عمليات تحرير الموصل: عجلة المعركة تتدحرج نحو نقطة الحسم

زينب شاكر السماك

2017-02-07 08:26

سيطرت قوات الحكومة العراقية بشكل كامل على الجانب الشرقي من مدينة الموصل بعد مئة يوم من انطلاق الحملة العسكرية للقوات العراقية المدعومة جوا وبرا من الولايات المتحدة الامريكية لطرد تنظيم داعش من مدينة الموصل أكبر المدن الخاضعة للتنظيم الارهابي في العراق وسوريا من حيث عدد السكان الذي بلغ قبل الحرب مليوني نسمة.

فقد شارك في الهجوم أكثر من 100 ألف فرد من القوات العراقية من بينهم أفراد من قوات أمن كردية محلية ومقاتلي الحشد الشعبي والعشائري. وكانت تقديرات القوات العراقية تشير إلى وجود ما يتراوح بين خمسة وستة آلاف مقاتل من تنظيم داعش في الموصل في بداية الحملة وتقول إن نحو 3300 لاقوا حتفهم في القتال منذ ذلك الحين، وتعتبر هذه الحملة الأكبر في العراق منذ الغزو الذي قادته أمريكا له في عام 2003.

بدأت القوات العراقية تحضيراتها للتقدم صوب الشطر الغربي من الموصل في المعركة المنتظرة يتوقع خبراء عسكريون ان تكون اكثر صعوبة من الشطر الشرقي ومن المتوقع ايضا أن يخوض مقاتلي داعش الارهابي قتالا شرسا وذلك لأسباب عسكرية ولوجستية.

رغم انه اقل مساحة من الجانب الشرقي لكن تتميز احياء الساحل الغربي بكثافة سكانية عالية وتشير تقديرات إلى أن 750 ألف شخص تقريبا يعيشون في غرب الموصل وإن الحملة شردت أكثر من 160 ألفا منذ بدايتها بحسب بيانات الامم المتحدة. ان شوارع الشطر الغربي المتقاطعة وشديدة الضيق بحيث لا تتمكن المركبات المدرعة من دخولها في حين تسمح باختباء مقاتلين عصابات داعش بين المدنيين.

تقع في الجانب الايمن ايضا البلدة القديمة المؤلفة من الاحياء القديمة والشوارع الضيقة و المساجد والكنائس كما تضم مسجد النوري المسجد الكبير الذي اعلن أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الارهابي منه الخلافة تحت حكمه في عام 2014 مايضيف قيمة معنوية كبيرة لتحرير الساحل الايمن.

اول استعدادات القوات العراقية لإعلان بداية المرحلة التالية من الحملة واستعادة الجانب الاخر من خلال اطلاق الجيش العراقي النار عبر النهر لإرهاق المتشددين وتدمير تحصيناتهم والهدف من ذلك جعل الحياة صعبة بالنسبة لمقاتلين داعش بإطلاق النار عليهم من مواقع القوات العراقية على الضفة الشرقية لدجلة وقتلهم ومنعهم من الفرار بينما تطوقهم قوات أخرى من اتجاهات مختلفة.

بالكفة الثانية انتشار مقاتلين تنظيم داعش الارهابي في الضفة الغربية من الموصل استعدادا لخوض هذه المعركة في الحفاظ على الجانب الغربي من الموصل والذي يعتبر املهم الاخير في الموصل او في العراق بصورة عامة حيث فجر المتشددون فندقا شهيرا في غرب الموصل في محاولة على ما يبدو لمنع القوات العراقية المتقدمة من استخدامه كقاعدة أو كموقع للقناصة بعد انتقال القتال إلى غربي نهر دجلة.

ايضا اقدم التنظيم الارهابي على طرد المدنيين من منازلهم على طول نهر دجلة على الضفة الغربية في الموصل مما جعل الأمم المتحدة تسابق الزمن لإعداد مساعدة عاجلة لمئات الألوف من المدنيين المهددين في الموصل. وقد توقعت المنظمة بنزوح كبير من الجانب الغربي.

وقالت ليز جراندي منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية التقارير الواردة من داخل غرب الموصل محزنة ان أسعار السلع الغذائية والمواد الأساسية ترتفع بشدة الكثير من العائلات التي بلا دخل يأكلون مرة واحدة فقط في اليوم وعائلات أخرى تضطر لحرق الأثاث من أجل التدفئة.

تبادل إطلاق النار عبر دجلة

ظل جندي عراقي يحدق في منظار عالي الدقة حتى رصد جرافة على الضفة الأخرى لنهر دجلة. وما كان منه إلا أن نبه وحدة النخبة التي يتبعها لتطلق صاروخا أحدث دويا هائلا أطاح بباب معدني خلف الجنود. أما الهدف الذي كان يستخدم لإقامة سواتر ترابية لتحصين مواقع تنظيم داعش فانفجر وتحول إلى كرة لهب أرسلت سحابة من الدخان الأبيض إلى السماء.

وشوهد المتشددون يتجمعون عند الجرافة لدى احتراقها. وبينما وصل بعضهم في شاحنة خفيفة أو على دراجة نارية جاء بعضهم سيرا على الأقدام غير آبهين فيما يبدو باحتمال سقوط صاروخ آخر. وقال الجندي مصطفى مجيد الذي يعمل على المنظار "الإرهابي الذي يقود تلك الجرافة يحترق. إنه ينضج."

والآن تطلق القوات النار عبر النهر لإرهاق المتشددين وتدمير تحصيناتهم استعدادا للمرحلة التالية من الحملة: معركة استعادة الجانب الآخر. وقال الضابط محمد علي لرويترز إن الهدف هو جعل الحياة صعبة بالنسبة للمتشددين بإطلاق النار عليهم من مواقع القوات العراقية على الضفة الشرقية لدجلة وقتلهم ومنعهم من الفرار بينما تطوقهم قوات أخرى من اتجاهات مختلفة.

وظهر الانضباط على الجنود وهم يتخذون مواقع على أسطح المباني خلف أكياس من الرمل ليتابعوا بدقة جميع حركات وسكنات المتشددين عن طريق النظارات المكبرة والمناظير أملا في أن تصيب بنادق القناصة أهدافها.

وإذا فقد تنظيم داعش الموصل فقد يمثل ذلك نهاية للخلافة التي أعلنها من جانب واحد والتي كانت تحكم ملايين الأشخاص في العراق وسوريا. ولا تزال السلطات العراقية وحلفاؤها الأمريكيون يتوقعون أن يشن مقاتلو التنظيم هجمات في العراق ويوعزوا بشن هجمات ضد الغرب.

وقال جندي "إذا كان هناك أقل من تسعة إرهابيين فإننا نتوقف عن إطلاق النار." ويعمل القناصة بحرية أكثر. فقد تخفى أحدهم على بعد بضع مئات من الأقدام من الضفة الشرقية لدجلة وفتح النار كل عشر دقائق أو نحو ذلك.

غرب الموصل أكثر تعقيدا من الشرق

قالت وزارة الدفاع العراقية في بيان على موقعها الالكتروني "تمكنت القوات المسلحة من تحرير الساحل الأيسر لمدينة الموصل بشكل كامل ولم يتبقى سوى الإعلان الرسمي للقائد العام للقوات المسلحة بعد أن كبدت العدو خسائر كبيرة بالأرواح والمعدات. وقال المتحدث العسكري العميد ركن يحيى رسول في بيان إن العمليات جارية لتطهير جيب متبق داخل الرشيدية بشمال شرق الموصل.

ويُتوقع أن يكون غرب الموصل أكثر تعقيدا من الشرق لما به من شوارع ضيقة لا تسع لمرور الدبابات وغيرها من المركبات المدرعة. يُتوقع أن يظهر المتشددون مقاومة أعنف مع التضييق عليهم وانكماش المنطقة الخاضعة لسيطرتهم في المدينة الواقعة بشمال البلاد.

ونسف المتشددون فندقا شهيرا في غرب الموصل لحرمان القوات العراقية من استخدامه أو اتخاذه قاعدة للقناصة عندما ينتقل القتال إلى غربي نهر دجلة. وقال التلفزيون الرسمي إن الجيش أقام عدة جسور على نهر دجلة جنوبي المدنية لتسهيل حركة الجنود في إطار التجهيز للهجوم على القطاع الغربي من الموصل. بحسب رويترز.

وتضررت الجسور الخمسة على النهر في الموصل جراء ضربات جوية بقيادة الولايات المتحدة لإبطاء حركة المتشددين قبل أن يدمر التنظيم اثنين منها. وسيمثل طرد تنظيم داعش من الموصل نهاية للخلافة التي أعلنها من المدينة لكن يُتوقع أن يواصل المتشددون تمردهم في العراق وتوجيه هجمات في الدول الغربية.

ينتشر مقاتلون داعش في غرب الموصل

أبلغ سكان محليون رويترز أن مقاتلي تنظيم داعش انتقلوا في الأيام القليلة الماضية إلى المجمع الطبي الرئيسي في الموصل المؤلف من 12 مبنى تقع بين اثنين من الجسور الخمسة بالمدينة وهي مواقع يمكن استخدامها للمراقبة ونيران القناصة. وقال أحدهم إن أعلى هذه المباني مؤلف من سبعة طوابق.

ومعركة السيطرة على الشطر الغربي من الموصل -حيث يوجد الجامع الكبير الذي أعلن منه أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الارهابي دولة "الخلافة" في عام 2014- قد تكون أكثر ضراوة لأن المنطقة تعج بشوارع ضيقة جدا يصعب على المركبات المدرعة دخولها.

ومن المتوقع أن يظهر مقاتلو التنظيم قتالا شرسا لأنهم محصورون في منطقة تزداد انكماشا لكن الشوارع الضيقة قد تحرمهم أيضا من أحد أكثر أسلحتهم الفعالة: التفجيرات الانتحارية بسيارات ملغومة. بحسب رويترز.

ونشرت الجماعة المتشددة لقطات التقطتها طائرات بدون طيار تظهر سيارات تنطلق بسرعة كبيرة لترتطم بتجمعات بعربات همفي ومركبات مدرعة للجيش قبل أن تنفجر. وفي بعض الحالات أمكن مشاهدة جنود عراقيين وهم يفرون بينما تسرع السيارات الملغومة نحوهم. وتظهر التسجيلات أيضا ذخائر أسقطتها الطائرات بدون طيار.

حرب شوارع ضارية

قال احد سكان حي الميدان في الجانب الغربي من المدينة التي يسيطر عليها الجهاديون، لوكالة فرانس برس ان التنظيم "اجبرنا على مغادرة منازلنا دون ان يسمح لنا بأخذ متعلقاتنا". واضاف طالبا عدم الكشف عن هويته خشية انتقام المسلحين الذين يسيطرون على المنطقة، ان داعش "نشر مواقع الاسلحة ووضع قناصة على اسطح المنازل وعند النوافذ".

واضاف "اجبرنا على ترك المنطقة لأنها ستصبح ساحة معركة، لذلك انتقلنا للعيش مع اقاربنا في انحاء اخرى من المدينة". واكملت القوات العراقية تقريبا سيطرتها على الضفة الشرقية من المدينة، وبدأت تركز على الشطر الغربي الذي يتوقع ان يشهد حرب شوارع ضارية.

واكد سفيان المشهداني الناشط في مؤسسات المجتمع المدني من الموصل ان تنظيم داعش الارهابي نشر مقاتلين في المباني على طول واجهة النهر. وذكر ناشط اخر هو عبد الكريم العبيدي ان السكان الذين كانوا يعيشون في مناطق شرق الموصل وكانوا يمتلكون متاجر او عقارات في المنطقة الغربية شاهدوا تنظيم داعش الارهابي يستولي على منازلهم ومتاجرهم في الايام الاخيرة. واضاف ان اخرين طردوا بحجة انهم لا يملكون تصاريح وتراخيص سارية.

وقال العبيدي ان "داعش وزع المتاجر والمنازل التي صادرها على مقاتلين في مناطق غرب الموصل خاصة بعد ان انخفضت مواردهم المالية بشكل كبير". ومقاتلو داعش في غرب المدينة محاصرون تماما ولن يتمكنوا من التزود بالإمدادات، الا ان شوارع البلدة القديمة الضيقة ستصعب على القوات العراقية التحرك.

نزوح جماعي محتمل في الهجوم على غرب الموصل

قال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين ماثيو سولتمارش "قد ينزح ما يصل إلى 250 ألف عراقي من ديارهم في ظل التصاعد المتوقع للصراع في غرب الموصل المكتظ بالسكان. وقد يتسبب احتدم القتال حول الحويجة على بعد 130 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من الموصل في نزوح 114 ألفا آخرين يضافون إلى 82 ألفا فروا منذ أغسطس آب. بحسب رويترز

وأبلغ ممثل الأمم المتحدة الخاص إلى العراق يان كوبيس مجلس الأمن أن استعادة غرب الموصل ستنطوي على تحد هائل في ظل العمليات المعقدة الخاصة بحرب المدن. الشركاء الإنسانيون يستعدون لمجموعة متنوعة من السيناريوهات المحتملة في القطاعات الغربية ومنها نزوح جماعي محتمل أو أوضاع شبيهة بالحصار تمتد لفترة طويلة أوعمليات إجلاء متتالية تديرها قوات الأمن العراقية." وأضاف أن ثمة مزاعم عن اختفاء مئات المدنيين في معركة سابقة للسيطرة على الفلوجة وأن السلطات العراقية لم تنشر حتى الآن نتائجها فيما حدث هناك.

الضربات الجوية بالموصل تقتل مدنيين

قالت رافينا شمدساني المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان خلال مؤتمر صحفي اعتيادي في جنيف "نتلقى الكثير من التقارير عن خسائر في صفوف المدنيين بسبب الضربات الجوية." وذكرت أنه رغم أن التقارير وردت من مناطق تسيطر عليها تنظيم داعش وقد تكون عرضة للتحريف نتيجة للدعاية ورغم تضاؤل مصادر الأمم المتحدة على الأرض في ظل نزوح الناس أو مقتلهم فإن التقارير التي تلقتها المنظمة الدولية "تبدو موثوقة".

وتابعت تقول "من الواضح أن مدنيين يُقتلون في ضربات جوية." وفي إحدى الحالات استهدفت ضربات جوية قياديا محليا في تنظيم داعش في غرب الموصل يوم 14 يناير كانون الثاني لكن الهجوم أسفر عن انهيار المبنى المستهدف والمنزل المجاور له وأفادت تقارير أن 19 شخصا قتلوا بينما أصيب 11.

وقالت "هذه الواقعة حصلنا على بعض الأسانيد لها. لكننا نعلم أيضا أن تنظيم داعش الارهابي يحشد أقارب المقاتلين في المنازل وأن هذا قد يساهم جزئيا في الرقم المرتفع للخسائر المدنية التي سببها الهجوم." ولم تصل شمدساني إلى حد الدعوة لفرض حظر شامل على الضربات الجوية في غرب الموصل حيث تقدر الأمم المتحدة أن نحو 750 ألف مدني لا يزالون موجودين هناك لكنها قالت إن على القادة العسكريين أن يتخذوا كل الخطوات الممكنة لتفادي الخسائر المدنية بما في ذلك تقليص نطاق الهجوم بأقصى قدر ممكن. بحسب رويترز.

وقالت "ينبغي الموازنة بين ما إذا كانت الميزة المتحققة من الهجوم العسكري تفوق عدد الخسائر المدنية التي من المرجح أن تحدث." وأضافت أنه في ظل الانتهاكات "الصارخة" للقانون من جانب تنظيم داعش الارهابي فمن المهم أن تضمن قوات الحكومة العراقية وحلفاؤها الاحترام الكامل للقانون الدولي ومحاسبة المخطئين.

الأمم المتحدة تسابق الزمن لتجهيز مساعدات للمدنيين

وفقا لتقديرات مسؤولي الأمم المتحدة ما زال 750 ألف شخص في الموصل غربي نهر دجلة الذي يجري عبر أكبر معقل حضري لا يزال تحت سيطرة تنظيم داعش في العراق بعد سلسلة من الهجمات التي نفذتها القوات الحكومية في شمال وغرب البلاد. وقالت ليز جراند منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية لرويترز "نسابق الزمن للاستعداد لذلك."

وأضافت أن وكالات الإغاثة تنشئ مخيمات للنازحين يمكن الوصول لها من غرب الموصل وتجهزها بالإمدادات مسبقا. وقالت في بيان منفصل "التقارير الواردة من داخل مناطق غرب الموصل محزنة أسعار المواد الغذائية الأساسية والإمدادات مرتفعة للغاية العديد من الأسر تأكل مرة واحدة فقط في اليوم كما اضطرت بعض الأُسر إلى حرق الأثاث لتدفئة منازلها."

وقال العبادي في مؤتمر صحفي في بغداد "الآن أدعو هؤلاء الأبطال للتحرك بسرعة أكبر لتحرير ما تبقى من الموصل وخصوصا الجانب الأيمن." وأضاف أيضا أن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بعث برسائل تعرض زيادة مستوى الدعم الأمريكي للعراق. وجعل الرئيس الأمريكي الجديد قتال تنظيم داعش أحد أولويات سياسته الخارجية.

وقال مسؤولون بالأمم المتحدة إن أكثر من 160 ألف مدني نزحوا منذ بدء الهجوم. وتقدر وكالات طبية ووكالات إغاثة العدد الإجمالي للقتلى والمصابين المدنيين والعسكريين بعدة آلاف. وقالت رافينا شمدساني المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في جنيف إن تنظيم داعش الارهابي "يواصل الهجوم على الفارين أو الذين يحاولون الفرار من المناطق الخاضعة لسيطرته" مضيفة أنه يقصف أيضا الأحياء التي سيطر عليها الجيش.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي