الإمام الحسين: الشاب المضحي بشبابه
محمد علي جواد تقي
2023-02-25 07:05
"الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".
رسول الله، صلى الله عليه وآله
لم يكن الامام الحسين شاباً حينما استشهد على أرض كربلاء سنة 61 للهجرة، إنما كان عمره الشريف بحدود الستين عاماً، فهو شيخٌ كبير وفق الحسابات الاجتماعية، فكيف يكون سيداً لشباب أهل الجنة؟
في الذكرى الفواحة بالعطر لمولده الشريف، يسعدنا أن نفتح جانباً من سيرة الإمام الحسين، عليه السلام، غير تلك السيرة العاشورائية، فمن الواضح لدينا أن لهذا الإمام العظيم أوجه عديدة في شخصيته الاستثنائية، أبرزها؛ البطولة في ساحة الجهاد ضد الظلم والانحراف، والعلاقة الخاصة بالله –تعالى-، وأيضاً؛ التضحية بكل ما يملك لنصرة الدين وقيم السماء، وحتى نعرف جانباً من الجواب على السؤال الآنف الذكر يكفي أن نعود الى حديث جدّه المصطفى اليه في المنام بعد أن غفا قليلاً الى جانب المرقد الشريف، قبل ساعات من التوجه الى أرض العراق، فقال له، ضمن حديث طويل: "يابُني إنك قادم على أبيك وأمك وأخيك، وهم مشتاقون اليك، وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة".
وقد تحدثنا في مقالات سابقة عن سيرة المعصومين، عليهم السلام، أنهم كانوا على سيرة الانبياء والمرسلين، بشراً مثل سائر الناس، لهم مشاعر، ورغبات، وقدرات، إنما تميزوا على الآخرين بقدرتهم على ترويض النفس، والوصول الى درجات عليا من الايمان واليقين، وإلا فان الامام الحسين، عليه السلام، في صباه وشبابه، كان مثل سائر الصبيان يلعب ويركض مع أقرانه في المدينة، وفي شبابه كان مثل أي شاب آخر من حيث الظاهر طبعاً، وهذه سنّة إلهية في من يكون حلقة الوصل بين العباد و رب العباد، وبين الأرض والسماء، ليكون الحجّة البالغة على الناس أجمعين، ولئلا يقول البعض يوم القيامة: {رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}.
التضحية ليست دائماً بالدم
ومنذ نعومة أظفاره كان دور التضحية مرسوماً للحسين، بل حتى قبل ميلاده لم تستقبله الافراح والاستبشارات، لاسيما لأمه الصديقة الزهراء التي يفترض ان تكون أول المبتهجين بالمولود الجديد، وإنما استقبلته الاحزان في مثل هذه الايام عندما هبط جبرائيل على النبي الأكرم، بأن: "يا محمد! إن الله يُقرأ عليك السلام، ويبشرك بمولود من الزهراء، عليها السلام، تقتله أمتك من بعدك"، وفي الروايات؛ حزن النبي بشدّة لهذا النبأ المفجع، فهبط جبرائيل عليه، صلى الله عليه وآله، مرة اخرى، ونقل له رسالة جديدة بأن "يا محمد! إن ربك يُقرؤك السلام ويبشرك أنه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية"، فارتفع الحزن عن النبي –تقول الرواية- وقال: قد رضيت، ونفس الموقف كان للصديقة الزهراء.
وهذا يعني أننا أمام قاعدة ربانية فائقة الدقّة؛ بقدر تضحياتك تكون منزلتك في الدينا والآخرة، كما يعرف المُجدّون والناجحون أنه بقدر التعب تكون النتيجة، فهذه معادلة مادية عقلانية أكدها القرآن الكريم ايضاً: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}، وتلك معادلة معنوية ذات مدخلية في منظومة التربية والثقافة، فهي لا تنطبق على من يعيش الانطواء والإدعاء بالقرب من أهل بيت رسول الله من خلال بعض الاعمال العبادية والروحية، وإنما على من يعيش أجمل مراحل حياته؛ مرحلة الشباب، حيث القدرة البدنية، والطاقة الذهنية، وحالات الحماس، والاندفاع، والطموح، والتطلّع، ثم حب الظهور والتفوق، وفي لحظة واحدة يأتي القرار بالتضحية بكل هذا من اجل قضايا عظيمة لها مدخلية بالبناء الاجتماعي والحضاري للأمة، وهذه التضحية ليس بالضرورة أن تكون باسترخاص الدماء في ساحة المعركة، وإن كان هذا جزءاً من المشهد، بقدر ما يتعلق الأمر بأمور متعددة وتفصيلية في حياتنا، فالشاب الذكي والمتفوق في دراسته، أمامه خيار التضحية بوقته الثمين ليفيد أقرانه الشباب في الدراسة، ويمد لهم يد العون لتفهّم هذه المادة أو تلك، من خلال جلسات المذاكرة ما شابهها، او أن يضحي بسمعته وهيبته أمام حالات الانحراف الاجتماعي بغية التغيير والإصلاح، وأن لا يخاف في الله لومة لائم.
حصل في إحدى البلدان الاسلامية، أن شاباً كان واقفاً أمام محله التجاري، تعرض للطعن بالسكين في رقبته على يد شاب آخر شوهد وهو يتحرش بالفتيات في نهار شهر رمضان، بعد أن انزعج هذا الشاب الهائج من النواهي والنصائح من ذلك الشاب الشهيد.
النشأة والتربية لها الدور الحاسم
الامام الحسين، عليه السلام، الذي نحتفل هذه الايام بذكرى مولده، لم يرضع من أمه الزهراء، عليها السلام، يقول الإمام الصادق، عليه السلام، بل كان رسول الله يأتيه في كل يوم فيضع لسانه في فمه فيمصه حتى يروى فأنبت الله –تعالى- لحمه من لحم رسول الله.
كثيرة الاحاديث والروايات الخاصة بالعلاقة بين الامام الحسين، وجدّه المصطفى، وقد رواها لنا أرباب المنابر، وحفلت بها الكتب عن حياة الامام الحسين، إنما الشيء المهم جداً الذي تذكرنا به رواية الامام الصادق؛ الأهمية القصوى والدور الحاسم لطعام الطفل من الايام الاولى من ولادته وحتى يشبّ ويتدرج في مراحل حياته، أن يكون الطعام حلالاً طيباً.
كذلك الحال بالنسبة للنشأة الطيبة، والمحيط الاجتماعي النظيف الذي يربي الشاب النظيف في فكره وسلوكه، فيكون حذراً في نظراته وسمعه ولسانه، و يكون حسن المعشر، لاسيما مع والديه وأفراد أسرته، وقد أكد علماء التربية على دور الأسرة والمحيط الاجتماعي على صياغة شخصية الشاب المؤدب والمؤمن، وأيضاً؛ الشاب القادر على التضحية بما يملك من قدرات وامكانيات من أجل قيم الحق والفضيلة، ولإحياء قيم التعاون والتكافل في المجتمع.