البقيع معلم أثري وتاريخي
فاطمة مرتضى معاش
2016-07-20 07:32
لقد حلّ الثامن من شوال ثانية وجدد الحزن على شيعة آل محمد (عليهم السلام). اليوم أريد ان اكتب عن البقيع ليس كظلامة الشيعة، بل عن تاريخ وتراث عريق لدى الدولة العربية السعودية. كان بقيع الغرقد من أهم المعالم التراثية والتاريخية لدى هذه الدولة، ولكن ربما يخطر على بال أحد انه ما معنى التراث وما هي أهميته حتى نتكلم نحن عنه؟.
التراث هو ما خلَفته الأجيال السالفة للأجيال الحالية، فالتراث هو ما خلفه الأجداد لكي يكون عبرةً من الماضي ونهجاً يستقي منه الأبناء الدروس ليَعبُروا بها من الحاضر إلى المستقبل، والتراث في الحضارة بمثابة الجذور في الشجرة، يعتبر التراث مبعث فخر للأمم واعتزازها ودليلاً على عراقتها وأصالتها، أي أنه معبّر عن الهوية الوطنية وصلة وصل بين الماضي والحاضر. الاهتمام بالتراث من أهم الأشياء التي يهتم بها المسؤولون لانّ الاهتمام بهذا الجانب له فوائد كثيرة منها:
• خدمة قضايا الأمة الثقافية والقومية لأنها تساعد على دراسة وتطور الحضارة والفنون، ومادة للبحث العلمي وإنماء المعلومات التاريخية.
• خدمة الحياة الاقتصادية فهي تؤلف مادة هامة للصناعة السياحيّة، فكثرة الآثار والمخلّفات الحضارية والاهتمام بها وصيانتها وترميمها، تشجع أفواج السياح وإنفاق ما يدخرونه من أموال، وفي هذا فائدة للبلد والزائر، لقد غدت الموارد السياحية أساسية لكثير من البلدان في العالم.
• وثالث الفوائد التي نجنيها من حماية الآثار ودفعنا للاهتمام بها يتجلى في كونها تراثاً أصيلاً يتصل بشخصية الأمة، ويعطيها الطابع المميز ويعبّر عما تتمتع به من حيوية وقدرة على حل المشاكل الخاصة بالحياة، كما يحدد مستواها في الذوق والحس الإبداعي ودرجة تقدمها في العلوم والفنون. وقد دفع ذلك الأمم كافة إلى الاهتمام بالتراث وحمايته، وقد أصبح اليوم هذا التراث في عُرف الأمم لا يخص أمة من الأمم بعينها إنما هو ملك الإنسانية جمعاء، وهذا ما حدا بالمنظمات الدولية والوطنية المختصة بالتراث الثقافي إلى المساعدة في إنقاذ كثير من الآثار المهددة بالغرق أو المهددة بالمشاريع الإنمائية التي تقيمها بعض الدول، كما حدث بمصر حين أقامت السد العالي حيث نظمت منظمة اليونسكو الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة في عام 1960، كذلك الحملة الدولية لإنقاذ آثار الفرات في سورية وكذلك سد الخابور.
إنّ الاهتمام العالمي بالتراث وحمايته، وما يرتبط به، قاد إلى إقامة مؤسسات وطنية ودولية لتتولى الاهتمام به وحمايته وبالتالي رعايته خاصةً، حيث قامت منظمة هيئة الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة المتفرعة عنها مثل منظمة اليونسكو والمركز الدولي لحماية الممتلكات الثقافية وترميمها المسمى بـ «ايكروم» وغيرها من المنظمات الدولية، وأيضا هناك اتفاقية لاهاي الدولية التي عقدت عام 1954م من أجل حماية الممتلكات الثقافية في حالة وقوع نزاع مسلّح، كما تأسست مؤتمرات دولية لمناقشة قضايا الآثار على مختلف تخصصاتها مثل مؤتمرات الآثار الكلاسيكية ومؤتمرات الآثار الإسلامية وغيرها.
اذن الاهتمام بالتراث من المسلمات الاجتماعية والدولية وعلى كل دولة خبيرة ان تهتم بتراث دولتها التاريخي والثقافي، فكيف اذا كان هذا التراث تراثاً عريقاً ودينياً يرجع إليه جذور اهم دين في العالم؟! نعم، لقد بُني دين الإسلام من المدينة المنورة والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بدأ رسالته السماوية العلنية من هناك، لقد ضحى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين(عليه السلام) وكثير من المهاجرين والأنصار حتى استقام الإسلام ووصل بيدنا في عصرنا الحاضر، لقد رحلوا عنا جميعا وبقي منهم كلماتهم الشريفة على الاوراق ومضاجعهم، وليس بيدنا الآن الا التمسك بتلك اللأوراق وتلك المضاجع الشريفة.
و«بقيع الغرقد» هو من أهم المعالم التاريخية والتراثية لدى هذه الدولة ولدى دين الإسلام، لأنه يضم أربعة من الأئمة (عليهم السلام) وزوجات النبي (صلى الله عليه وآله) وبناته واهل بيته وأصحابه وكثير من أكابر الأمة، وعندما نتصفح التاريخ نرى ان الكثير من الرحالين والسياحيين ذكروا هذه البقعة المباركة في آثارهم فمثلاً الرحالة «سير ريتشارد بورتون» يعطينا وصفاً دقيقاً وشاملاً لهذه البقعة المباركة مما يظهر لنا فمثلا يقول:« وهذه القبة ... أكبر وأجمل جميع القبب الأخری، وتقع علی يمين الداخل من باب المقبرة، ويدل علی أهميتها تجمع الشحاذين بقربها، فقد جاءوا إليها وتكأكأوا عليها حينما وجدوا الإيرانيين مجتمعين فيها بكثرة وهم يبكون ويصلون« ويقصد بذلك قبة الائمة الأربعة (عليهم السلام)، وأيضاً «مستر ريتر» و«ابن جبير» وغيرهم من الرحالة والسياحيين المسلمين وغير المسلمين الذين كتبوا عن هذه البقعة المباركة في آثارهم حيث يظهر جذب اهتمامهم لهذه البقعة المباركة.
ولكننا نرى أن حكام الدولة السعودية الحالية آل سعود أزالوا معالم هذا التراث العريق وهدموا القباب المباركة، ليس هذا فقط بل انهم ازالوا معالم تاريخية ودينية مهمة أخرى منها:
- قبة الوحي: وهي دار خديجة ام المؤمنين، ويوجد لها قبة صغيرة كان فيها مولد فاطمة الزهراء(عليهاالسلام).
- مكان مولد النبي (صلى الله عليه وآله)، والتربة التي وقع عليها ساعة الولادة. فقد بني في المكان مسجد أكثره من الذهب محفوف بالفضة، ويفتح هذا الموضع المبارك فيدخله الناس كافة متبركين به في شهر ربيع الأول ويوم الأثنين فيه على وجه الخصوص.
- دار الخيرزان: وهي الدار التي كان النبي (صلى الله عليه وآله) يعبد الله فيها سراً مع الطائفة الكريمة المبادرة للإسلام من أصحابه.
- بيوتات بني هاشم التي من بينها البيت الذي ولد فيه الرسول، وبيت النبي إبراهيم عليه السلام، وبيت أبي طالب.
- قبور شهداء بدر وعريش تاريخي نصب للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) القائد الأعظم وهو يشرف ويقود المعركة.
- دار الأرقم أول بيت تربت فيه طلائع الرسالة المحمدية وكان يجتمع الرسول سراً مع أصحابه.
- هدم أكثر من 44 مسجدا في الحجاز.
ليس هذا فقط بل أنهم احرقوا «المكتبة العربية» التي كانت تضم أكثر من 60 ألف من الكتب المهمة وأكثر من 40 ألف نسخة من الكتب الخطية التي كانت تضم الآثار للعصر الجاهلي والآثار الخطية لأمير المؤمنين (عليه السلام) وبعض الصحابة والقرآن الكريم الذي خُطّ بيد «عبدالله بن مسعود»، وأيضا كانت تحوي المكتبة على أنواع الأسلحة للنبي (صلى الله عليه وآله) والأصنام التي كانت موجودة عند ظهور الاسلام كاللات والعزى وهبل، أحرقوا هذه المكتبة المهمة والعريقة بحجة أنها تتضمن موارد تكفيرية.ِ
لا أعلم فهل يوجد حجة او كلام بعد هذا؟! ما أجمل ما قاله امير المؤمنين(عليه السلام): (اسْتَدِلَ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاهٌ وَلَا تَكُونَنَّ مِمَّنْ لَا تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلَّا إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلَامِهِ فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالْآدَابِ وَالْبَهَائِمَ لَا تَتَّعِظُ إِلَّا بِالضَّرْب).