ظلم المرأة في محكمة الإمام علي

محمد علي جواد تقي

2020-03-09 05:52

"أوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم".

(آخر ما تكلم به رسول الله قبل وفاته لأمير المؤمنين، صلوات الله عليهما).

إنه سؤال كبير وجدير في آن؛ أين تذهب المرأة المظلومة لتشكو ظلم زوجها أو أبيها او أخيها؟

القوانين الوضعية لم تحدد عقوبات جزائية واضحة تدين الرجل، إلا في حال انتهاك الاخير لحقوق تقرها المحكمة مثل تقيم الميراث، او حقوق والتزامات ما بعد الطلاق فيما يتعلق بالنفقة والابناء، أما المجتمع وقوانينه وأعرافه فانه لا يشجع المرأة على التشهير بحالها مهما ساءت المعاملة مع زوجها، فيوصوها بالصبر والتحمّل على أمل التغيير! وعند الجدار الأخير يكون الانفصال، والذي تخرج منه المرأة خاسرة ايضاً.

الزوج الظالم

من جملة ما أخفاه التاريخ علينا من تراثنا العظيم؛ مجريات الحياة الاجتماعية في صدر الاسلام، لاسيما في عهد أمير المؤمنين، عليه السلام، المعروف لدى المسلم وغير المسلم، بأنه كان عهد العدل والمساواة والحرية والكرامة الانسانية، فما هي الأحكام والحلول التي قدمها الإمام، عليه السلام، لابناء مجتمعه آنذاك، ونحن نعرف أنه ورث مجتمعاً متوتراً من الناحية النفسية بسبب الضغوط الاقتصادية التي مارسها الحكام الماضون، ومحاباتهم للمقربين، وعدم تقسيمهم بيت المال بالسوية، فكان من الصعب على متزوج خرج للتوّ من عهد عثمان وما أسرفه على بني عمومته (الأمويين) من آلاف الدنانير الذهبية، أن يكون ذو أخلاق حسنة وخصال طيبة، يدخل البيت فيحنو على زوجته وأطفاله، ويغدقهم بالحب والودّ ويضفي على بيته الدفء والتماسك.

مشهد واحد وصلنا، ليس من المؤرخين، وإنما مما رُوي عن الإمام الباقر ، عليه السلام، عن تلك المرأة التي لقيها أمير المؤمنين في ذلك النهار القائظ وهو عائد الى منزله، "وكانت تبكي وتقول: إن زوجي ظلمني وأخافني وتعدى عليّ، وحلف ليضربني. فقال لها الإمام، عليه السلام: يا أمة الله! اصبري حتى يبرد النهار ثم أذهب معك إن شاءالله، فقالت المرأة: يشتد غضبه وحرده عليّ، فطأطأ، عليه السلام، رأسه ثم رفعه وهو يقول: لا والله أو يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع، أين منزلك؟

فمضى، عليه السلام، الى بابه فوقف وقال: السلام عليكم..."، وتستمر الرواية بتفاصيلها حتى ينهي أمير المؤمنين المشكلة ويعيد الحق للمرأة ويكبح غضب الزوج بعد أن يتعرّف على هوية الإمام ويعتذر منه، ففي حالات مشابهة لم يكن جميع سكان الكوفة يعرفون شخص الإمام، وأنه الخليفة والزعيم السياسي –حسب المصطلح اليوم- إنما العبرة في آخر جملة قالها أمير المؤمنين قبل أن يودع المرأة وتدخل دارها حيث قال: "ادخلي منزلك ولا تلجئي زوجك الى مثل هذا وشبهه".

فاذا كانت المرأة اليوم تتسلح بالقوانين الوضعية لتأخذ حقها من زوجها في الحالات المتعلقة بالمال –على الأغلب- فان المجتمع في محكمة أمير المؤمنين، هو من يجب ان تلجأ اليه الزوجات، وايضاً سائر بنات حواء للنظر في بعض المظالم التي قد تحصل في الأسرة. فكما تكون لغة التهدئة والتسكين من البعض للمرأة، لابد ان ترفق بلغة التأنيب إزاء الرجل، او بعض ممن يتصورون أن ما يحملونه من رجولة تبرر لهم ما يفعلون، او يتخذون من القرارات ما يشتهون.

الدولة الظالمة

أمير المؤمنين، وهو الحاكم الأعلى لخمسين دولة وفق الخارطة الجغرافية الحالية، يمشي في طرقات الكوفة وإذا به امرأة تحمل على كتفها قربة ماء، فيأخذه منها ويساعدها على إيصالها الى دارها، ثم يسألها عن أحوالها فتقول: بعث علي بن أبي طالب، صاحبي (زوجي) الى بعض الثغور، فقتل وترك عليّ صبياناً يتامى وليس عندي شيء، فقد ألجأتني الضرورة الى خدمة الناس.

إنها بداية قصة الإمام مع تلك المرأة التي حمل اليها في يوم غد، الطعام الى بيتها، وشاركها في سجر التنور وخبز الطحين وإشغال الاطفال الجياع. وفي نهاية الرواية، وبعد أن تتعرف المرأة عليه، يهوّن الإمام عليها بالقول: "بل وا حيائي منك يا أمة الله فيما قصرت في أمرك".

ليس بالضرورة ان يكون لدينا رئيس جمهورية أو قائد عام للقوات المسلحة ممن يرسلون آلاف الشباب الى المعارك ويستشهدون هناك، ليقتدوا بأمير المؤمنين، ويحملون بسيراتهم الفارهة الطعام والمساعدات العينية الى عوائل الشهداء، وإن كان هذا مطلوباً منهم، إنما المسؤولية تقع على أبسط موظف في الدولة مروراً بالمدراء والمعاونين والمعنيين في الدوائر الحكومية والقضائية ممن يرتبط بهم مصير الناس وتحديداً المرأة، بل واحياناً ترتبط الكرامة والحقوق بموظف في دائرة حكومية.

إن ظلم المرأة الذي نسمع به في وسائل الاعلام يستهدف الأسرة والحياة الزوجية قبل كل شيء، وهو وارد في كل الاحوال، بيد أن الظلم الأكبر الذي تعانيه المرأة اليوم في العالم يأتي من المصانع والشركات التجارية والمؤسسات الانتاجية، الى جانب الدوائر الحكومية، وهو ما نلاحظه في بلادنا الاسلامية بشكل عام.

هنا؛ لنرى ما يحكم به أمير المؤمنين في مقطع من خطبة له حول مظالم العباد بأن "والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهّدا وأُجرّ في الأغلال مصفّدا أحب إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشيء من الحطام".

أن يكون الانسان مظلوماً أهون عليه من أن يكون ظالماً يوم القيامة للمرأة التي أوصى بها الله –تعالى- في كتابه المجيد، كما أوصى بها نبيه الكريم، فما أبلغ و أروع من مفردة "السَكن" الوارد في القرآن الكريم عندما بشّر بها الرجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}، (سورة الروم، الآية21)، فقد جعل الله الزواج والأسرة آية من آياته في الحياة الدنيا، كما هي الآيات العظمى الواردة في القرآن، مثل؛ خلق الانسان من التراب، واختلاف البشر في ألوانهم وألسنتهم، و اجتماع الخوف والطمع من الغيوم الراعدة والماطرة.

ونختم المقال بما هو صنوٌ للقرآن الكريم وشعبة من بلاغته الفائقة، من حكم أمير المؤمنين، عليه السلام، يوصي بها كل ذي لب وساعٍ الى حياة طيبة: "صيانة المرأة أنعم لحالها وأدوم لجمالها".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي