السلم واللاعنف في نهج الإمام علي
شبكة النبأ
2018-06-05 06:00
راجي أنور هيفا
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله الكريم (يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة ًولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين).البقرة 208
ابسط ما يمكن أن نفهمه من هذه الآية المباركة هو أن السلم عمل الرحمن في حين أن الحرب والعنف هو عمل الشيطان، فكل حرب لسبب غير معقول ومع وجود الخيار السلمي هي حرب تسير بلا شكٍ على نهج شيطاني لا على نهج قرآني أو إنساني بل كيف لا تكون حرب كتلك الحرب حرباً شيطانية و الله يدعونا دائماً للسلم والسلام حتى أنه عز وجل قد أسمى نفسه (السلام) ووصف نفسه أيضاً في مبدأ كل سورةٍ من سور كتابه الكريم بـ(الرحمن) و (الرحيم). وبالتالي هل يكون السلام غير الرحمة والمحبة؟!!
فمسألة العلاقة بين السلم واللاعنف في الفكر الإسلامي الأصيل عموماً، وفي فكر الإمام علي (ع) خصوصاً هي علاقةٌ واضحة ُالمعالم إذ أنها تستمد وجودها من عمق الآداب الإلهية والأخلاق الرسالية.
فأمير المؤمنين علي (ع) وعلى الرغم من قصر فترة خلافته وعلى الرغم من الإضطرابات الخطيرة التي شهدتها الأمة الإسلامية وقتئذٍ كان خير معلم في رسم الخطوط العريضة لمذهب اللاعنف في الإسلام.
وبإمكان الدارس لسيرة أمير المؤمنين علي(ع) أن يلحظ أن هناك خطين أساسيين لمبدأ السلم واللاعنف في منظومتيه الفكرية العامة.
فالخط الأول يتمثل في كيفية التعامل مع العدو الخارجي وموقع ذلك العدو من مبدأ السلم واللاعنف.
أما الخط الثاني وهو برأينا الشخصي الأكثر أهمية والأشد حساسية، فهو ذلك الخط الذي يحدد مكانة ما يمكن أن يسمى بالعدو الداخلي، ولو كان مسلماً، وكيفية التعامل مع ذلك العدو من منطلق السلم المتمثل بالكلمة الطيبة وبالحوار المبني على الدفع بالتي هي أحسن.
ولو أردنا أن نقف قليلاً مع الخط الأول لنتعرف عن قرب على وجهة نظر الإمام علي (ع) من السلم ونقيضه مع العدو الخارجي، فما علينا إلا أن نقرأ تلك المقاطع الهامة من عهده الخالد لمالك بن الأشتر النخعي حين ولاه أمر مصر.
وغني عن الإستفاضة في القول أن الكثير من الدراسات والأبحاث قد قامت بدراسة وتحليل ذلك العهد من قبل العديد من المفكرين المسلمين والمسيحيين على حد سواء.
وكل من يقرأ ذلك العهد لابد وأنه سيدرك في نهاية المطاف أنه دستور كامل متكامل لكل حاكم أو رجل دولة يريد أن تكون السياسة مبدأً لا لعبة على مسرح الحياة.
وعلى كل حال، فإن الإمام علياً(ع) يحدد في ذلك العهد الخطوط التي يجب أن يسير عليها الحاكم أو الوالي في عملية التعامل مع العدو الخارجي المجاهر بعدائه للمسلمين.
وهاهو (ع) يقول في عهده مخاطباً الأشتر:
(ولا تدفعن صلحاً دعاك إليه عدوك ولله في رضىً، فإن الصلح دعةً لجنودك، وراحةً من همومك وأمنا ً لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحة، فإن العدو ربما قارب ليتغفل... وإن عقدت بينك و بين عدوك عقدةً أو ألبسته منك ذمةً فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة).(1)
إذن السلم مطلب أساسي ومبدئي في سياسة الإمام علي (ع) مع الأعداء طالما أن فيه رضى لله وحفظاً للأمة وصونا ًلكرامتها، وكما أن السلم مطلبٌ أساسي فكذلك الحال بالنسبة لاحترام العهود والمواثيق المبرمة مع العدو أيضاً، بالتالي فالحرب في هذه الحالة هي حرب على من اعتدى وبغى، وفي هذا ترجمة واضحة لقوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) البقرة /190.
ولذلك علينا ألا نستغرب من تمسك الإمام علي (عليه السلام) بالسلم ونبذه الواضح لكل مظهر من مظاهر العنف اللامبرر.
فالإمام علي (عليه السلام) هو القرآن الناطق مثلما أن القران هو الإمام الصامت. وعلى هذا الأثر فإن آيات الذكر الحكيم جاءت لتؤكد بشكل جلي على مسألة السلم والسلام، فقد خاطب الله عباده المؤمنين قائلاً: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) البقرة 208. وقد دعا الرسول الأعظم صلى الله عليه واله نفسه إلى الجنح للسلم إذا جنح إليه المشركون، فقال عز وجل (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) الأنفال/ 61.
ومن هنا، من هذه الانطلاقة القرآنية والتعاليم السماوية، نستطيع أن نستكشف رؤية الإمام علي (ع) لمبدأ اللاعنف في تعامله مع الآخر، فمن المعروف عنه (ع) أنه كان دائم الاهتمام بموضوع الإعذار، والإعذار هو إيضاح الأمر لدى الخصم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة.
وهذه الحقيقة المؤكدة في البعد الاجتماعي نجده جلية مشرقة في قاموس الإمام علي (ع) الإنساني على مدى امتداد فترة خلافته وما قبلها.
فرغم كونه القائد الحق، ورغم كونه المبدوء دائماً بالحرب، رغم ذلك فإنه لا يواجه عدواناً بالسيف حتى يبدأ بالوعظ والإرشاد والنصح والهداية يحاجج من جيّش الجيوش عليه وأقبل بالعدوان إليه.
ولو أردنا أن نأخذ أمثلة حيّة على ذلك، لوقع اختيارنا على الوقائع التالية:
ففي حرب الجمل المشهورة، نرى الإمام علي (ع) وقد نزل بالموضع المعروف بالزاوية في البصرة، فصلى أربع ركعات ثم رفع يديه داعياً: (اللهم رب السموات وما أظلّت، والأرض وما أقلّت، ورب العرش العظيم..... اللهم إن هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي وبغوا علي، ونكثوا بيعتي، اللهم احقن دماء المسلمين).
وبعد ذلك أرسل إليهم من يناشدهم الله في الدماء، فأبوا إلا الحرب، ثم عاد فأرسل إليهم رجلاً من أصحابه يقال له مسلم يدعوهم إلى الله، فرموه بسهم حتى جاء عبد الله بن بديل ورقاء بأخ له مقتول من الميمنة وجاء قوم برجل آخر قد رمي فقتل، وبالرغم من كل ذلك لم تكن هذه آخر مساعيه في طلب السلم وحقن الدماء، فبعث إليهم عبد الله بن عباس فأبلغ في الحجة لكنهم رفضوا إلا الحرب، فلم يستسلم الإمام علي (ع) لما كان، فعاد وأرسل إليهم أيضاَ عمار بن ياسر (رض) سبيلاً إلى السلام لعلهم يتذكرون قول الرسول (ص) له: (تقتلك الفئة الباغية)، غير أنه لم يفلح في مهمته، فما كان منه إلا أن عاد إلى الإمام علي (ع) ليقول له: (ليس لك عند القوم إلا الحرب).
وبعد أن كان ما كان من تلك الحرب الطاحنة وانتصاره فيها، نراه يعامل السيدة عائشة ربّة الجمل بكل احترام ووقار ويعيدها على الرغم من كل ما كان منها إلى المدينة عزيزة كريمة وكأنها لم تكن بالنسبة إليه عدوّاً ابداً، بل وفوق ذلك أيضاً فقد عفا عن كل المحاربين الأسرى وعن رؤوس التحريض كابن الزبير ومروان بن الحكم.
فهذا المشهد الأول من سياسة اللاعنف عند علي (ع)، والذي روته كتب التاريخ عموماً على مختلف مشارب مؤلفيها، هو أحد الأدلة القوية على أنّ نهج علي (ع) العام كان نهجاً إسلامياً حقيقاً رافضاً للتعصب نابذاً للعنف طالباً للسلم.
وهذا المشهد العملي أيضاً هو التطبيق الواقعي لنظرية الإمام علي (ع) في ضرورة طلب السلم ورفض العنف الذي تأباه النفس البشرية السوية، ومن أقواله المأثورة عنه (ع) في هذا المجال، قوله: (من عامل بالعنف ندم)، (ومن ركب العنف ندم)، وهو القائل أيضاً عن العنف (كن ليّناً من غير ضعف، شديداً من غير عنف).
وربما هذه الأقوال النظرية وما رافقها من تطبيقات عملية هي أحد الجوانب التي حببت به الكثير من المفكرين والأدباء المسيحيين المعاصرين سواء في الشرق أم في الغرب، حتى أنّ العديد منهم قد شبهه بالنبي سليمان الحكيم (ع) نظراً لما يملك من علم وحكمة في التعامل مع الناس والأحداث، وقد أكد ذلك المفكر والمؤرخ المشهور (فيليب حتي) في كتابه المعروف.
في حين أنّ البعض الآخر قد رأى أنّ الإمام علي (ع) قد لاقى نهايته المحتومة نتيجة الإفراط في تعامله الإنساني مع الآخرين الذين استغلوا نزعته الإنسانية للقضاء عليه وعلى تلك النزعة التي لا تروق لهم ولا لمخططاتهم وهذا ما أكده المستشرق الاسكتلندي (وليم موير) {1819- 1905} في كتاباته المتعددة عن تاريخ الإسلام والمسلمين.
أما المشهد الثاني من التطبيقات العملية لكراهة مبدأ العنف والميل إلى السلم في نهج الإمام علي (ع)، فيمكننا أن نراه في موقعة صفين الغنية عن التعريف.
فعلى الرغم من كل ما فعله معاوية وصاحبه عمرو بن العاص بالإمام علي (ع) من شقّ عصا الطاعة وتأليب الناس عليه وتجييش جيش إعلامي لتشويه سمعته وسمعة أهل بيت رسول الله (ص) عموماً واضطهاد أتباعه وملاحقتهم في كل مكان، نرى الإمام علياً (ع) يخاطب أتباعه الذين استبطؤوه في الخروج إلى صفين قائلاً:
(فوالله ما دفعت الحرب يوماً إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة، فيهتدي بي وتعسو إلى ضوئي، وذلك أحب إلي من أن أقتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها).
وبذلك، فإن الحرب عند الإمام علي (ع) هي بمثابة الخيار الأخير وبشرٍ لابدّ منه، أو بمثابة العمل الجراحي الذي لا مفر من القيام به بعد استنفاذ كل النصائح والإرشادات وكل الطرق الوقائية.
ولذلك، فعندما استبد الطرف الآخر برأيه وطمع بكرسيه وأبى بعد مراسلات عديدة إلا الخروج والقتال، لم يكن أمام أمير المؤمنين علي (ع) إلا أن وصل إلى حالة التعبئة العامة للجيش وملاقاة العدو، وقد أوصى جيشه قبل اللقاء قائلاً:
(لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم، فإنكم بحمد الله على حجة، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم، فإن كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً، ولا تصيبوا معوراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم).
ولم يتوقف الإمام علي (ع) عند حدود هذه النصيحة المتعلقة بآداب القتال كخيار أخير أمام السلم، بل إنه سمع في بعض أيام صفين قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام، فقال: (إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرفوا الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من نهج به).
إذن، حتى السباب والشتائم ضد العدو لا وجود له في قاموس الإمام علي (ع) الأخلاقي، فالميل إلى السلم ونبذ مبدأ العنف يبدأ عنده من مستوى الكلمة والحروف وينتهي عند لغة النزال والسيوف.
ومن الشواهد الجلية أيضاً على كراهة الإمام علي (ع) لمبدأ الحرب وحل المشاكل بلغة العنف والدماء، أنه سئل مرة: لم لا تحب الحرب إلا بعد فترة زوال الشمس؟
فكان جوابه (ع):(هو أقرب إلى الليل وأجدر أن يقل القتل ويرجع الطالب ويفلت المهزوم).
وهكذا نرى أن الحرب المفروضة على الإمام علي (ع) بدلاً من السلم الذي يريده هو، كان الإمام يظللها بالرحمة والعدل في الآخرين، فلا يجوز عنده قتل غير المحاربين ولا يجوز لحاق الفارين ولا يجوز عنده منع الأعداء من الماء حتى في وقت الحرب معه، كما حدث معه في صفين، ولا يجوز عنده منعهم من إقامة الصلاة أو الإغارة عليهم في وقت إقامتها، وتجوز عنده التوبة والرجوع عن الخطأ، ولا يجوز عنده تحقير الأسرى ولا إذلالهم، ويكفي أن نذكر مثالاً واحداً على ذلك هنا، وهو أن الإمام علي (ع) بعد وقعة صفين قام بإطلاق جميع الأسرى من جيش معاوية في حين أنّ عمرو بن العاص هو الذي أشار على معاوية بقتل جميع أسرى جيش علي (ع).
ومن التعليقات الهامة على مبدأ السلم عند علي (ع)، هو قول الأديب والمفكر العربي الكبير (جورج جرداق) صاحب كتاب (الإمام علي (ع) صوت العدالة الإنسانية)، ففي ذلك يقول: (ونحن لا نغالي إذا قلنا إنّ دعوة ابن أبي طالب للسلم كمبدأ عام، كانت منعطفاً إلى الخير في تاريخ العرب الذين كان حب القتال شريعة لهم في الجاهلية).
وبالطبع، فإن هذا الكلام من الأستاذ (جرداق) يمثل كلام الشريحة الأوسع من رجال الدين والأدباء والمفكرين المسيحيين الذين فتحوا نوافذ عقولهم المستنيرة على ثقافات وقيم الغير، فتفاعلوا مع تلك الثقافات والقيم، فاستفادوا وأفادوا، وتأثروا وأثروا، وها هو الزعيم المصري القبطي (مكرم عبيد) يقول صراحة: (نحن مسلمون وطناً، ونصارى ديناً، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن أنصاراً، واللهم اجعلنا نصارى لك، وللوطن مسلمين).
وآخر مشهد من مشاهد حب السلم ورفض العنف في سفر علي (ع) الإنساني، هو ذلك المشهد التراجيدي المهيب الذي يمثل آخر ساعة من ساعات الإمام علي (ع) بيننا قبيل انطلاقته ورحيله إلى الملأ الأعلى.
فحينما ضرب الخارجي عبد الرحمن بن ملجم، وإني أترفع عن سبه إمتثالاً لأوامر الإمام بعدم السب، أمير المؤمنين علياً (ع) في المحراب عند صلاة الفجر، نقل إلى داره، وقال له بعض ممن كانوا حوله: هذا عدو الله وعدوك ابن ملجم قد أمكننا الله منه وقد حضر بين يديك، فما أنت آمر به؟
ففتح أمير المؤمنين (ع) عينيه الحزينتين ونظر إلى ابن ملجم، وقال له بصوت منكسر حزين: يا هذا لقد ارتكبت أمراً عظيماً وخطباً جسيماً، أبئس الإمام كنت لك حتى جازيتني هذا الجزاء؟
ألم يكن يقال لي فيك كذا وكذا فخليت لك السبيل ومنحتك عطائي وقد كنت أعلم أنك قاتلي لا محالة؟ ولكن رجوت بذلك الإستظهار من الله تعالى عليك علّ أن ترجع عن غيك، فغلبت عليك الشقاوة فقتلتني يا شقي الأشقياء.
فبكى ابن ملجم بين يدي الإمام (ع)، فالتفت الإمام علي (ع) إلى ولده الحسن (ع) وقال له: (أرفق يا ولدي بأسيرك وارحمه، وأحسن إليه وأشفق عليه، ألا ترى إلى عينيه قد صارتا في أم رأسه وقلبه يرجف خوفاً ورعباً وفزعاً).
ولما دهش كل من كان حاضراً من رد فعل الإمام البالغ في الإنسانية، أكمل الإمام (ع) كلامه طالباً من ابنه الحسن (ع) ألا يغل له يداً وألا يقيد له قدماً، بل أضاف قائلاً: (نعم يا بني! نحن أهل البيت لا نزداد على المذنب إلينا إلا كرما وعفواً، والرحمة والشفقة من شيمتنا، بحقي عليك أطعمه يا بني مما تأكل وأسقه مما تشرب، فإن أنا مت فاقتص منه.. وإن عشت فأنا أولى بالعفو عنه، وأنا أعلم بما أفعل به).
وقد جاء في بعض المراجع والمصادر الإسلامية، وحتى المسيحية أيضاً، كما في ملحمة الإمام علي (ع) لعبد المسيح الإنطاكي، تلك الملحمة التي يبلغ عدد أبياتها الشعرية/ 5595/ بيتاً من الشعر، أنّ آخر ما قاله الإمام علي بشأن قاتله:
(إن أبق فأنا وليّ دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة، وهو لكم حسنة فاعفو، ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟).
هذا هو الإمام علي (ع)، وهذه هي عقيدته في السلم واللاعنف، هذا هو الإمام علي (ع) الذي علّم معلّمي البشرية أن الكلمة أمضى من السيف وأن السلام خير من السلاح، ثم ألم يعلم الإمام علي (ع) المهاتما غاندي داعية اللاعنف في العصر الحديث أن الذي يريد أن ينتصر على عدوه بالفضيلة والحق ونبذ العنف عليه أن يقتدي بابن الإمام علي (ع) وتلميذه الإمام الحسين (ع)؟
ألم يقل غاندي:(تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر).
هذا هو إمامنا ووصي رسولنا الذي علينا أن نقتدي به دائماً في الميل إلى السلم ونبذ العنف اللامبرر بكل أشكاله وصيغه، والذي يعلمنا دائماً وأبداً أن العنف لا يقود إلا إلى العنف، وأن السلم بيننا في الأرض هو المعراج إلى السلام في السماء.
وقد صدق الأديب والشاعر المسيحي (بولس سلامة) عندما أوجز الكلام في إنسانية الإمام علي (ع) بعد أن رأى أن السلم عنده منهاج متكامل في الحياة وليس على مستوى الحرب فقط، فقال: (سدرة المنتهى في الكمال الإنساني علي بن أبي طالب (ع).
ولذلك نرى دائماً وأبداً أنه إذا كانت إرادة السماء قد شاءت أن يكون نداؤها الأخير للإنسان قد تمثل نغماً قدسياً في رسالة الإسلام، فقد شاءت إرادة الحق أن يكون الإمام علي (ع) ضمير الرسالة وإمام الفضيلة وسيد السلام.