هجمات بروكسل.. تداعيات تضع اتحاد اوروبا على كف عفريت!
عبد الامير رويح
2016-04-23 04:21
لا تزال تداعيات هجمات بروكسل التي أودت بحياة أكثر من 34 شخصاً وأصابت 250 على الأقل بجروح، تلقي بظلالها على المشهد السياسي والامني في البلد، فقد اكد بعض الخبراء ان هذه العمليات الارهابية التي تبناها تنظيم داعش الارهابي تعد ضربة قوية للحكومة والاجهزة الامنية التي تفتقر الى القراءة الموضوعية لطبيعة نشاط التنظيمات الارهابية المنتشرة في بلجيكا وباقي دول الاتحاد اوربي، ويعزو بعض الخبراء في شؤون مكافحة الارهاب، بحسب بعض المصادر ضعف التعاون والتنسيق الاستخباري والأمني في بلجيكا الى وجود ست حكومات: حكومة فيديرالية وحكومة فلندرية في مناطق الفلندريين، وحكومة الناطقين بالفرنسية، وحكومة الناطقين بالألمانية، وحكومة في منطقة الوالون وحكومة العاصمة بروكسيل الأمر الذي يعكس حالة من التشرذم السياسي والانقسام في السطات الامنية البلجيكية، حيث يوجد 193 قوة محلية للشرطة وفي بروكسل وحدها 19 رئيس بلدية يتمتع كل واحد منهم بقدر من الاستقلال.
وهذا يتيح للإرهابيين الاختباء عن أعينِ الرصد وهو ما لا يتاح لهم بهذا القدر في دول اخرى بالإضافةِ إلى إبطاء وتيرة إقرار القوانين الجديدة للحدِ من الخطبِ الدينية التي تحض على الكراهية في المساجد وتجــــارة السلاح المزدهرة. في وقت تفتقر فيه الاستخبارات البلجيكية الى ناطقين بالعربية في دائرة الأمن الداخلي، كما أنها أخفقت في اختراق تنظيمات السلفية الجهادية المتطرفة. ويقول ألان وينانت رئيس جهاز الاستخبارات البلجيكية من 2006 حتى 2014 إن بلجيكا من آخرِ الأماكن في أوروبا التي حصلت على تقنيات حديثة في جمعِ المعلومات مثل أجهزة التنصت على الهواتف.
وقد اقر رئيس الحكومة البلجيكية شارل ميشال ان اعتداءات بروكسل هي "فشل بدون اي نقاش" رافضا مع ذلك وصف بلاده بانها "دولة فاشلة". وقال ميشال "عندما يقع اعتداء كهذا هناك بالتأكيد فشل". واضاف "لكن لا يمكن ان اقبل الفكرة بان هناك دولة فاشلة" في بلجيكا في وقت تتهم فيه البلاد بالتساهل.
واقر ميشال ايضا انه وكما كان الحال قبل اعتداءات باريس "تم رصد اشخاص في بروكسل من قبل هذا الجهاز او ذاك" ولكن هذا الامر لم يمنعهم من تنفيذ اعتداءاتهم. واوضح "المطلوب هنا القيام بعمل جبار". ويطالب ميشال منذ اشهر بتشكيل جهاز "أف بي آي او سي آي إيه في اوروبا" و"جهاز منتظم" لتبادل المعلومات بين اجهزة الاستخبارات الاوروبية.
من جانب اخر حذر مدير هيئة التنسيق لتقييم الخطر الارهابي في بلجيكا بول فان تيغلت من ان "مقاتلين اجانب" في سوريا يرغبون في التوجه الى اوروبا "لتنفيذ اعتداء". وقال مدير هذه الهيئة خلال مؤتمر صحافي "هناك الكثير من المعلومات، على سبيل المثال مؤشرات على ان مقاتلين ارهابيين اجانب في سوريا، يريدون العودة ليس فقط الى بلجيكا وانما الى اوروبا لارتكاب اعتداء". واضاف "التحقيق يجري بطريقة مكثفة وشهد تقدما جديا، لكن الخطر لم يتبدد" دون تفاصيل حول المعلومات التي بحوزته.
واضافت هذه الهيئة التي تجمع المعلومات المتوافرة وتقدم المشورة للسلطات انها قررت ابقاء مستوى الانذار بتهديد ارهابي في كل الاراضي البلجيكية على الدرجة الثالثة (على مقياس من اربعة) ما يعني ان "التهديد لا يزال يعتبر خطيرا، وممكنا". وتتبع هذه الهيئة وزارة الداخلية.
انتقادات جديدة
وفيما يخص اخر التطورات فقد تعرض وزير الداخلية البلجيكي القومي الفلمنكي جان جامبون، وهو إحدى الشخصيات المثيرة للجدل في الحكومة، لانتقادات جديدة بعدما قال إن "جزءا مهما من المجتمع المسلم احتفل إثر الاعتداءات" دون أن يوضح ما إذا كان يشير لاعتداءات باريس أم بروكسل. وقال زميله القومي وزير العدل كوين غينس الذي ينتمي إلى الحزب المسيحي الديموقراطي "أعتقد أن لكل الناس في هذه الأوقات الصعبة الحق في ارتكاب اخطائها الصغيرة، ولكن يجب تحاشي مزيد من الاستقطاب".
وقال جان جامبون في مقابلة مع صحيفة دي ستاندارد الفلمنكية، إن سياسة دمج الأجانب في بلجيكا فشلت، بدليل أن "جزءا مهما من المجتمع المسلم احتفل إثر الاعتداءات". ولم يحدد جامبون، وهو أحد وجوه حزب "التحالف الفلمكني الجديد" الذي يشكل ركيزة لائتلاف اليمين الحاكم منذ تشرين الأول/أكتوبر 2014، الهجمات التي أشار إليها، وما اذا كان يقصد هجمات باريس (130 قتيلا في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015) أو هجمات بروكسل (32 قتيلا في 22 اذار/مارس).
وأضاف الوزير "يمكننا توقيف الإرهابيين وإبعادهم عن المجتمع. لكنهم ليسوا سوى ورم أسفله سرطان علاجه اصعب بكثير. يمكننا القيام بذلك، لكن ليس بين ليلة وضحاها". واوضح جامبون أن "الخطر" المرتبط بتطرف شباب الجيلين الثالث والرابع من المهاجرين أصبحت "جذوره عميقة جدا" في بعض الأحياء، ذلك أن بلجيكا "تجاهلت نداءات الاستغاثة على مدى سنوات". وأضاف "لقد رشقوا الشرطة والصحافيين بالحجارة والزجاجات خلال اعتقال صلاح عبد السلام. هذه هي المشكلة الحقيقية".
ولكن رئيس الحكومة البلجيكية الليبرالي الفرنكوفوني شارل ميشال الذي رفض استقالة جان جامبون وكوين غينس بعد يومين من الاعتداءات بروكسل، سارع مجددا لنجدة حليفه الذي يعني رحيله على الأرجح سقوط الحكومة. وقال ميشال "أؤكد أنه كان هناك عبارات دعم لمنفذي الاعتداءات" متداركا أن "الأمر يتعلق بتصرفات صدرت من أشخاص يشكلون أقلية" وأنه "لا يمكن إصدار أحكام عامة". بحسب فرانس برس.
ولكن الصحافة الفرنكوفونية لم تتساهل مع جامبون المقرب منذ شبابه من الفلمنكيين الذين يطالبون باستقلال منطقتهم في شمال بلجيكا. وكتبت صحيفة "لو سوار" الفرنكوفونية "مشكلة جان جامبون؟ مفرداته التي تعكس ازدراء (دملة، سرطان) وادعاءاته (المتكررة) من دون أساس". والصحافة الفلمنكية انتقدته أيضا. وعنونت صحيفة "دي ستاندارد" جزء مهم من المجتمع المسلم الذي احتفل: مطلوب (للعدالة).
استقالة وزيرة النقل
من جانب اخر قدمت وزيرة النقل البلجيكية الليبرالية جاكلين غالان استقالتها من الحكومة إثر اتهامات جديدة وجهتها لها المعارضة بخصوص إهمال تقارير أمنية حذرت من "ثغرات خطيرة" في أمن مطارات بلجيكا، ما كان بإمكانه تفادي تفجيرات بروكسل الدامية التي استهدفت المطار الدولي ومحطة ميترو. وأعلن القصر الملكي البلجيكي في بيان له عن تقديم وزيرة النقل الليبرالية جاكلين غالان استقالتها، وجاء في بيان مقتضب صدر عن القصر الملكي "وافق جلالة الملك اليوم على استقالة جاكلين غالان وزيرة النقل".
وكانت الوزيرة في وضع حرج بعد أسابيع على الإعتداءات الدامية في مطار بروكسل ومحطة المترو. ونفت غالان تلقيها تقريرا من المفوضية الأوروبية يحذر منذ نيسان/أبريل 2015 بأن لا وسائل مالية كافية لدى الأجهزة البلجيكية للقيام بعمليات التفتيش الضرورية في المطارات. إلا أن لوران لودو، رئيس إدارة وزارتها الذي استقال في وقت سابق، ناقض أقوالها وأوضح أنه طالب مكتبها مرارا بأموال إضافية لتعزيز أمن المطارات دون جدوى. بحسب فرانس برس.
من جهته، أعلن رئيس الوزراء شارل ميشال "لقد تحدثت أمام (مجلس النواب) على أساس معلومات أعطتها جاكلين غالان ومكتبها"، حسبما نقلت عنه وكالة بلغا. وأوضح ميشال "بعد الجلسة بحضور كامل الأعضاء، تأكد لي أنه وخلافا لما قيل في السابق أن جاكلين غالان ومكتبها حصلت على ملخص لهذا التقرير (من المفوضية الأوروبية حول أمن المطارات) في حزيران/يونيو". وتعرضت غالان للانتقاد بأنها ليست مؤهلة للمنصب منذ توليها مهامها في تشرين الأول/أكتوبر 2014.
صاحب القبعة
في السياق ذاته أعلنت النيابة العامة الفدرالية البلجيكية أنها وجهت إلى البلجيكي من أصل مغربي محمد عبريني الذي اعتقل في بروكسل، تهمة تنفيذ "عمليات قتل إرهابية" و"المشاركة في نشاطات مجموعة إرهابية". ويعتبر عبريني أحد المشتبه بهم الرئيسيين في اعتداءات باريس التي وقعت في تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
وأوضحت النيابة العامة البلجيكية أنه لا يزال "من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان محمد عبريني هو الرجل الثالث الذي دخل مطار بروكسل قبيل الاعتداءات" التي استهدفت هذا المرفق في الثاني والعشرين من آذار/مارس. وكانت الشرطة البلجيكية قد أصدرت في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي مذكرة توقيف دولية بحق محمد عبريني، مرفوقة بصورة شخصية له، ودعت كل من يملك معلومات عنه أن يتصل بالشرطة لإخبارها. وحذرت في الوقت نفسه المدنيين من أي محاولة للتدخل لإيقافه، معتبرة إياه "شخصا خطيرا وعلى الأرجح أنه مسلح"، بصفته المطلوب الثاني لدى أجهزة الشرطة في إطار التحقيق باعتداءات باريس.
وفضلا عن علاقته بصلاح عبد السلام المشتبه به الرئيسي في اعتداءات باريس، فإن المحققين يتساءلون عما إذا كان عبريني هو المنفذ الثالث للاعتداء في مطار بلجيكا الدولي، والذي يعرف بـ"صاحب القبعة"، كما يبدو في الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة. وأصدرت السلطات البلجيكية مذكرة بحث جديدة على أمل العثور على "صاحب القبعة"، وعرضت صورا جديدة التقطتها كاميرات المراقبة وتسجيلا يتابع تنقل الشخص المذكور منذ خروجه من المطار حتى فقدان أثره في بروكسل بعد نحو ساعتين.
وتم اقتفاء أثر عبريني في شقتين في سكاربيك، وهي منطقة في بروكسل. ومن إحدى هاتين الشقتين انطلق صلاح عبد السلام أحد المشتبه بهم الرئيسيين في اعتداءات باريس، ومن الثانية التي تقع في شارع ماكس روس انطلق منفذو اعتداء مطار بروكسل. وأشار مصدر قريب من الملف أن عبريني الذي تلاحقه السلطات الفرنسية أيضا، هو حاليا في صلب التحقيقات البلجيكية.
وعبريني معروف لدى أجهزة الشرطة، إذ سبق اعتقاله في قضايا سرقات ومخدرات، وتشتبه السلطات بأنه لعب دورا أساسيا في التخطيط لاعتداءات باريس التي أوقعت 130 قتيلا ومئات الجرحى. وشوهد عبريني بصحبة الأخوين عبد السلام قبل يومين من الاعتداءات. كما كان بصحبتهما داخل سيارة في 10 و11 تشرين الثاني/نوفمبر لدى قيامهم برحلتي ذهاب وإياب بين باريس وبروكسل لاستئجار مخابئ في المنطقة الباريسية ينطلقون منها لشن الاعتداءات. بحسب فرانس برس.
ونشأ عبريني المعروف بـ"بريوش" مع أشقائه الثلاثة وشقيقتيه في حي مولنبيك في مكان قريب من أسرة عبد السلام، المشتبه به الرئيسي في اعتداءات باريس، وشقيقه إبراهيم عبد السلام الذي فجر نفسه أمام مقهى في العاصمة الفرنسية. ويشتبه بأن عبريني قام بزيارة قصيرة لسوريا في صيف 2015. وكان شقيقه الأصغر سليمان (20 عاما) قتل فيها في العام 2014 بينما كان يقاتل في كتيبة عبد الحميد أباعود، العقل المدبر المفترض لاعتداءات باريس. ومن المفترض أن يتم تسليم عبد السلام إلى السلطات الفرنسية "في غضون أسابيع"، بحسب محاميه سفين ماري، ريثما ينهي المحققون البلجيكيون استجوابه حول اعتداءات بروكسل.
الإرهاب والكراهية
على صعيد متصل انضم آلاف من الأشخاص إلى مسيرة وصفت بأنها "ضد الإرهاب والكراهية" في العاصمة البلجيكية، بروكسل. وتهدف "مسيرة التحدي" كما أطلق عليها إلى التعبير عن "وحدة الشعب في تنوعه ورغبته في العيش المشترك". ويقود المسيرة الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم عالقين في هجمات بروكسل، وأقارب الضحايا، إضافة إلى فرق الإسعاف وموظفي المطار الذين كافحوا من أجل إنقاذ حياة الضحايا. ويحمل الكثير من الأشخاص الورود ترحما على قتلى هذه العمليات الإرهابية.
ولا يزال أكثر من 50 شخصا يتلقون العلاج في المستشفى من الجروح التي أصيبوا بها. وقال تنظيم داعش إن أعضاءه هم الذين نفذوا هذه الهجمات. ولم يعد المعتقل صلاح عبد السلام يتعاون مع الشرطة البلجيكية إذ ينتظر تسلميه إلى السلطات الفرنسية التي تطالب به لمحاكمته في فرنسا على خلفية هجمات باريس.
كما اعترف المعتقل محمد عبريني، حسب هيئة الادعاء البلجيكية، بأنه الرجل الثالث "الذي كان متخفيا في القبعة" حسب كاميرات المراقبة في المطار. وبالرغم من هذه الاعتقالات، فإنه لا تزال هناك مخاوف من وجود أشخاص آخرين طلقاء لهم علاقة بالشبكة الجهادية في أوروبا. بحسب رويترز.
وألغيت المحاولة الأولى لتنظيم مسيرة ضد الإرهاب يوم 27 مارس/آذار بسبب وجود تهديد أمني، كما أن وزارة الداخلية البلجيكية قالت إن الأجهزة الأمنية كانت منهكة بسبب التحقيقات التي كانت تجريها على خلفية هجمات بروكسل. وحضر بعض الناس للمشاركة في المسيرة الأولى من باب التحدي لكن بعض المحتجين من اليمين المتطرف أفشلوا المسيرة فألغيت.