وانتصر المستقبل

تحرير الموصل: العبر والدروس

كمال عبيد

2017-07-10 07:54

بعد انتصار العراق على الدكتاتورية قبل أربعة عشر عاما، يعيش العراقيون اليوم انتصارا كبيرا تجسد بتحرير مدنية الموصل من أعتى تنظيم إرهابي عرفه التاريخ الحديث، هذا الانتصار الكبير أنتج الكثير من العبر التي تمثل دورسا يستفد الشعب العراقي منها في تغيير مستقبله نحو التعايش والسلام والبناء الوطني، فقد اثبت العراقيون انهم شعب مستعد لان يقدم الدماء والانفس من خلال تجربة الحشد الشعبي الذي مثل رمزا في التضحية والعطاء على الميدان، فهذه التضحيات كشف عن عمق رسالتها، فما كان لهذا الانتصار الكبير أن يكون لولا الدماء الزكية لشهدائنا وجرحانا، ولولا الارادة الصلدة والمؤمنة، والتي واجهت صعابا داخلية وخارجية، وضغطا اعلاميا ونفسيا وسياسيا حاول أصحابه تثبيط الهمم وتعطيب الروح الجهادية.

مما لا شك فيه ان الحرب تضرر منها الجميع، خصوصا بعد اصبح العراق مرتعا للصراعات الإقليمية والدولية، لذا يجب على العراقيين استثمار النصر العسكري والانتقال الى معرفة كيفية التعامل مع البيئة الحاضنة للحركات المتطرفة كوسيلة ناجعة للقضاء على الإرهاب والتكفير، ناهيك عن القضاء قدر الامكان على الفساد السياسي والتوجه الى الوحدة الوطنية بعيدا عن الولاءات الشخصية والعمل لحساب دول اخرى إقليمية او دولية، فقد أدت الحرب ضد داعش إلى زيادة الضغط على التوازن الطائفي الهش في العراق والمتوتر بالفعل نتيجة ضغائن سياسية بين الكتل الحزبية، بينما تلعب الحسابات والتدخلات الإقليمية دورا كبيرا في هذا المجال، من خلال تحويل أزمات تلك الدول وتداولها داخل العراق، لكي تبعد الأزمات عنها، كون اغلب الدول تعيش نفس الهواجس والتحديات، كما ان العراق بحاجة الى تفعيل الجهاد الطوعي واستمراره حتى بعد الحرب لبناء البلد من خلال استثمار نعمة الخدمات ووفرة الثروات، والسعي الى تعزيز الشراكة المجتمعية والاقتصادية والوطنية، للقضاء على اكبر تحدي وافة عرفها العراقيون الا هو الفساد الذي كان سببا رئيسا في ولوج الإرهاب الى البلد، لذا العمل على مكافحته يمثل خطوة مهمة تعزز النزاهة الوطنية والتعايش السلمي الذي يبني المواطنة ويضمان الحقوق والحريات لجميع العراقيين.

لذا الخطوة القادمة يجب ان تكون رسم مسارات فكرية استراتيجية لتحرير البلد من مخلفات الإرهاب والحرب، والعمل على تعزيز قيم الدولة القوية بمشروعها الوطني، وبحصانتها القانونية والمؤسساتية، لأنّ هذه المعركة تجسّد حقيقة الصراع ما بين قوى ما قبل الدولة وما بعدها، كما تجسد الصراع القيمي والفكري بين اتجاهين وثقافتين، تنتمي الأولى الى تاريخ أصوليات التكفير والرعب والقتل، بينما تنتمي الثانية الى ما هو إنساني وأخلاقي وتحرري.

وعليه فأن مستقبل العراق السياسي والأمني يحتاج أولاً إلى رؤية استراتيجية، ثم سياسات وآليات تنفيذية، وأن هذه المرحلة من تاريخ العراق تحتاج إلى شخوص غير تقليديين لأننا في مرحلة غير تقليدية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي