منهج الإمام علي في بناء المجتمع
بالحق ونصرة المظلوم
علي ال غراش
2018-06-07 04:50
من أهم أسباب المشاكل والأزمات التي يعاني منها المجتمع تعود إلى غياب العدالة الإجتماعية، في ظل انتشار واستفحال الظلم والفساد في ارجاء البلاد، وسكوت أغلبية أفراد المجتمع وبالخصوص الشخصيات والوجهاء، بل وخضوعهم للسلطة المستبدة والمفسدة والظالمة المسؤولة عن تلك المشاكل بمبرر المحافظة على الأمن والسلام وحماية إستقرار المجتمع.
الظلم والفساد عار لا يجلب الأمن والإستقرار
والحقيقة ان الظلم والإستبداد والفساد واستعباد الناس والترهيب واعتقال وتعذيب الشيوخ والأطفال والنساء وقتل المظلومين، في ظل عدم الدفاع والتضامن ولو بالكلمة مع النشطاء الإصلاحيين الشرفاء.. لا يحقق الأمن والأمان الحقيقي بل على العكس هو عار يكرس ويرسخ الظلم والفساد والانحراف بين أفراد المجتمع، ومعه ينتشر ويصبح حالة طبيعية في المجتمع لأنه برعاية السلطة.
فمن المستحيل أن ينعم المجتمع بالأمن والاستقرار في ظل سيطرة الظلم والفساد، وغياب العدالة والحرية والتعددية، والسكوت عن الإعتداء وقتل الأبرياء. فالعدالة هي التي تجلب الأمن والإستقرار للجميع وتساهم في بناء وتطور وحماية المجتمع.
منهج الأئمة لتكريس الحق
الأئمة - عليهم السلام - ليسوا طلاب سلطة دنيوية والرئاسة على الناس، وأمير المؤمنين الإمام علي - عليه السلام - ورغم حقه في الخلافة بعد الرسول الأعظم محمد (ص) حسب النصوص القرآنية والروايات، إلا انه عندما إغتصبت منه الخلافة - حينما كان مشغولا بتغسيل وتكفين ودفن الجسد الطاهر لرسول الله (ص) وعبر ترهيب المجتمع - حاول وبذل كل ما يستطيع لإثبات ذلك الحق وتذكير الناس بما قاله رسول الله (ص) بحقه وتذكير من بايعه بالإمارة في يوم الغدير، وعندما وجد تقاعس المجتمع والإنكار بسبب سياسة (...) لم يجبرهم الإمام علي (ع) لطاعته وفرض نفسه.. بل قال كلمته المشهورة، "لا رأي لمن لا يطاع".
الإصلاح الإجتماعي
وظل أمير المؤمنين الإمام علي (ع) يؤكد في كل مناسبة على حقه بالخلافة ورفضه للظلم، وعدم التعامل حسب المصالح والفن السياسي المتلون لتحقيق المآرب بل كان واضحا حازما في رفض الظلم والطغاة وسياسة التلون والدهاء السياسي الخبيث، ولم يبخل بتقديم النصح لكل من يطلب منه النصيحة ولو من الذين سلبوا حقه، وذلك لتحقيق الإصلاح وحماية المجتمع بما يخدم العباد والبلاد دون التنازل عن حقه وعن الحق والعدل وبدون مدح الحاكم، ويوجد الكثير من الخطب والكلمات للإمام حول ذلك منشورة في نهج البلاغة.
منهج العدالة ونصرة المظلومين والأخوة
حياة الإمام علي - عليه السلام - مع الحق والعدل ونصرة المظلوم والدفاع عن المظلومين، وتكريس مبدأ حماية حقوق أفراد المجتمع؛ فالعدالة والحرية واحترام التعددية وحسن التعامل وترسيخ مبدأ الأخوة الإنسانية -الاخوة في الدين او الخلق - عند الإمام علي - عليه السلام- حق للجميع.
وظل أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب - عليه السلام - إلى آخر لحظة من حياته يوصي أبنائه الحسن والحسين وأفراد المجتمع، بتقوى الله - أي الخوف من الله والورع والحذر من حب الدنيا-، وقول الحق ودعم العدالة والدفاع عن المظلومين، وعدم السكوت عن تجاوزات الظالمين.
حماية المجتمع من الانحراف
كل ذلك يأتي من باب حرص أمير المؤمنين الإمام علي - عليه السلام - على بناء المجتمع السليم وحمايته من الإنحراف الذي ينتشر في جسد المجتمع ويدمر الجميع عندما يسكت أفراد المجتمع وبالخصوص الشخصيات الدينية والسياسية وغيرها عن نصرة الحق والمظلومين.
فينبغي الحذر من التعاطي والتعامل وتمجيد ومدح الحاكم الظالم الفاسد المستبد القاتل للنفس.. مهما كانت الأسباب والمبرارات.
تقاعس المجتمع وعبودية السلطة
فالمجتمع الذي لا يتمسك بالحق ولا يطالب بحقوقه، ويسكت عن الجور والفساد وظلم الأبرياء، ويتقاعس عن نصرة المظلومين، ولا يضحي في سبيل الحق والعدل هو مجتمع منحرف وبعيد عن عقيدة ومبدأ مدرسة الإمام علي - عليه السلام - ويعيش حياة الذل والهوان والعبودية للسلطة الحاكمة المستبدة الفاسدة.
وصايا الإمام علي لبناء المجتمع الواعي
وقد أوصى أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب - عليه السلام - ولديه الإمامين الحسن والحسين أثناء مرضه بعد اعتداء ابن ملجم بضربه بالسيف وهو في محراب الصلاة أثناء صلاة الفجر في مسجد الكوفة، بمجموعة وصايا تشكل طريق النجاح للفرد وبناء المجتمع الواعي الناجح، حيث قال عليه السلام:
"أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ وَأَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَإِنْ بَغَتْكُمَا وَلَا تَأْسَفَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا وَقُولَا بِالْحَقِّ وَاعْمَلَا لِلْأَجْرِ وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً.
أُوصِيكُمَا وَجَمِيعَ وَلَدِي وَ أَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا ص يَقُولُ: صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ.
اللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ وَلَا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ. وَاللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ
وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ لَا يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُم.ْ
وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ وَاللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ لَا تُخَلُّوهُ مَا بَقِيتُمْ فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا.
وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْجِهَادِ بِأَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَ َلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَالتَّبَاذُلِ وَإِيَّاكُمْ وَ التَّدَابُرَ وَالتَّقَاطُع.َ
لَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ.
ثُمَّ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا لَا تَقْتُلُنَّ بِي إِلَّا قَاتِلِي. انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ وَلَا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَ الْمُثْلَةَ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ.
السلام عليك يا أمير المؤمنين الإمام علي - عليه السلام - يا وليد الكعبة المشرفة وشهيد المحراب في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك، يا صوت العدالة الإنسانية الخالد.