الحرية وشرعية الاختلاف عند الامام علي بن ابي طالب (ع)
د. احمد عدنان الميالي
2018-06-06 06:16
إن الإسلام جاء يريد الخير للجميع، لأوليائه ولإعدائه جميعاً، ولقد مثلت سياسة ضمان الحريات وشرعية الاختلاف والمحاورة والعفو مفصلا أساسيا في الإسلام جسدها النبي محمد (ص) والإمام علي (ع) ضمن إطار وبُعد إنساني متكامل. كون الحرية واحترام الآخر وإستيعابه حق أصيل طبيعي للإنسان.
يقول آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي: "الأصل في الإنسان الحرية في قبال الإنسان الآخر، بجميع أقسام الحرية، ولا وجه لتسلط إنسان على آخر وهو مثله".
ويقول آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي: "إن الحرية هي من أهم المسالك لعدل الحاكم سياسياً تجاه شعبه. مما يضمن استقرار ورفاهية المجتمع. فالحريات التي سنها الاسلام للمسلمين، هي تلك الحريات البناءة المشروعة المنضبطة، حيث لم يرى التاريخ الطويل للعالم لها نظيراً ولا مثيلاً، فإن الاسلام يعطي لكل فرد من المسلمين ولغير المسلمين من سائر البشر، كامل الحرية في جميع المجالات المشروعة، ما دام لا يضر بحرية غيره. وأول ما يبدأ الاسلام بتحرير الانسان فيه، حرية الفكر واختيار الدين، فالإنسان حر بنظر الاسلام في مزاولة كل أنواع الأعمال بمختلف أشكالها وأحوالها في أي زمان ومكان، وهو حر في جميع تصرفاته، في نفسه وأمواله وتصرفاته الشخصية، في جميع أبعاد الحياة الإنسانية".
كما يقول السيد صادق الحسيني الشيرازي: "هذا وكان عصر الإمام علي (عليه السلام) عصراً أنعم فيه الناس بالحرية الاسلامية والسياسية الواسعة، وهي أشبه بالحريات التي منحها الرسول (ص) للناس في صدر الاسلام، فكان المسلمون واليهود والنصارى والمجوس والمشركون، بل كل البشر يعيشون في ظل الاسلام حياة محترمة هانئة في عزة ورفاه في حكومة الإمام علي (ع)، فهو واضع الاُسس العميقة للحرية بعد النبي (ص) بأقواله ومنفذ ومطبق للحرية بأعماله وممارساته في أوساط الاُمة".
حيث ركز (عليه السلام) على أن العبودية لله وحده، وهي التي تحرر الانسان وتعتقه من القيود البشرية. فيقول: "من قام بشرائط العبودية اُهل للعتق. من قصر عن أحكام الحرية أعيد إلى الرق". ويقول (ع)، إن الحرية إنما هي طبيعة فطرية لدى الإنسان، وأن من ينطوي تحت نير العبودية البشرية، إنما هو بفطرته هكذا ويصعب عليه التحرر الداخلي وأن تحرر، "الحر حر وأن مسه الضر، والعبد عبد وأن ساعده القدر".
ويضع الإمام علي (ع) الحرية الإنسانية موضع الرأس من الجسم، وأن الإنسان الحر بطبيعته يكون محتملاً بشتى المصاعب لا يأبه بها دون إجتزاء، فيقول: "كل ما حملت عليه الحر إحتمله ورآه زيادة في شرفه، إلا ما حطه جزءاً من حريته، فأنه يأبه ولا يجيب إليه".
ويقول السيد صادق الشيرازي: "إن الإمام علي (ع) كان يستحضر سياسية منح الحريات السياسية مع المعارضة ويقدم عليها مبدأ العفو والسماحة، عندما تستوجب المصلحة الإنسانية التي هي أهم من غيرها، فإن العفو وإطلاق الحريات السياسية من حكم الله تعالى والضرب والإقصاء من حكم الله، وحكم الله يقتضي حكم الله الأهم. وبهذا التعامل السياسي بإطلاق الحريات وبهذا التعامل الإنساني بتقديم العفو والصفح، يستبقي الإسلام على المسلمين ويؤلف قلوب غير المسلمين ويستقطبهم إلى الإسلام ويعرفهم بمبادئه".
من هنا يتضح أن الإمام علي (عليه السلام)، لجأ إلى أسلوب المحاورة وإطلاق الحريات السياسية بدافع تبرئة الذمة وإلقاء الحجة تأميناً للعدالة السياسية في تعامله مع الخارجين على طاعته. حتى إذا أطمأن إلى ذلك واجه الأمر بكل حزم وجذرية. ومهما يكن فإن الإمام (ع) طرح نظرية سياسية، هي شرعية الإختلاف السياسي في النظام السياسي الإسلامي، وهذا يدعم ثقة الإمام (ع) بشرعية سلطته وإمارته التي مارسها على أساس منطق إسلامي قائم على البُعد الالهي لشرعية الحاكم المسلم.
إن الممارسة السياسية عند الإمام علي (ع) كانت محكومة بهاجس نبيل، هو تكوين الإنسان والمجتمع المتكامل القوي، حيث هدف السلطة في منظور الإمام علي (ع) هو بلوغ التكامل الإنساني، وأن الظلم والإستبداد يشكلان سداً بوجه الكمال الانساني، مما يتطلب تحطيم هذا السد، من خلال إنتهاج سياسة الصالحين والإلتزام بالقوانين الالهية، وهذه مسؤولية القيادة السياسية بأن تواجه أية موانع تقف بوجه تحقيق العدالة الإجتماعية وهذا ما حققه الإمام علي (عليه السلام).