العنف ضد الشيعة وقمع حرية الاعتقاد

تقرير شبكة النبأ المعلوماتية الدوري حول الانتهاكات بحق الشيعة في العالم

عبد الامير رويح

2016-10-22 05:46

لا يزال المسلمون الشيعة في مختلف دول العالم، يعانون من لاضطهاد السياسي والتمييز الطائفي والاستهداف المباشر من قبل الجماعات المتطرفة، التي سعت في السنوات الاخيرة وبدعم مباشر من قبل بعض الحكومات، الى تكثيف هجماتها الارهابية ضد ابناء المذهب الشيعي من أقدم واكبر المذاهب الإسلامية، ويرى بعض المراقبين تفاقم الخلافات والصراعات والمشكلات السياسية بين بعض الدول، قد ساعدت بتنامي الخطاب الطائفي خصوصا وان بعض الحكومات قد سعت الى تأيد ودعم العديد من التنظيمات و الجماعات السلفية المتشددة، التي اعلنت وبشكل صريح تكفير من يخالفها وخصوصا الشيعة باعتبارهم وبحسب بعض فتاوى رجال الدين خارجين عن الدين الاسلامي.

يضاف الى ذلك القوانين والاجراءات المتشددة التي تتبعها بعض الحكومات بحق الشيعة بهدف تقيد حريتهم خوفا من نشر التشيع وهو ما قد يضر بمصالح البعض. ويخشى مراقبون كما نقلت بعض المصادر،من انتشار عدوى القتل الطائفي في العديد من البلدان ومنها الدول العربية،خصوصا بعد تنامي خطاب التحريض الطائفي وانتشار التنظيمات الارهابية، التي استفادات كثيرا من المتغيرات السياسية الكبيرة التي اعقبت ثورات الربيع العربي وما تبعها من تطورات واحداث.

وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد تنبى تنظيم داعش الارهابي التفجير الانتحاري الذي استهدف تجمعا للشيعة كانوا يحيون ذكرى عاشوراء بالعاصمة العراقية بغداد، وقالت الشرطة إن انتحاريا فجر سترة ناسفة في وسط تجمع للشيعة في بغداد، ما أسفر عن سقوط 34 شهيدا على الأقل وإصابة أكثر من 50. ووقع الانفجار داخل خيمة مليئة بشيعة يحيون ذكرى عاشوراء. وأقيمت الخيمة في سوق مزدحمة بحي الشعب في شمال العاصمة. يذكر أن الشرطة العراقية قد أعلنت عن فرض إجراءات أمنية مشددة لحماية المحتفلين بذكرى عاشوراء في العديد من المدن العراقية.

من جانب اخر اعلنت السلطات العراقية استشهاد 19 شخصا على الاقل واصابة 25 اخرين بجروح بتفجير انتحاري بحزام ناسف استهدف مجلس عزاء في حي الشعب الشيعي الواقع في شمال شرق بغداد. وقال قاسم عبد الهادي المتحدث باسم مديرية صحة الرصافة الجانب الشرقي من بغداد ان "ثلاثة مستشفيات تسلمت حتى الان 13 شهيدا و25 جريحا اثر التفجير الانتحاري". وتسلم مستشفى الامام علي في مدينة الصدر جثامين ستة قتلى آخرين جميعهم من الرجال، بحسب المتحدث باسم اعلام المستشفى. واكد قيادة عمليات بغداد في بيان مقتضب ان الهجوم نفذه انتحاري يرتدي حزاما ناسفا. وقد فجر نفسه وسط خيمة عزاء لشخص متوف في سوق شلال في حي الشعب الذي تسكنه غالبية شيعية. ولم تتبن اي جهة التفجير لكنه هجمات من هذا النوع عادة ما يعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها.

البحرين

الى جانب ذلك قالت مجموعة خبراء مستقلة مكلفة من الأمم المتحدة إن البحرين تستهدف الطائفة الشيعية عن طريق احتجاز أفراد منها ومقاضاة رجال الدين والناشطين والفنانين من الشيعة. وحثت المجموعة في بيان السلطات البحرينية على وقف ما قالت إنها "عمليات احتجاز تعسفية" قائمة على أساس ديني وإطلاق سراح المحتجزين بتهم تتعلق بحرية التعبير والتجمع. وشهدت البحرين اشتباكات بين الشيعة وقوات الأمن منذ قمع الانتفاضة التي قادها الشيعة من أجل الديمقراطية في عام 2011 بمساعدة عسكرية من السعودية وغيرها من الدول.

وتتهم البحرين - الحليف القوي للولايات المتحدة والتي يتمركز بها الأسطول الخامس الأمريكي - إيران بتأجيج العنف لديها وهو ما تنفيه طهران بدورها. وفي الشهور الأخيرة أثارت السلطات البحرينية انتقادات عالمية بعد إطلاق أشد حملة قمع خلال أعوام ضد جماعات المعارضة الشيعية والناشطين الحقوقيين. وقال خبراء الأمم المتحدة "تكثيف موجة الاحتجاز والاعتقال والاستدعاء والاستجواب وتوجيه التهم الجنائية لعدد من الدعاة والمطربين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السلميين له تأثير مروع على حقوق الإنسان الأساسية." بحسب رويترز.

وأشاروا إلى إجراءات تشمل حل جمعية الوفاق وهي جمعية المعارضة الرئيسية وإغلاق مؤسسات دينية ومنع بعض رجال الدين الشيعة من اعتلاء المنابر. وقالت مجموعة الخبراء "توجه اتهامات عديدة للشيعة تشمل التجمع غير القانوني والتحريض على كراهية النظام وغسيل الأموال وارتكاب أعمال إرهابية فيما يتعلق بتجمعاتهم السلمية واجتماعاتهم الدينية والتعبير السلمي عن معتقداتهم ووجهات نظرهم وآرائهم المعارضة." ووصفت ذلك "بالاتهامات التي بلا أساس وتستخدم للتغطية على الاستهداف المتعمد للشيعة في البحرين."

مصر

على صعيد متصل قالت مصادر قضائية إن محكمة جنايات مصرية قضت بسجن رجل لمدة عامين بعد إدانته بالترويج للمذهب الشيعي وسب صحابة النبي محمد وزوجاته. ومصر دولة ذات أغلبية مسلمة سنية لكن بدأ بعض سكانها يكشفون عن انتمائهم للمذهب الشيعي خلال الأعوام القليلة الماضية. ولا يعرف عدد الشيعة في مصر على وجه الدقة. وتقول حكومات أجنبية ومنظمات حقوقية إن هناك تمييزا ضد الأقليات الدينية في مصر ومنها الشيعة والبهائيون والمسيحيون وتنفي الحكومة ذلك.

وقالت المصادر القضائية إن محكمة جنايات مدينة الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية الواقعة شمال شرقي القاهرة أدانت الصادق محمد حسن أبو شعيشع (53 عاما) بتعليم المذهب الشيعي لأطفال داخل دار حضانة كان يديرها بالإضافة إلى سب عدد من صحابة النبي محمد وزوجاته. ووفقا للمصادر فقد ذكرت تحريات جهاز الأمن الوطني أن أبو شعيشع كان يترأس جمعية خيرية في قرية المؤانسة التابعة لمركز كفر صقر بالشرقية وأسس دار حضانة بدور ترخيص لتعليم الأطفال المذهب الشيعي.

وأضافت أنه سعى لتلقي دعم مادي من أشخاص داخل وخارج مصر لمساعدته على نشر أفكاره واستقطاب أفراد آخرين للمذهب الشيعي. ووفقا لأحكام القانون المصري يجوز للمتهم الطعن على حكم محكمة الدرجة الأولى أمام محكمة النقض وهي أعلى محكمة مدنية في البلاد. وقد تقبل المحكمة الطعن وتأمر بإعادة المحاكمة أمام دائرة جنايات أخرى أو ترفض الطعن ليصبح حكم أول درجة باتا ونهائيا.

وقال الطاهر الهاشمي عضو المجمع العالمي لأهل البيت وهو مصري الجنسية "القاعدة عندنا من مراجعنا وهناك فتاوى صريحة وواضحة.. أكثر من 22 فتوى.. تنص على عدم الإساءة لمعتقدات ورموز الأديان والمذاهب وخاصة إخوتنا أهل السنة فهذا أمر منتهي وغير مقبول التعرض للصحابة بأي إساءة." وأضاف "أما عن الحكم.. نتمنى بداية مع ثقتنا في قضاء مصر الشامخ أن تُراعى هذه الأمور. الدستور المصري يعطي كل الحقوق لكل المصريين ولكل شرائح المجتمع وحرية الاعتقاد وحرية الرأي ولا نحب طبعا أن تظهر مصر أمام العالم أنها تضطهد شريحة من المجتمع أو مذهب معين." وتابع الهاشمي "وأيضا نحن نتمنى من كل شيعي ألا ينجرف وراء بعض المغرضين الذين يريدون شق الصف المصري." بحسب رويترز.

وفي يونيو حزيران عام 2013 قُتل حسن شحاتة وهو رجل دين شيعي مصري بارز وثلاثة آخرين من مذهبه عندما هاجم مسلمون سُنة منزلا في قرية عزبة أبو مسلم التابعة لمحافظة الجيزة قرب القاهرة والذي كان يتجمع فيه عدد من الشيعة للاحتفال بمناسبة دينية. والعام الماضي قضت محكمة للجنايات بسجن 23 رجلا لمدة 14 عاما لكل منهم بعد إدانتهم بقتل شحاتة ومن معه. وبرأت المحكمة ثمانية آخرين.

افغانستان

من جهة اخرى استهدفت سلسلة هجمات الطائفة الشيعية في افغانستان واغرقت بالدماء مراسم احياء ذكرى عاشوراء ما اثار غضبا ضد الحكومة بسبب عجزها عن ضمان امن المساجد. وبعد اعتداءين ضد مسجدين في كابول اثناء تجمع المصلين، استهدف اعتداء ثالث مسجدا في اقليم بلخ بشمال البلاد. واعلنت السلطات ان اعتداءي كابول اوقعا 17 شهيدا و62 جريحا، فيما اسفر الاعتداء على المسجد في بلخ عن 14 شهيدا و28 جريحا. وتبنى تنظيم داعش الارهابي في بيان نشر على وسائل التواصل الاجتماعي الهجوم الابرز على مسجد كارتي سخي، الحي الواقع غرب كابول حيث تقيم اقلية الهزارة الشيعية.

واعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية صديق صديقي ان الاعتداء الاول نفذه "مهاجم كان يرتدي بزة عسكرية وفتح النار" على المصلين. واضاف "في الوقت نفسه اقتحم رجل آخر مسجدا قريبا، في كارتي شار واحتجز رهائن". واضاف ان المهاجمين قتلا برصاص القوات الخاصة وتم الافراج عن الرهائن لكن بدون تفصيل حصيلة ضحايا كل هجوم. لكن بيان التنظيم لم يأت على ذكر هذا الهجوم الثاني. وقال البيان الذي ورد على موقع سايت المتخصص بمراقبة المواقع الاسلامية ان "الاستشهادي علي جان انطلق بسترة ناسفة وسلاح رشاش وقنابل يديوية نحو تجمع للرافضة المشركين في منطقة كارته سخي زيارت بمدينة كابول (...) فشرد بهم قتلا وتنكيلا حتى نفدت (ذخيرته) ففجر سترته الناسفة وسط جموعهم".

وانفجرت قنبلة وضعت على مدخل مسجد شيعي في بلخ ما ادى الى مقتل "14 شخصا واصابة 28 في الانفجار" كما قال الناطق باسم الحاكم المحلي منير احمد فرهد. ويحيي الشيعة في مختلف انحاء العالم واقعة الطف حيث قتل جيش يزيد بن معاوية الامام الحسين (ثالث الائمة المعصومين لدى الشيعة الاثني عشرية) مع عدد من افراد عائلته عام 680 ميلادية.

وبالنسبة للشيعة الافغان من اقلية الهزارة، فان هذه الذكرى كانت أليمة هذه السنة. وتتدافع اسر الضحايا الى المستشفى للبقاء الى جانب اقاربهم في كابول من بينهم رجل يسهر على ابنته (6 سنوات) الراقدة في غيبوبة وراسها مضمد، وام ممددة مع ابنتها على السرير نفسه وكلتاهما مصابتان بجروح. وتروي صالحة بصوت خفيض والقطب واضحة على شفتها "المهاجم كان يطلق النار على الجميع. اصابني في ساقي. لحسن الحظ تمكن ابني من الفرار. اصيب عدد كبير من الاطفال بجروح". لكن الغضب بدأ يحل محل الصدمة وتتابع صالحة "بالطبع اسر الرئيس والاثرياء تقيم في الخارج. الفقراء يقتلون كل يوم".

امام مسجد كارتي سخي ندد مواطنون بغياب الحراسة، بينما التهديد واضح. وقال حميد الله (50 عاما) "بعد الاعتداء حضر عناصر الامن وهم مدججون بالسلاح، لو كانوا هنا قبلا لكانوا انقذوا العديد من الناس". وتابع حميد الله متوجها الى الحكومة "تتركون رجالا ونساء واطفالا يتعرضون للقتل وتريدون منهم ان يؤيدونكم؟". اما امين الله فعلق قائلا "هذه امة في سبات! حان الوقت ليتحد الناس من اجل اطاحة هذه الحكومة". وتمسك رجل باكيا في ساعات الفجر بالسياج المغلق لمسجد كارتي سخي، وقد قتل والده في الاعتداء. يروى سيد سليمان الشاب الملتف بشال اخضر "الجميع كان يصرخ من الرعب، نجح بعض الرجال في الهرب لكنني لم ارى امراة واحدة تتمكن من الخروج".بحسب فرانس برس.

وكان الجدل بدأ بعد الاعتداء الاخير على اقلية الهزارة في 23 تموز/يوليو في كابول عندما استهدف انتحاريان تظاهرة سلمية مما اوقع 84 قتيلا واكثر من 130 جريحا. واعلن تنظيم داعش الارهابي مسؤوليته عن الاعتداء الذي كان الاول له في قلب العاصمة. وندد الرئيس اشرف غني في بيان بالاعتداء في كارتي سخي وقال ان "اي اعتداء على اماكن عبادة او مدنيين يعتبر جريمة ضد الانسانية". وتسلط موجة العنف الاخيرة الضوء على الوضع الامني المتدهور في افغانستان مع استمرار تمرد طالبان ومحاولتهم الدخول الى المدن بعد 15 عاما من الاطاحة بهم من السلطة في غزو قادته الولايات المتحدة.

باكستان ونيجيريا

في السياق ذاته قالت الشرطة إن شخصا واحد على الأقل قتل وأصيب العشرات في إلقاء قنبلة من مركبة متحركة على مسجد شيعي في مدينة كراتشي الباكستانية. وأضافت الشرطة أن رجلين كانا يستقلان دراجة نارية ألقيا القنبلة بينما كانت النساء والأطفال خارج المسجد الذي يقع في منطقة مكتظة بالسكان من المدينة الساحلية الباكستانية. ويستهدف المتشددون السنة بين الحين والآخر مساجد ترتادها الأقلية الشيعية. ويشكل الشيعة نحو خمس سكان باكستان التي يهيمن السنة على سكانها وعددهم 180 مليونا.

وقال قائد شرطة كراتشي مشتاق ماهر "لفظ صبي أنفاسه الأخيرة وصبي آخر وامرأة في حالة حرجة." ولم تعلن أي جماعة على الفور مسؤوليتها عن الهجوم. وبعد قليل من الانفجار تجمع رجال ونساء من الشيعة خارج المسجد ورددوا شعارات للاحتجاج على نقص الأمن الذي توفره السلطات لهم في شهر المحرم الذي يحيون فيه ذكرى مقتل الإمام الحسين.

من جانب اخر قال شهود عيان إن شخصين اثنين على الأقل قتلا في اشتباكات اندلعت في مدينة كادونا بشمال نيجيريا خلال مسيرات احتفالية للأقلية الشيعية بالبلاد. ولم يرد المتحدث باسم الشرطة على رسائل نصية أو اتصالات هاتفية سعت لتأكيد عدد القتلى أو التعقيب على مزاعم من سكان بأن الضباط ساهموا في تأجيج العنف. ووقعت الاشتباكات خلال مسيرات لإحياء ذكرى يوم عاشوراء. وجاءت بعد خمسة أيام فقط من إعلان السلطات حظر الحركة الإسلامية الشيعية في نيجيريا.

وقال شهود العيان إنه تم إضرام النيران في ممتلكات واندلعت اشتباكات بين أشخاص يشاركون في المسيرات الاحتفالية وبين مجموعة من الشبان المجهولين. وقال زعيم شيعي محلي طلب عدم نشر اسمه "إنها الشرطة التي أمرت الشبان بمهاجمتنا وتدمير مبانينا." وقال إن ثلاثة أشخاص قتلوا. ورأى مصور لرويترز في المكان جثتين ومدرسة تتعرض للتخريب على يد نحو عشرة شبان. وذكر تحقيق قضائي أن الجيش قتل 348 من أعضاء الحركة في ديسمبر كانون الأول خلال أعمال عنف استمرت عدة أيام في مدينة زاريا شمالي كادونا.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي