أم البنين ابنة الشجعان ووالدة الأقمار

بمناسبة استشهاد ام البنين

فهيمة رضا

2018-03-01 04:33

عندما اراد امير المومنين عليه السلام ان يتزوج من إمرأة، ذهب الى اخيه عقيل وطلب منه ان يبحث له عن عائلة عريقة، لأن (عقيل) كان نسّابة عارفاً بأخبار العرب فقال له: "انظر لي امرأة قد ولدَّتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً"، فقال له: "تزوّج بنت حزام الكلابية فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها" وفي رواية أخرى "أخي، أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابيّة، فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها".

يتبادر هنا هذا السؤال الى ذهن القارئ: بما أن امير المومنين علي عليه السلام كان عالما بكل شيء (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) إذاً لماذا ذهب الى اخيه وطلب منه ان يبحث له عن هكذا عائلة؟.

ربما اراد الامام ان يبين اهمية المشاورة في امر الزواج واحترام الكبار، حتى يهتم الآخرون بهذا البعد المهم في امر الزواج، ولا يكون الشخص طائشا أو كيفما كان، حين يقبل على هذا الامر الحياتي الذي يؤثر على مستقبل الانسان وسعادته، فالشخص الكبير يعرف حقائق قد تغيب عمّن هو أصغر منه، وينظر الى الأمور بطريقة ادق، فربما الاصغر منه لا ينظر من ذلك المنظار، وللأسف كثير من الزيجات تؤدي الى الطلاق لأن الزوجين لم يعرفا بعضهما البعض جيدا، ولم يحققا في اخلاق وسلوكيات الطرف المقابل جيدا.

تأثير النسب والرؤية بعيدة الأمد

إن الإمام امير المؤمنين عليه السلام يبين بعمله هذا للجميع أن الزواج ليس امرا ظاهريا، كي يبحث الانسان عن الجمال والمال فحسب، بل يطلب من اخيه ليبحث عن زوجة تكون من فحول العرب لأن العرق دساس كما ورد في الروايات، فبالتأكيد تتناقل الجينات بين أجساد البشر، أي تنتقل من أجساد السابقين الى أجساد اللاحقين، وكذلك فيما يتعلق بالامور الاخرى كالاخلاقيات والسمات الروحية والملَكات والصفات بشكل عام.

لهذا على الانسان ان يهتم بقضية الزواج، ولا ينظر اليه نظرة سريعة، بل عليه أن يتمعن فيها جيدا، لأنه في النهاية سوف يصبح لديه اطفال، وهؤلاء الاطفال اما ان يكونوا من الصالحين ويجعلون العالم يترحم على والديهم، أو يكونوا ممن دونهم حيث يبعثون العذاب لوالديهم (لا سمح الله).

اختار الله تعالى لأم البنين سلام الله عليها ان تنشأ في منبت طاهر في بيت الشجعان والكرماء،

فبهذه الصفات والكرامات استطاعت ان تعلو بها وتكون زوجة لأمير المؤمنين علي عليه السلام، وهو افضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه واله.

فامير المومنين كان كفوا لسيدة نساء العالمين فاطمة، الزهراء سلام الله عليها وكانت فاطمة كفوا لعلي كما ورد في الروايات، قال الامام الصادق: «لـو لا أن الله خلـق أمـير المؤمنين لم يكـن لفاطمـة كفـوا علـى وجـه الارض ادم فمن دونه». وفي بعض الروايات تساويهما في الفضيلة، هنا يبين فضيلة ام البنين سلام الله عليها، فهي ليست كفاطمة سلام الله عليها ولا تملك العصمة الصغرى، ولكنها عالية في الشأن ورفيعة في المقام لأن مسألة الكفو ايضا من المسائل المهمة في الزواج ويلزم ملاحظتها.

"والرســول الاعظــم حــّرض كــل رجــل وامــرأة بــالزواج مــن الكفــو الشــرعي باختيــار كــل واحد للاخر حسب الملاك المذكور: (ترضون خلقه ودينه)، وهذه القاعدة تجري على الطرفين الزوج بالنسبة الى الزوجة والزوجة بالنسبة الى الزوج، فكانت ام البنين قد بلغت درجة من الفضل والكمال حيث رضا امير المومنين باخلاقها ودينها فأقدم على الزواج منها".

ام البنين كانت في غاية الادب والمعرفة، حيث عرفت ما يجب عليها، وعندما دخلت الى بيت امير المومنين طلبت من الامام ان لا يذكر اسمها امام اطفال سيدة نساء العالمين، رفقا بمشاعرهم فقد اسماها امير المومنين بأم البنين، وقد رزقها الله اقمارا ليكونوا فرسانا يفتخر بهم العالم مدى الدهر، فكما ذكر اصحاب المقاتل شيئا عن بطولة اولاد ام البنين ومواساتهم للامام الحسين عليه السلام وكيفية استشهادهم فقالوا:

انه لما رأى العباس كثرة القتلى في اهله واصحاب الحسين بالنسبة الى عددهم القليل قال: (لاخوته الثلاثة عبد الله وجعفر وعثمان يا بني امي تقدموا للقتال بنفسي انتم فحاموا عن سيدكم حتى تستشهدوا دونه وقد نصحتم لله ورسوله).

نعم لا يتوقع من امرأة جليلة كأم البنين أولاد غير هؤلاء الشجعان، فأدب تلك الوالدة الجليلة عند الدخول الى بيت الزهراء تناقل الى نفوس هؤلاء الشجعان، ليقدموا كل شيء في سبيل امام زمانهم ويحترموا سيد شباب اهل الجنة، وليكتبوا اسماءهم واسم والدتهم في صفحة التاريخ ليتجدد شذاه في كل لحظة عندما تُذكر اسماء العظماء.

فسلام على تلك الشهيدة التي كانت حياتها في خدمة امير المؤمنين ويتامى الزهراء، وبينت مظلومية الحسين عليه السلام مع مولاتها زينب سلام الله عليها حتى قضت نحبها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
أم البنين للسيد محمد الحسيني الشيرازي
أم البنين النجم الساطع في المدينة

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا