قتل زعماء طالبان.. هل سيضع نهاية للعنف في أفغانستان؟
عبد الامير رويح
2016-05-25 11:45
مقتل زعيم حركة طالبان الأفغانية الملا أختر منصور الذي اختير في عام 2015 خليفة لزعيم حركة طالبان الراحل الملا محمد عمر، في غارة أعلنت عنها وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون، لايزال محط اهتمام واسع خصوصا وان البعض يرى ان مقتل منصور، قد تكون له الكثير من النتائج، حيث اكد بعض المصادران مقتل الملا منصور يعد ضربة كبيرة لطالبان، التي تعاني اصلا من مشكلات وانشقاقات داخلية اثرت سلبا على عملها، وكان منصور بدأ تدريجيا إحكام قبضته على الحركة من خلال الاستعانة بأعضاء آخرين بارزين في الحركة من بينهم نجل وشقيق الزعيم السابق الملا محمد عمر، وبشن هجمات واسعة النطاق على قوات الأمن الأفغانية. وفي ظل قيادته، تمكنت طالبان من السيطرة على مدينة أفغانية مهمة العام الماضي للمرة الأولى منذ 15 عاما. واستطاع منصور أيضا إسكات المجموعة المنشقة داخل طالبان بقيادة الملا محمد رسول، والتي تحدت قيادته، ويقول أتباعه إنه لعب دورا في استمرار وجود مسلحي تنظيم داعش في مناطق طالبان. وسيخلق مقتل منصور فراغا سيؤدي مرة أخرى إلى وجود صراع على السلطة داخل الحركة.
من جانب اخر اكد بعض المراقبين ان هذه العملية وعلى الرغم من اهميتها كونها ضربة قاسية للحركة وإنجازا عسكريا في الحرب ضدها، لكنها لن تكون سببا في القضاء على الحركة او التأثير على نشاطها، فطالبان ما زالت متعمقة في الواقع الأفغاني، وقد أكدت حركة طالبان في أفغانستان، أن مقتل الملا أختر منصور زعيم الحركة، لن يؤثر على نشاطها. وذكر بيان أصدرته طالبان، عقب التأكد من مقتل منصور، أن الحركة ليست قائمة على شخص بذاته وأن نشاطها لن يضعف أو ينتهي بمقتل زعيم الحركة. وقالت الحركة أن مقتل أختر منصور سيشعل ثورة في البلاد، وذلك وفقا لما ذكرته وكالة أنباء خاما الأفغانية.
ويعتبر الملا أختر منصور أحد قادة حركة طالبان المؤسسين لها في قندهار عام 1994، ولذلك فقد تولى عدة مناصب ومسؤوليات قبل وبعد سقوط نظام طالبان الذي حكم أفغانستان خلال 1996-2001. فقد شغل أثناء هذه الفترة منصب وزير الطيران، وبعد 2001 كلفته الحركة بإدارة الشؤون العسكرية والسياسية في مجلس شوراها وبنيابة رئيس هذا المجلس، ثم صار نائبا لأمير طالبان الراحل الملا محمد عمر بدلا من عبد الغني برادار الذي اعتقل في باكستان 2010.
مقتل منصور
وفي هذا الشأن قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن قوات أمريكية قتلت الملا أختر منصور زعيم حركة طالبان في غارة جوية في مطلع لمشاركته في تآمر شكل "تهديدات محددة ووشيكة" على القوات الأمريكية وقوات التحالف في أفغانستان. وأشار مسؤول أمريكي طالبا عدم ذكر اسمه أن منصور كان يخطط لهجمات جديدة ضد أهداف أمريكية بالعاصمة الأفغانية كابول.
وقال المتحدث باسم البنتاجون الكابتن جيف ديفيز إن الغارة نفذت بطائرة بدون طيار على منصور داخل الحدود الباكستانية بموجب قواعد الاشتباك الأمريكية التي تسمح للقوات الأمريكية بشن غارات دفاعية ضد من يشاركون في أنشطة تهدد أفراد القوات الأمريكية وقوات التحالف. وقال مسؤولون بالبنتاجون إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أقر الغارة ضد منصور استنادا لقانون يخول استخدام القوة العسكرية في أفغانستان بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول. ولأن الغارة نفذت في باكستان احتاج الأمر لتفويض رئاسي.
وقال ديفيز للصحفيين إن هذه هي المرة الأولى التي يعلم فيها أن الجيش الأمريكي نفذ هجوما داخل باكستان بموجب قواعد الاشتباك التي تحكم الضربات الدفاعية. وأضاف "اعتبرت هذه (الغارة) ضربة دفاعية وبالنظر للموقع (داخل باكستان) فإنها تطلبت مستوى أرفع من الموافقة." ووصفت باكستان الغارة بأنها انتهاك لسيادتها. وتابع "منصور كان يستهدف بشكل خاص القوات الأمريكية وقوات التحالف وشارك على وجه التحديد في عمليات في الماضي أدت لمقتل جنود أمريكيين وجنود من التحالف."
من جانب اخر افاد مسؤولون باكستانيون ان الرجل الذي قتل في ضربة لطائرة اميركية بدون طيار في باكستان وقدم على انه زعيم حركة طالبان الافغانية كان يسافر بهوية باكستانية ووصل لتوه من ايران في سيارة مستاجرة. واعلنت اجهزة الاستخبارات الافغانية ان الملا اختر منصور قتل في ضربة في اقليم بلوشستان الباكستاني (جنوب غرب). واعتبرت الولايات المتحدة التي نفذت الغارة ان مقتله "مرجح".
واكدت الحكومة الافغانية في وقت لاحق مقتله في حين نددت السلطات الباكستانية بالغارة الاميركية. وقال مصدر امني ان الرجل المعني كان يحمل اوراق هوية باكستانية باسم محمد والي من سكان بلوشستان. وكان جواز سفره يحمل تأشيرة دخول الى ايران تعود الى 28 اذار/مارس 2016. واوضح المصدر الامني "كان عائدا من ايران حين هاجمته طائرة بدون طيار قرب مدينة احمد وال".
وفي وقت سابق، تبادل مبلغا من المال باليورو مقابل روبيه باكستانية على الحدود واستاجر سيارة كان يقودها سائق يعمل لدى شركة تاجير سيارات مقرها في العاصمة الاقليمية كويتا والتي تعتبر مقر المجلس المركزي "الشورى" لحركة طالبان الافغانية. والسائق الذي عرفت عنه واشنطن ايضا على انه "مقاتل" اخر، قتل بدوره في الهجوم. ونقلت جثتا الرجلين الى مستشفى في كويتا حيث سلما الى اقاربهما بعد اجراء تشريح. وبحسب مصدر طبي فان جثة الرجل الذي عرف عنه على انه قائد طالبان كانت متفحمة الى حد كان من المتعذر التعرف على هويتها. وقال المصدر "تم التعامل مع الجثتين بطريقتين مختلفتين". وسلم جثمان السائق الى ابن شقيقه بعد تقديم اوراق الهوية. بحسب فرانس برس.
اما جثة الراكب فسلمت الى شاب قدم على انه قريب لمحمد والي. ورافقه رجال عديدون بلباس مدني طلبوا من الفريق الطبي انجاز الاجراءات باسرع وقت ممكن. وقال المصدر الطبي ان "الاجراء الطبي-الشرعي انتهى بسرعة شديدة ونقل الجثمان. ولم يتم طلب اي اثبات على هوية الشاب" قريبه. وفي اذار/مارس الماضي اقر المستشار الباكستاني للشؤون الخارجية سرتاج عزيز للمرة الاولى علنا بان بلاده تقدم ملاذا آمنا لقادة طالبان الافغان، مشيرا الى ان هذا الامر يتيح دفع المتمردين الاسلاميين الى طاولة المفاوضات.
اختيار خليفة
في السياق ذاته اجتمع عدد من كبار زعماء حركة طالبان الأفغانية للاتفاق على خليفة الملا أختر منصور زعيم الحركة الذي أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما مقتله في ضربة جوية أمريكية في وقت سابق. ولم تصدر طالبان بيانا رسميا حتى الآن بشأن مصير منصور الذي تولى قيادة الحركة في العام الماضي فقط لكن اثنين من الأعضاء البارزين بالحركة قالا إن السلطات الباكستانية سلمت جثة منصور وبها آثار حروق شديدة لتدفن في مدينة كويتا بغرب البلاد. غير أن المسؤولين الباكستانيين نفوا تسليم الجثة.
وقال مسؤول في طالبان من إقليم ننكرهار الشرقي "القيادة حذرة للغاية لأن أي خطوة خاطئة قد تقسم الحركة إلى عدة أطراف مثلما حدث مع المجاهدين السابقين" في إشارة إلى زعماء الميليشيات التي حاربت السوفيت في الثمانينات من القرن الماضي قبل إنقسامهم لفصائل متناحرة. ويبدو اختيار الزعيم المقبل للحركة محصورا بين سراج الدين حقاني الرجل الثاني في الحركة بعد منصور أو الملا محمد يعقوب ابن الملا عمر مؤسس الحركة الراحل.
وعارض يعقوب في البداية زعامة منصور للحركة لدى الكشف عن موت الملا عمر العام الماضي. وسيعني اختيار أحد افراد أسرة الملا عمر للزعامة بمثابة بناء للإجماع لكن أحد مسؤولي طالبان قال إن يعقوب متردد في تولي المنصب. وظهرت شقاقات خطيرة العام الماضي عندما تأكد نبأ مقتل الملا عمر مؤسس الحركة قبل عامين مما جعل نائبه منصور قائما بأعمال زعيم الحركة وعرضه لاتهامات من رفاقه بخداعهم.
وأضاف أحد أعضاء مجلس شورى الحركة أن حقاني -الذي يتزعم شبكة متحالفة مع طالبان واتهمت بالمسؤولية عن سلسلة من الهجمات الانتحارية الكبرى في كابول- يحظى بدعم باكستان في حين يحظى يعقوب بدعم أعضاء طالبان الأفغانية. ويمثل قتل منصور انتكاسة لأي احتمال لإطلاق مباحثات سلام بين طالبان والحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب. بحسب رويترز.
لكن أوباما قال إن هذه المباحثات تمثل الفرصة الوحيدة لإنهاء الحرب المستمرة منذ عقود في أفغانستان. وأضاف أوباما "يمكن لطالبان انتهاز الفرصة من أجل المضي في الطريق الحقيقي الوحيد لإنهاء هذا النزاع الطويل والانضمام للحكومة الأفغانية في عملية المصالحة التي تقود لسلام واستقرار دائمين." لكنه شدد على أن العملية التي استهدفت منصور لا تمثل تحولا في الاستراتيجية الأمريكية تجاه أفغانستان أو عودة للمشاركة الفعالة في القتال بعد انتهاء المهمة القتالية الرئيسية للتحالف الدولي في عام 2014. وفي أفغانستان حاليا 9800 جندي أمريكي مقسمين بين البعثة التي يقودها حلف شمال الأطلسي لتدريب وإرشاد القوات المحلية وبعثة منفصلة لمكافحة الإرهاب تقاتل الجماعات المتشددة مثل الدولة الإسلامية والقاعدة.
حقاني اكثر خطورة
على صعيد متصل يرجح أن يكون القيادي الأفغاني سراج الدين حقاني وهو خليفة محتمل للملا أختر منصور- الذي قالت أفغانستان إن الولايات المتحدة قتلته في غارة جوية خصما أكثر خطورة على الحكومة الأفغانية وحلفائها الأمريكيين. وينظر مسؤولون أفغان على نطاق واسع إلى حقاني- الذي رصدت مكافأة خمسة ملايين دولار للقبض عليه- على أنه أخطر أمير حرب في حملة طالبان إذ يتحمل المسؤولية عن معظم الهجمات العنيفة بما فيها الهجوم الذي وقع في كابول في وقت سابق وأسفر عن مقتل 64 شخصا.
وإذا اختير حقاني ليكون الزعيم المقبل لطالبان فربما ينظر لذلك باعتباره مناسبا لسليل أسرة اشتهرت بأنها جزء من مسلسل الدم المستمر في أفغانستان منذ عقود. وكان جلال الدين حقاني والد سراج الدين رجلا كث اللحية يتزعم مجاهدين حاربوا الجنود السوفيت الذين احتلوا أفغانستان في عام 1979. ووصف عضو سابق في الكونجرس الأمريكي هو تشارلي ويلسون جلال الدين حقاني بأنه "تجسيد للطيبة" وكان يتمتع بتقدير كبير لدرجة أنه زار البيت الأبيض عندما تولى رونالد ريجان رئاسة الولايات المتحدة. لكن يُنظر لابنه على أنه أكثر قسوة.
وأصبح سراج الدين حقاني واحدا من نائبين لزعيم طالبان العام الماضي ليقرب فصيله مهاب الجانب المعروف باسم شبكة حقاني من تمرد حركة طالبان. وتسيطر طالبان الآن على مساحة من الأراضي أكبر من أي وقت منذ الإطاحة بحكومتها في 2001 وانهارت آمال عقد محادثات سلام كانت تضغط الولايات المتحدة لعقدها مع تزايد أعمال العنف. ويعتقد أن شبكة حقاني هي من أدخل التفجيرات الانتحارية إلى أفغانستان وتصفها وزارة الخارجية الأمريكية بأنها أعنف مجموعة متشددة تستهدف القوات التي تقودها الولايات المتحدة والقوات التي تقودها الحكومة الأفغانية. وتضع الولايات المتحدة حقاني ضمن قائمة خاصة "للإرهابيين الدوليين."
وذكرت مصادر مقربة من شبكة حقاني بأنهم لا يزالون يتحرون للتأكد من صحة نبأ مقتل منصور. وقال مصدر "من السابق لأوانه التعقيب على إذا ما كان سراج الدين حقاني سيكون مستعدا ليحل محل الملا منصور." ويحاول حقاني وهو في منتصف الأربعينات تحقيق المصالحة مع فصائل من طالبان رفضت زعامة منصور منذ العام الماضي عندما اتضح أن مؤسس الحركة الملا محمد عمر توفي قبلها بعامين. وقال عضو بارز في طالبان أفغانستان بشرط عدم ذكر اسمه إن حقاني عين رئيسا للجنة عُهد إليها بمسألة حسم الانقسام العنيف بين منصور وفصيل منافس يقوده الملا محمد رسول. لكن اختيار حقاني زعيما لطالبان أمر أبعد ما يكون عن المؤكد. بحسب رويترز.
فشبكة حقاني التي تتمركز قوتها منذ سنوات في الأراضي الحدودية بشمال غرب باكستان تتمتع بنفوذ في إقليم باكتيكا الشرقي ومنطقة لويا باكتيا الأكبر لكنها لا تتمتع بنفوذ في إقليم قندهار الجنوبي مهد حركة طالبان. وكتب توماس روتيج من شبكة المحللين لشؤون أفغانستان في مقال بشأن الخلفاء المحتملين لمنصور "حقاني... ليس من قندهار ولأنه ليس مطلعا على أوضاع التمرد خارج لويا باكتيا فسيعاني على الأرجح لكسب دعم قادة طالبان الأقوياء في الجنوب الذين لا يزالون يتمتعون بالهيمنة."