ألمانيا والإرهاب: بين السور الأمني ومكافحة صائدي الادمغة

عبد الامير رويح

2017-02-05 08:32

الهجمات الإرهابيّة التي حدثت في ألمانيا العام الماضي، دفعت السلطات إلى اتّخاذ إجراءات صارمة وقوانين جديدة بخصوص الشبكات الإرهابيّة والجماعات المتشددة، وإعادة النظر في السياسة الأمنيّة لهذا البلد الذي استقبل الكثير 1.1 مليون لاجئ العام الماضي، حيث اعلنت الحكومة الالمانية وكما نقلت بعض المصادر، اتخاذ تدابير أمنية مشددة بحق اشخاص يعتبرون خطيرين بعد اعتداء برلين الجهادي في كانون الاول/ديسمبر الماضي، بينها ارتداء سوار الكتروني وتسريع عمليات الترحيل لمن ترفض طلبات لجوئهم.

واكدت برلين ايضا نيتها ممارسة ضغوط على البلدان التي ترفض استعادة اللاجئين عبر تقليص او الغاء مساعدات التنمية، وفق ما افاد وزيرا الداخلية توماس دي ميزيير والعدل هيكو ماس في مؤتمر صحافي في برلين. وقال ماس "نريد ان نقوم بكل ما هو ممكن لعدم تكرار حالة (انيس) العامري"، في اشارة الى التونسي منفذ اعتداء برلين.

وصرح دي ميزيير انه مع هذه الاجراءات التي تشكل تتمة للقوانين الامنية التي يتم درسها او إعدادها "نريد رفع متسوى الأمن وتوجيه إشارة قوية الى مواطنينا". وبين هذه التدابير، فان ارتداء السوار الالكتروني قد يفرض على أشخاص عديدين يشكلون خطرا محتملا وخصوصا من يخرجون من السجن بعد إدانتهم بقضية إرهاب. كذلك، سيتم تسهيل عمليات احتجاز الأجانب الذين يعتبرون خطيرين على الامن القومي او تم رفض طلبهم اللجوء، وجعلها اكثر منهجية في انتظار الطرد من البلاد. وبالنسبة الى من ترفض طلباتهم للجوء، يمكن احتجازهم اذا رفضت بلدانهم الام استعادتهم ضمن مهلة ثلاثة اشهر. وتقول الاستخبارات الالمانية ان 548 متطرفا يقيمون او اقاموا في المانيا يشكلون حاليا خطرا على الأمن العام.

ويرى بعض المراقبين ان تشديد الاجراءات والقوانين في هذا الوقت بذات، يأتي من اجل تحقيق مكاسب سياسية جديدة خصوصا بعد ان استطاعت بعض الاحزاب اليمينية المتطرفة في اوروبا الاستفادة من الهجمات والممارسات الارهابية التي ازدادت بشكل كبير في بعض الدول بسبب هزائم تنظيم داعش في الشرق الأوسط ومحاولة البحث عن بدائل لإثبات حضوره.

أكبر اختبار

وفي هذا الشأن قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن الإرهاب الذي يمارسه إسلاميون متشددون يمثل أكبر اختبار تواجهه ألمانيا وتعهدت بسن قوانين من شأنها تحسين الأمن بعد هجوم دام قبل عيد الميلاد في برلين. وأضافت أن عام 2016 أعطى الكثيرين انطباعا بأن العالم "انقلب رأسا على عقب" وحثت الألمان على التخلي عن الشعبوية وقالت إن ألمانيا يجب أن تضطلع بدور قيادي في التصدي لكثير من التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي.

وقالت ميركل "يربط كثيرون عام 2016 بشعور أن العالم انقلب رأسا على عقب أو أن ما كان ينظر إليه طويلا على أنه إنجاز بات الآن موضع تساؤل. الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال." وأضافت "أو الديمقراطية البرلمانية التي يزعم أنها لا ترعى مصالح المواطنين لكنها تخدم مصالح قلة قليلة فحسب. يا له من تشويه" في إشارة ضمنية إلى مزاعم حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتشدد الذي يكسب أصوات الناخبين على حساب المحافظين.

وقبل الانتخابات المقررة في 2017 أشارت استطلاعات الرأي إلى أن تكتل المحافظين الذي تنتمي له المستشارة الألمانية في الصدارة بفارق كبير عن منافسيه لكن المشهد الانتخابي شديد الانقسام ينذر بتعقيد حسابات الائتلاف الحاكم. ونشرت صحيفة بيلد الألمانية واسعة الانتشار عنوانا يقول "2017 عام الانتخابات: بالنسبة لميركل لا شيء مؤكد بعد الآن." وكتبت الصحيفة أن بالنسبة لعدد متزايد من الناخبين فالمستشارة البالغة من العمر 62 عاما لم تعد محصنة من الانتقاد.

وأشاد الليبراليون في أرجاء الأطلسي بميركل كمرساة للاستقرار والعقلانية في عام شهد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة وتصويت بريطانيا بالموافقة على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وتدهور العلاقات الأمريكية الروسية إلى مستويات الحرب الباردة. وقارنت ميركل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بجرح عميق" وقالت إنه برغم أن الاتحاد الأوروبي كان "بطيئا ومرهقا" يتعين على الدول الأعضاء التركيز على المصالح المشتركة التي تتجاوز المصالح الوطنية.

وقالت ميركل "نعم لا بد أن تركز أوروبا على ما يمكن أن يكون حقا أفضل من الدولة الوطنية... لكن نحن الألمان لا يجب أن نُدفع للاعتقاد بأنه قد يكون أمام كل منا مستقبل أفضل من خلال المضي قدما بمفرده." وكانت هذه إشارتها الثانية لحزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي الذي يريد أن تنسحب ألمانيا من الاتحاد الأوروبي وأن تغلق حدودها في وجه طالبي اللجوء بعد وصول ما يربو على مليون إلى البلاد خلال العامين المنصرمين.

وأضر العدد القياسي للمهاجرين بشعبية ميركل وغذى أيضا تأييد حزب البديل من أجل ألمانيا الذي يقول إن الإسلام لا يتفق مع الدستور الألماني. لكن لا يزال من المتوقع أن يفوز حزبها المحافظ في الانتخابات العامة المقبلة. وجعلت ميركل من الأمن المحور الرئيسي للحملة الانتخابية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه. بحسب رويترز.

وفي كلمتها قالت ميركل إن الحكومة ستتخذ إجراءات لتحسين الأمن بعد أن اقتحم تونسي لم يتمكن من الحصول على حق اللجوء سوقا لعيد الميلاد بشاحنة في العاصمة يوم 19 ديسمبر كانون الأول مما أدى إلى مقتل 12 شخصا. وأعلن تنظيم داعش المتشدد مسؤوليته عن الهجوم. وقتلت الشرطة الإيطالية منفذ الهجوم في ميلانو يوم 23 ديسمبر كانون الأول ويحاول المحققون تحديد ما إذا كان لديه شركاء.

إصلاح جهاز الشرطة

الى جانب ذلك قال وزير الداخلية الألماني توماس دي مايتسيره إن على ألمانيا منح الشرطة الاتحادية سلطات أكبر لمواجهة تهديدات مثل الإرهاب والهجمات الالكترونية وذلك بعد قيام شخص فشل في الحصول على حق اللجوء باقتحام سوق كانت مقامة بمناسبة عيد الميلاد بشاحنته ليقتل 12 شخصا. وفي أكثر ردوده تفصيلا حتى الآن على الهجوم الذي وقع في 19 ديسمبر كانون الأول قال دي مايتسيره إن ألمانيا تفتقر إلى القوانين التي تطبقها دول أخرى كما أن أجهزة الشرطة والمخابرات غير موحدة بشكل كبير.

وأضاف في بداية عام انتخابي ستتصدر فيه الهجرة والأمن جدول الأعمال السياسي "يجب ِأن تكون بلادنا مستعدة للأوقات الصعبة بشكل أفضل مما هي عليه." وأضاف في مقال في صحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج "على الحكومة الاتحادية أن تكون قادرة على توجيه كل السلطات الأمنية حيث تعمل الحكومة المركزية والولايات معا بشأن الأمن العام." ولكل ولاية من الولايات الألمانية الست عشرة قوة شرطة وجهاز مخابرات خاص بها وأدى أسوأ هجوم شهدته البلاد منذ أكثر من 35 عاما إلى تجديد النقاش بشأن أفضل الطرق لمنع إهمال المعلومات التي يتم الحصول عليها.

وبعد الهجوم على السوق تبين أن التونسي المشتبه به أنيس العامري قضى نحو عام ونصف العام في ألمانيا مستخدما أسماء مختلفة ومتنقلا بين مناطق مختلفة في البلاد على الرغم من تصنيفه بأنه يمثل تهديدا أمنيا. ولعدة أيام استطاع الهروب من بحث مكثف وقام بعبور ثلاثة حدود دولية قبل قتله بالرصاص في إيطاليا. وقال دي مايتسيره إنه يجب أن يتولى جهاز الشرطة الاتحادية قيادة عمليات البحث التي تشمل أنحاء البلاد كما أن هناك حاجة لإجراء نقاش بشأن مركزية وكالات المخابرات . وأضاف أنه يتعين تحسين التنسيق لمراقبة عدة مئات من الأشخاص الذين يشكلون تهديدا ومن بينهم كثيرون عادوا من سوريا والعراق. بحسب رويترز.

وأضاف دي مايتسيره إنه يجب ألا تخشى ألمانيا من وضع مزيد من كاميرات المراقبة في الأماكن العامة للمساعدة في منع الجريمة وحلها. ويمقت الألمان مثل هذه الأساليب بعد التجسس الجماعي الذي كان يحدث في ظل جهاز الشرطة السرية (ستاسي) في ألمانيا الشرقية الشيوعية وخلال الحكم النازي. وقال دي مايتسيره إنه يجب احتجاز الأشخاص الذين يتم رفض طلباتهم للجوء إلى حين أن يتم ترحيلهم. وكان من المقرر ترحيل العامري إلى بلاده بعد رفض طلبه بحق اللجوء ولكن تونس رفضت قبوله بسبب عدم اكتمال أوراقه.

تجنيد الشباب

على صعيد متصل قال رئيس جهاز المخابرات الألماني إن تنظيم داعش يستخدم "صائدي أدمغة" على وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع التراسل الفوري لتجنيد شبان في ألمانيا بعضهم في الثالثة عشر أو الرابعة عشر من العمر. وقارن هانز جورج ماسن أيضا بين الجماعة الإسلامية المتشددة والحركات الراديكالية في الماضي مثل الشيوعية وحركة الاشتراكيين القوميين بزعامة أدولف هتلر التي حاولت أيضا استدراج شبان متحمسين للتمرد على آبائهم ومجتمعهم.

وأبلغ ماسن صحفيين أجانب في برلين "على شبكات التواصل الاجتماعي يوجد عمليا صائدو أدمغة يتوددون إلى الشبان ويجعلونهم يهتمون بهذا الفكر (الإسلامي)." وأشار ماسن إلى فتاة ألمانية من أصول مغربية قال إن اسمها صفية متهمة بطعن شرطي في محطة للقطارات في هانوفر في فبراير شباط من العام الماضي وإلى فتى عراقي عمره 12 عاما حاول تفجير عبوتين ناسفتين في بلدة لودفيجشافن بغرب ألمانيا في ديسمبر كانون الأول. بحسب رويترز.

وقال إن حوالي 20 بالمئة من نحو 900 شخص من ألمانيا جندتهم داعش للانضمام إلى القتال في العراق وسوريا هم من النساء وبعضهم في الثالثة عشر أو الرابعة عشر من العمر. وأضاف أن السلطات الألمانية تراقب 548 إسلاميا ينظر إليهم على أنهم يشكلون خطرا أمنيا لكن القانون الألماني لا يسمح بالقبض عليهم إلا إذا ارتكبوا جريمة. وقال ماسن إن أجهزة المخابرات الأوروبية ترى أيضا جهودا لاجتذاب قطاعات أخرى من المجتمع إلى التشدد عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي مع اجتذاب أعداد متزايدة من أشخاص لم يكونوا نشطين سياسيا في السابق إلى جماعات اليمين المتطرف. وتزايد التأييد لجماعات أقصى اليمين في ألمانيا في أعقاب وصول أكثر من مليون مهاجر وطالب لجوء على مدى العامين الماضيين كثيرون منهم شبان مسلمون فارون من الحرب في سوريا والعراق ودول أخرى.

اجراءات ومحاكمات

من جانب اخر قالت متحدثة قضائية إن سوريا عمره 19 عاما مثل أمام محكمة في ألمانيا بتهمة استطلاع مواقع في برلين حتى تكون أهدافا محتملة لهجمات ينفذها تنظيم داعش. وتأتي المحاكمة في وقت تبحث فيه ألمانيا إصدار قوانين أكثر صرامة لتعزيز الأمن، وقال مدعون إن من المعتقد أن الشاب السوري واسمه شعث الم. حارب في صفوف داعش في سوريا قبل أن يصل إلى ألمانيا في أغسطس آب عام 2015 ويقدم طلبا للجوء.

ويتهم السوري بتفقد معالم في العاصمة الألمانية مثل ميدان ألكسندربلاتز ومبنى برلمان الرايخستاج وبوابة براندنبورج في الفترة بين نهاية أغسطس آب 2015 وفبراير شباط 2016. وقالت المتحدثة باسم المحكمة ليسا جاني إن المتهم أرسل فيما يبدو المعلومات التي جمعها من أنشطة المراقبة التي نفذها إلى داعش في سوريا. وأضافت "المشتبه به متهم بالانتماء إلى تنظيم إرهابي في الخارج وانتهاك قانون" متعلق بالأسلحة. وإذا أدين المتهم السوري فسيصدر ضده حكم وفقا لقانون التعامل مع القصر حيث إنه ما زال دون الحادية والعشرين من عمره. وحددت المحكمة 25 جلسة في القضية حتى أبريل نيسان.

في السياق ذاته ذكر مكتب مسؤول الادعاء بولاية ألمانية إن مهاجرا سوريا وصل إلى ألمانيا قبل عامين ألقي القبض عليه للاشتباه بطلبه أموالا من تنظيم داعش لدهس حشد بشاحنة ملغومة. وقال ممثل الادعاء في مدينة ساربروكن بغرب ألمانيا إن السوري البالغ من العمر 38 عاما ألقي القبض عليه وصدر أمر اعتقال رسمي ضده للاشتباه بمحاولته جمع 180 ألف يورو (189 ألف دولار) لتمويل هجوم.

وأضاف المدعى كريستوف ريبمان أن الرجل الذي لم يذكر اسمه يشتبه بسعيه لجمع الأموال من الدولة الإسلامية في سوريا لشراء شاحنات وتحميل 400 - 500 كيلوجرام من المواد المتفجرة في كل منها. وتابع في بيان "يشتبه ...بطلبه 180 ألف يورو من شخص في سوريا من على هاتفه المحمول من ساربروكن في ديسمبر 2016 كي يحوز مركبات لتحميلها بالمتفجرات ودهس حشد بها." واعترف الرجل بالاتصال بتنظيم داعش لكنه نفى أنه كانت لديه أي خطط لشن هجوم. بحسب رويترز.

وأضاف ريبمان "قال إنه أراد المال من داعش لدعم عائلته في سوريا" مضيفا أن الرجل السوري قال إنه أراد خداع التنظيم المتشدد لإرسال أموال له. والرجل السوري من مدينة الرقة المعقل الرئيسي للتنظيم في البلاد. وكان مكتب المدعي في ساربروكن قرب الحدود الفرنسية قد تلقى معلومات بشأن أنشطته من مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية. وجاء السوري إلى ألمانيا في الخامس من ديسمبر كانون الأول 2014 قبل قليل من وصول 1.1 مليون طالب لجوء من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا في 2015. وحصل على إذن بالبقاء في ألمانيا في 12 يناير كانون الثاني 2015.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي