كيف ستنعكس الانتصارات العسكرية على الوضع الامني في العراق؟
عبد الامير رويح
2016-05-25 07:05
الاحداث والتطورات الاخيرة التي شهدها العراق الذي يعيش حالة من عدم الاستقرار الامني والسياسي، ربما ستهم وبحسب بعض المراقبين بتصاعد وتيرة العنف وتزايد حدة الانقسامات السياسية في هذا البلد، فاقتحام المتظاهرين للمنطقة الخضراء قبل ايام في وسط بغداد حيث مقر الحكومة ومجلس النواب وسفارات اجنبية بينهما الاميركية والبريطانية، للمرة الثانية للمطالبة بإصلاحات سياسية.
واستخدمت قوات الامن قنابل صوتية وخراطيم المياه وقنابل غاز مسيلة للدموع كما اطلقت النار في الهواء من اجل تفريقهم ودفعهم الى خارج هذه المنطقة المحصنة. يمكن ان يسهم بتعقيد الامور خصوصا وان العراق يخوض حربا مهمة ضد الارهاب بالنيابة عن العالم، هذا بالإضافة الى وجود اطراف وحكومات اخرى تسعى الى الاستفادة من هكذا احداث في سبيل تأمين مصالحها.
وقد حذرت الامم المتحدة من تصاعد محتمل في اعمال العنف. وقال ممثل الامم المتحدة في العراق جان كوبس " ان ما جرى يكشف بان الاحداث قد تأخذ منحى اخر وتصعيد قد يتسبب بسقوط ضحايا". والاجراءات التي اتخذتها قوات الامن في الفترة الاخيرة، كانت اكثر حزما من تلك التي واجهها المتظاهرون اثناء اقتحامهم المنطقة الخضراء قبل اسابيع، وقتل بعض المتظاهرين في هذه الاحداث نتيجة اصابتهما بجروح جراء اطلاق النار، بحسب مسؤولين، فيما اصيب عشرات بينهم عناصر من قوات الامن خلال اعمال العنف. واتهم بعض المتظاهرين الغاضبين السياسيين العراقيين بالتصرف مثل داعش الذي يرتكب اعتداءات ضد المدنيين في بغداد.
احدث عنف
فيما يخص بعض التطورات فقد قالت مصادر طبية إن أربعة محتجين على الأقل قتلوا وأصيب 90 آخرون عندما أخرجت قوات الأمن متظاهرين اقتحموا المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد. واستخدمت قوات الأمن العراقية الرصاص الحي والمطاطي ومدافع المياه والغاز المسيل للدموع لإخراج المحتجين من المنطقة التي تضم المباني الحكومية والبرلمان وسفارات. وتم حصر عدد الضحايا من أربعة مستشفيات نقلوا إليها ومن مشرحة بغداد المركزية وهم من أصيبوا بالرصاص فقط وليس حالات الاختناق نتيجة للغاز المسيل للدموع.
واقتحم مدنيون المنطقة الخضراء مرتين خلال ثلاثة أسابيع مما يثير تساؤلات بشأن قدرة الحكومة على تأمين العاصمة التي شهدت هذا الشهر تصعيدا في التفجيرات التي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها. وكان من بين المحتجين أنصار لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وآخرون من جماعات أخرى يشعرون بخيبة الأمل لفشل الحكومة في إقرار إصلاحات لمكافحة الفساد وعجزها عن توفير الأمن.
وندد جعفر الموسوي نائب رئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري بالحكومة لاستخدامها ما وصفها "بالقوة المفرطة". وقال في بيان "استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين المسالمين هو أمر غير مبرر تماما ودليل واضح بأن الحكومة التي يفترض أن تكون شرعية قد تحولت إلى حكومة قمعية." بحسب رويترز.
وأدان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في كلمة ألقاها في وقت متأخر اقتحام المنطقة الخضراء وحذر من الفوضى والصراع قائلا "وما حصل اليوم من اقتحام لمؤسسات الدولة والعبث بالمال العام لا يمكن القبول به والتهاون مع مرتكبيه وإن القانون لابد أن يأخذ مجراه على كل متجاوز." وقال يان كوبيش ممثل الأمم المتحدة الخاص في العراق في بيان "أعداء العراق فقط وفي مقدمتهم داعش هم من يستفيدون من الفوضى ونحن على يقين من أن العراقيين الوطنيين لن يسمحوا لهذا الأمر أن يحدث."
وواجه المحتجون مقاومة شديدة من قوات الامن الجمعة لكنهم على الرغم من ذلك تمكنوا من اقتحام المنطقة الخضراء، ودخلوا الى مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي. وقال شهود إن عشرات الأشخاص أصيبوا بسبب إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي. وذكر بيان للجيش أن بعض رجال الأمن تعرضوا للطعن.
وفرضت الحكومة حظر تجول لفترة وجيزة في بغداد ردا على العنف في المنطقة الخضراء لكن السلطات قالت في وقت لاحق إن النظام عاد للمنطقة بعد انتهاء ما وصفوه بأعمال الشغب. وقال البيان الصادر عن قيادة عمليات بغداد "عناصر مندسة استغلت انشغال قواتنا بالتحضيرات لمعركة الفلوجة فاخترقت مؤسسات الدولة وأحدثت فوضى" في إشارة للمدينة التي تقع على بعد 50 كيلومترا إلى الغرب من بغداد ويسيطر عليها تنظيم داعش.
ودخل محتجون مبنى حكوميا لعدة ساعات. وأظهرت صور بثت على الإنترنت ولم يتسن التحقق من صحتها محتجين يحملون أعلام العراق ويلوحون بأيديهم أمام شعار المكتب الصحفي لرئيس الوزراء وداخل قاعة اجتماعات. وبدأ المحتجون في الانسحاب من المنطقة الخضراء إلى ساحة التحرير لكن شهودا قالوا إن قوة من وزارة الداخلية ومسلحين مجهولين أطلقوا النار هناك.
وأبدى الصدر تضامنه مع ما سماه "الثورة العفوية السلمية" وأدان الحكومة في بيان لأنها "تقتل أبناءها بدم بارد." ويحتج أنصار الصدر على فشل البرلمان في إقرار تشكيلة حكومية من الخبراء واقتحموا المنطقة الخضراء في 30 أبريل نيسان الماضي ودخلوا مجمع البرلمان وهاجموا مسؤولين قبل أن ينظموا اعتصاما لمدة 24 ساعة في ميدان قريب. ولم تنعقد جلسات البرلمان منذ ذلك الحين كما أصيبت الحكومة بالشلل وهي تعاني أصلا من الأزمة الاقتصادية التي تسبب فيها انخفاض أسعار النفط ومن مواجهة تنظيم داعش وهو أكبر خطر أمني في البلاد منذ أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة بصدام حسين في 2003.
وزاد سخط المحتجين أيضا لعجز الحكومة عن بسط الأمن بعد موجة تفجيرات تبناها التنظيم في بغداد هذا الشهر أودت بحياة أكثر من 150 شخصا. ولم يدع الصدر صراحة لاحتجاجات التي هتف المحتجون خلالها "يا جيش الوطن مجروح.. لا تصير ويا (مع) الفاسد." وبدأت الأزمة السياسية العراقية في فبراير شباط عندما أعلن العبادي خططا لتعيين وزراء من الفنيين المستقلين وهو ما يهدد بالقضاء على نظام المحاصصة السياسية الذي يجعل الجهاز الإداري للدولة عرضة للفساد.
الصدر والاحتجاجات السلمية
الى جانب ذلك حذر الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر من محاولات "منع الاحتجاجات السلمية"، بعد استخدام قوى الأمن العراقية القنابل المسيلة للدموع لتفريق انصاره اثر اقتحامهم لفترة قصيرة مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي في المنطقة الخضراء ببغداد. وأعلن الصدر في بيان "الاستمرار بالاحتجاجات السلمية"، محذرا من أنه "لا يحق لأي جهة منع ذلك.. وإلا فإن الثورة ستتحول إلى وجه آخر".
وأضاف أن هذه الاحتجاجات "ورقة ضاغطة على السياسيين ومحبي الفساد والمحاصصة الطائفية والسياسة البغيضة وبصورة منظمة وبأوامر مركزية". ودعا الصدر "منظمة الدول الإسلامية والأمم المتحدة إلى التدخل من أجل إخراج الشعب العراقي من محنته (...) ولو من خلال انتخابات مبكرة". واقتحم انصار الصدر لفترة قصيرة مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي داخل المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد. وواجه الاف المحتجين الذين يطالبون باصلاحات حكومية في بادىء الامر مقاومة شديدة من قوات الامن، لكنهم تمكنوا في نهاية المطاف من اقتحام المنطقة المحصنة والدخول الى مكتب رئيس الوزراء قبل إخراجهم من هناك.
من جانب اخر قال أحد مساعدي رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر إن الصدر أمر مسلحين تابعين له بالانسحاب من شوارع بعض أحياء بغداد التي تعرضت لتفجيرات مميتة أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عنها. ونشرت سرايا السلام التابعة للصدر المئات من مسلحيها في مدينة الصدر وخمس مناطق شيعية أخرى في العاصمة بعدما اتهم الحكومة بالفشل في منع الهجمات التي شنها التنظيم. بحسب رويترز.
وقال مساعد الصدر إن رجل الدين أمر بعدم استعراض الأسلحة أمام المواطنين وتجنب الاحتكاك مع قوات الأمن وتفادي الانجرار إلى العنف. وقال شهود إن سرايا السلام انسحبت من الشوارع في مدينة الصدر. وزادت التفجيرات الضغوط على رئيس الوزراء حيدر العبادي لحل الأزمة السياسية الناجمة عن سعيه لتغيير وزاري يهدف لمكافحة الفساد.
الصراع على السلطة
في السياق ذاته احتدم صراع على السلطة داخل الأغلبية الشيعية في العراق مع تعثر محاولات تشكيل حكومة جديدة فيما يثير خطر تحول الصراع إلى العنف ونسف المساعي التي تقودها الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم داعش. ولأول مرة منذ الانسحاب الأمريكي في نهاية 2011 اقتربت القوى الشيعية الشهر الماضي من حمل السلاح في مواجهة بعضها البعض حين اقتحم مؤيديون لرجل الدين الشيعي واسع النفوذ مقتدى الصدر مبنى البرلمان داخل المنطقة الخضراء في بغداد.
وتمركز مسلحون من جماعات شيعية منافسة في مواقع قريبة مما أثار شبح اندلاع قتال فيما بين الشيعة على غرار ما شهدته مدينة البصرة في جنوب البلاد عام 2008 حين قتل مئات الأشخاص. وأظهر مقطع فيديو نشر على الموقع الالكتروني لجماعة سرايا الخراساني شاحنات تحمل هؤلاء المقاتلين الذين كانوا مسلحين بقذائف صاروخية وأسلحة آلية وتجوب شوارع العاصمة تحت سمع وبصر القوى الأمنية.
وتشكل الأزمة أكبر تحد سياسي حتى الآن لرئيس الوزراء حيدر العبادي وهو إسلامي شيعي معتدل تولى المنصب في 2014 ووعد بهزيمة داعش ورأب الصدع مع السنة والأكراد واستئصال الفساد الذي يعصف بإيرادات الدولة التي تضررت بالفعل بشدة جراء انخفاض أسعار النفط.
ويقول الصدر- وهو سليل عائلة من رجال الدين الموقرين- إنه يدعم الإصلاحات السياسية التي طرحها العبادي واتهم زعماء شيعة آخرين بالسعي للإبقاء على نظام المحاصصة السياسية الذي يتسبب في انتشار الفساد في الإدارة العامة. وأوضح قائد في جماعة سرايا الخراساني التي انتشرت قرب المنطقة الخضراء أنهم سيقاتلون لمنع أنصار الصدر من احتلال المنطقة التي تضم البرلمان ومقار حكومية وسفارات. وقال القائد وقد ارتدى ملابس خضراء مموهة وعمامة سوداء متحدثا لمقاتليه في الفيديو الذي نشر على الإنترنت "نحن هنا لوأد هذه الفتنة في مهدها."
وانحسر احتمال اندلاع العنف بعد أيام قليلة حين غادر أتباع الصدر المنطقة الخضراء وحلت قوات الجيش والشرطة محل مسلحي الفصيل منافس. لكن تلك الواقعة قدمت لمحة من صراع على الهيمنة داخل الطائفة الشيعية التي يفترض بها أن تكون متحدة في جهود هزيمة تنظيم داعش الذي سيطر على نحو ثلث أراضي العراق في 2014.
وقال نائب شيعي بارز في البرلمان "لقد كنا قاب قوسين أو أدنى من سيناريو دموي عنيف" مرددا تعليقات صدرت عن مسؤولين أمنيين وحكوميين طلبوا جميعا عدم ذكر أسمائهم وهم يتحدثون عن الانقسامات الداخلية. وقال النائب البرلماني إنه خلال اجتماع في أول مايو أيار لأعضاء من الائتلاف الوطني وهو مظلة سياسية تشكلت في 2010 على يد الجماعات الشيعية الرئيسية وبينها التيار الصدري بدا القادة الشيعة الآخرون "مقتنعين بأنه قد تجاوز الحد".
وأضاف النائب الذي شارك في الاجتماع أن الصدر لم يحضره لكن الحاضرين "بعثوا إليه بإنذار" بأن أنصاره قد يبعدون بالقوة إذا لزم الأمر. وأكد سياسيان آخران حضرا الاجتماع إرسال هذه الرسالة للصدر البالغ من العمر 42 عاما والذي يتهمه خصومه دوما بمحاولة فرض شروط على بقية الائتلاف الوطني.
وقال عمار الحكيم رجل الدين الشيعي البارز الذي تربطه صلات بإيران ويرأس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وهو أحد المكونات الرئيسية في الائتلاف الوطني "من المؤسف أن هناك سياسيين مستعدين لإحراق العراق من أجل مصالحهم الشخصية وطموحاتهم تحت ذريعة الإصلاحات."
كانت آخر مرة تحول فيها الصراع الداخلي بين الشيعة إلى اقتتال دموي في عام 2008 حين أمر رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الجيش بالاشتباك مع أنصار الصدر في البصرة لإنهاء سيطرتهم على أجزاء من المنطقة الجنوبية التي تضم معظم الثروات النفطية للبلاد. وعلى عكس الموقف الحالي واجه الصدر حينها قوات حكومية وليس جماعة مسلحة. لكنه اعتبر أيضا قتالا شيعيا-شيعيا نظرا لأن الجيش يتشكل في غالبيته من الشيعة. بحسب رويترز.
وسلم المالكي السلطة للعبادي في 2014 بعد فشل الجيش في وقف تقدم داعش ويعتبر حاليا خصما لرئيس الوزراء. وتقاتل سرايا الخراساني ومنظمة بدر إلى جانب كتائب السلام التابعة للصدر وعشرات الجماعات الأصغر الأخرى مع الجيش العراقي المدعوم من الولايات المتحدة ضد داعش في إطار ما يعرف باسم قوات الحشد الشعبي.