنف اللفظي في الأسرة والمدرسة، والحث على استخدام أساليب التعليم والإفهام والإقناع كبديل للعنف بكل أشكاله.
- وضع عقوبات رادعة تحاسب الأسرة الأب والأم، والمعلم، على أي تجاوز يحصل ضد الأطفال.
- القيام بنشر ثقافة الرحمة بين أفراد المجتمع كافة، بدءا من الأسرة مرورا بالمدارس في مراحلها المختلفة.
- الطفل كائن ضعيف لا حول ولا قوة وهو معرّض للخطأ في أي وقت كان، بسبب محدودية عقله ومداركه، لهذا لا يمكن محاسبة الطفل على أنه بشر مكتمل العقل.
هذه بعض المقترحات التي قد تخلّص أطفال العراق من العنف الأسري والمدرسي، ولكن لابد من التأكيد على التثقيف، والتشريعات، وتطبيقها بحدّية فاعلة بحيث يفهم من يتجاوز على الأطفال ما هي النتائج الوخيمة التي تنتظره في حالة تعريضه الأطفال للعنف.