قناديل كربلاء

مروة حسن الجبوري

2016-06-13 02:33

الليل والقمر، وبعض الصور الصامتة، هي ملاذي حين تهيم روحي في ذكراهم، اتصفح صورهم، وأتفقد ملامحهم، وامسح عنها التراب خوفا على نظراتهم من تلك الذرات، تقطر دمعاتي، وجع لا ينتهي، ويل نفسي من تلك الكوابيس الهاجعة بين دموعي وصراخي، كلمات مبهمة لا تراها العين، تتحول الكلمات الى جماد، الى رماد، لا احد يفهم ما أقول، او لا يملكون جوابا.

نهضتْ مفزوعة خائفة لعله يكون حلما، وافاقت منه، نادت بصوت مرتجف: علي ليان، بأجنحة مكسورة وروح مبعثرة، فتحت خزانة الملابس، أغراضهم ما تزال مرتبة في مكانها المعتاد، ألعابهم هنا، سيعودون إذاً، تزيح عنها هاجس الموت، همست لنفسها: أولادي....

مازالوا هنا، ترمي بذاتها في بحر عميق، لا نجاة منه، لطرد فكرة موتهم من خيالها، أنفاسها صارخة، ونظراتها مقيدة، في الأعلى طيوفهم تلوح في السماء امامها، انخرطت في موجة من البكاء والنحيب، صراخها كان يردد آيات العزاء على اطفالها، تنتفض روحها كورقة تشارف على السقوط، تجر أذيال الوحدة، تلسع قلبها تلك النار التي حرقت اطفالها، همست بألم وهي تعيد الحادثة قائلة: كان يوم الثلاثاء اول يوم رمضان، الشمس تتوسط كبد السماء، شعرت أنه كان يوما قاسيا وظالما في عمري، لم يخطر في بالي هذا اليوم حتى في الاحلام، شهقت، وبكت....

خرجنا للتسوق انا وزوجي واطفالي علي وليان، كانا يجلسان متجاورين في المقعد الخلفي، عندما وصنا الى مركز التسوق كان الوقت ظهرا والجو حارا ونحن على عجالة من أمرنا، تركت علي عمره اربع سنوات واخته ليان ذات الخمس سنوات من عمرها في السيارة وطلبا مني ان اجلب لهما بعض الاشياء، ليان تحب شكولاتة الكندر أوصتني ان اشتريها لها.

جلبت كل الاشياء التي احتاجها وعند خروجي من المركز، تغير صوتها، أثقلت دموعها أجفانها، الغصة تطوق عنقها حد الاختناق، أي شيء يسكن تلك اللوعة، سمعت صوت انفجار، تمسح دموعها، أصوات رهيبة تهز الأرض بصدى صوتها الفزع يأخذني.

عابسة، صامتة، غريبة تلك الاوجاع، تستلذ بأرواحنا الباهتة، رميت كل ما في يدي خرجت مسرعا لا أعرف الى أين ..فوضى، دخان يتطاير، نار تشتعل في المحالّ، اشخاص يصرخون، ثمة شاب عريض المنكبين ممدد على الرصيف غارقا في الدم أما السيارة فكان دخانها يعلو ويعلو...

ليان كانت ترتدي ثوبها الابيض مسرحة شعرها كأنها تعلم بموعد رحيلها، بحثت عن علي أين علي؟ جاءت سيارة الاسعاف، ورفعوا الجثث من الارض، ليان مقطعة اقدامها، وشظايا تملأ جسدها الصغير.

أبعثر بيدي قطع الحطام لأعثر على ولدي علي، رفعوا نصف جثه صغيرة من دون رأس .

لا ليس ولدي هذا؟

للأسف كان هو علي......

نقالة الاسعاف قادمة نحوي، أهذي بكلمات، ليان كانت هنا، علي هنا، بصوت محترق ليان، علي.. قطرات دم تبلل وجهي.

وبعد مرور ساعات من وقوع الانفجار الارهابي، تم تسليمنا جثث أطفالي، ليتم مراسيم العزاء عليهم من الغسل والزيارة وبعدها الى مثواهم الاخير، ما أقسى لحظات الوداع، كل من حولي يذكرني بهم، أسماؤهم، اصواتهم، العابهم، ايتها الروح لا ترجعي الى جسدي، ما ذنب أطفالي، أول يوم من شهر الصيام يفطرون بدمائهم، اعتادوا ان اشتري لهم ملابس للعيد، لكن في هذه السنة اشتريت لهم الأكفان .

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي