كيفية محاربة الارهاب في عهد ترامب

مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

2017-02-11 06:30

ترجمة: هبه عباس
بقلم: دانيال بايمان-الناشيونال انترست
عرض وتحليل: د. خالد عليوي العرداوي-مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

 

كتب السيد دانيال بايمان أستاذ دراسات الأمن في جامعة جورج تاون ومدير البحوث في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكنغز أواخر شهر كانون الأول-ديسمبر الماضي مقالا مهما تحت عنوان (كيفية محاربة الإرهاب في عهد ترامب) نشرته الناشيونال انترست جاء فيه:

"سيكون التصدي لخطر الإرهاب، سواء كان حقيقيا أم ظاهريا على رأس أولويات ادارة ترامب، وعلى الرغم من قلة هجمات تنظيم داعش على الاراضي الامريكية، لكن اظهرت استطلاعات الرأي في وقت سابق من عام ٢٠١٦ ان ٧٣٪‏ من الامريكيين يقرون بتشيكل داعش تهديداً خطير جداً للولايات المتحدة، لكن اعتبره ١٧٪‏ معتدل الخطورة، ويعتقد ٨٠٪‏ منهم بوجود اصول للتنظيم المتطرف في الولايات المتحدة يمكنها شن هجوم ارهابي كبير ضد الولايات المتحدة في اي وقت.

ومن غير المستغرب اعتبار الارهاب لعبة سياسية، فمن خلال حملته الرئاسية حذر دونالد ترامب من التهديد الذي يشكله الارهاب الاسلامي المتطرف، وكتب تغريدة في موقع التواصل الاجتماعي تويتر من الأفضل أن نتدرّب على أفضل وأصعب صيام، قبل أن يفوت الأوان متهماً أوباما بمحاصرة الجنرالات الامريكيين في استراتيجية محكوم عليها بالفشل.

وقد كانت مكافحة الارهاب على رأس جدول اعمال الأمن القومي الأمريكي منذ ١١ سبتمبر، ولكن خطر الارهاب ومعاني مكافحة الارهاب غالباً ما يساء فهمها بشكل كبير، الامر الذي ادى الى زيادة الخطر، لذا يجب ان تتغير وسائل مكافحة الارهاب لمواكبة هذا التطور. اليوم، نرى إن أكبر التحديات الخارجية تتطلب اعادة تركيز الولايات المتحدة على مكافحة الارهاب، والعمل على وقف او احتواء الحروب الاهلية التي تدعم الحركات المتطرفة، وبالنهاية، فإن الجهد الأكثر فاعلية في مجال مكافحة الارهاب يمكن ان يدعم الحكم بشكل أفضل في المناطق المضطربة في الشرق الأوسط، اما في الداخل الامريكي، فان التحديات أكثر تعقيداً، اذ كشفت الانتخابات الفشل في الصمود المجتمعي وتشويه صورة المسلمين الأمر الذي ادى الى تمكين الجماعات الارهابية.

تشكل الجماعات الارهابية خطراً كبيراً على مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط اكثر مما هو عليه في الداخل الامريكي، والحقيقة ان الارهاب قد تغير على مر السنين ومع هذه التغيرات يجب تقديم توصيات للادراة الامريكية الجديدة بشأن نهجها في مكافحة الارهاب في الخارج، وتحديات اكثر في سياستها في الداخل.

من الصعب اليوم تحديد خطر الارهاب لانه يختلف باختلاف المنطقة اذ انخفض في الولايات المتحدة منذ احداث١١سبتمبر، حيث قتل اربعة وتسعون امريكياً فقط بفعل الهجمات الارهابية وهذا العدد كبير جداً، لكنه اقل بكثير من توقعات الخبراء في الاسابيع التي اعقبت احداث سبتمبر، اذا ما استثنينا الهجوم الذي نفذه عمر متين عام٢٠١٦ على نادي ليلي في قلب اورلاندو والذي اسفر عن مقتل تسعة واربعين شخصاً، كما قتل الارهابيين اليمينيين اكثر من نصف الامريكيين لكننا لم نسمع كثيراً عن ذلك.

ان السبب وراء عدم اعتبار هجمات ١١ سبتمبر حدثاً مهماً والابلاغ عن الهجمات الارهابية التي تزايدت منذ ذلك الحين هو خشية وجود علاقات بين الجناة والجماعات الجهادية مثل القاعدة وتنظيم"داعش"، وتقر وسائل الاعلام الاكثر عولمة بالاهتمام الصحفي الكبير بهجمات تنظيم "داعش" في دكا، والقاعدة في بالي ناهيك عن المناطق الاخرى المألوفة مثل باريس ولندن، وعلى الرغم من ان مشكلة الارهاب في اوروبا هي اشد من تلك التي تواجهها الولايات المتحدة الا انها لا تتجاوز مستوى الهجمات في العقود الماضية، اذ شهدت الفترة الممتدة بين عام ١٩٧٠ و١٩٨٠ هجمات اكثر بكثير من الهجمات التي تلت احداث ١١ سبتمبر، كما شهدت السنوات الاخيرة احداثا مروعة، مثل اطلاق النار وتفجيرات باريس التي حدثت عام ٢٠١٥ واودت بحياة ١٣٠ شخصاً، بينما شهد عام ١٩٨٠ مقتل حوالي ٤٤٠ شخصاً لقوا حتفهم بسبب تفجير طائرة" بان امريكان ١٠٣ من قبل عملاء ليبيين.

ان تصور الخطر أكثر بكثير من الواقع، فحتى بعد ١٥ عاما من الجهود المكثفة في محاربة الارهاب لايزال يعتقد ٤٠٪‏ من الامريكيين أن قدرة الإرهابيين على شن هجوم عنيف على الولايات المتحدة الآن أكبر مما كانت عليه في وقت هجمات ١١ سبتمبر، بينما يعتقد ٣١٪‏ حجم الهجوم نفسه.

في الوقت الذي يشعر فيه الرأي العام الامريكي بإحساس مبالغ فيه بتهديد الارهاب، كانت هناك زيادة في العنف ليس في الغرب فحسب، بل في جنوب اسيا والشرق الأوسط وافريقيا التي تشهد تهديدات مكثفة. ومن الصعب تتبع اعداد محددة منها وذلك لان الكثير من الجماعات الارهابية في المنطقة تشارك في الحروب الاهلية التي اودت بحياة مئات الآلاف، كما لا يمكن اعتبار الكثير من اعمال العنف من الناحية الفنية نوع من الارهاب لكن الخلط بينه وبين الحرب الاهلية يظهر الخطر الكبير الذي تشكله هذه الجماعات على المنطقة، كما ان الحروب المرتبطة بالارهاب ليست جديدة في الشرق الأوسط، فقد عانت لبنان في الفترة الممتدة بين ١٩٧٠-١٩٨٠ حرباً مأساوية وكان الارهابيون (الفلسطينيون وحزب الله) لاعبين مهمين فيها، كما تصدى الجهاديين الجزائريين للحرب الاهلية الشرسة ضد النظام عام ١٩٩٠ وقتل على اثرها مائة الف شخص، فضلا على الحرب الاهلية التي عانت منها كل من افغانستان ونيجيريا والسودان ودولاً اخرى في المنطقة، وعلى الرغم من هذا المعيار الدموي الذي يجب اخذه بعين الاعتبار لكن اعداد الضحايا في السنوات الاخيرة اصبحت اكثر سوداوية، وقد استفاد الارهابيون من الحروب الاهلية التي اسفرت عن قتل مائة الف شخص في افغانستان وعشرات الآلاف في باكستان ونيجيريا والآلاف في اليمن وليبيا ومئات الآلاف في سوريا.

ومن خلال هذه التصورات، يمكن تقسيم التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة الى ثلاث قضايا:

القضية الأولى هي الخطر الحقيقي على حياة الامريكيين وحلفاء الولايات المتحدة، والارقام المطلقة هي أكبر في اوروبا منه في الولايات المتحدة، وان الامريكيين أكثر عرضة للقتل على يد طفل مسلح منه على يد ارهابي عادي.

اما الخطر الثاني فهو خطر سياسي، اذ سجل ترامب العديد من النقاط من خلال تهديد المهاجرين المسلمين واللاجئين السوريين فضلا على خطر الارهاب الذي يلوح في الافق. يعد الدفاع عن امريكا اكثر اهمية من الدفاع عن حياة الامريكيين، وهذا يعني ايضا الدفاع عن القيم الامريكية، فضلا على كونه موطن الشعب المسالم المتعدد الاديان والمرحب باللاجئين. في اوروبا تعد السياسة أكثر شراً كما تكتسب الحركات الاجنبية قوة ملحوظة، كما شهدت بلدان مختلفة في اوروبا مثل المملكة المتحدة وفرنسا والمانيا والنرويج والنمسا وهنغاريا واليونان موجة من العداء للمسلمين والمهاجرين والقومية اليمينية.

والخطر الأكبر يمس مصالح الولايات المتحدة في مناطق المسلمين من اسيا وافريقيا والشرق الأوسط، اذ انهار الاستقرار والحكم في العديد من الدول وتقع دولاً اخرى تحت التهديد، فضلا على الخسائر البشرية فإن هذا الامر يهدد استقرار شركاء الولايات المتحدة وسينتج عنه مواجهات خطيرة مع دول مثل السعودية التي تتدخل في اليمن او بطريقة اخرى زيادة حدة التوتر الاقليمي في المنافسة مع ايران، كما يجعل الخطر حلفاء الولايات المتحدة مثل مصر يرفضون ضغط تحولهم الى النظام الديمقراطي، مدعين ان جميع اشكال المعارضة الدينية ترتبط بالارهاب.

تعطي الارقام فكرة تقريبية لحجم الخطر، لكن المقارنات البسيطة بين الماضي والحاضر تُهمل التغيير الذي الم بالجماعات الارهابية، اذ يؤثر بعض هذه المخاطر على هذه الجماعات وعلى عقيدتها، وبعضها الآخر على كيفية التجنيد والعمل والنجاح.

اصبحت المجاميع الرئيسة المعارضة للولايات المتحدة اكثر تطرفاً، ففي الفترة الممتدة بين ١٩٦٠-١٩٧٠ واجهت الولايات المتحدة حركة التحرير الوطني والحركات اليسارية مثل الفيتكونغ، وعلى الرغم من عدم الرحمة واثارة الرعب الذي كانت تتسم به هذه الجماعات لكنها كانت محط اعجاب الكثير من الامريكيين. تمثل الجماعات اليسارية الاصوات المهمشة لكن لديها ايديولوجية يفهمها العديد من الامريكيين وكان استخدامهم للعنف محدود جداً، ففي عام ١٩٨٠ قتل حزب الله المئات من الامريكيين لكن تركزت عملياته على القوات الامريكية والدبلوماسيين في الخارج وليس المدنيين في الداخل وعلى الرغم من هذا تم فرض قيود على نطاق هجماته وحجمها، كما اعترفت ايران بانها لو تعدت الحدود سوف تلقى رداً مدمراً من قبل الولايات المتحدة، واشار براين جنكينز احد رواد دراسة الارهاب في عام ١٩٨٨حتى الآن يبدو ان الارهابيين مهتمين بمراقبة الناس اكثر من اهتمامهم بقتلهم.

لكن تغير هذا الامر خلال احداث ١١ سبتمبر، اذ اتخذ تنظيم "داعش" خطوة اضافية، واثبت تنظيم القاعدة استعداده لقتل الآلاف من المدنيين من اجل ايصال رسالته الى الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين، على الرغم من ان الهجمات الاكثر دموية قريبة الى حد ما من هجمات عام ١٩٧٠ و١٩٨٠ الأكثر سوءاً، فان هذا افتراض يدل على تصميم الارهابيين على القتل الجماعي.

تتمثل مطالب القاعدة في حق تقرير المصير او تغيير النظام السياسي للبلد الواحد، لذا على الولايات المتحدة الانسحاب من الشرق الأوسط بشكل كامل، اذ اكدت اعمال تنظيم "داعش" هذا الاتجاه، حيث مارس الاستعباد الجنسي وقطع الرؤوس والاعدامات الجماعية للأقليات المسلمة والسنة الذين يعتبرهم غير موالين له، ولهذا فإن اهدافه تعد أكثر راديكالية، اذ يسعى الى انشاء دولة الخلافة واشعال حرب طائفية في المنطقة. يعتبر تنظيم القاعدة تنظيم "داعش" أكثر تطرفاً، اذ حذر المتحدث السابق باسم تنظيم القاعدة في امريكا "آدم غدن" من عقوبات صارمة في انتظار مقاتلي "داعش" بسبب الجرائم التي ارتكبوها بحق المسلمين، وان اثبات مسؤولية المجموعة عن قتل الآلاف من المدنيين الابرياء هو دليل على كونها عنيفة جداً.

لن تقدم الحكومات الاوروبية تنازلات للجماعات اليسارية، لكن السياسات المؤيدة للاتحاد والاحزاب السياسية التي احتضنت الشباب سريعي التأثر ادت بعض الاحيان الى ابعاد الريح عن اشرعة اليسار الراديكالي.

ونلاحظ ان تركيز الخصوم الرئيسيين اليوم اكثر اختلافاً مما كان عليه قبل بضع سنوات، فعلى الرغم من سعي تنظيم "داعش" الى قتل الامريكيين والأوروبيين لكن ينصب تركيزه الاساسي على الشرق الأوسط، و يسعى الى توسيع دولة الخلافة التي نصب نفسه فيها للدفاع عنها، وقد استنفذ اعداء المجموعة الاقليميين مثل حزب الله وتركيا والسعودية الكثير من طاقاتها، ولديه القدرة الكافية على مهاجمة اوروبا والهام الهجمات على الولايات المتحدة لكن الجزء الأكبر من جهودها هو محلي، وبالمقابل اولى تنظيم القاعدة اهتماماً كبيراً بالهجوم على الولايات المتحدة التي اسماها بن لادن "رأس الأفعى" وحلفاؤها في الغرب، واليوم ما تبقى من تنظيم القاعدة هو جزء اقليمي، اذ اعلنت مؤخراً جبهة فتح الشام التابعة للتنظيم والتي كانت تعرف سابقاً بجبهة النصرة عن قطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة وعدم مواجهة الولايات المتحدة وتأمل في العمل معها بشكل وثيق وبالتالي توحيد جماعات المعارضة السورية الأخرى.

وعلى الرغم من ان اولويات تنظيم القاعدة و"داعش" محلية اكثر من كونها عالمية الا ان نطاق عملياتها واسع جداً، ففي الماضي تمكنت مجموعات قليلة من الحفاظ على وجودها العابر للحدود، وبالمقابل فان لتنظيم القاعدة و"داعش" حلفاء محليين في العالم الاسلامي، وقد لفتت العمليات التي قامت بها الانتباه لنضالها وقدرتها على توسيع حربها، اذ تمكن اتباع تنظيم القاعدة في اليمن من اسقاط طائرة ركاب امريكية عام ٢٠٠٩، في حين تمكن تنظيم "داعش" في سيناء من اسقاط طائرة روسية في عام ٢٠١٥، مما أسفر عن مقتل ٢٢٤ شخصا.

جعلت التغيرات التكنولوجية هذه العمليات اكثر فائدة، اذ سعى الجهاديون المعادون للسوفيت في افغانستان الى تأسيس مجلة تمجد قضيتهم واستغرق امر نشر نضالهم سنوات عدة، وبعد عقد من الزمان سيقود تنظيم القاعدة عمليات النشطاء في جميع انحاء العالم من افغانستان ويرسل اشرطة الفيديو الخاصة بعملياته الى وسائل الاعلام في العالم، وتقدر الامم المتحدة ذهاب ثلاثين الف مقاتل اجنبي الى العراق وسوريا اي اكثر من كل الجهاديين مجتمعين، كما تتبنى المجاميع القديمة تكنولوجيا المعلومات اذ يدير حزب الله محطة تلفزيونية، وبهذا يمكن للمجاميع الارهابية التواصل بسهولة وفاعلية اكبر، وقد مكنت هذه التكنولوجيا تنظيم الدولة الاسلامية من توظيف مايسمى "بالذئاب المنفردة" لمهاجمة الولايات المتحدة واوروبا.

والى حد بعيد فإن التغير الأكبر هو الربط بين الجماعات الارهابية والسيطرة على الاراضي، اذ تسيطر حماس على غزة وحزب الله على جزء كبير من لبنان، كما يسيطر اتباع تنظيم القاعدة مثل حركة الشباب في الصومال على اجزاء من بلادهم، وبطبيعة الحال عندما كان تنظيم "داعش" في اوج ذروته عام ٢٠١٤ تمكن من السيطرة على اراضي تساوي مساحة بريطانيا العظمى، ولقي ترحيبا من قبل سكان هذه المناطق على الرغم من انهم يمقتون عقيدته، وبعد سنوات من الحرب الأهلية غالبا مايتبنى السكان المحليين اي شكل من اشكال القانون والنظام بغض النظر عن مدى التطرف.

مثل هذا التحول هو جزء من السبب الكامن وراء تركيز هذه الجماعات اقليميا ًومحلياً: بالعمل على ادارة الحكومة، وفرض القانون والنظام، وتقديم الخدمات، حتى لو على نطاق محدود يعد استنزافا للموارد والوقت، فضلا على ذلك ترغب هذه الجماعات في توسيع هذه الملاذات في الوقت الذي تتعرض فيه للهجوم، وهذا يتطلب امتلاكها قوات عسكرية تدافع عنها وتطالب بالمزيد من الاراضي. وقد اصبحت هزيمة هذه الجماعات الارهابية امرا صعبا؛ لان لديها الكثير من المؤيدين وتشترك في مجموعة واسعة من الانشطة اي أكثر من مجرد ارهاب، فحزب الله ليس عبارة عن خمسة اشخاص يسعون الى صنع قنبلة بل يدير المستشفيات والمدارس والوزارات الحكومية.

يعتمد نجاح الارهاب في كثير من الاحيان على رد فعل الحكومة التي يحاربها والافراد الذين يسعى الى التأثير عليهم، لكن تغير الوضع وأصبح أكثر سوءاً، فبعد احداث ١١ سبتمبر يجب ان تصبح حماية الولايات المتحدة من خطر الارهاب والخسائر البشرية من اولويات كل رئيس يأتي الى الحكم.

يجب ان تحافظ سياسات مكافحة الارهاب للإدارة الجديدة على افضل جهود ادارة اوباما وتواجه التحدي المتزايد، بناءاً على الجهود التي اتبعتها ادارة بوش بعد احداث ١١ سبتمبر، طورت ادارة اوباما نظام عالمي لجمع المعلومات الاستخبارية وتسببت في اختلال الامن وتردي الخدمات ونفذت ضربات جوية استهدفت الجماعات الارهابية وخاصة تنظيم القاعدة بشكل كثيف، وفي المناطق ذات الحكومات القوية تعمل الولايات المتحدة مع الاجهزة الامنية الشريكة لمراقبة واحتجاز واعتقال الارهابيين المشتبه بهم، وفي مناطق مثل باكستان واليمن والصومال شنت غارات بطائرات مسيرة للقضاء على القادة الارهابيين، لذا فان هذه الجهود تجعل من الصعب على الجماعات المتصيدة المشاركة في الحملة العالمية للارهاب، اذ سيتم القاء القبض على الكثير من اعضاءها في جميع انحاء العالم ويجعل تدريبها اكثر صعوبة اذ سيجعلها اكثر عرضة لاستهداف الطائرات المسيرة، جزء من تحول تنظيم القاعدة سابقاً وتنظيم "داعش" الآن الى" الذئاب المنفردة" لصعوبة استخدام ارهابيين اكثر تنظيما لاستهداف الولايات المتحدة.

فضلا على استمرار هذه الحملة، يجب ان تستغل الولايات المتحدة التغير التكنولوجي وتتعرف على الحقائق التكنولوجية التي لايمكن ان تتغير، وعلى الرغم من قدرة الولايات المتحدة ووجوب دفعها لشركات التكنولوجيا لعرقلة تجنيد الارهابيين فإن حماية الحق في حرية التعبير وانتشار تكنولوجيا المعلومات لاتزال نعمة للمجاميع التي لا يمكن تجنبها. يستخدم الارهابيون التكنولوجيا في وقتهم لأنها اصبحت أكثر تطوراً، ومن ناحية اخرى يمكن ان تستفيد الولايات المتحدة من مخرجات وسائل الاعلام الاجتماعية للارهابيين لكنها بدلاً من ذلك استخدمت البصمات الرقمية لتتبعهم، وتعد هذه جهود حيوية لايقاف وتحديد عمل الذئاب المنفردة، التي قد تكون مؤشراتها على وقوع هجوم وشيك عبارة عن منشور في موقع التواصل الاجتماعي تويتر او فيسبوك يجلب انتباه الاجهزة الامنية لهم.

التحدي الاكبر لمواجهة الارهاب اليوم يتعلق بالسيطرة على الاراضي، ففي المناطق التي تشهد حروباً اهلية ستتبع الولايات المتحدة برنامجاً لتدريب وتسليح الجيوش الحليفة والجماعات الفرعية، لذا تحتاج الى حلفاء أكثر كفاءة من اجل دعمها في الشرق الأوسط ومناطق الخطر الأخرى، وتعد مثل هذه القوات ضرورية لهزيمة تنظيم "داعش" وجماعات غيره، والامر الاكثر صعوبة السيطرة على الاراضي في الوقت الذي ترد فيه هذه الجماعات مع تجدد الهجمات وعمليات حرب العصابات.

ان التصدي للسيطرة الاقليمية يتطلب تحولاً جوهرياً عن عهد اوباما، اذ تبحث ادارة اوباما بقوة عن الارهابيين في جميع انحاء الشرق الأوسط الكبير وافريقيا، الا انها تخشى التورط في مستنقع السياسة في الشرق الأوسط، وكانت النتيجة تنفيذ حملة شرسة لقتل واعتقال الارهابيين الذين كانوا بمعزل عن البيئة التي تسمح لهم بإنشاء وتوسيع الحروب الاهلية. لذا يجب ان تكون ميزة سياسة مكافحة الارهاب في المستقبل انهاء الحروب الاهلية.

هذه التوصية اسهل من الناحية الروحية منه من الناحية العملية، وغالبا ما فشلت برامج التدريب العسكري في سوريا والعراق بشكل كارثي، وبعد اشهر او حتى سنوات من التدريب ساعدت الولايات المتحدة الجماعات الهاربة من مواجهة العدو، ففي الوقت الذي سيطر فيه تنظيم "داعش" على مدينة الموصل عام ٢٠١٤، فر حوالي ثلاثين الف من القوات العراقية المدججة بالسلاح من مواجهة الف مقاتل من التنظيم المتطرف وتركوا الكثير من الاسلحة وراءهم بما فيها دبابات نوع ابرامز والاسلحة الخفيفة والذخيرة، لكن توسع التنظيم في جزء قليل منها لان القوات العسكرية المتواجدة فيها كانت في المقام الأول من الشيعة ولديهم اهتمام قليل بالدفاع عن السنة وينظر الى الكثير منهم كأعداء، كما ينظر سكان مدينة الموصل الى الجيش بانه دمية في يد ايران، ولا يحظى الضباط باحترام جنودهم ويفتقرون الى الكفاءة المهنية، وعندما فروا من المدينة تبعهم جنودهم.

ستفشل برامج التدريب التي لا يصاحبها اصلاح واسع، كما ستحتاج الولايات المتحدة الى قادة وحدات صغيرة فضلا عن ضباط كبار كما يعد تحسين الحكم امر حيوي، هذه ليست مسألة مساعدات مالية او ديمقراطية واسعة بل ضمان تدني مستويات الفساد وتوفير الخدمات الاساسية.

وفي الوقت ذاته، كما تحاول الولايات المتحدة تصحيح اخفاقات الماضي، يجب استغلال النجاحات التي حققتها ادارة اوباما، وفي حالة تنظيم "داعش" يجب ان تكون الولايات المتحدة مستعدة للانهيار الكامل لما يسمى بدولة الخلافة، التي فقدت سيطرتها على الاراضي وتراجع تجنيدها للمقاتلين فضلا على التمويل. يجب ان يستمر فقدانه السيطرة على الاراضي والمقاتلين المحليين فضلا على عودة عشرات الآلاف من المقاتلين الاجانب الى ديارهم او ذهابهم الى بلدان اخرى، ونشرهم الارهاب، كما ستقوم المجموعة نفسها بتشجيع الذئاب المنفردة كوسيلة لإظهار قوتها لأنصارها واعدائها، وبعبارة اخرى لن يكتمل النصر في حال سقوط الرقة.

وفي اماكن اخرى، قد يكون أفضل امل لأمريكا هو احتواء العنف، فعلى سبيل المثال جيران سوريا مثل الاردن ولبنان وتركيا الذين يستضيفون ملايين اللاجئين يواجهون تهديداً ارهابيا كبيراً، لذا فان مساعدة هذه البلدان في خدمات مكافحة الارهاب وتأمين الحدود وتحمل عبء اللاجئين سيؤدي الى التقليل من مشكلة انتشار الارهاب و تحقيق الاستقرار.

لايمكن ان تتواجد الولايات المتحدة في كل مكان، وان جزء من مهمة الرئيس المنتخب دونالد ترامب هو رسم الخطوط بين مناطق المصالح المهمة وغير المهمة، قد يفضل البعض ترك الحلفاء فعلى سبيل المثال يمكن ان تستمر فرنسا في اخذ زمام المبادرة في اجزاء من شمال وغرب افريقيا، لذا يجب على الرأي العام الامريكي عدم السماح بحدوث المؤامرات الارهابية من خلال رد فعل مبالغ فيه، وعلى الادارة وضع هذا الامر بعين الاعتبار.

ربما لن يتمكن الرئيس الجديد من السيطرة على الوضع في الشرق الأوسط، فمنذ احداث ١١ سبتمبر اثرت في السياسة الداخلية ثلاثة من الاخفاقات في سياسة الولايات المتحدة لمكافحة الارهاب.

الاولى هي اضفاء الطابع المؤسسي، ففي عهد الرئيسين بوش واوباما كانت ادوات مكافحة الارهاب الجديدة والمثيرة للجدل مثل -عمليات القتل المستهدف وزيادة المراقبة المحلية والعمليات العدوانية لمكتب التحقيقات الفيدرالي والاحتجاز دون محاكمة- في محور عمليات مكافحة الارهاب، فضلا على ذلك فإن الولايات المتحدة تقوم بقصف تنظيم "داعش" في العراق وبشكل خاص في سوريا وفق مبرر قانوني مثير للشك.

فمنذ احداث ١١ سبتمبر، تم تقرير وحسم سياسة مكافحة الارهاب من قبل السلطة التنفيذية وتم تعديلها من قبل المحاكم، اذ كان الفرع الاكثر اهمية من الحكومة مغيباً في ظل القيادة الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، بغض النظر عن رغبة الكونغرس في توسيع وتقليص السياسات المذكورة تتسم النقاشات والتشريعات العامة بنوع من الحيوية.

وحتى الآن هذه القاعدة المحلية الضعيفة لمكافحة الارهاب تعكس الفشل الثاني الا وهو "المرونة" اذ تمثل الخسائر البشرية بسبب الارهاب في الداخل الامريكي منذ احداث ١١ سبتمبر نسبة منخفضة لكن تبقى المخاوف من الارهاب عالية، وفي خطابه التاريخي عام ٢٠١٣ وفي تصريحات لاحقة حاول الرئيس اوباما التحدث عن هذا التهديد وقال ان تنظيم القاعدة في طريقه الى الهزيمة واستبعد حدوث ١١ سبتمبر اخرى، لكنه مخطيء بهذا اذ ان نواقيس الخطر بشأن فظائع تنظيم "داعش" على الرغم من عدم تأثيرها بشكل مباشر على الولايات المتحدة او حتى المواطنين الامريكيين لكنها زادت من حدة الخوف من الارهاب. مازال من السهل على المجموعة الارهابية زرع الخوف وتعطيل الحياة في امريكا حتى من خلال الهجمات الصغيرة مثل تفجيرات بوسطن شلت مدينة كبرى، على الرئيس الامريكي الجديد اتباع نهج دقيق لطمأنة الشعب الامريكي بأنه سيأخذ التهديد على محمل الجد ويحد من المخاوف التي تصب في مصلحة الارهابيين.

واخيرا، تهدد هذه الانتخابات أحد أعظم نجاحات امريكا لمكافحة الارهاب الا وهي دمج الجاليات المهاجرة. ان قلة ثقة المسلمين في الخدمات الحكومية والامنية في العديد من البلدان الاوروبية، فضلا على شعور الخضوع والذل سيؤدي الى ارتفاع حركة اليمين المتطرف السياسية التي تنتقد باستمرار المهاجرين المسلمين والمواطنين، وعلى النقيض من أوروبا، فإن المجتمع الأمريكي المسلم هو أكثر تكاملاً ويتعاون مع سلطات إنفاذ القانون بشكل منتظم.

وللأسف ان تجريح ترامب للمجتمع الامريكي المسلم سوف يستمر... وهذه بطاقة على الطاولة من المرجح ان يستخدمها سياسيون آخرون، ومن الناحية المثالية يجب ان يضغط الرئيس الجديد على المسؤولين في الدولة من اجل العمل مع المجتمعات المسلمة، ليس فقط لوقف التطرف فيها بل حمايتها من المتطرفين اليمينيين، وان تحسين العلاقات مع المسلمين والاعتراف بمواجهتهم تهديدات امنية يومية سوف يساعد على ضمان استمرار انخفاض التطرف، وفي حال تحقيق هذا الامر سيتعاون المجتمع مع سلطات انفاذ القانون.

يجب ان يفهم دونالد ترامب الطبيعة المتغيرة للارهاب، ويعيد النظر في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ويعالج المخاوف الداخلية المتعلقة بالمرونة وزيادة التمييز ضد المسلمين، في حين قد يكون التحدي الأساسي لمكافحة الإرهاب هو الحروب الأهلية التي تغذي أسوأ الجماعات اليوم، وان الادارة القادمة سوف ترث جهاز هائل لمكافحة الارهاب على الرغم من فشله وعدم كفائته لكنه انجز هدفه الاساس على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، وان تجنب حدوث ١١ سبتمبر آخر واتباع سياسة اقوى وتحسين عمليات مكافحة الارهاب يمكن ان يؤدي الى تقييد التهديد وبالتالي اضعافه".

نظرة تحليلية

عند تحليل المقال نجد ان الكاتب كان دقيقا في تحليل بعض اسباب الارهاب الكامنة في ضعف وهشاشة انظمة الحكم القائمة في بعض البلدان، لاسيما الشرق أوسطية، واعتباره الفساد، وضعف الثقة المجتمعية، وانعدام الكفاءة، وغياب الشرعية... عوامل دافعة اضافية تعزز الخطاب الارهابي المتطرف. ويبدو ان الكاتب قد تلمس توجهات الادارة الجديدة وتوقع وقوعها في اخطاء حاول أكثر من مرة التنبيه اليها عندما اشار الى ان خطر الارهاب ليس هو الخطر الحقيقي الذي يقتل الامريكيين ويهدد حياتهم، وعندما نصح الادارة بضرورة عدم التمييز اتجاه مواطنيها المسلمين، وان عليها ان تستفيد من السياسات الناجحة للإدارات السابقة في محاربة الارهاب، فالمقال يعبر عن مخاوف من ادارة ترامب أكثر مما يعبر عن ثقة فيها، لذا كان عميقا في تقديم النصائح.

الا ان خطأ الكاتب يبرز عندما يحاول ان يؤسس لخطاب يحارب الارهاب، لكنه لا يميز بين الارهابي الحقيقي والعدو الذي يحمل قضية عادلة، فتراه يعد حزب الله والفصائل الفلسطينية تنظيمات ارهابية تقف على قدم المساواة مع داعش وتنظيمات القاعدة وأمثالها، وهذا خطأ جوهري يقع فيه هو وكثير من الكتاب الغربيين، فكثير من العنف نجم عن مثل هذا الخطاب، وكثير من المشاكل التي لم تجد حل لها سببها عدم إدراك هذه الحقيقة.

نعم ان الشرق الاوسط يعاني من مشاكل سياسية ومجتمعية كثيرة جدا، لكن جزء من المسؤولية في تفاقم هذه المشاكل، وتحويل بعض المجتمعات الى مجتمعات عنيفة الفكر والسلوك تلقى على الغرب الاستعماري اولا، والغرب الانتقائي في التعامل مع قضايا العرب والمسلمين ثانيا. وان ما يهدد الغرب اليوم وغدا ليس التنظيمات الارهابية لوحدها، بل الخطاب والسلوك السياسي الغربي المساعد على توالدها وتناميها، يضاف له خطر داهم جديد هو تنامي نزعة العنف والتطرف داخل المجتمعات الغربية، والتي يبدو انها ستتمدد كثيرا، لتشكل خطرا لا يقل عن خطر داعش واخواتها على السلم والامن الدوليين.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

..................................
http://nationalinterest.org/feature/how-fight-terrorism-the-donald-trump-era-18839?page=show

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي