معركة داعش وخارطة تغيير الشرق الاوسط

حيدر الاجودي

2016-10-30 06:48

قبل مائة عام، وقع الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والدبلوماسي البريطاني مارك سايكس، وبموافقة الامبراطورية الروسية آنذاك، على اتفاقية لتقسيم الامبراطورية العثمانية، والتي عرف عنها بأتفاقية (سايكس بيكو) والتي تضمنت على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، ابان الحرب العالمية الأولى.

وبحسب الاتفاقية تكون اسطنبول من حصة روسيا وكانت تسمى حينئذ بالقسطنطينية، اضافة الى ذلك كانت روسيا تسيطر على الكثير من المناطق على بحر ايجه وولاية ارمينيا.

وترتب من وراء الاتفاقية هذه تقسيم كوردستان فيما بعد بين العراق وسوريا وتركيا وايران، واصبح الكورد في تلك الدول اقلية، ولم يأت ذكر لحقوق الكورد كقومية في الاتفاقية المذكورة.

الامر الذي اثار حفيظة روسيا في ذلك الوقت هو استبعادها من قبل الولايات المتحدة وجعلها خارج لعبة الاتفاقية الموقعة بين مجموعة دول الحلفاء (1914 – 1916)، بسبب توقيعها على معاهدة برست ليتوفسك مع الدولة العثمانية سنة 1918، لتـُخرج روسيا من الحرب العالمية الأولى.

بعد انتهاء مدة صلاحية الاتفاقية أعلاه جاء دور جديد لقوى مختلفة لتخلق شرق اوسط بثوب اخر وفقا لرؤية امريكية بعد ان صنعت اوربا الشرق الاوسط في بدايات القرن الماضي وفقا لمصالحها، بينما تحاول روسيا استعادة فرض هيبتها وتكون احد اللاعبين الاساسيين في صراعات دول الحلفاء (سابقا)، كما تحاول تركيا اعادة لعب الدور الذي قامت به في العالم العربي أثناء الإمبراطورية العثمانية، وأن تشكل السياسة العربية بالطريقة التي تجدها مرضية، مما يورطها في صراع مع الدول العربية، وهو ما لم تستطيع الانسحاب منه مع حفظ ماء الوجه مثلما فشلت واشنطن بتحقيق الانتصار الكامل في العراق، وترى إيران أنشاء نظاما ذي هيمنة شيعية وموالي لها يعمل على تنفيذ المصالح الإيرانية، كما ترى أن سيطرتها على جنوب العراق أمرا حاسما.

لذلك خلق تنظيم داعش الارهابي (المكمل للتنظيمات الارهابية السابقة) دوامة تجذب القوى الإقليمية والدولية إليه، لتعيد تعريف سلوك تلك القوى تجاه التهديدات المماثلة. وكون التنظيم لديه كيان إقليمي جعله غير مألوف ومستحيل التجاهل. ما نتج عنه إرغام الدول على تعديل سياساتها وعلاقاتها وفق التطورات الجديدة للوضع الإقليمي. ونشهد ذلك داخل سوريا والعراق، فدمشق وبغداد ليستا الوحيدتين اللتين يجب أن تواجه تنظيم داعش؛ وعلى القوى الإقليمية الأخرى أن تعيد حساباتها وتعيد تحديد مواقفها كذلك. حيث تستطيع أي منظمة إرهابية أن تلحق ضررا وأن تحدث اضطرابا، لكنها تحافظ على وجودها عبر بقائها متفرقة. ويمثل تنظيم داعش قوة إرهابية يستطيع بشكل محتمل أن يتوسع.

سبب تغيير الخارطة

إن الإستراتيجية الغربية تجاه العالم الثالث منذ منتصف القرن التاسع عشر تنطلق من الإيمان بضرورة تقسيم العالم العربي إلى دويلات اثنية ودينية بحيث تعود المنطقة إلى ما قبل الفتح الإسلامي، أي منطقة مقسمة إلى دويلة فرعونية في مصر وأخرى آشورية بابلية في العراق وثالثة آرامية في سوريا ورابعة فينيقية في لبنان، وعلى القمة تقف دولة عبرية متماسكة مدعومة عسكريا من الولايات المتحدة في فلسطين.

ففي إطار التقسيم تصبح الدولة الصهيونية الاستيطانية، المغروسة غرسا في الجسد العربي، دولة طبيعية بل وقائدة. فالتقسيم هو في واقع الأمر عملية تطبيع للدولة الصهيونية التي تعاني من شذوذها البنيوي، باعتبارها جسداً غريباً غرس غرساً بالمنطقة العربية.

دواعي الارهاب

تتغير قواعد اللعبة في المنطقة مع تغير مجريات الأحداث وصديق الأمس قد يصبح عدو اليوم، مع عدم نسيان المودة التي تجمعهما والمصالح التي أدت إلى ظهور الطرف الذي استعمل كأداة كحال التنظيمات الإرهابية التي يربطها مع الغرب حبل سري غليظ واضح العيان لمن له لب وعقل في السياسة ومن يراقب الأحداث الجارية على مدى سنوات.

فمن اهم اسباب ودواعي ظهور التنظيمات الارهابية بحسب صحيفة الاندبندنت البريطانية:

1- شعور مجموعة من الناس بالغبن والظلم والبحث عن استرجاع حقوقها بطريق القوة المفرطة.

2- التأثر بالنص الديني المتشدد الحاث على لزوم إحقاق الحق وإدحاض الباطل ولو بالوسائل العنفية، او تلك النصوص التي تبيح دماء واموال واعراض غير معتنقي الدين او المذهب الذي يتبناه الارهابي.

3- غطرسة الدول العظمى وسعيها في تعزيز نفوذها وسطوتها وهيمنتها على الدول الضعيفة من خلال زرع الخلايا الارهابية الضاربة في أمن وسلامة تلكم الدول بغية اجبارها ان تستغيث بقوة نفس الدول الراعية للإرهاب.

4- قيام الدول الراعية للإرهاب بتحطيم اقتصاديات الدول الصغيرة من خلال ضرب وخلخلة الامن فيها، عبر تدريب وتهيئة الخلايا الارهابية الناشئة اساساً على ثقافة الدم والمتأثرة بالنصوص الدينية المتشددة.

5- لتحقيق قاعدة (الضرب من الداخل) او الضرب أسفل الجدار, او ضرب الاسلام بالإسلام نفسه للصق تهمة الارهاب في الدين الاسلامي, وهذا من اهم دواعي الارهاب.

6- النصوص الدستورية التي ترتكز اليها بعض الحكومات في ممارسة الاقصاء والإبادة بحق جماعة او مكوّن اجتماعي ما.

7- الإبادة الجماعية سواء اكان حكوميا او غير حكومي القائم على استئصال جماعة بسبب جنسيتها أو عرقها أو انتمائها الإثني أو دينها.

8- ارهاب تقوم به جماعات منظمة برعاية الحكومة، جراء اختلاف الرؤى والافكار، وبعبارة اخرى فإنه ارهاب ينال الرضا الحكومي.

اتفاقيات جديدة

كتب لاري تشيني من مركز الابحاث العالمية ان الحرب ضد الارهاب جاء لتنفيذ مخطط الشرق الاوسط الجديد الذي يجري فيه تخطيط انجلو - أمريكي اعادة تقسيم مامقسم، وتجزئة ماهو مجزأ من بلدان الشرق الأوسط في اتفاقية سايكس بيكو 1916 من جديد على اسس عرقية وطائفية ومذهبية وسياسية، على أن يتحقق ذلك بأسلوب الفوضى الخلاقة الذي كشفت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في عام 2006، والذي يعني نشوب صراعات بين ابناء الوطن الواحد بإثارة الخلافات والاختلافات العرقية والمذهبية والطائفية القائمة، وتحويلها إلى صراعات دموية بين جميع الفرق والتنظيمات والجماعات المتصارعة على السلطة وبما يؤدي إلى انهاك الجميع، ويقسم كل دولة عربية أو إسلامية إلى عدة دويلات ومما يستتبعه أيضا تقسيم الجيوش الوطنية وتفتيتها ويؤدي إلى اضعافها وافقادها القدرة على مقاومة مخططات التقسيم، وبما يدفع القوى السياسية والعسكرية المنهكة والضعيفة حتى المنتصرة في هذه الحروب الأهلية.

تحقيق الغاية والهدف

أصدرت الامم المتحدة في 24 سبتمبر 2014 قرارا يمهد الطريق لحرب مفتوحة تحت اسم (مكافحة الإرهاب) ضد تنظيم داعش (ISIS) واعدا أن تستمر هذه الحرب لسنوات.

وحقيقة الأمر أن الحرب على داعش هي نفس الفكرة التي اطلقت سابقا باسم الحرب على الإرهاب واعادة تسخينها وتحديثها بتأثيرات دموية خاصة، ودعاية جديدة، ويلقي الضوء على شكل منقح من الداعمين الرئيسيين، وبما يمهد لتنفيذ اجندة هجوم عسكري جديد.

لقد تمت التضحية بثلاثة آلاف من الارواح في حرب ملفقة على الإرهاب ضد تنظيم القاعدة واسامة بن لادن. والان فإن التصعيد الذي تمارسه داعش سيؤدي إلى خراب سوريا، واضطراب إيران، ومحاولة تجزئة العراق إلى عدة دويلات، وبما يوفر ذريعة أخرى لتعبث فسادا في أي مكان آخر طبقا لرغبات الدول المخطط سواء بعلم اوبدونه.

أن داعش مثل تنظيم القاعدة، وجميع الكيانات التي تشكل الجهاد الإسلامي هي من انشائه وكالة المخابرات المركزية CIA وأجهزة المخابرات الانجلو أمريكية (المخابرات الباكستانية ISI والمخابرات السعودية، والمخابرات البريطانية Mi-6، والموساد الإسرائيلي.. الخ). أن مختلف الميليشيات الجهادية وكوادر الاستخبارات العسكرية، وأيضا الجبهات الإرهابية (الدولة الإسلامية داعش IS، القاعدة، النصرة.. الخ) هي صناعة استخباراتية ويتم دعمها والاستفادة منها من قبل الدول المخططة لأهداف استراتيجية، وكما كانوا من قبل وباستمرار من فترة الحرب الباردة وحتى هذه اللحظة.

هذه القوات يتم استخدامها بعناية وتزويدها بأسلحة موجهه من قبل الولايات المتحدة وحلف الناتو. اما الإرهابية فهم الادوات الأساسية في ايدي الولايات المتحدة لإدارة العمليات المستمرة بنوعيها السري والعلني في سوريا.

في الوقت الذي قامت به ما يسمى بقوى الليبرالية والتقدميين باتخاذ إجراءات ضد الدولة الإسلامية IS داعش، إلا إن قليلين هم الذين يدركون حقيقة مهمة، وهي أن مايسمى بالإرهاب الإسلامي هو من إنتاج اصحاب آلة الحرب الأمريكية الذين يمرغون ايديهم بالدماء عندما تصل رياح الحرب إلى نهايتها ويصابون بالنكسة. أن الفكرة الصعبة في هذا الشأن أن الولايات المتحدة التي خلفت قوة الجهاد الإسلامي وفقدت السيطرة عليها، يجب عليها الآن أن تحتويها ومن الاكاذيب المستمرة، أن هذه الميليشيات هم في الحقيقة جنود لمشاة الإمبراطورية الأمريكية وعملائها الرئيسيين بل والقوة القائدة لتنفيذ خطط إسقاط سوريا، كما كانوا من قبل في ليبيا. وهذا ليس رد فعل كما يدعون بل عملية مخابرات عسكرية منسقة جيدا، تخفي مؤامرة اجرامية تم تدبيرها بواسطة اجماع النخبة.

وجهة نظر

الحرب التي تتطور أمام أعيننا في الشرق الأوسط تتشكل كعلاقات متشابكة بين الدول الكبرى وفي رأس الهرم أمريكا وروسيا هذه المرة، ورغم الانتصارات النسبية في الحرب ضد داعش، تشعر روسيا بعدم وجود الثقة الكافية بخصوص دعم العالم السني. ففي أكثر من مرة اتهمت الأتراك والسعوديين بدعم المتطرّفين في الحرب بسوريا. ومن جهته، يحاول العالم السني الاتحاد ضدّ الإيرانيين ويعتبر روسيا ضمانا لأمانه ويحاول أيضا أن يجد لنفسه مكانا في الكونغرس الأمريكي أو البيت الأبيض أو الـCIA أو اللوبيات الأمريكية، في وقت يرى الشيعة بأنهم الأوفر حظا كونهم يمثلون صد الخط الأول ضد داعش ويخوضون غمار حرب عالمية ضد هذا التنظيم ويحاولون من خلال هذه الحرب إرساء صورة الطائفة التي طالما أبعدت عن الاستحقاق قسرا وقهرا وان التعامل معهم ضمان للدول الكبرى كونهم يمتلكون قيادات (مرجعيات) عاقلة وواضحة، وقد جاء الوقت الذي يمثلون فيه رقما مهما في معادلة الشرق الأوسط وهو أمر لابد منه كونهم (الشيعة) قد اثبتوا بأن التعامل معهم أجدى من التعامل مع رؤوس وجهات مختلفة اثبت الواقع فشلها وفسادها وكونها مادة خام للتطرف، فهل سيفهم ويقرأ المخططون لسايكس بيكو جديد من هو الأولى بالتعامل ومنحه الثقة؟!، المستقبل الوحيد من سيجيب.

مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net/index.php

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي