اهمية الانسان في عملية التحول الكبرى ليوم الخلاص
باسم حسين الزيدي
2021-03-28 05:55
فكرة المخلص او المنقذ ليست بدعاً لجماعة معينة او حكراً لدين او مذهب او مدرسة ما، بل هي جزء من ايمان الشعوب وفطرتهم، (على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم)، التي تنفي ان يدوم الظلم والاستبداد والجور في هذه الأرض التي بنيت على يد الخالق القدير والعادل الرحيم، ومثلما جاء هذا الايمان في ثقافات الشعوب المختلفة، تشكلت حقيقة المنتظر او المنقذ في الأديان السماوية عموماً، والدين الإسلامي على وجه الخصوص، (باعتباره خاتم الأديان السماوية)، بأيمان راسخ لتصبح عقيدة مهمة وحيوية من عقائد الإسلام الأساسية، وقد تناولتها العديد من الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة، إضافة الى التفاسير والأبحاث والدراسات بشكل تفصيلي ومن مختلف النواحي، وهي بالتأكيد تحتاج الى المزيد من البحث والتقصي.
يقول سماحة المرجع السيد صادق الشيرازي: "إن موضوع الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه من المواضيع العميقة والواسعة، والمتشعبة الجوانب، والكثيرة الفروع، الأمر الذي يتطلب منا أن نزيد من مطالعاتنا، وبتدبر، في هذا الموضوع الهام".
لقد جاء في الآية الكريمة من سورة القصص: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)، كما ورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) قوله: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ذريتي اسمه كاسمي، وكنيته ككنيتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً"، ولعل متلازمة العدل والظلم التي طالما عانت منها البشرية طوال تاريخها، ومرحلة الانتقال الحقيقي نحو التحرر من هذا الظلم نحو العدل وما ترافقه من تغيرات كبرى تقوم على ثلاثة اركان اساسية:
1. إرادة السماء (الخالق) في دعم ومساندة هذا التحول.
2. وجود المنقذ او المخلص الذي يتمتع بمواصفات خاصة في القيادة.
3. الاستعداد البشري لقبول عملية التغيير نحو الخلاص من الواقع المتردي نحو الواقع الجديد.
ان الخلاص القائم على هذه الثلاثية لا يعني الاتكال على السماء وترك الأمور على عواهنها بانتظار اليوم الموعود للخلاص من الظلم والاستبداد، او انتظار المخلص لينهي الظلم ويعم الامن والسلام والعدل الأرض في يوم وليله، فهذا الانتظار يولد المزيد من الانكماش والسلبية (الانتظار السلبي) في النفس تجاه القضايا والاحداث التي يعيشها الانسان خلال حياته ويكون خلالها خاضعاً ومنقاداً للظلم والاستبداد بصورة تدريجية حتى يتحول الى جزء من منظومة الاستبداد والتخلف التي تخالف في فكرها وطبيعتها الطرف الاخر (الانتظار الإيجابي)، الذي يسعى الى محاربة التخلف والظلم وكل مظاهر الاستعباد والجور، والاستعداد النفسي والعقلي لتقبل عملية التحول الكبرى التي ستمر بها البشرية في يوم من الأيام.
ان العنصر البشري من اهم اركان التحول نحو دولة العدالة العالمية المؤمل اقامتها وتطبيقها في الاتجاهات الأربعة للمعمورة، لكنها مشروطة بمدى وعي الفرد ومعرفته بالتزاماته ونقاط ضعفه والعمل على إصلاحها، يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): "إذا أردنا أن نتشرف بلقاء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، فعلينا أن نسعى في تقليل نقاط الضعف وإصلاح النفس، فلو أصلحنا أنفسنا فإن الإمام عجل الله تعالي فرجه الشريف هو الذي سيأتي إلينا قبل أن نذهب إليه"، وهذا الامر يتطلب معرفة حقيقية بمدى المسؤولية التي ينبغي ان نحملها خلال مسيرة حياتنا وكيفية تطبيقها بصورة مثالية: "إن أردنا ونحن في عصر الغيبة أن نكسب رضا مولانا الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف فعلينا أن نكون كما يحب صلوات الله عليه، وهذا الأمر يرتبط أولاً ارتباطاً وثيقاً بمدى معرفتنا لمسؤوليتنا والواجب الملقي علينا، وثانياً بتطبيقهما والعمل بهما".
ان الخلاص لا يأتي من فراغ، بل هو عملية تراكمية نتيجة لازمان طويلة من الظلم وسنوات أطول من الظلام عانت فيه البشرية كل ما يمكن تصوره من الاضطهاد والماسي، ورغم سوداوية المشهد الذي يسرده لنا التاريخ البشري، لكن في نهاية المطاف سيولد هذا المشهد المزيد من التضامن والتعاضد البشري في عملية الاستعداد والقبول والانتظار ليوم الخلاص، وهو ما أشار اليه الامام محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه (الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه) بقوله: "يعيش الناس اليوم في مآسي كبيرة، وقد آل أمرهم إلى الاضطهاد وغلبة الطغاة والظلمة، وذلك في مختلف أنحاء العالم ولمختلف الشعوب، والكل ينتظر يوم الخلاص، وظهور المخلص"، واذا تحقق هذا الامر (يوم الخلاص) فأن: "العدالة بكل معانيها الشمولية ستملأ الأرض في جميع أنحائها، كذلك بالنسبة إلى الأمن والأمان، فبينما اليوم تفتقد معظم الشعوب الأمن والأمان وتقضي عمرها في الاضطراب والخوف من الحروب والجور، فهي تتطلع إلى الأمن الحقيقي، الذي يحققه الإمام المهدي عجل الله فرجه للبشرية جمعاء".
ان الدور الذي تفرضه علينا مرحلة الانتظار مهم للغاية في عملية التكامل البشري نحو الخلاص من ازمنة الظلم والجور والانتقال الى زمن العدل والقسط والرحمة في حكومة الامام المهدي (عليه السلام) العالمية، وهي مرحلة مختلفة كلياً عن أي مرحلة عاشتها البشرية او يمكن ان تعيشها في المستقبل، فالإمام المهدي (عليه السلام) انما يأتي لتحقيق مطلب فطري وطبيعي بحسب تعبير المرجع الشيرازي: "إنما جاء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أصلاً لإقامة أركان العدل، العدل الذي يشكل مطلباً طبيعياً وفطرياً للإنسان"، لذلك: "لا يقيم الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أساس حكمه على قواعد الشدة والعنف، وإنما على العدل واللين والرحمة والحسنى"، مع التفريق بين من سيكون في موقع المسؤولية عن غيرهم من باقي الناس: "يكون الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف مع الناس والمساكين رؤوفاً رحيماً، بالقدر نفسه الذي يكون فيه حازماً وحسيباً على عماله والمسؤولين".
والخلاصة ان زمن الاستعداد ينبغي ان يكون فيه الانسان على دراية تامة ووعي مستنير بأهمية احداث التغيير في كل لحظة من حياته، ولا يسمح للتراخي او التفكير السلبي او التراجع ان ينال من همته وسعيه في هذه الحياة، بل ينبغي ان يدرك تمام الادراك ان كل حركة او فعل يؤديهما الانسان خلال مسيرته يمكن ان تساهم مساهمة فعالة ومفصلية في عملية الانتقال الكبرى نحو يوم الخلاص، وعلى هذا الأساس عليه ان يدرك:
1. ان الفرد هو أساس حركة الانتقال نحو اليوم الموعود والتخلص من كل اركان الظلم والجور وشوائب الاستبداد والدكتاتورية حول العالم.
2. ان التفكير الإيجابي والتحرر من قيود الاستعباد والتبعية ورفض الظلم من اهم لبنات التعجيل بيوم الانفراج من الواقع المتخلف الذي تعيشه الإنسانية في الوقت الحالي.
3. ان الترويج لعدم صحة يوم الخلاص وإنها مجرد وهم او تمني للهروب من الواقع، هو ما روج اليه الطرف الرافض لعملية التحول الكبرى لأنه سيخسر كل مصادر السيطرة على الاخرين (القوة، السلطة، المال) لصالح الطبقة المستضعفة، لذلك ينبغي رفض الاستسلام لما يوحي اليه الواقع الظالم.
4. جزء من عملية نجاح الانتظار هو العمل على التغيير من خلال الاستعداد النفسي، فلن يتمكن الانسان من قبول الواقع الجديد والعيش فيه إذا لم يعمل على بناء نفسه وتطويرها، والاستعداد لعملية التحول، خصوصاً إذا ركن للظلم وتعايش معه.
5. ان مهمة من يؤمن باليوم الموعود الذي سيخلص البشرية من الظلم والاستبداد هو التعريف بالإمام المهدي (عليه السلام) ونشر الثقافة المهدوية التي يكون اساسها العدل والرحمة والحق، ورفض الظلم والجور، وتحقيق الامن والسلام، وبناء حضارة إنسانية يشترك فيه الجميع ويسعد فيها الجميع، وتغيير الصورة التي يحاول المتضررون من خروجه رسمها في اذهان الناس، وهو ما أشار اليه الإمام الشيرازي (رحمه الله) بقوله: إن "معظم الناس اليوم في العالم إما لا يعرفون الإمام الحجة عجل الله فرجه أو يعرفونه ولكن معرفة غير صحيحة، بأن سمعوا عنه من خلال أعدائه الذين شوهوا صورته أمام العالم، حيث صوروه على أنه سفاك للدماء، يجلب للبشرية الويلات، بينما هو رحمة الله الواسعة وباب نجاة الأمة".