في الاستبداد وتوابعه
حيدر الجراح
2015-04-13 01:40
أعلنت السعودية عن انطلاق عملية عاصفة الحزم من قبلها بالإضافة لدول مجلس التعاون الخليجي وهي الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر والكويت عدى سلطنة عمان. وبمشاركة كل من الأردن ومصر والمغرب والسودان .
لو تفحصنا شكل الانظمة السياسية في هذه الدول نجدها تتوزع بين الملكية والاميرية والجمهورية، وهذا التمايز في حقيقته هو تمايز في المظهر وليس الجوهر..
فهي جميعها تشترك في خاصية طبعت الانظمة السياسية العربية منذ تشكل الدولة الوطنية، وهذه الخاصية هي (تابيد السلطة) بالنسبة للحاكم.
ففي الصنف الاول، هناك الحق العائلي في السيطرة على مقاليد السلطة، ملكية واميرية (السعودية وامارات دول مجلس التعاون اضافة الى المغرب والاردن) وهناك سلطة العسكر المغامرين كما في الحالتين المصرية والسودانية..
في الطرف المقابل، ولا اتحدث عن الحوثيين الذين تستهدفهم عاصفة الحزم عن طريق العمليات الجوية، بل اتحدث عن النظام السياسي الذي يدعمهم وهو نظام الولي الفقيه في ايران، وهو الذي يعتقد ان سلطته هي امتداد للحق الالهي.
هذه الانظمة السياسية تشترك رغم الاختلافات العديدة بينها، في فكر واحد هو الفكر الجبرى الاسلامى، والذي أرسى دعائمه معاوية بن ابي سفيان، وشاد عليه الامبراطورية الاموية.
الفكر الجبري هو فكر مستبد تمخض عنه الكثير من انواع الاستبداد في تاريخنا العربي والاسلامي، على صعيد السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة.
قد يرد اعتراض حول الجمع بين تلك الدول في سلة واحدة، مع ما يبدو في بعضها من ممارسات ديمقراطية، من قبيل الانتخابات وتبادل السلطة عبر تغيير الوجوه، الا ان مثل هذا الاعتراض مردود، لان الديمقراطية ليست صناديق انتخاب فقط، او تغيير للوجوه في المواقع الاولى، مع بقاء شكل النظام السياسي على حاله.
وربما اعلان الحرب والاقدام عليها، في لحظة يرى الملك او الامير او الرئيس، انها ضرورة الضرورات هو ضرب من الاستبداد بمصائر الشعوب التي يتحكم بها الملك او الامير او الرئيس.
وليس الحرب وحدها يمكن ان تشير الى الاستبداد الكامن في مفاصل تلك الدول، فهي حتى في سياساتها الداخلية، تعتمد على الكثير من اليات الاستبداد، من مصادرة للحريات وقمع للآراء المختلفة، ولايعتد بالثراء النفطي الذي تمتاز به دول الخليج، فهو ثراء لم يحقق العدالة الاجتماعية لمجتمعاتها، ناهيك عن ان النفط يستجلب نوعا اخر من الاستبداد هو الاستبداد النفطي..
ويمكن ان نسترشد بالتجربة العراقية في عهدها الملكي للدلالة على هذه المقارنة.. حيث يلاحظ أن اشتداد القبضة القمعية للسلطة في خمسينيات القرن الماضي كان يوازيها ويوازنها انفتاح يدها في الإنفاق الحكومي، كما يذهب الى ذلك الباحث العراقي الدكتور سليم الوردي.
وقد تمثّل ذلك في مشاريع مجلس الاعمار التي وفرت فرص العمل لآلاف العاطلين، وتحسين مستوى المعيشة للطبقة الوسطى الناشئة، نتيجة للزيادة الملموسة في رواتب موظفي الدولة على أثر صدور قانون الخدمة الموحد سنة 1956.
وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى تأثير ذلك في الطبقة الوسطى التي كانت محور الحراك السياسي. فحين شحّت السلطة بالحريات الديموقراطية على هذه الطبقة المنورة، قابل ذلك تحسن في مستوى معيشتها.
والسلعة الريعية التي يمثلها النفط في هذه الممالك والامارات، يعرّفها عالم الاقتصاد الانكليزي وليم سنيور (1790-1846): (أن الريع يشمل كل نوع من الدخل يحصل عليه الإنسان من دون تضحية). وينطبق هذا التعريف لحد بعيد على الاقتصاديات القائمة على الريع النفطي، ومنها دول الخليج. وبهذا الصدد يقول عزمي بشارة: (إن قاعدة الدولة التسلطية الاقتصادية في الوطن العربي هي الاقتصاد الريعي، الذي يمنـح الدولة مجالاً واسعاً للمناورة في علاقتها مع المجتمع).
اما الباحث حازم الببلاوي فيحدد سمات الدولة الريعية على الشكل التالي:
اقتصاد تسيطر عليه الحالات الريعية.
يعتمد على الريع الذي يأتي من الخارج.
قلة من القادرين على العمل تعمل في إنتاج الثروة الريعية.
تحتكر الدولة الاقتصاد والسلطة السياسية.
وجميع تلك الدول خاضعة لهذه السمات، سواء ماتعلق منها بالدول صاحبة السلعة الريعية، او الدول التي تتلقى مساعدات مشروطة لاتخاذ مواقف او سياسات معينة يمليها عليهم اصحاب تلك المساعدات.