مستقبل العراق السياسي وجعجعة الحرب مع داعش
عبد الامير رويح
2016-08-15 07:59
بعد الهزائم العسكرية الكبيرة التي لحقت بتنظيم داعش الارهابي على يد القوات العراقية وفصائل الحشد الشعبي في جبهات عديدة من ارض العراق، سعى هذا التنظيم الارهابي الذي فقد قدرته على المواجهة المباشرة الى اعتماد اساليب وخطط اجرامية جديدة، في سبيل عرقلة تقدم القوات العراقية حيث عمد هذا التنظيم الاجرامي وبحسب بعض المراقبين، الى القيام بعمليات ارهابية كبيرة في دول اخرى ومدن عراقية، من اجل تقليل الضغوط العسكرية وتحويل الانتباه عن هزائمه الحالية، يضاف الى ذلك انه سعى الى استخدام المدنيين كدروع بشرية لثني الجيش العراقي عن شن هجوم على الموصل.
وتنظيم داعش متهم اساسا بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا والعراق، ضد الأيزيديين والمسيحيين والشيعة ربما سيعمد وكما يرى بعض الخبراء، الى توسيع عملياته الانتقامية و أعمال وحشية ضد المدنيين من اجل ارعابهم اولتجنيد عناصر جديدة، هذه التحركات والاساليب ربما ستسهم بتعقيد المشهد الحالي في العراق، وقد تكون سببا في عرقلة او تاخير معركة تحرير الموصل التي ستكون صعبه للغاية، خصوصا مع وجود بعض المشكلات والازمات السياسية والاقتصادية التي يعاني منها العراق، يضاف الى ذلك الدعم الخارجي المقدم لتنظيم داعش والقدرات العسكرية التي يمتلكها وهو ما قد يساعد في اطالة امد هذه الحرب، التي ستكون لها تأثيرات سلبية على حياة سكان مدينة الموصل. وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في وقت سابق، إن نحو مليون شخص قد يجبرون على النزوح من ديارهم عند اشتداد القتال في العملية العسكرية التي تقوم بها الحكومة العراقية لاسترداد مدينة الموصل من ايدي تنظيم داعش. وهو ما قد يتسبب في مشكلة انسانية كبرى للبلاد.
وفيما يخص بعض تطورات ملف جرائم داعش الارهابي في العراق فقد قالت الأمم المتحدة في الذكرى السنوية الثانية على ما وصفه محققون دوليون بأنه إبادة جماعية بحق اليزيديين إن الآلاف من أفراد هذه الأقلية ما زالوا أسرى لدى تنظيم داعش في العراق وسوريا الذي يستعبدهم جنسيا أو يجبرهم على القتال في صفوفه. وقالت لجنة من محققين مستقلين في جرائم الحرب عينتها الأمم المتحدة في يونيو حزيران الماضي إن تنظيم داعش يرتكب إبادة جماعية بحق اليزيديين -وهم أقلية دينية تعدادها نحو 400 ألف شخص تعيش في شمال العراق - منذ الهجوم على مدينتهم سنجار في الثالث من أغسطس آب عام 2014. وقالت الأمم المتحدة إن معظم الأسرى نقلوا إلى سوريا المجاورة من العراق "حيث ما زالت النساء والفتيات ضحايا للاستعباد الجنسي فيما يتم تلقين الصبية اليزيديين معتقدات مختلفة وتدريبهم واستغلالهم في الأعمال الحربية." وذكرت الأمم المتحدة أن حوالي 3200 امرأة وفتاة يزيدية ما زلن أسيرات بينما لا يزال آلاف الرجال والصبية مفقودين.
دروع بشرية
في السياق ذاته قالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تقرير يومي عن الأحداث في العراق إن مقاتلي تنظيم داعش أسروا نحو 3000 شخص حاولوا الفرار من قراهم وأعدموا 12 منهم. وجاء التقرير في أعقاب بيان أصدره المرصد العراقي لحقوق الإنسان وأشار فيه إلى أن بين 100 و120 مسلحا من تنظيم داعش أسروا حوالي 1900 مدني. وذكر التقرير أن التنظيم يستخدم المدنيين كدروع بشرية في مواجهة هجمات القوات الحكومية العراقية مشيرا إلى أنه قد أعدم عشرات المدنيين وأحرق ستة منهم.
وقال "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تلقت تقارير عن أن تنظيم داعش أسر نحو 3000 نازح من قرى في منطقة الحويجة في محافظة كركوك كانوا يحاولون الفرار إلى مدينة كركوك. ووردت أنباء عن مقتل 12 منهم في الأسر." وتقود الولايات المتحدة تحالفا عسكريا يوجه ضربات جوية إلى تنظيم داعش الذي سيطر على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسوريا عام 2014. وأدى القتال إلى نزوح 3.4 مليون مواطن في العراق حتى يوليو تموز 2016.
وأمكن انتزاع عدد من البلدات من قبضة تنظيم داعش منذ ذلك الحين لكنه ما زال يسيطر على معقليه الرئيسيين وهما مدينتا الموصل في العراق والرقة في سوريا. وفي وقت سابق وجهت الأمم المتحدة نداء لجمع 284 مليون دولار لدعم حملة الموصل فضلا عن 1.8 مليار دولار لمعالجة النتائج المترتبة على الحملة العسكرية. وذكرت خدمة الشؤون المالية في الأمم المتحدة إن المنظمة لم تتلق شيئا حتى الآن. وبدأت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ببناء موقع شمال شرقي الموصل يتسع لستة آلاف شخص وهي تعد لإقامة موقع آخر شمال غربي المدينة يتسع لنحو 15 ألفا وهو جزء صغير من عدد النازحين المتوقع. بحسب رويترز.
وذكرت المفوضية أن عشرات آلاف النازحين من مدينة الفلوجة لم يعودوا إليها حتى الآن منذ استعادتها في يونيو حزيران. وقتل ثلاثة من المتطوعين الذين كانوا يساعدون في تطهير الفلوجة من آثار الدمار والمتفجرات أثناء عملهم داخل أحد المنازل. وجاء في التقرير "رغم أن السلطات المحلية لمحت إلى أن العودة إلى الفلوجة يمكن أن تبدأ في سبتمبر ذكرت وزارة الهجرة والمهجرين أنه قد تمر ثلاثة أشهر أخرى قبل أن تكون الظروف مواتية لعودة أعداد كبيرة." وذكرت المفوضية أن السلطات العراقية أعلنت عودة 300 ألف نازح إلى الرمادي حتى الآن. وأعلنت القوات العراقية النصر على تنظيم داعش في الرمادي عاصمة محافظة الأنبار في ديسمبر كانون الأول لكنها دعت لاحقا إلى توقف العودة بعد مقتل عشرات المدنيين جراء انفجار ألغام.
استعادة الموصل
ناقش نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مكالمة هاتفية الوضع الامني في العراق. وقال البيت الابيض إن المسؤولين ناقشا هاتفيا اهمية مواصلة القتال ضد تنظيم داعش والجهود المبذولة لتعزيز الامن في العراق. كما ناقشا "الطبيعة الملحة للجهود الانسانية وجهود تعزيز الاستقرار لحملة الموصل واهمية تحشيد الاسناد الدولي لهذه الجهود"، حسبما جاء في تصريح اصدره البيت الابيض في واشنطن. من جانب آخر، قال ناطق باسم التحالف إن مسلحي التنظيم الموجودين في مدينة الموصل شمالي العراق "يضعفون" وتبدو عليهم علامات الاحباط قبيل انطلاق عملية استعادة المدينة من قبضتهم.
يذكر ان القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية بمساندة جوية من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ومساعدة مدربين من التحالف يتقدمون ببطء منذ اشهر صوب الموصل ثاني كبريات المدن العراقية والتي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة. وقال العقيد كريس غارفر الناطق باسم التحالف "نراهم يضعفون داخل الموصل، كما نشاهد مؤشرات الى ضعف معنوياتهم." واضاف الناطق انه على سبيل المثال، يعمد قادة التنظيم الآن الى اعدام مرؤوسيهم "لاخفاقاتهم في ساحة المعركة" مضيفا ان قادة التنظيم "ليسوا سعداء بموقفهم في الموصل."
وقال إنهم كما فعلوا في الفلوجة والرمادي من قبل، يقوم مسلحو التنظيم بقطع خدمات الانترنت عن سكان الموصل مخافة ان يعمد هؤلاء الى الاتصال بالقوات العراقية. ولكن غارفر حذر مع ذلك بأن معركة الموصل التي من المتوقع ان تنطلق في الاشهر القليلة المقبلة لن تكون سهلة. وقال "ما زلنا نتوقع ان يكون نحو 5 آلاف من مسلحي التنظيم في الموصل، ونتوقع ان تكون المعركة شرسة."
من جهة اخرى قصفت مقاتلات بريطانية ومن التحالف الدولي مركز تدريب أقامه التنظيم في احد القصور الرئاسية التي بناها الرئيس العراقي صدام حسين. وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن المجمع الرئاسي للديكتاتور العراقي السابق في مدينة الموصل في الشمال العراقي كان يمثل مركز "كبيرا" لقيادة تنظيم داعش ولتدريب المتطوعين الأجانب. واستخدمت مقاتلات تورنادو تابعة للقوة الجوية الملكية البريطانية قنابل موجهة بالليزر في ما وصفه وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون ضربات جوية "دقيقة مميزة". بحسب بي بي سي.
وقد أعلنت وزارة الدفاع البريطانية تفاصيل سلسلة من العمليات، وبضمنها قصف "ملجأ آمن" للمقاتلين الأجانب في العراق، و"مواضع إرهابية محصنة" تابعة للتنظيم قرب الحدود السورية التركية. وأوضح بيان الوزارة أن طائرتي تورنادو قذفت صواريخ موجهة بالليزر من نوع بافوي 3 المطورة. على قصر صدام. وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن "المراقبة المكثفة" للمجمع الواقع على ضفة نهر دجلة، كشفت عن أن مبنى القصر الرئيسي كان يستخدم كمكان لاجتماع وإقامة المقاتلين الأجانب الذين يجندهم التنظيم، بينما تستخدم البنايات الخارجية للتدريب والأمن الداخلي وعمليات "القمع" التي يقوم بها.
تسليح داعش
على صعيد متصل افاد تقرير لمنظمة العفو الدولية ان تدفق السلاح غير المسؤول الى العراق شكل مصدرا اساسيا لتسليح تنظيم داعش وغذى بشكل كبير قدرته على تنفيذ هجماته الوحشية، ودعت المنظمة الحقوقية التي تتخذ من لندن مقرا الى وضع ضوابط اكثر صرامة من اجل ووقف الانعكاسات المقلقة لانتشار الاسلحة في البلاد. ونقل البيان عن الباحث لدى منظمة العفو الدولية باتريك ويلكن ان "انواعا واعدادا كثيرة من الاسلحة التي يستخدمها تنظيم داعش تجسد كيف ان التجارة غير المسؤولة للسلاح غذت عمليات وحشية على نطاق واسع". واضاف ان "قوانين سيئة وغياب الرقابة على التدفق الهائل للاسلحة الى العراق على مدى عقود مكنت تنظيم داعش والجماعات المسلحة الاخرى بشكل غير مسبوق من الوصول الى القوة النارية".
واشار التقرير الى ان حصول الجهاديين على كميات كبيرة من الاسلحة المصنعة في الخارج عند سيطرتهم على الموصل، ثاني كبرى المدن العراقية في حزيران/يونيو 2014، استخدمت في التوسع الى مناطق اخرى في البلاد وارتكاب جرائم ضد المدنيين. كما استولى التنظيم على كميات كبيرة لدى سيطرته على قواعد الجيش والشرطة في مناطق اخرى مثل تكريت والفلوجة والرمادي والصقلاوية، وكذلك الامر في سوريا.
ويستخدم التنظيم اسلحة روسية الصنع بينها رشاش الكلاشنكوف، وكذلك اسلحة وذخائر مصدرها ما لا يقل عن 25 دولة، بحسب تقرير المنظمة. وفي اطار الاسلحة الخفيفة، يستخدم مسلحو داعش بنادق عراقية الصنع من طراز "تبوك" واميركية من طراز "اي 2 اس" وصينية "سي كيو" والمانية "جي 36 " وبلغارية "اف ايه ال" وغيرها. كما اشار التقرير الى ان مخزون الجيش العراقي زاد كثيرا خلال الحرب العراقية - الايرانية بين 1980-1988، وقال التقرير ان ذلك شكل "مرحلة اساسية في تطور سوق السلاح العالمي الحديث".
كما اغرق العراق بالاسلحة بعد الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة الاميركية عام 2003، عبر صفقات جديدة تم التوصل اليها بعد انسحاب القوات الاميركية نهاية عام 2011، ما ادى الى استمرار وصول الاسلحة للبلاد. ولفت التقرير الى ان الدول المصدرة للاسلحة، بما فيها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، كانت تدرك جيدا مخاطر نقل الاسلحة للعراق الذي يعاني من الفساد وضعف الرقابة. بحسب فرانس برس.
وقال ويلكن، وفقا للتقرير ذاته، ان "تداعيات انتشار السلاح وسوء استخدامه في العراق والمنطقة المحيطة به دمرت حياة ومعيشة الملايين من الناس، وتشكل تهديدا مستمرا" لهم. واضاف "يجب ان يشكل نقل السلاح غير المسؤول الى العراق وسوريا وسقوطه بيد تنظيم داعش جرس انذار لمصدري الاسلحة في العالم". وطالبت المنظمة الحقوقية الى حظر كامل على تسليم السلاح الى القوات النظامية السورية، والى وضع قيود صارمة والتدقيق جيدا قبل الموافقة على تصدير السلاح الى العراق. كما طالبت المنظمة المصادقة الدول التي لم تصادق على معاهدة تجارة الاسلحة الدولية مثل روسيا والولايات المتحدة الاميركية والصين، الى القيام بذلك. وتضع هذه المعاهدة قيودا على بيع السلاح ونقله.