داعش في ليبيا: أنفاس اخيرة أم عمر جديد؟

عبد الامير رويح

2016-12-13 08:08

خسر تنظيم داعش الارهابي الذي يتعرض لهزائم كبيرة في العراق وسوريا، معقله الرئيسي في سرت الليبية، التي كانت تحت سيطرة التنظيم منذ 2015. ويرى بعض الخبراء ان خسارة سرت رغم انها تشكل نكسة كبرى، فهي لا تعني نهاية وجود تنظيم داعش في ليبيا التي لاتزال تعيش حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، وتوقعت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية وكما نقلت بعض المصادر، في سياق تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني إن القوات الليبية التي تدعمها الغارات الجوية الأمريكية أعلنت تصفية معقل داعش الرئيسي في ليبيا، وهي هزيمة قد تشكل انتكاسة لطموحات التنظيم الإرهابي في شمال إفريقيا. غير أن محللين قالوا إنه مع ذلك، لا تزال ليبيا في حالة غير مستقرة وسط المعارك المستعرة بين الميليشيات المتناحرة، فضلا عما يمكن أن تفعله الميليشيات المتبقية في البلاد من تقويض لحكومة الوحدة الوطنية الهشة المدعومة من جانب الولايات المتحدة.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى إقامة الاحتفالات في مدينة سرت الساحلية عقب نضال استمر سبعة أشهر لطرد داعش، فيما كانت معظم القوات الموالية للحكومة الليبية تبحث عن أي ميليشيات متبقية. ولفتت إلى تحطم آمال داعش بتوسيع خلافته المزعومة لتتجاوز سوريا والعراق وتصل إلى ليبيا، على الأقل في الوقت الحالي، غير أن المحللين يرون أنه رغم حالة الضعف التي أنهكت حرب داعش الدعائية وجهوده لتجنيد مزيد من المسلحين، لا يزال التنظيم الإرهابي نشطا في أجزاء أخرى من البلاد.

وأفادت واشنطن بوست بأن ليبيا يطاردها الآن شبح الخلايا النائمة التي تشن هجمات إرهابية، مثل تلك التي تضرب العراق وسوريا وأفغانستان مؤخرا عقب الانتكاسات التي لحقت بالتنظيم في هذه الدول. ونسبت الصحيفة إلى المحللة البارزة في شئون ليبيا في مجموعة الأزمات الدولية المستقلة كلوديا جازيني قولها إن استعادة القوات الحكومة الليبية السيطرة على سرت هي بالتأكيد ضربة قوية تؤثر سلبا على الجماعات المسلحة التابعة لداعش في ليبيا، لأنه بخسارة هذه المدينة الساحلية لن يكون للتنظيم الإرهابي معقل إقليمي في البلاد. خسارتهم سرت هو أمر بالغ الأهمية، لأنهم بذلك فقدوا فرصهم في ممارسة أنشطتهم في العلن أو تجنيد مزيد من المسلحين وفرض الضرائب مباشرة ، وأضافت جازيني إنه رغم انهيار داعش، لا يمكننا استبعاد أن يشن هجمات في أجزاء أخرى من البلاد .

وقالت الصحيفة إن سقوط سرت جاء في لحظة يشوبها التوتر بالنسبة لليبيا، فالميليشيات المتناحرة تقاتل من أجل الأرض وتحقيق مكاسب اقتصادية خلال الأيام القليلة الماضية في أسوأ معركة مشتعلة في العاصمة طرابلس منذ أكثر من عام، إلى جانب الاشتباكات المستعرة حاليا في بنغازي- ثاني أكبر المدن الليبية- ، فضلا عن تحريض الإسلاميين ضد القوات الموالية للجنرال خليفة حفتر- القائد القوي الذي تمكن من السيطرة على محطات النفط الرئيسية في الآونة الأخيرة- بينما كانت القوى المنافسة له تركز على حصار سرت .

كما لفتت إلى أن العنف الدائر في البلاد يضيف إلى التحديات التي تواجهها سلطة حكومة الوحدة الوطنية، والتي تسعى جاهدة لبسط سيطرتها في طرابلس منذ توليها السلطة في مارس الماضي، مشيرة إلى أن هذه التحديات على وشك أن تصبح أكثر تعقيدا مع تحركات داعش ومؤامراته المقبلة، التي من الممكن أن تكون بمثابة صحوة لاستعادة سيطرته مجددا .

ورجحت واشنطن بوست أن طرابلس يمكن أن تصبح الهدف التالي للمتشددين، فالعنف الدائر في العاصمة من شأنه أن يتسبب في مزيد من تقويض سلطة الحكومة وعدم تشجيع الأجانب على العودة، كما أن التوترات تتزايد بين الميليشيات في طرابلس، واندلاع أي قتال يمكن أن يساعد خلايا داعش في مؤامراتهم. واختتمت الصحيفة الأمريكية تقريرها بالقول إنه كلما تفاقمت حالة عدم الاستقرار في ليبيا، كلما زادت احتمالية إعادة تنظيم صفوف داعش، بل وتشكيل جماعات متطرفة أخرى في البلاد

جثث في الشوارع

وفي هذا الشأن اعلنت قوات حكومة الوفاق الليبية انها جمعت جثثا تعود الى اكثر من 260 مسلحا جهاديا خلال يومين فقط من شوارع ومبان في مدينة سرت. وتتواصل عمليات "التمشيط والتطهير" في مدن ساحل شمال ليبيا بعد ايام من اعلان قوات حكومة الوفاق الحاق الهزيمة بمسلحي تنظيم داعش. واوضحت المصادر نفسها في بيان انه تم جمع "266 جثة" لجهاديين "في شوراع او منازل مختلف في احياء سرت". ويرجح ان يكون هؤلاء قتلوا في المعارك الاخيرة في آخر حي تحصنوا فيه بالمدينة.

واضاف البيان "احصينا ما لايقل عن 2500 قتيل بين عناصر" التنظيم الجهادي "منذ بداية العملية" في 12 ايار/مايو، بحسب ما افاد مسؤول امني لقوات مصراتة المؤيدة لحكومة الوفاق. وسجل في صفوف القوات الموالية للحكومة سقوط 700 قتيل وثلاثة آلاف جريح. وجمع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج ابرز قادة العمليات الذين قاتلوا في سرت بهدف التحضير لاحتفالات اعلان تحرير سرت من الجهاديين، بحسب ما اعلنت وكالة الانباء الليبية.

واوضحت الوكالة ان الاعلان الرسمي لتحرير المدينة سيتم بعد "تطهيرها واستعادة الامن" خصوصا في حي الجيزة البحرية الذي كان تحصن فيه الجهاديون. وكان تنظيم داعش استولى على سرت في حزيران/يونيو 2015 مستفيدا من غياب الدولة في ليبيا الغارقة في الفوضى منذ الاطاحة بنظام الديكتاتور الراحل معمر القذافي.

اعادة تنظيم الصفوف

فقد تنظيم داعش قيادات بارزة في معركة فاشلة استمرت سبعة أشهر للدفاع عن معقله الساحلي في ليبيا لكن هناك بالفعل علامات على أنه سيحاول العودة للقتال من خلال خلايا نائمة وسرايا صحراوية. ويقول مسؤولون ليبيون إن مئات من مسلحي داعش ربما فروا قبل بداية معركة سرت في مايو أيار أو خلال مراحلها الأولى. وأثار هذا مخاوف من هجوم مضاد أو حملة للتنظيم المتشدد قد تمكن مسلحيه من إظهار أنهم لا يزالون نشطين على الرغم من الهزيمة التي وجهت ضربة قوية للتنظيم الذي يواجه ضغطا عسكريا شديدا في معقله الرئيسي بالعراق وسوريا.

وبعض الخلايا نشطة بالفعل. وقال هاني نصايبة من مينا ستريم لاستشارات المخاطر التي تراقب نشاط الجماعات المتشددة في المنطقة إن من المعتقد أن داعش وراء ما لا يقل عن 20 هجوما أو محاولة هجوم إلى الجنوب والغرب من سرت منذ أغسطس آب. وكان يعتقد قبل مايو أيار أن داعش لديها بضعة آلاف من المقاتلين المتمركزين في سرت- وتتفاوت بشدة التقديرات الخاصة بالعدد الدقيق.

وقال سكان من سرت ومسؤولون أمنيون في مصراتة وهي المدينة التي قادت الحملة لاستعادة معقل التنظيم المتشدد إن الوجود الأجنبي كبير في قيادة وصفوف مقاتلي داعش في ليبيا. وتم القضاء على الأرجح على جزء كبير من تلك القوة على مدار الشهور السبعة الماضية حيث قتل العشرات من الجانبين خلال أشد أيام القتال ضراوة. واستُهدفت داعش بنحو 500 غارة جوية أمريكية منذ أول أغسطس آب.

ويقول مسؤولون محليون إن عددا من الشخصيات الليبية الرفيعة المستوى لقوا حتفهم من بينهم الواعظ والقائد العسكري حسن الكرامي والمسؤول الكبير أبو وليد الفرجاني. وقال ماركو أرنابولدي الباحث في الإسلام السياسي المتخصص في شؤون ليبيا إن رسائل تعازي نشرت على حسابات مقربة من التنظيم المتشدد على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى أن قادة أجانب قتلوا أيضا لكن موقعهم في تسلسل القيادة أو مدى تأثيرهم في العمليات المستقبلية للتنظيم غير واضح.

رفض مسؤولون بمصراتة التعليق على تقارير عن قتل مسلحين من داعش بعد القبض عليهم لكن مقاتلين وقادة يقولون إنهم أسروا عددا قليلا من المسلحين إن كانوا قد أسروا أحدا في الأساس. وقدر إبراهيم بيت المال رئيس المجلس العسكري في مصراتة أن 1700 جثة لمتشددين انتشلت أثناء الحملة مضيفا أن عدد القتلى يفترض أن يكون أكبر نظرا لأن المتشددين انتشلوا بعض قتلاهم. وقال إن من بين الذين قتلوا في الأيام الأخيرة للمعركة في سرت أبو حبيب الجزراوي وهو سعودي يعتقد بأنه كان يسمى عبد القادر النجدي قبل تعيينه زعيما لداعش في ليبيا في مارس آذار.

ولم تعلن داعش وفاته. وذكرت وسائل إعلام بالمنطقة أن النجدي حل محله في سبتمبر أيلول جلال الدين التونسي والذي ربما عين لمواصلة القتال خارج سرت. وقال أرنابولدي "هو أحد الزعماء الذين سيعدون للموجة التالية لداعش من جنوب المدينة." ولم يخف التنظيم المتشدد خططه لمواصلة القتال في بلد لا تزال تعمه الاضطرابات التي استغلها التنظيم في الماضي. وفي أغسطس آب قال الزعيم الجديد لفرع التنظيم في شرق ليبيا أبو مصعب الفاروق إن شخصيات بارزة فرت من سرت تساعد التنظيم على إعادة تنظيم صفوفه على مقربة من المدينة. بحسب رويترز.

وفي أواخر أكتوبر تشرين الأول سلم زعيم فرع غرب ليبيا في التنظيم أبو حذيفة المهاجر بأن داعش تعاني لكنه قال إنها ستواصل حملتها "للفتح والتمكين" ولا تزال تجتذب مقاتلين أجانب على نحو ثابت. وقال "لقد نزح جل أهلنا في سرت إلى المناطق المجاورة منذ ستة أشهر - وما يزالون - ذاقوا خلالها الأمرين." وأضاف أن "المجاهدين في ولايات ليبيا ما يزالون بخير عميم وفضل من الله عظيم وما تزال مفارزهم الأمنية تنتشر في كافة المدن والمناطق وسراياهم تجوب الصحراء شرقا وغربا."

أمريكا تراقب

الى جانب ذلك قالت مسؤولة بارزة في وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة "تراقب بدقة شديدة" عناصر تنظيم داعش المتشدد الذين ينشطون من خارج سرت الليبية فيما يواجه التنظيم الهزيمة في معقله في شمال أفريقيا. وقالت ماري ريتشاردز نائبة منسق مكافحة الإرهاب للشؤون الإقليمية والدولية في وزارة الخارجية الأمريكية "لقد أحرزوا تقدما كبيرا جدا لكن المعركة كانت شرسة جدا وتكبدت القوات الليبية خسائر فادحة." وتابعت قائلة "نحن على ثقة كبيرة بأنهم في فترة وجيزة سيتمكنون من القضاء على أي تهديد قادم من سرت." بحسب رويترز.

لكن ريتشاردز قالت إن هناك حتما عناصر فرت وتشتت في أنحاء ليبيا. وأضافت "نحن نراقب عن كثب إلى أين ذهبوا." وقالت ريتشاردز "داعش في تراجع في العراق وسوريا. ولكن في تلك المنطقة أيضا في ليبيا نرى أن المتشددين يتعرضون لضغط كبير." وتابعت قائلة "لكن هناك من تم تجنيدهم محليا وبإمكانهم تنفيذ هجمات إرهابية دون أن يتنقلوا... التهديد من داعش سيستمر لكنه سيأخذ نمطا مغايرا فحسب."

على صعيد متصل اعلنت قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) في وقت سابق، تنفيذ 22 ضربة جوية جديدة ضد مواقع تنظيم "داعش" في ليبيا خلال 48 ساعة فقط. وقالت في بيان نُشر على موقعها الإلكتروني، إنها دمرت 63 موقعا قتاليا تابعا لـ"داعش" في سرت. وجاء في البيان أن الطائرات الأمريكية نفذت 8 ضربات جوية، وأصابت 22 موقعا للتنظيم، ونفذت 14 ضربة جوية أخرى ودمرت 41 موقعا للتنظيم. ويرتفع بذلك إجمالي الضربات الأمريكية في سرت إلى 492 ضربة، منذ انطلاق عملية "البرق أوديسا"، الأول من أغسطس/آب الماضي. وجدد البيان التزام الإدارة الأمريكية بدعم حكومة الوفاق الوطني والجهود الدولية لاستعادة الأمن والاستقرار إلى ليبيا.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي