صناعة التطرف واستراتيجية المواجهة
عبد الامير رويح
2016-05-01 08:15
في ظل اتساع دائرة العنف الدموي وانتشار التنظيمات الإرهابية، سعت العديد من دول العالم الى تصعيد حربها المعلنة ضد التطرف والارهاب، من خلال اعتماد خطط واساليب جديدة تهدف الى الحد استقطاب وتجنيد الشباب ونشر الفكر المتطرف داخل تلك المجتمعات، وبحسب بعض الخبراء في مجال الإرهاب فان اغلب الحكومات بدأت تنتبه إلى حقيقة عدَم قُدرة الأدوات الأمنية الصّارمة على التقليل من مصدر التطرّف العنيف، لذا فقد سعت الى التوجه والعمل على معالجة المشكلات والازمات التي تغذي التطرّف. وفيما يخص اخر التطورات في هذا الامر فقد دعت الامم المتحدة كافة الدول الى التعاون في ما بينها سريعا لوقف انتشار التطرف العنيف في العالم. وقال جيهانجير خان مدير مركز الامم المتحدة لمكافحة الارهاب ان هذا التطرف "يتوسع" وبات يشكل "خطرا واضحا وداهما" في كافة انحاء العالم. واوضح ان عشرات الاف المقاتلين الاجانب المتحدرين من نحو مئة بلد انتقلوا الى سوريا والعراق، في حين ان متطرفين محليين انتقلوا الى العنف في اوروبا وشنوا هجمات دامية على غرار الاعتداءات التي شهدتها بروكسل اخيرا.
وقال خان "كل العالم معرض لان يطاوله التطرف العنيف الذي لن يوفر احدا" معتبرا ان "التعاون الدولي لم يكن يوما ضروريا كما هو عليه اليوم". ويعقد في جنيف بدعوة من الامم المتحدة والحكومة السويسرية مؤتمر حول الوقاية من التطرف العنيف بمشاركة نحو ثلاثين وزيرا او نائب وزير بينهم وزراء خارجية بلجيكا وسويسرا ومصر وماليزيا. ويشارك ايضا في هذا المؤتمر خبراء في مجال مكافحة الارهاب، وممثلون لمنظمات اقليمية ولمواقع للتواصل الاجتماعي. واضاف خان "ان المنطق الامني العسكري رغم ضرورته، كشف محدوديته" داعيا الى التركيز على الاستراتيجيات الوقائية للحؤول دون تحول الشبان الى التطرف.
ويعتبر بعض الخبراء ان الاجراءات القاسية والعنيفة التي تتخذها بعض الدول لمحاربة التطرف قد لا تكون بناءة لانها قد تدفع بعض الاشخاص اكثر فاكثر نحو التشدد. وقال ستيفان هوسي السفير المكلف شؤون الارهاب في وزارة الخارجية السويسرية في هذا الاطار "علينا ان نخرج من هذه الحلقة المفرغة". وتابع في تصريح صحافي "من بين الخلاصات التي توصلنا اليها خلال السنوات العشر او ال15 الماضية، ان عدد الذين انتقلوا الى الارهاب اكبر من عدد الارهابيين الذين تم القضاء عليهم".
أمهات ضد التطرف
الى جانب ذلك تعمل منظمة "نساء بلا حدود" غير الحكومية إلى دعم تظافر جهود أمهات من مختلف أنحاء العالم في مواجهة ظاهرة تجنيد الشباب للجهاد، فالأمهات أقرب الناس للأبناء وخير رقيب لرصد أي أدلة تطرف تظهر عليهم. وتتطلب مطاردة الجهاديين تعبئة قوات الأمن وأجهزة المخابرات في العالم، لكن مكافحة التطرف تتطلب أيضا جهود عائلاتهم ولا سيما أمهاتهم، أقرب الأشخاص إليهم واللواتي يعرفوهم أكثر من أي كان.
وقالت المحللة إديت شلافر مؤسسة منظمة "نساء بلا حدود" غير الحكومية في 2002 ومقرها فيينا، إنها "منافسة مباشرة" بين الأمهات و"المجندين الذين يستخدمون نفوذهم الضار في المساجد عندما يصبح الأولاد فتيانا". وانطلاقا من ذلك، دعت شلافر، وهي نمساوية وفي السبعينات من العمر، إلى أن تتولى الأم مهمة الرقيب لرصد أي دليل على التطرف يظهر لدى ولدها سواء كانت العائلة من بلجيكا أو أندونيسيا او كشمير او نيجيريا. وترمي "مدارس الأمهات" التي أسستها المنظمة غير الحكومية منذ 2012 في بلدان عديدة إلى المساعدة لتفادي وقوع الشباب في شباك الجهاد أو لانتشالهم منها.
وبعد أن تعرفت على نساء أخريات في الوضع نفسه خلال ورشة عمل نظمت مؤخرا في فيينا حول هذا الموضوع، تقول فاطمة الزرهوني، البلجيكية البالغة الـ44 من العمر التي رحل ابنها إلى سوريا منذ حزيران/يونيو 2013، "إنها لم تعد تشعر بأنها وحيدة"، حتى وإن كانت تشعر "بأنها لن تراه مجددا". وورشة العمل التي نظمت في فيينا شاركت فيها "اختصاصيات" تابعن الدورات العشر للتدريب على مكافحة التطرف، ومشاركات جديدات مثل الزرهوني. وتؤكد الأخيرة أنها "لم تخطر سوريا ببالها للحظة" عندما رأت ابنها يصلي بانتظام ويبدل ملابسه الغربية بملابس تقليدية.
والشعور نفسه بالدهشة انتاب صالحة بن علي التي قتل ابنها البالغ الـ19 من العمر في سوريا قبل ثلاث سنوات. وتقول هذه العاملة في المجال الاجتماعي في فيلفورد في ضاحية بروكسل "تطرفه كان سريعا جدا، حصل ذلك خلال ثلاثة أشهر ولم نلاحظ أي دليل على ذلك". ودور النساء اللواتي تدربن في ورشات العمل هذه هو توعية وتدريب نساء أخريات في محيطهن. وتعاونت منظمة "نساء بلا حدود" غير الحكومية مع خبراء في مكافحة الإرهاب من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومقرها أيضا فيينا. بحسب فرانس برس.
وهذه المنظمة مستقلة وتدعمها ماليا عدة وزارات نمساوية والاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية الأمريكية. وهناك برامج أخرى خارج منظمة نساء بلا حدود للتصدي للتطرف الإسلامي تتولاها نساء، وتقف لطيفة بن زياتن، والدة إحدى ضحايا الجهادي محمد مراح في 2012 في تولوز (جنوب غرب فرنسا)، وراء عدة مبادرات بهذا المعنى، لكن يبدو أن المنظمة هي البنية الوحيدة الناشطة في دول عدة.
تونس والغد الافضل
على صعيد متصل أعلنت وزارة الشؤون الدينية التونسية إطلاق حملة تستمر سنة كاملة لمقاومة الفكر الديني المتطرف الذي "غزا" شباب البلاد وتحمل شعار "غدوة خير" (غدا افضل). وقال محمد خليل وزير الشؤون الدينية في مؤتمر صحفي قدم خلاله "الحملة الوطنية لمكافحة الارهاب" التي ستنفذها وزارته "شبابنا وقع غزوه والسطو على فكره عبر الانترنت" التي يقارب عدد مستعمليها في تونس 6 ملايين شخص اغلبهم من الشباب، وفق الوزير.
وأضاف "لقد وقع اختراق شبابنا (..) ووجب علينا بناء قلعة افتراضية تحمي شبابنا وفكرهم من الإرهاب وتدنيس الفكر الديني" لافتا الى ان حملة وزارته ستركز بالخصوص على التواصل عبر الانترنت مع هذه الفئة. وأفاد انه سيتم ضمن الحملة اطلاق "بوابة الكترونية لنشر القيم الاسلامية الصحيحة (..) باعتماد المنهج الزيتوني المعتدل" في اشارة الى منهج علماء جامع الزيتونة التونسي الشهير، و"موقع (الكتروني) متطور ومرتبط بمختلف المواقع الاجتماعية، للتفاعل والمواكبة" بالاضافة الى "إرساء مركز نداء للإنصات والاجابة عن تساؤلات الشباب حول قضايا الاسلام".
وتابع ان الحملة تشتمل كذلك على "تكثيف الدروس (الدينية) بالجوامع والمساجد" و"تنظيم لقاءات بالشباب في النوادي وسائر الفضاءات المتاحة لطرح القضايا التي يروج لها الفكر المتطرف". وقال محمد خليل ان الوزارة سوف تمول انتاج "برامج اسبوعية تحسيسية اضافية ضد الارهاب والتطرف" لبثها عبر الاذاعات والقنوات التلفزية التونسية. وانضم اكثر من 5500 تونسي غالبيتهم تتراوح اعمارهم بين 18 و35 عاما، الى تنظيمات جهادية في الخارج لا سيما في سوريا والعراق وليبيا، بحسب تقرير نشرته في يوليو/تموز الماضي مجموعة العمل التابعة للامم المتحدة حول استخدام المرتزقة.
واشار التقرير الى ان عدد المقاتلين التونسيين في هذه التنظيمات "هو بين الأعلى ضمن الاجانب الذين يسافرون للالتحاق بمناطق النزاع". وفي 2015 نفذ اربعة شبان تونسيين ثلاث هجمات دامية تبناها تنظيم داعش المتطرف واسفرت عن مقتل 59 سائحا اجنبيا و13 عنصر امن. كما نفذ عشرات الجهاديين هجمات "متزامنة" على ثكنة الجيش ومديريتيْ الدرك والشرطة في مدينة بن قردان (جنوب) الحدودية مع ليبيا وحاولوا احتلالها وإقامة "إمارة داعشية" في المدينة، حسب ما اعلن رئيس الحكومة الحبيب الصيد. وقتل 49 مهاجما و13 عنصر امن وسبعة مدنيين في مواجهات حصلت يوم الهجوم ثم في عمليات مطاردة للمهاجمين خلال الايام التالية. ولم تعلن اي جهة مسؤوليتها عن الهجوم الذي اثار مخاوف من تمدد الفوضى في ليبيا المجاورة نحو تونس.
من جهة اخرى دعت فرنسا الشبان في تونس إلى مقاومة مسار التطرف الإسلامي وأن يضربوا المثل لباقي دول المنطقة وتعهدت بتعزيز الروابط الامنية والاقتصادية مع البلد الذي شهد باكورة انتفاضات الربيع العربي بينما يسعى جاهدا للتغلب على تيار اسلامي متشدد. وبعد دستور جديد وانتخابات حرة إضافة إلى تاريخ علماني تتعرض المستعمرة الفرنسية السابقة في شمال أفريقيا لهجمات من متشددين يسعون إلى زعزعة الديمقراطية الوليدة بعد خمس سنوات من الاطاحة بالدكتاتور زين العابدين بن علي.
وتمكنت تونس من إدارة تحول سياسي لكنها تعاني آثار تشدد ينمو في الداخل ويغذيه عدم الاستقرار في جارتها ليبيا حيث سمح فراغ سياسي لتنظيم داعش بتوسيع موطيء قدم وإمتد العنف إليها. وفشلت التنمية والاصلاحات الاقتصادية في مجاراة التغييرات السياسية. وساعدت البطالة المنتشرة في المناطق المهملة وبين الشبان في بلد أكثر من نصف عدد سكانه دون سن التاسعة والعشرين في تغذية قلاقل اجتماعية متزايدة.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرو أثناء افتتاحه المعهد الفرنسي بالعاصمة التونسية "في أكثر المناطق النائية وفي أكثر القطاعات المهمشة بين السكان... يصبح الشبان فريسة سهلة لدعاة الكراهية والانعزالية والعنف." واضاف قائلا "يجب عدم إختيار المسار الخطأ." وقال إيرو "النجاح الذي حققته تونس هو الان في خطر ومن خلال ذلك مستقبل المنطقة بكاملها... هذا يوضح أن الشباب التونسي عليه واجب بأن يقاوم. نجاحكم هو رفض ملحمي لداعش. وفرنسا شريك تجاري مهم لتونس وزادات دعمها مع خشيتها من خروج عملية الانتقال السياسي عن مسارها. بحسب رويترز.
وتعهدت بحزمة مساعدات قيمتها مليار يورو (1.1 مليار دولار) على مدى خمس سنوات لمساعدة تونس على تنمية المناطق الفقيرة وتحفيز خلق الوظائف خصوصا للشبان وتحديث الجهاز الاداري في تونس وهو عقبة رئيسية أمام صرف المساعدات الدولية. وقال دبلوماسي فرنسي بارز" توجد تربة اجتماعية وإقتصادية خصبة تغذي التشدد." "توجد صلة مباشرة بين إنتشار البطالة بين الشبان والمناطق المهملة وحقيقة أن تونس تقدم واحدة من أكبر مفارز المقاتلين الاجانب للجهاديين." وعلى الصعيد الأمني تقدم باريس معلومات مخابرات وتدريبات لقوات العمليات الخاصة في تونس وتنفذ حزمة قيمتها 20 مليون يورو تهدف إلى تجهيز تلك القوات لكنها استبعدت إرسال مستشارين لمساعدة التونسيين على وقف التسلل عبر الحدود.
شقيق محمد مراح
الى جانب ذلك وقبل اربع سنوات، ندد عبد الغني بالاعتداءات التي ارتكبها شقيقه محمد مراح في فرنسا. اما اليوم وبعد معاناة ومسيرة شاقة فهو ينشط لابعاد الشباب عن التطرف. عبد الغني شارف على الاربعين وهو حليق الراس ويعاني من اعاقة في ذراعه بسبب حادث دراجة نارية. وبنظرة من الجانب يبدو شبه كبير بينه وبين شقيقه محمد الذي قتل ثلاثة عسكريين واربعة يهود في جنوب غرب فرنسا في اذار/مارس 2012. يسير عبد الغني الرفيع القامة بحذر لانه يعلم انه مهدد كما انه فضل عدم الكشف عن مكان اقامته.
ويسترجع عبد الغني ذلك الصباح قبل اربع سنوات والذي بات محفورا في ذاكرته، عندما تعرف في التلفزيون على شارع شقيقه وهي تطوقه سيارات الشرطة. وادرك لحظتها ان شقيقه هو "القاتل على الدراجة النارية" الذي شوهد على مشارف مدرسة لليهود في تولوز حيث قتل ثلاثة تلاميذ ومدرس بالرصاص في 19 اذار/مارس 20120. وروى عبد الغني "وصلت مذعورا وبسرعة فائقة حتى ان الشرطيين اعتقدوا انني ساهاجمهم لكنني اردت ان اساعدهم على التفاوض مع محمد".
وكان يعلم ان ذلك سيحصل. فهو كان ابلغ السلطات في العام 2003 عن "شقيقي الاخر عبد القادر الذي كان يطلق على نفسه اسم بن لادن". اليوم عبد القادر امام محكمة جنائية خاصة بتهمة التواطؤ مع محمد. ويؤكد عبد الغني ان والديهم وراء التطرف ومعادة السامية الحاد لدى شقيقيه وشقيقته سعاد. ويقول "امي كانت تقول دائما ان العرب ولدوا ليكرهوا اليهود بينما يعتبر ابي ان الفلسطينيين على حق بتنفيذ اعمال انتحارية وان الاسرائيليين يستحقون ما يحصل لهم". "لا يعلم" عبد الغني لماذا لم ينته به الامر مثلهم. ويقول "كنت حارس مرمى جيدا وكنت مطلوبا لدى اندية مرموقة لكرة القدم، ربما هنا بدا الانفتاح لدي".
وكان على الدوام يمر بمراحل قطيعة مع اسرته كانت اولها عندما اغرم بيهودية وهو ما لم يتحمله عبد القادر فاقدم على طعنه مما تسبب له باصابة خطيرة. المرة الثانية عندما صور شقيقته دون علم منها وهي تعرب عن "فخرها" بالاعتداءات التي ارتكبها محمد. وبعدها عندما الف كتابا بعنوان "شقيقي الارهابي" والذي اعتبرته الاسرة خيانة اضافية من "الابن الضال". وقال عبد الغني ان الكتاب "كان بالنسبة لهم اسوا ما يمكن ان يحصل. لقد خسرت كل اصدقائي فجاة".
وفي اواخر 2012، رحل عبد الغني عن تولوز مع صديقته وابنهما وانتقل عند قريب له في ايكس-ان-بروفانس. ويروي "اعتقدت انني ساشعر بالراحة بعد صدور الكتاب الا انني ازددت كأبة واسرتي كانت تلومني اكثر من محمد. كنت اشعر بالحزن لانهم لا يعرفون ما ينطوي عليه اعجابهم به الى هذا الحد. بالنسبة اليهم لم يقتل اطفالا بل يهودا". وتدهورت اوضاع عبد الغني تدريجيا وانفصل بعدها عن صديقته حتى وجد نفسه دون عمل او مكان اقامة لان اسمه يثير النفور.
واستمر به التشرد الى ان دعاه محمد سيفاوي الصحافي الذي ساعده على اعداد الكتاب الى ندوة في باريس حول ابعاد الشباب عن التطرف التقى خلالها افراد من جمعية "انتر اوتر" التي تنشط لدى الشباب الذين يجذبهم الجهاد وتحاول ثنيهم عنه. واوضح باتريك امويل استاذ الامراض النفسية والعضو المؤسس ل"انتر اوتر" ان "عبد الغني يكشف الحقيقة عن شقيقه ويكسر الصورة البطولية كما يظهر ان التطرف السياسي الديني يبدا من الاسرة كما حصل في الاسر النازية". بحسب فرانس برس.
ويقول عبد الغني "اريد ان اضفي شيئا. ان اكسر اسطورة محمد وان اقول للناس ان شقيقي كان ضعيفا وانه سلم عقله لاخرين". ويضيف "احاول ان اواسي الامهات وان اقول لهن ان ما يقمن به اساسي. ولو حصل محمد على مثل هذا الحب لما كان اصبح محمد المراح ابدا". ويختم بالقول "لكنني احذرهم اذا كان بينهم سلفي لا بد من عزله عن باقي افراد الاسرة"، لان اعتداءات باريس وبروكسل تظهر بوضوح مدى اهمية علاقة الاخوة في الجهاد.
انتقاد التطرف
في السياق ذاته اقدم مسلحون متشددون على قتل الشاب عمر باطويل ورموه في احد شوارع مدينة عدن بجنوب اليمن، بحسب ما افادت مصادر امنية ومقربون منه ، في جريمة يرجح ان سببها الانتقادات الحادة التي وجهها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لرجال الدين والمتطرفين. وتشهد عدن منذ اشهر تناميا في نفوذ الجماعات المسلحة وبينها التنظيمات الجهادية التي تسيطر على مناطق في المدينة وتفرض فيها قوانينها، وسبق لها ان نفذت اغتيالات وهجمات وتفجيرات. وافادت التنظيمات الجهادية من النزاع المستمر منذ اكثر من عام بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، والمتمردين الحوثيين وحلفائهم، لتعزيز نفوذها خصوصا في جنوب اليمن.
وعثر على باطويل (18 عاما) ملقى على الارض ومصابا بطلقات نارية في الرأس والصدر في منطقة الشيخ عثمان وسط المدينة. وافادت مصادر مقربة من العائلة ان مسلحين "قاموا بخطف عمر من احد الشوارع الفرعية القريبة من منزله، ثم قتلوه ورموا جثته". واكدت هذه المصادر، اضافة الى مصدر امني في عدن، ان المسلحين كانوا من "المتشددين الاسلاميين"، من دون تحديد الى اي جهة ينتمون. ونقل باطويل لمستشفى تديره منظمة "اطباء بلا حدود" في الشيخ عثمان.
واكدت المتحدثة باسم المنظمة في اليمن ملاك شاهر ان باطويل نقل الى المستشفى، وكان "مصابا (بطلقات نارية) في الوجه والصدر". وفي حين قالت مصادر محلية وامنية ان باطويل كان فارق الحياة لدى العثور عليه، قالت شاهر انه توفي بعيد وصوله المستشفى، مشيرة الى ان والديه اصيبا "بحالة اغماء" لدى وصولهما لتسلم الجثة. واكدت مصادر محلية ان قتل باطويل يعود الى انتقاداته الحادة لرجال الدين والتطرف الاسلامي عبر صفحته الخاصة على موقع "فيسبوك".
ويعود آخر ما نشره باطويل على الصفحة الى صباح 23 نيسان/ابريل، حينما كتب "عندما يعرفون الفرق بين العالِم والكاهن سيستعيدون عقولهم!!"، علما انه استخدم مرارا مفردة الكاهن للحديث عن رجال الدين المسلمين. وأبرزت منشورات باطويل انتقاداته لرجال الدين وتصميمه على قول رأيه.
ومما كتبه مؤخرا "من الممكن ان تحصل على تبرير لفرض ارادتك على الآخرين، كل ما عليك فعله هو ان تسميها ارادة الله. وهذا ما يفعله الكهنة"، و"الانبياء ينسبون نفسهم للناس، والكهنة ينسبون نفسهم لله!!". وفي 22 نيسان/ابريل، قال "نكتب حتى نحطم تلك الخرافات التي في عقولكم التي انهكت حياتنا ودمرت بلداننا نكتب حتى تعودوا الى رشدكم سنكتب ولن نتوقف حتى يعيش الجميع بسلام وحب وحرية". بحسب فرانس برس.
وانهالت التعليقات على صفحة باطويل بعد انتشار خبر قتله. وفي حين اتهمه البعض بانه "ملحد" و"مرتد" وصولا الى حد "مباركة" قتله، دافع آخرون عنه، متهمين قتلته بـ "الجهل والتخلف". وتشهد عدن، ثاني كبرى مدن اليمن، تناميا في نفوذ الجماعات المسلحة وبينها تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، منذ استعادتها القوات الحكومية مدعومة بالتحالف في تموز/يوليو، بشكل كامل من المتمردين. وكان باطويل كتب قبل فترة "احوج ما تكون عدن اليوم لذلك الخطاب الديني الوسطي والمعتدل الذي لا يقصي الناس بل يقربهم.. الخطاب الذي لا يشتت الناس بل يجمعهم.. الخطاب الذي لا ينتهي بتفجير الناس بل بالحفاظ عليهم وصونهم وتعظيم حرماتهم".