الحرية أصل عقائدي

مرتضى معاش

2017-10-07 06:13

تشكل الحرية اصلا عقائديا يمثل محورا أساسيا في الإيمان بأصل التوحيد والعدل والمعاد، وهذا يعني ان إنكار الحرية وسلب الاختيار عن الإنسان قد يؤدي بصورة غير مباشرة إلى إنكار هذه الأصول العقائدية والى إثارة مجموعة إشكاليات.

أولا: ان إنكار الحرية يعني مشاركة عبودية الإنسان لغير الله تعالى أيضا، وهو أمر غير صحيح فالعبودية لله تعالى وحده والإنسان مسؤول أمام حكم الله فقط. واصل التوحيد يؤكد ان عبودية الإنسان لله وحده وانه يتساوى مع الآخرين أمام الباري تعالى، فقول البعض بعدم حرية الإنسان هو قول يؤدي بالنتيجة إلى عبودية الإنسان لغير الله.

وثانيا: ان القول بعدم الحرية يعني القول بالجبر وسلب قدرة الإنسان على الاختيار، وهذا الامر يقود إلى مجموعة نتائج أساسية منها:

عبثية خلق الإنسان وعدم تحقق الغاية من وجوده إذ مع عدم حريته تبطل فلسفة الابتلاء.

مع كون أفعال الإنسان جبرية تصبح أفعاله غير هادفة ويلغى دوره العقلي والفكري والحضاري وبالتالي يلغى شيء اسمه العقل ويصبح من غير الحكمة ان تدرس نتاجاته وافعاله وتقيم لأنه غير مسؤول عنها.

اختلاط الحقائق والقيم وعدم معرفة الصحيح منها والباطل وعدم إدراك الخير والشر لان العقل حينئذ لا يصبح كاشفا ومدركا للواقع مع عدم أهلية الإنسان للاختيار، لذا لايمكن الحكم على شيء بصحته مادام يفقد قيمته الذاتية.

والقول بعدم الحرية قول بان الإنسان لا يملك الإحساس الداخلي والشعور النفسي بقيمة افعاله ونتائجها وبذلك يفقد ضميره الذي يقوده نحو الخير ويلومه على فعل الشر.

وثالثا: فان هذه المبررات تنفي مسؤولية الإنسان عن أفعاله وذلك يعني نفي حقيقة الثواب والعقاب وإلغاء كافة القوانين والشرائع ومحاكم الجزاء إذ كيف يمكن مكافأة إنسان أو عقابه عن شيء هو غير مسؤول عنها.

ورابعا: فان القول بعدم الحرية يعني انتفاء الغاية من بعث الرسل والأنبياء ووجود الأئمة عليهم السلام أجمعين، إذ ما الفائدة من وجودهم مع عدم قدرة الإنسان على الاختيار، لان دور الأنبياء والرسل هو إرشاد العاقل الحر وإثارة عقل الإنسان وتوجيهه نحو طريق الخير والفضيلة والقاء الحجة الإلهية عليه.

كل هذه الأمور تقودنا إلى مسألة العدل الإلهي والحساب والعقاب في يوم المعاد لان تكليف الإنسان وثوابه وعقابه يدخل في مسألة العدل الإلهي، فالله سبحانه لا يظلم مثقال ذرة وهو العدل الذي خلق كل شيء بميزان، فإنا: نشهد انه العدل الذي لا يجور والحكيم الذي لا يظلم وانه لا يكلف عباده مالا يطيقون ولا يتعبدهم بما ليس لهم إليه سبيل ولا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يعذب أحدا على ما ليس من فعله ولا يلومه على ما خلقه فيه، وهو المنزه عن القبائح والمبرأ من الفواحش والمتعالي عن فعل الظلم والعدوان ولا يريد ظلما للعباد، والعقل يدرك انه سبحانه لحكمته وقدرته وغناه صدور القبيح منه محال لأنه لو فعل القبيح والظلم لكان اما جاهلا بالقبح أو عالما به عاجزا عن تركه أو محتاجا إلى فعله أو قادرا غير محتاج بل يفعله عبثا وعلى الأول يلزم كونه جاهلا وعلى الثاني كونه عاجزا والثالث محتاجا والرابع سفيها، والكل عليه محال.(1) وكذلك فان هناك: ارتباطا بين الاختيار والعدل من جهة والجبر ونفي العدل من جهة أخرى أي عندما يكون الإنسان مختارا فانه يصبح للجزاء والمكافأة مفهوم ومعنى، اما الإنسان المسلوب الإرادة والمحروم من الحرية أو الذي يقابل الإرادة الإلهية مغلول اليدين مغمض العينين فإنه لا معنى للتكليف ولا للجزاء بالنسبة إليه.(2)

وقد شرح الإمام أمير المؤمنين حقيقة الإرادة والحرية الإنسانية وارتباطها بالعدل الالهي والجزاء والتكليف بصورة واضحة تبين ان الحرية اصل أساسي في العقيدة الإسلامية حيث قال (عليه السلام) عندما سأله ذلك الشيخ: (فوالله لقد عظم الله لكم الأجر في مسيركم وانتم سائرون وفي مقامكم وانتم مقيمون وفي منصرفكم وانتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين... أو تظن انه كان قضاءا حتما وقدرا لازما، انه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر من الله وسقط معنى الوعد والوعيد ولم تكن لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسن ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب... ان الله كلف تخييرا ونهى تحذيرا واعطى على القليل الكثير ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يملك مفوضا ولم يخلق السماوات والارض ومابينهما باطلا ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثا).

اذن لابد من القول بالحرية والاختيار لأنها بذلك هي اصل عقائدي يدخل في إطار العدل الإلهي والأصول العقائدية.

ان الكمال البشرى والتقدم الحضاري الذي يسعى اليه البشر لتحقيق السعادة لايمكن تحقيقه إلا في إطار الحرية التي تقود لاستخلاص الإنسان طريق العقل والخير والعدالة، فالاستبداد ظلم وشر والحرية الواعية عدالة وخير، لان: الحقيقة لا تنشأ إلا بالعقل وان الابتعاد عن طريق العقل كأسلوب لتحقيق الاقتناع هو دائما دليل على الرغبة في حماية الظلم، واحترام الحرية هو وحده الذي يمكنه ان يضفي الجمال على حياة الناس.(3)

* مقتطف من مقال نشر في مجلة النبأ العدد 46 تحت عنوان: الحرية المدخل لحياة أفضل

............................
1- الجبر والاختيار، السيد صادق الروحاني، ص80.
2- العدل الالهي، الشيخ المطهري، ص 15.

3- الحرية في الدولة الحديثة، هارولد لاسكي، ص 133.

ذات صلة

مصائر الظالمينترامب يصدم العالم.. صنعنا التاريخفوز ترامب.. فرح إسرائيلي وحذر إيراني وآمال فلسطينيةالنظامُ التربوي وإشكاليَّةُ الإصلاح والتجديدالتأثير البريطاني على شخصية الفرد العراقي