لماذا جرابلس ولماذا في هذا التوقيت؟
عبد الامير رويح
2016-09-04 10:53
سيطرة فصائل الجيش الحر وبدعم مباشر من القوات التركية على مدينة جرابلس السورية وريفها الشرقي تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش الارهابي، هو اليوم محط اهتمام كبير خصوصا وان التدخل العسكري المباشر من قبل تركيا، قد اثار ردود أفعال وتحليلات كثيرة من قبل المراقبين والخبراء حول هذه الخطوة، والتي اثارت ايضا غضب بعض حلفاء انقرة ومنهم الولايات المتحدة الامريكية الداعم الاساسي للقوات الكردية، وانتقدت واشنطن وهي شريكة تركيا في حلف شمال الأطلسي عملية درع الفرات وحثت أنقرة على تجنب المواجهة مع القوات المتحالفة مع الأكراد وأن تمضي بدلا من ذلك في تركيزها على المعركة المشتركة ضد داعش.
وتعتبر الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب الكردية السورية أقوى حليف لها ضد المتشددين. لكن تركيا ترى أنهم جماعة إرهابية وتشعر بالقلق من أن يشجع تقدمهم في شمال سوريا تمردا كرديا داخلها. وقالت إنها ليست في حاجة إلى من يحدد لها الجماعات الإرهابية التي تقاتلها، كما ان هذه العمليات يمكن ان تسهم وبحسب بعض المراقبين، بحدوث مشكلات وازمات مع اطراف اخرى في هذه الحرب. فقد اعربت روسيا عن "قلقها العميق" ازاء العملية التي نفذها الجيش التركي في سوريا مشيرة الى انها تخشى من احتمال تفاقم التوتر بين انقرة والميليشيات الكردية.
وقالت الخارجية الروسية في بيان "موسكو قلقة جدا لما يحدث عند الحدود التركية-السورية. ان احتمال تدهور الوضع بشكل اضافي في منطقة النزاع يشكل مصدرا للقلق". وعبرت روسيا عن قلقها خصوصا "لاحتمال سقوط ضحايا من السكان المدنيين وتفاقم الخلافات بين الاكراد والعرب". واضافت الوزارة ان "الازمة السورية لا يمكن ان تحل الا على اساس القانون الدولي وعبر حوار بين الاطراف السورية بمشاركة كل المجموعات الاتنية والطائفية بما يشمل الاكراد".
الى جانب ذلك قال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند إن التوغل العسكري التركي في شمال سوريا يهدد بتصعيد الصراع ودعا جميع الأطراف لإنهاء القتال والعودة إلى محادثات السلام. وقال أولوند في لقاء للسفراء الفرنسيين إنه بعد مرور عام تقريبا على بدء التدخل الروسي دعما للرئيس السوري بشار الأسد "اختارت تركيا اليوم نشر جيشها على أراض سورية للدفاع عن نفسها ضد داعش. "وأيضا للقيام بعمليات ضد الأكراد الذين يواجهون هم أنفسهم داعش بدعم من التحالف. هذه التدخلات المتعددة المتناقضة تنطوي على تهديد بتصعيد عام." بحسب رويترز.
وقال أولوند -وله قوات خاصة تنشط في سوريا جنبا لجنب مع القوات الكردية والعربية ضمن تحالف دولي يقاتل داعش- إن وقف إراقة الدماء ضرورة مطلقة. وفي إطار هذه الجهود تريد باريس قرارا من مجلس الأمن يدين استخدام الحكومة السورية وداعش للأسلحة الكيماوية. وقال أولوند إن على روسيا ألا تتجاهل التقارير عن استخدام مثل هذه الأسلحة وأن تدعم القرار الذي يمكن أن يؤدي بعد ذلك إلى استئناف محادثات السلام. وأضاف "النظام وداعموه الأجانب ما زالوا يعتقدون اليوم في حل عسكري رغم أن الحل سيكون فقط سياسيا."
قطعة من الارض
وفي هذا الشأن قال مسؤول إن تركيا تريد إخراج تنظيم داعش من مساحة 90 كيلومترا على الجانب السوري من الحدود بعد توغلها داخل الأراضي السورية مما وتر العلاقات مع الولايات المتحدة. وبدأت عملية "درع الفرات" التي دخلت خلالها القوات والدبابات التركية الأراضي السورية لدعم معارضين لأول مرة يوم 24 أغسطس آب باستيلاء خاطف على جرابلس وهي بلدة تقع على مسافة بضعة كيلومترات من الحدود كان يسيطر عليها تنظيم داعش.
وانزعجت واشنطن من اشتباكات تركية مع موالين لقوات سوريا الديمقراطية ووصفت الإجراء التركي بأنه "غير مقبول" لأنه يعطل المعركة ضد التنظيم المتشدد. لكن تركيا التي تقاتل تمردا كرديا في الداخل تقول إنها في حين تلتزم بإخراج المتشددين الإسلاميين من المنطقة الحدودية فإنها تريد كذلك منع مقاتلين أكراد من السيطرة على الأراضي في أعقاب ذلك. وقال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن هدف تركيا هو إخراج التنظيم من مسافة 90 كيلومترا داخل الأراضي السورية على امتداد الحدود التركية التي تعرضت لموجة تفجيرات ألقي اللوم فيها على التنظيم المتشدد وقتل فيها عشرات الأشخاص. وقال كالين في إفادة صحفية "بدءا من جرابلس يعد تطهير هذه المنطقة أولويتنا.. نجحنا بالفعل في تطهير مساحة 400 كيلومتر مربع."
وتقول تركيا منذ فترة طويلة إنها تريد "منطقة عازلة" غير أنها لم تستخدم هذا التعبير أثناء توغلها الأخير. وإلى جانب طرد المتشددين الإسلاميين تريد تركيا كذلك منع القوات الكردية من السيطرة على أراض تمكنها من ضم مناطق تسيطر عليها في شمال شرق تركيا وشمال غرب سوريا. وتخشى تركيا من أن سيطرتهم على هذه المساحات الواسعة من الأراضي قد يشجع مقاتلي حزب العمال الكردستاني على الأراضي التركية.
ورحب مسؤولون أمريكيون بما بدا أنه توقف في القتال بين القوات التركية وفصائل متناحرة بعد أيام اهتزت خلالها المنطقة الحدودية تحت أزيز المقاتلات وقصف المدفعية لمواقع داخل سوريا قالت تركيا إنها لمقاتلين أكراد. لكن تركيا أنكرت تأكيدات مقاتلين أكراد في سوريا بأنه تم الاتفاق على هدنة مؤقتة قائلة إنها لم تبرم أي اتفاق مع وحدات حماية الشعب الكردية السورية وهي قوة رئيسية ضمن قوات سوريا الديمقراطية إذ أنها تعتبر الوحدات منظمة إرهابية.
وقال عمر جليك وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي لوكالة الأناضول الرسمية للأنباء "الجمهورية التركية دولة ذات سيادة ودولة شرعية. لا يمكن مساواتها بمنظمة إرهابية." وأضاف أن ذلك يعني أنه لا يمكن أن يتم "أي اتفاق بين الاثنين." وطالبت تركيا بانسحاب وحدات حماية الشعب إلى ما وراء نهر الفرات في منطقة يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا. وهدد مسؤولون أمريكيون بسحب دعمها لوحدات حماية الشعب ما لم تلتزم بتنفيذ المطلب لكنها قالت إن القوات التزمت بدرجة كبيرة. وقال وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي إن بعض المقاتلين الأكراد ما زالوا على الجانب الغربي وقال إن ذلك "غير مقبول". بحسب رويترز.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) الحريصة على تجنب المزيد من الاشتباكات بين تركيا ومقاتلين سوريين تدعمهم الولايات المتحدة إن التحالف الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش يفتح قنوات اتصال من أجل تنسيق أفضل في "ساحة قتال مزدحمة" في سوريا. وتؤكد تركيا إنها لم تتراجع عن قتال داعش الذي كان مسؤولا عن تفجيرات داخل تركيا. فقد شن مقاتلون إسلاميون هجوما على مطار اسطنبول في يونيو حزيران قتل فيه 45 شخصا وقوض قطاع السياحة المتضرر بالفعل في البلاد. وفي يوليو تموز ألقي اللوم على التنظيم في هجوم على حفل زفاف في جنوب شرق تركيا قتل فيه 56 شخصا. وقال وزير الداخلية إفكان آلا إن أنقرة ألقت القبض على 865 شخصا منذ بداية العام الحالي ضمن حملتها على التنظيم وإن أكثر من نصفهم أجانب.
خيارات صعبة
من جانب اخر ربما عاش المقاتلون الشبان الذين رفعوا أيديهم بعلامة النصر وأطلقوا النار في الهواء جو بهجة بعدما انتزعوا السيطرة على بلدة جرابلس السورية من تنظيم داعش لكن قدرتهم على الاحتفاظ بالسيطرة على الأرض سوف تتوقف على رغبة تركيا في إبقاء قواتها في سوريا. وربما كان التوغل في جرابلس هو الشق الأسهل. فبدعم من دبابات وطائرات وقوات خاصة تركية تمكن المقاتلون العرب والتركمان - تحت راية الجيش السوري الحر الفضفاضة - من طرد التنظيم من جرابلس في غضون ساعات.
وربما يكون التقدم غربا وتأمين شريط حدودي طوله 90 كيلومترا يسيطر عليه تنظيم داعش - وترى أنقرة أنه يمكن أن يكون منطقة عازلة محتملة - أصعب على هؤلاء المقاتلين الذين يبلغ عددهم نحو 1500 فقط. وهم لا يواجهون فحسب تحدي طرد داعش بل يتعين عليهم في الوقت نفسه منع وحدات مسلحة كردية مدعومة من الولايات المتحدة - وتعتبرها تركيا قوة معادية - من ملء الفراغ. ويقول فكرت إسماعيل أحد مقاتلي المعارضة السورية وهو في أواخر العشرينات من العمر "داعش والأكراد شئ واحد. الاثنان جوعوا هؤلاء الناس."
وأضاف وقد شهر بندقية أثناء دورية في شارع قرب وسط جرابلس بينما التف حوله عدد من الأطفال "سندافع عن أرضنا حتى آخر قطرة دم." ولم تكشف تركيا الكثير عن الاستراتيجية التي قام عليها أول توغل كبير لقواتها في سوريا مكتفية بالقول إنها تريد طرد داعش والمقاتلين الأكراد بعيدا عن حدودها. وانتقدت واشنطن وهي شريكة تركيا في حلف شمال الأطلسي "عملية درع الفرات" التركية وحثت أنقرة على تجنب المواجهة مع القوات المتحالفة مع الأكراد وأن تمضي بدلا من ذلك في تركيزها على المعركة المشتركة ضد داعش.
وتعتبر الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب الكردية السورية أقوى حليف لها ضد المتشددين السنة. لكن تركيا ترى أنهم جماعة إرهابية وتشعر بالقلق من أن يشجع تقدمهم في شمال سوريا تمردا كرديا داخلها. وقالت إنها ليست في حاجة إلى من يحدد لها الجماعات الإرهابية التي تقاتلها. وقال الجيش التركي إنه انتزع السيطرة على ثلاث قرى أخرى تبعد نحو 20 كيلومترا غربي جرابلس وقصف 15 هدفا للمتشددين بمدافع الهاوتزر كما قصف أربعة أهداف أخرى من الجو. ولم تذكر تركيا تفاصيل عن الأهداف لكن القرى موجودة في منطقة لا تزال داعش تسيطر عليها. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يعمل من بريطانيا السيطرة على القرى الثلاث قرب الحدود.
وظلت جرابلس تحت سيطرة داعش ثلاث سنوات ولا يزال ممكنا رؤية شعاراتها مكتوبة باللونين الأبيض والأسود على الجدران. وتعود البلدة ببطء إلى الحياة. وسارت النساء في الطرقات سافرات. وقال رجل إن من أول ما فعله بعد فرار المتشددين تقصير لحيته. وبعد أسبوع من مساعدة الجيش التركي في طرد المتشددين لا يوجد ما يشير إلى وجود له في جرابلس نفسها. وامتلأت المدينة بالمقاتلين الشبان الذين تدعمهم أنقرة. وبسرعة كبيرة يقود بعضهم شاحنات صغيرة نصبت عليها مدافع رشاشة.
ويقول متين جورشان وهو ضابط سابق بالجيش التركي ومحلل في صحيفة أل مونيتور جورنال إن هدف تركيا هو تحويل الجيش السوري الحر الممزق إلى قوة متماسكة تمثل ثقلا موازنا لوحدات حماية الشعب الكردية. وأضاف أن السيطرة على بلدة الباب التي تقع إلى الجنوب ستكون أمرا بالغ الأهمية للجماعتين. وتوجد الباب التي تسيطر عليها داعش على الطرف الجنوبي لما تراها تركيا منطقة عازلة محتملة. ومن المعتقد أن ضربة جوية أمريكية في وقت سابق في الباب قتلت أبو محمد العدناني أحد أبرز قادة داعش.
وقال جورشان "توجد قوتان كل منهما تواقة ولديها دوافع كبيرة للسيطرة على الباب. وفي نهاية المطاف هذا يخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة التي تعطي الأولوية لقتال التنظيم. وتتقدم القوات المدعومة من تركيا أيضا صوب منبج وهي مدينة تبعد نحو 30 كيلومترا جنوبي جرابلس كان تحالف مدعوم من الولايات المتحدة يضم وحدات حماية الشعب قد انتزعها من أيدي داعش الشهر الماضي.
وطالبت تركيا التي تتهم وحدات حماية الشعب بالقيام بعمليات "تطهير عرقي" في شمال سوريا المقاتلين الأكراد بالعودة إلى شرق نهر الفرات. ومنبج موجودة في غرب الفرات مثل جرابلس. وتقول تركيا منذ وقت طويل إن وجود الأكراد في غرب الفرات "خط أحمر" لن تقبل بتجاوزه. وقال محمد وهو مقاتل عمره 16 عاما في جرابلس انضم إلى الجيش السوري الحر منذ شهر إنه من منبج ولا يرغب في قتال الأكراد. وأضاف "كل شئ أصبح مدمرا في منبج الآن" ملقيا باللوم على داعش.
وضغطت تركيا مرارا من أجل إقامة "منطقة عازلة" داخل سوريا للمساعدة في تأمين حدودها وإقامة منطقة محمية للمدنيين المشردين. لكن الفكرة لم تلق آذانا صاغية لدى أعضاء حلف شمال الأطلسي الذين يرون أن خطوة مثل هذه تتطلب تدخلا لفترة طويلة بينما ينصب تركيزهم على داعش. واستقبلت تركيا قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري منذ بداية الحرب قبل نحو خمسة أعوام وتتعرض لضغوط من أوروبا للحد من تدفق المهاجرين الذين يحاولون الوصول بشكل غير مشروع إلى أوروبا انطلاقا من الشواطئ التركية.
وتقدم أنقرة مساعدات لعشرات الآلاف من المدنيين النازحين داخل سوريا وهي خطوة نحو إقامة منطقة آمنة فعليا على الأرض. وقال جيمس ستافريديس وهو القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي وعميد كلية فليتشر بجامعة توفتس "من أجل إقامة منطقة عازلة سيتعين على تركيا أن تحتفظ بقوة كبيرة على الجانب السوري من الحدود." وذكر أن مثل هذه الاستراتيجية تبدو غير مرجحة على الفور لكنه أضاف أنه لا يمكن استبعادها على المدى البعيد. وقال "سيكون أمام تركيا مجموعة من الخيارات الصعبة بعد أن دخلت في عمليات عسكرية جدية في سوريا." بحسب رويترز.
وذكر العقيد أحمد عثمان قائد فرقة السلطان مراد وهي واحدة من جماعات المعارضة المسلحة التي تدعمها تركيا أن الأولوية الآن هي للتقدم نحو 70 كيلومترا غربا إلى بلدة مارع والتي طالما كانت جبهة قتال مع داعش. وأضاف أن المرحلة التالية من العملية قد تستغرق أسابيع أو شهورا وقد تتطلب زيادة في عدد مقاتلي المعارضة الذي يتراوح الآن بين 1200 و 1500. وقال عثمان إن المقاتلين لا يريدون خوض معارك مع القوات الكردية إلا أنهم سيفعلون ذلك إذا ما اقتضى الأمر. وبالنسبة لتركيا التي طالما دعت إلى رحيل الرئيس السوري بشار الأسد فإن احتواء تقدم الجماعات الكردية يطغى فيما يبدو على كل المخاوف الأخرى. وقال ستافريديس "الخط الأحمر الأساسي بالنسبة لتركيا ليس الأسد. إنه يتعلق بالتصدي لقيام دولة كردية."
إرث داعش
على صعيد متصل أصبحت صورة مقاتل داعش الممتطي صهوة جواد يقف على قائمتيه الخلفيتين وفي يده راية سوداء ويتدلى على جانبه سيف من العلامات التي بدأت تختفي على سيطرة الجهاديين على هذه المدينة الحدودية بعد اجتياح قوات المعارضة المدعومة من تركيا لها. وشيئا فشيئا بدأت تختفي تحت طلاء حديث أزرق الرسوم التي نقشها على الجدران المتشددون الإسلاميون الذين أداروا جرابلس على مدار ثلاثة أعوام. وعاد الأطفال للعب في الطرقات الترابية وقد اختلط العرق بالتراب في شعرهم بينما نشرت النسوة غسيلهن خارج مبان تهدم نصف بعضها على أطراف المدينة.
وقال أحد سكان المدينة ويدعى حسين كامكاز (46 عاما) كان يعمل سائقا قبل سيطرة تنظيم داعش على المدينة الواقعة وسط بساتين اللوز والزيتون على الحدود مع تركيا "شيء يطرب." وأضاف متحدثا بالتركية وهو يصف الحياة في ظل حكم التنظيم "الحياة ما كانت حياة. كانت الممنوعات كثيرة جدا. ممنوع التدخين ولم يكن بإمكان النساء إظهار وجوههن." واقتحمت قوات من المعارضة السورية تتألف في أغلبها من العرب والتركمان مدينة جرابلس في عملية دعمتها قوات خاصة ودبابات وطائرات من تركيا بهدف طرد تنظيم داعش من المدينة وما حولها ومنع مقاتلي ميليشيات كردية من السيطرة عليها بعد خروج الإسلاميين.
واليوم لا توجد علامات تذكر على الوجود العسكري التركي. فمقاتلو المعارضة السورية - وبعضهم يرتدي ملابس القتال المموهة والنعال الخفيفة والبعض الآخر يرتدي ملابس مدنية - هم وحدهم الذين يسيطرون على الأمور في المدينة ويسيرون دوريات على دراجات نارية وشاحنات تويوتا مكشوفة. وترددت أصداء إطلاق النار احتفالا بالتطورات إذ راح بعض الشباب من المعارضة يطلقون النار في الهواء ويرفعون أصابعهم بعلامة النصر ويبدون استعدادهم لوقوف أمام الكاميرات لالتقاط صورهم ويتباهون أمام مجموعة من الكاميرات التي كان أغلبها كاميرات تلفزيونية تركية خلال زيارة رتبتها الحكومة التركية.
وأعلنت المعارضة السورية والجانب التركي السيطرة على جرابلس بعد ساعات من بدء العملية. لكن المدينة تقع على حافة منطقة حرب نشطة للغاية. وأصيب ثلاثة جنود أتراك بجروح بعد أن تعرضت دبابتهم لنيران غربي جرابلس. وقال ياسين درويش الطبيب في عيادة صغيرة مظلمة إن الجهاديين أخذوا معهم كل شيء وهم يفرون ولم يتركوا من المواد سوى ما يكفي لعلاج الجرحى. ونقلت إلى المدينة مواد غذائية ومساعدات طبية من تركيا.
وقال درويش "أخذوا كل قطعة من المعدات ولذلك فالمستشفى خاو. لا توجد سوى إمدادات الطوارئ ولا يوجد حتى جهاز الأشعة السينية." وأضاف أن 30 مريضا نقلوا إلى المستشفى في يوم واح وحده وكان بعضهم مصابا بجروح من جراء انفجار ألغام أرضية. وثمة شح في إمدادات الخبز ومياه الشرب في المدينة التجارية التي كانت الحركة فيها لا تهدأ في يوم من الأيام غير أنها أصبحت بلا علامات تذكر على وجود نشاط تجاري فيها. ورغم الحر القائظ أشعل الأطفال النار في كومة من القمامة على ناصية أحد الشوارع.
وقال أحد أبناء المدينة ويدعى عادل (47 عاما) وكان يعمل محاميا قبل الحرب "لا خبز ولا كهرباء لأنهم أخذوا كل شيء وهم يهربون. أخذوا المولدات." وأضاف "كان هناك تنور في المخبز وحتى هذا أخذوه." وأضاف أن أهل المدينة يخشون نقل المياه من نهر الفرات على الجانب الشرقي للمدينة لأن الجهاديين زرعوا ألغاما أرضية في تلك المنطقة. وتقع جرابلس على الجانب الشمالي الشرقي من مستطيل في الأراضي السورية يمتد نحو 80 كيلومترا سيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية عندما أعلن قيام دولة خلافة على مساحات كبيرة من الأراضي السورية والعراقية.
وتأمل تركيا والولايات المتحدة منذ مدة أن تتمكنا بإبعاد التنظيم عن تلك المنطقة الحدودية من حرمانه من طريق التهريب الذي كان عاملا رئيسيا في تدعيم صفوفه بمقاتلين أجانب وخزائنه بالمال من التجارة غير المشروعة. وقال المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن الهدف من العملية العسكرية التي أطلق عليها اسم "عملية درع الفرات" هو تطهير الشريط الحدودي من كل الجماعات المتشددة والأخطار التي تمثل تهديدا للأمن التركي. وإلى الشرق مباشرة على الناحية الأخرى من نهر الفرات تقع أرض تخضع لسيطرة ميليشيا كردية تدعمها الولايات المتحدة وتحارب الجهاديين أيضا. بحسب رويترز.
غير أن تركيا تعتبر هذه الميليشيا قوة معادية تمثل امتدادا للمسلحين الذين يشنون حركة تمرد منذ ثلاثة عقود من الزمان من أجل منح الحكم الذاتي للأكراد في جنوب شرق تركيا. وقد اشتبكت القوات التركية مع المقاتلين الأكراد وهي تتوغل في عمق الأراضي السورية جنوبي جرابلس وهو ما يعني أن المدينة والمنطقة المحيطة بها ما زالت على أطراف خط مواجهة ساخن. وقال عادل "لست ضد الأكراد فهم طيبون وأعطونا سجائر." وأضاف أن المقاتلين الأكراد اقتربوا لمسافة بضعة كيلومترات من الناحية الجنوبية للمدينة. وتابع "دول كبرى تتقاتل ونحن مجرد ناس تحت نعالهم."