صِناعةُ الدَّولةِ عندَ الإِمامِ عليٍّ (ع)
في ذكرى مولدهِ المُبارك في (١٣) رجب
نـــــزار حيدر
2021-02-27 04:30
وتعتمدُ على قاعِدتَينِ أَساسيَّتَينِ؛
١/ إِنَّها تتشكَّل من السُّلطة (الحُكُم) والأُمَّة (الشَّعب) تقومُ العلاقةُ بينهُما على أُسُسٍ إِنسانيَّةٍ وعلى قاعدةِ الحقُوقِ والواجباتِ المُتوازِنةِ والمُتبادَلةِ.
يقولُ (ع) {وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ؛ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ}.
ويقولُ (ع) {فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَاصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ، فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، وَوُكَلاَءُ الاْمَّةِ، وَسُفَرَاءُ الاْئِمَّةِ}.
وعن الحقوقِ والواجباتِ يقولُ (ع) {ثُمَّ جَعَلَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْض، فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا، وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَلاَ يُسْتَوْجَبُ بعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْض.
وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ، عَلَى الْوَالِي، فَرِيضةً فَرَضَهَا اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ لِكُلّ عَلَى كُلّ، فَجَعَلَهَا نِظَاماً لاِلْفَتِهِمْ، وَعِزّاً لِدِينِهِمْ، فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ.
فَإِذا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ، وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الاَْعْدَاءِ.
وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا، أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ، وَكَثُرَ الاِْدْغَالُ فِي الدِّينِ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ، فَعُمِلَ بِالْهَوَى، وَعُطِّلَتِ الاْحْكَامُ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ، فَلاَ يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ، وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِل فُعِلَ! فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الاْبْرَارُ، وَتَعِزُّ الاْشْرَارُ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللهِ عِنْدَ الْعِبَادِ}.
فإِذا تنمَّرت السُّلطةِ وفعلت كما يصِفُ (ع) {اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ} و {إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ} حقَّ للأُمَّةِ تغييرَها.
٢/ إِنَّ إِستقرارَها ونهُوضَها يعتمدُ على الأَغلبيَّةِ وليسَ على الأَقليَّةِ.
يقولُ (ع) {وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الاُْمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ.
وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ، أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَؤُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاَءِ، وَأَكْرَهَ لِلاْنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالاْلْحَافِ، وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الاْعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ، وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ لِلاْعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الاْمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ}.
ولذلكَ عمدَ الإِمام أَميرُ المُؤمنينَ علي بن أَبي طالبٍ (ع) إِلى خلقِ كلِّ الظُّروف والفُرَص والأَدوات والأَسباب لـ؛
أ/ مُوازنة القوَّة والنُّفوذ بينَ المُجتمع والسُّلطة، لحمايةِ الإِثنَينِ معاً وبالتَّالي لحمايةِ الدَّولة.
لأَنَّ تغوُّلَ أَيَّ واحدٍ منهُما على حسابِ الآخر يدفع بالدَّولة إِلى الإِستبداد (إِذا تغوَّلت السُّلطة) أَو الفَوضى (إِذا تغوَّلَ المُجتمع).
ولتحقيقِ ذلكَ إِعتبرَ (ع) أَنَّ القانُون فوقَ الجميع بِلا تمييزٍ على أَيِّ أَساسٍ كانَ، فالحاكِمُ والمحكُومُ سواءٌ أَمامَ القانُون.
يقُولُ (ع) {وَاللهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فعَلاَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ، وَلاَ ظَفِرَا مِنِّي بَإِرَادَة، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا، وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا}.
حتَّى زعيم الدَّولة يلزم أَن يخضعَ للقانُون والقضاء إِذا رفعَ مُواطِنٌ قضيَّةً ضدَّهُ في المحاكِم.
وفي نفسِ الوقت إِعتمدَ الإِمام (ع) مبدأ الرَّقابة الصَّارِمة على مُوظَّفي الدَّولة من أَجلِ أَن لا يعمدَ أَحدٌ منهُم لاستغلالِ سُلطتهِ أَو موقعهِ أَو مكانتهِ في جهازِ الدَّولة فيتجاوزَ حدُودهُ ويعتدي على حقوقِ المُواطنين أَو على المالِ العام.
يقولُ (ع) {وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً، فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ، وَاعْدِلْ عَنكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ، وَرِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ، وَإِعْذَاراً تَبْلُغُ فِيه حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ}.
ولهذا الغرض المُهم أَسَّس (ع) جهاز ما يُعرف بـ (شرَطَة الخميس) مُهمَّتهُ مُراقبة جِهاز الدَّولة ومنحَهُ سلطاتٍ واسعةٍ وتامَّةٍ لإِلقاءِ القبضِ على كُلِّ موظَّفٍ يُمسِكهُ الجهاز مُتلبِّساً بجريمةِ فسادٍ من أَيِّ نَوعٍ كان.
وقد سلَّم (ع) قيادةَ هذا الجهاز إِلى أَشجعِ وأَأمنِ وأَنزهِ حواريِّيه من مُوظَّفي الدَّولة ممَّن لا تأخُذهُم في الحقِّ والحقُوقِ العامَّةِ لَومةَ لائمٍ ولا ينهارُونَ أَمام الإِغراءَات مهما كانَ حجمَها ونوعَها.
ب/ النُّهوض بالمُجتمع على مُختلف المُستويات، الإِقتصاديّة والسياسيَّة والحربيَّة والأَمنيَّة وحتَّى التربويَّة والنفسيَّة.
فكانَ (ع) يحرص على تعليمهِ حتى لا يغفل أَو يُستغفَل، ويُغنيه حتَّى لا يفقَر فيُباعُ ويُشترى، قائِلاً {فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ؛ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ، وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا، وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْما تَعْلَمُوا}.
ومن أَدواتِ الوعي أَن لا تحُولَ السُّلطة دونَ حصولِ المواطن على المعلُومات الصَّحيحة بأَيَّةِ ذريعةٍ كانت.
يقُولُ (ع) {أَلاَ وَإِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلاَّ أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلاَّ فِي حَرْب}.
وكانَ يعيبُ على سُلطةِ الطَّاغُوت أَنَّها تُضلِّل المُجتمع بتغذيتِهِ بالمعلُومات الكاذِبةِ والتفسيراتِ الخاطئةِ للأَحداثِ والوقائِعِ.
يقولُ (ع) {أَلاَ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ، حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}.
وكانَ همُّهُ (ع) أَن يبني شخصيَّة المُجتمعِ بشَكلٍ سليمٍ وواعٍ فلم يشأ (ع) مثلاً أَن يرى مُواطِناً ذليلاً أَو ضعيفاً أَو مهزُوماً، بل كانَ يُحرِّضهُم على النَّقد وتقديم المشُورة بِلا خوفٍ أَو وجلٍ أَو تردُّد.
يقُولُ (ع) {وَلاَ تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ، وَلاَ تُخَالِطُونِي بالْمُصَانَعَةِ، وَلاَ تَظُنّوا بِيَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقّ قِيلَ لِي، وَلاَ الِْتمَاسَ إِعْظَام لِنَفْسِي، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ.
فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَال بِحَقّ، أَوْ مَشُورَة بِعَدْل، فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِىءَ، وَلاَ آمَنُ ذلِكَ مِنْ فِعْلِي، إِلاَّ أَنْ يَكْفِيَ اللهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي، فَإنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُو كُونَ لِرَبٍّ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ، يَمْلِكُ مِنَّا مَا لاَ نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ، فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالْهُدَى، وَأَعْطَانَا الْبصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى}.
كما كانَ يكرهُ أَن يرى النَّاس تُعظِّمَهُ كزعيمٍ على حسابِ كرامتِها وشخصيَّتِها المعنويَّة.
يقولُ (ع) وقد لقِيَهُ عندَ مسيرهِ إِلى الشَّام دهاقين الأَنبار، فترجَّلُوا لهُ واشتدُّوا بينَ يديهِ؛ مَا هذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ؟!.
فقالُوا: خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا.
فقالَ(ع) {وَاللهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهذَا أُمَرَاؤُكُمْ! وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكْمْ (فِي دُنْيَاكُمْ) وَتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ، وَمَا أخْسرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ، وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الاَْمَانُ مِنَ النَّارِ!}.
كما رفضَ (ع) أَن يسمعَ مَن يهتِفَ خلفَ مَوكبهُ (علي وياك علي) و (بالرُّوح بالدَّم).
يقولُ (ع) {وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الاِْطْرَاءَ، وَاسْتَِماعَ الثَّنَاءِ، وَلَسْتُ ـ بِحَمْدِ اللهِ ـ كَذلِكَ، وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لله سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ.
وَرُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلاَءِ، فَلاَ تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاء، لاِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللهِ وَ إِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ فِي حُقُوق لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا، وَفَرَائِضَ لاَ بُدَّ مِنْ إِمْضائِهَا، فَلاَ تُكَلِّمُونِي بَمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ}.
ج/ كما أَنَّهُ (ع) كانَ يقفُ بوجهِ تغوُّل الخاصَّة التي تلتفَّ حولَ الحاكِم وتتقرَّب منهُ لتستغِلَّ السُّلطةِ ولَو على حسابِ مصالحِ الدَّولة وأَمنها وحدُودَها.
قال(ع) وقد قالَ لهُ طلحةَ والزُّبَير؛ نُبايعُكَ على أَنَّا شُركاؤُكَ في هذا الأَمرِ.
فقالَ (ع) {لاَ، وَلكِنَّكُمَا شَرِيكَانِ فِي الْقُّوَّةَ وَالاْسْتَعَانَةِ، وَعَوْنَانِ عَلَى الْعَجْزِ وَالاَْوَدِ}.
وهوَ القائِل (ع) {وَلَمْ يُبَايعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهِ عَلَى البَيْعَةِ ثَمَناً، فَلاَ ظَفِرَتْ يَدُ المبايِعِ، وخَزِيَتْ أَمَانَةُ المُبْتَاعِ}.
ولقد حذَّر (ع) الخليفةَ الثَّالث من إِستغلالِ الخاصَّةِ لَهُ قائلاً {فَلاَ تَكُونَنَّ لِمَرْوَانَ سَيِّقَةً يَسُوقُكَ حَيْثُ شَاءَ بَعْدَ جَلاَلَ السِّنِّ وَتَقَضِّي الْعُمُرِ}.
د/ وكانَ (ع) يسعى دائماً للنهُوضِ بالطَّبقةِ الضَّعيفةِ في المُجتمعِ لأَنَّ بقاءَها على حالِها يُهدِّد أَمن الدَّولة، فوجودِ مثلِ هذهِ الشَّرائح في أَيِّ مُجتمعٍ بمثابةِ القُنبُلةِ الموقُوتةِ يستغلَّها تُجَّار الدَّم والحرُوب والمُخدِّرات والجنس لتدميرِ الدَّولةِ.
يقولُ (ع) {وَاجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَواضَعُ فِيهِ لله الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ، حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَعْتِع، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ(ص)يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن؛ (لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتِع)}.
إِنَّ الغفلةَ أَو التَّغافُل عن هذهِ الشَّريحةِ دليلٌ صارخٌ على فسادِ وفشلِ السُّلطةِ والحكومةِ.
فسلامٌ عليكَ أَيُّها الإِمامُ يَومَ وُلدتَ في جَوفِ الكعبةِ لم يسبقكَ إِلى ذلكَ أَحدٌ، ويَومَ غذَّتكَ يدُ النبوَّةِ بوصفِكَ {وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ(ص) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ: وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وليدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْل، وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْل} ويَومَ استُشهِدتَ في محرابِ الصَّلاةِ قائلاً {فُزتُ وربِّ الكعبةِ} فصاحَ جبريلُ {تهدَّمت والله أَركانَ الهُدى}.