عودة تدمر.. روسيا ما زالت في سوريا

عبد الامير رويح

2016-03-29 11:26

تمكنت قوات الجيش السوري بدعم مباشر من سلاح الجو الروسي من استعادة لؤلؤة البادية مدينة تدمر التاريخية من سيطرة تنظيم داعش الارهابي الذي تكبد الكثير من الخسائر في الفترة الاخيرة، هذا الانتصار المهم وكما تنقل بعض المصادر، يعد مكسب عسكري مهم كون هذه العملية التي تعد أكبر نكسة يتعرض لها تنظيم داعش منذ العمليات الجوية الروسية في سبتمبر/أيلول الماضي، والتي حولت مجرى الصراع لصالح القوات الحكومية. وستسهم بقطع سبل الإمداد العسكري والبشري للتنظيمات الإرهابية خاصة في منطقة ريف حمص الشرقي ما يسهل عملية تطهير باقي المناطق والبدء بعملية الفصل والتشتيت لمراكز تجمعات الإرهاب إضافة إلى تضييق المساحات التي يمكن للإرهابيين التحرك ضمنها. يضاف الى ذلك ان تحرير تدمر وكما يرى رفعت البدوي في مقال لصحيفة الوطن السورية، جاء بوقت مثالي خصوصاً أن الجميع يتحضر للجولة المقبلة من مفاوضات جنيف في النصف الثاني من شهر نيسان كما هو محدد مترافقاً مع محاولات عده لانتزاع تنازلات من الدولة السورية إنما النجاح الباهر للجيش العربي السوري بتحرير تدمر ساهم من دون أدنى شك بشد عضد موقف الوفد الرسمي السوري المشارك في مفاوضات جنيف للتمسك بوجهة نظر الدولة السورية، القاضية بضرورة إعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه.

ويسيطر داعش كما تنقل بعض المصادر على مدينة تدمر منذ أيار العام 2015، بعد أن دخلها إثر هجوم عنيف تخلله تفجير عدد كبير من المفخخات أجبر القوات المدافعة عن المدينة على الانسحاب. وقام مسلحو التنظيم بعد السيطرة على المدينة بتدمير عدد كبير من معالمها الأثرية، أبرزها قوس النصر ومعبدا بل وبعلشمين الأثريين، كما قام بسرقة لقى وكنوز أثرية كبيرة من تدمر، إضافة إلى إنشائه وزارة خاصة بالتنقيب، قامت بمنح تراخيص تنقيب وحفر في تدمر لمافيات مختصة بسرقة الآثار.

طرد داعش

وفي ما يخص اخر التطورات فقد طردت القوات الحكومية السورية مقاتلي تنظيم داعش من مدينة تدمر بدعم جوي روسي مكثف فيما وصفها الجيش بأنها "ضربة قاصمة" للمتشددين الذين سيطروا على المدينة الأثرية العام الماضي ونسفوا معابدها القديمة. ويمثل فقدان السيطرة على تدمر إحدى أكبر الانتكاسات للتنظيم منذ أن أعلن الخلافة عام 2014 في مساحات واسعة من سوريا والعراق. وقالت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية في بيان إن قواتها سيطرت على المدينة بدعم من ضربات جوية روسية وسورية مما يفتح الطريق أمام جزء كبير من الصحراء المؤدية شرقا إلى محافظتي الرقة ودير الزور معقلي التنظيم المتشدد.

وأضافت أن تدمر ستكون "قاعدة ارتكاز لتوسيع العمليات العسكرية" ضد التنظيم في المحافظتين متعهدة "بتضييق الخناق على إرهابيي التنظيم وقطع خطوط إمدادهم .. وصولا إلى استعادتها بالكامل وإنهاء الوجود الإرهابي فيها." وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الاشتباكات ما زالت مستمرة على الطرف الشرقي لتدمر وحول السجن وداخل المطار لكن معظم مقاتلي التنظيم انسحبوا باتجاه الشرق تاركين تدمر تحت سيطرة القوات السورية.

وقالت وكالة أعماق للأنباء المقربة من داعش دون أن تقدم تفاصيل إن مقاتلي التنظيم نفذوا تفجيرين انتحاريين ضد القوات الحكومية في غرب تدمر. وبث التلفزيون السوري لقطات صورت من داخل المدينة وظهرت فيها شوارع مهجورة إلى حد بعيد وعدة مبان متضررة بشدة. ونقل التلفزيون عن مصدر عسكري قوله إن طائرات سورية وروسية كانت تستهدف مقاتلي التنظيم المتشدد لدى فرارهم وأصابت عشرات السيارات على الطرق المتجهة شرقا من المدينة.

وقلب التدخل الروسي في مجريات الحرب السورية الموازين لصالح الرئيس السوري بشار الأسد. وبرغم إعلان موسكو سحب معظم قواتها العسكرية فإن المقاتلات وطائرات الهليكوبتر الروسية واصلت شن عشرات الغارات الجوية يوميا على تدمر مع بدء حملة الجيش. وجاء في بيان الجيش السوري "إحكام السيطرة على مدينة تدمر يشكل ضربة قاصمة لتنظيم داعش الإرهابي ويؤسس لانهيار كبير في معنويات مرتزقته ولبداية اندحاره وتقهقره."

وفي إشارة إلى الولايات المتحدة التي تشن حملة قصف منفصلة مع دول غربية وعربية ضد الدولة الإسلامية في سوريا والعراق منذ 2014 قال بيان الجيش إن مكاسبه تظهر أن الجيش السوري "والأصدقاء" هم القوة الوحيدة القادرة على مكافحة الإرهاب واجتثاثه. وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري إن 400 من مقاتلي داعش قتلوا في معركة تدمر التي وصفها بأنها أكبر هزيمة تلحق بالتنظيم منذ أن أعلن الخلافة قبل عامين. وتأتي خسارة تدمر بعد ثلاثة أشهر من طرد مقاتلي التنظيم من مدينة الرمادي العراقية في أول انتصار كبير للجيش العراقي منذ انهياره أمام هجوم المتشددين في يونيو حزيران 2014.

وخسر تنظيم داعش بعض الأراضي أيضا في أماكن أخرى منها مدينة تكريت العراقية العام الماضي وبلدة الشدادي السورية في فبراير شباط. وقالت الولايات المتحدة إن سقوط الشدادي جاء ضمن جهود لقطع صلات التنظيم بمركزي القوة الرئيسيين له وهما مدينة الموصل العراقية ومدينة الرقة السورية. وقالت الولايات المتحدة إنها تعتقد أنها قتلت عددا من كبار مقاتلي التنظيم منهم عبد الرحمن القادولي الذي يوصف بأنه أكبر مسؤول مالي في التنظيم ومساعد لقائده أبو بكر البغدادي. وتنظيم داعش وجبهة النصرة جناح تنظيم القاعدة في سوريا مستبعدان من اتفاق لوقف العمليات القتالية بدأ سريانه منذ شهر في سوريا وأحدث هدوءا نسبيا في القتال بين قوات الحكومة والمعارضة في غرب البلاد. بحسب رويترز.

وأتاحت الهدنة المحدودة الفرصة لاستئناف محادثات السلام في الأمم المتحدة في جنيف برعاية واشنطن وموسكو. لكن التقدم في المحادثات بطيء بسبب خلافات عميقة بين الحكومة والمعارضة بشأن التحول السياسي المحتمل وخاصة بشأن ما إذا كان الأسد سيترك السلطة. وسيعود وفد الحكومة التي تعتبر محاربة الإرهاب هي أولويتها الأولى إلى المحادثات مدعومة بمكاسبها على أرض المعركة. ونقل التلفزيون السوري عن الرئيس بشار الأسد قوله لوفد فرنسي زائر يضم برلمانيين "تحرير مدينة تدمر دليل جديد على نجاعة الإستراتيجية التي ينتهجها الجيش السوري وحلفاؤه في الحرب على الإرهاب." وقال المرصد إن نحو 180 من جنود الحكومة والمقاتلين الحلفاء لها قتلوا كذلك في الحملة لاستعادة تدمر. وتضم تدمر بعضا من أهم آثار الإمبراطورية الرومانية. ونسف مقاتلو التنظيم العديد من آثار تدمر العام الماضي وبث التلفزيون السوري لقطات من داخل متحف تدمر وظهرت فيها تماثيل مقلوبة ومتضررة وكذلك صناديق عرض مهشمة.

روسيا وايران

على صعيد متصل قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هنأ الرئيس السوري بشار الأسد باستعادة مدينة تدمر. ونقلت وكالة تاس للأنباء عن بيسكوف قوله "ثمّن الأسد غاليا المساعدة التي قدمتها القوات الجوية الروسية وأوضح أن مثل هذا النجاح في استعادة تدمر كان مستحيلا دون مساعدة روسيا." ونقلت وكالة تاس عن بيسكوف قوله إن بوتين أخبر الأسد بأن روسيا ستواصل دعم دمشق في محاربة الإرهابيين. وأضاف أن بوتين تحدث أيضا مع إيرينا بوكوفا مديرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) وقال إن روسيا ستساعد في إزالة الألغام في تدمر.

ونقل التلفزيون السوري عن الأسد قوله لبوتين إن الدعم الجوي الروسي وتصميم القوات المسلحة السورية كانا وراء النجاح في استعادة تدمر. ونقل التلفزيون عنه قوله "تدمر تهدمت أكثر من مرة عبر القرون ومثلما تم ترميمها سابقا سنعيد ترميمها من جديد كي تبقى كنزا وإرثا حضاريا للعالم." بحسب رويترز.

وأمر بوتين في وقت سابق بسحب معظم القوة الروسية المنتشرة في سوريا بعد أشهر من الضربات الجوية التي قال الكرملين إنها حققت معظم أهدافها. لكن بوتين قال فيما بعد إن روسيا قد تزيد وجودها العسكري في سوريا من جديد في غضون ساعات وإنها ستواصل قصف الجماعات الإرهابية هناك رغم السحب الجزئي لقوتها.

ونقلت وكالات أنباء روسية عن وزارة الدفاع في وقت سابق قولها إن الطائرات الحربية نفذت 40 طلعة فوق محيط مدينة تدمر خلال 24 ساعة فقط وقصفت 158 هدفا لتنظيم داعش مما أدى إلى مقتل أكثر من 100 متشدد. ووفقا لتعداد سكاني أُجري في المدينة قبل أكثر من عشر سنوات يبلغ عدد سكان تدمر 50 ألفا. وزاد هذا العدد بشكل كبير جراء تدفق النازحين الذين شردهم الصراع السوري الذي اندلع عام 2011 وإن كان معظمهم فر عندما سيطر التنظيم على المدينة.

الى جانب ذلك قالت وكالة تسنيم للأنباء إن أمين المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى على شمخانى هنأ الرئيس السورى بشار الأسد على استعادة مدينة تدمر التاريخية. ونقلت الوكالة عن شمخانى قوله "إصرار الأمة السورية والحكومة والجيش على القضاء على الإرهاب والجماعات التكفيرية فى الأراضى المحتلة مدعاة للافتخار." وأضاف الحكومة والقوات المسلحة الإيرانية ستستمر فى دعمها الكامل لسوريا محور المقاومة.

بناء تدمر

من جانب اخر قال مأمون عبد الكريم مدير عام الآثار والمتاحف في سوريا إن المعابد الرومانية القديمة والمداخل الأثرية التي نسفها مسلحو تنظيم داعش العام الماضي في تدمر ستعود إلى ما كانت عليه فور استعادة القوات السورية للمدينة من التنظيم المتشدد. ووعد بإحياء آثار الحقبة الرومانية لتكون "رسالة ضد الإرهاب".

ونسف مسلحو داعش معبد بعل شمين ومعبد بل إضافة إلى الأبراج الجنائزية وقوس النصر التي صمدت لنحو 1800 عام في المدينة التي وصفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بأنها ملتقى للثقافات منذ فجر الإنسانية. ونددت الأمم المتحدة بأفعال التنظيم المتشدد من تدمير للإرث الثقافي في سوريا والعراق والتي وثقها التنظيم وأذاعها بنفس الدقة التي اتبعها مع أعمال القتل وقطع الرؤوس وإغراق وحرق الأسرى. ووصفت الأمم المتحدة هذه الأفعال بأنها جرائم حرب.

وعلى الرغم من هذه الأضرار قال عبد الكريم إن لقطات مصورة شاهدها من تدمر في الأيام القليلة الماضية بما في ذلك بعض الصور التي التقطت باستخدام طائرة دون طيار حلقت فوق المدينة كانت مطمئنة. وتابع المسؤول السوري أن الكثير من المباني مازالت قائمة بما في ذلك الجدران المحيطة بمعبد بل والمسرح الروماني وساحة الأعمدة والمصلبة (التترابيل) وهي عبارة عن قاعدة تنتصب عليها مجموعة من أربعة أعمدة في كل ركن. بحسب رويترز.

لكن عبد الكريم قال إنه سيكون من المستحيل تقييم الحجم الحقيقي للأضرار قبل أن يتمكن فريق من زيارة المدينة. وقال المسؤول السوري إن المخاوف مازالت قائمة بشأن ما حدث هناك وخاصة في المعبدين وقوس النصر والأبراج الجنائزية. أما السؤال الذي لا يمكن الإجابة عنه حتى الآن فيتعلق بحجم عمليات التنقيب السرية التي قد تكون جرت هناك. وقال معارضو تنظيم داعش إنه إضافة لتدمير المواقع الأثرية التي حظيت بعمليات نشر على نطاق واسع كان التنظيم ضالعا في تهريب الآثار للحصول على الأموال. وقال عبد الكريم إن سوريا ستتمكن من استعادة أي آثار منهوبة إذا عرضت للبيع لأنه من السهل التعرف عليها. ووعد أيضا بإعادة المواقع المتضررة إلى سابق عهدها بقدر الإمكان. ومضى يقول إن سوريا ستعيد بناء هذه المواقع بما تبقى من أحجار وأعمدة وأن الدولة ستعيد الحياة إلى تدمر.

ولمدينة تدمر قيمتها التاريخية لاثارها التي تعود الى اكثر من الفي سنة، تقع في وسط سوريا وهي مدرجة على قائمة منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) للتراث العالمي للانسانية. وقبل اندلاع النزاع السوري في منتصف آذار/مارس 2011، كان حوالى 150 الف سائح يقصدون هذه الواحة في قلب بادية الشام على بعد 210 كلم الى شمال شرق دمشق، والتي تشتهر باعمدتها الرومانية ومعابدها ومدافنها الملكية التي تشهد على عظمة تاريخها.

ظهر اسم مدينة تدمر للمرة الاولى في مخطوطات مملكة ماري في الالفية الثانية قبل الميلاد بحسب موقع اليونيسكو، عندما كانت واحة لعبور للقوافل واحدى محطات طريق الحرير بعد سقوطها تحت سيطرة الرومان في النصف الاول من القرن الاول الميلادي واعلانها ولاية رومانية. واصبحت تدمر مدينة مزدهرة على الطريق التي تربط بلاد فارس بالهند والصين والامبراطورية الرومانية بفضل تجارة التوابل والعطور والحرير والعاج من الشرق والتماثيل وصناعة الزجاج الفينيقية.

في العام 129، منح الامبراطور الروماني ادريان تدمر وضع "المدينة الحرة" وعرفت انذاك باسمه "ادريانا بالميرا" وعاشت عصرها الذهبي في القرن الثاني بعد الميلاد. وكان سكان المدينة قبل وصول المسيحية في القرن الثاني بعد الميلاد، يعبدون الثالوث المؤلف من الاله بعل ويرحبول (الشمس) وعجلبول (القمر). وقالت مارييل بيك التي تدير قسم الاثار الشرقية في متحف اللوفر بباريس في ايار/مايو 2015 ان المدينة "بنيت وفق هندسة غربية، مع ساحة اغورا وشوارع كبيرة ومسرح ومعابد حتى امكن مقارنتها بروما". ولفتت الى ان تدمر "تتميز بابراج مدافنها الكبيرة ذات الطبقات التي كانت توضع فيها النواويس".

عرفت المدينة اوج ازدهارها في القرن الثالث في ظل مملكة زنوبيا التي تحدت الامبراطورية الرومانية. في العام 267 بعد الميلاد اغتيل الملك العربي اذينة في ظروف غامضة وتولت الحكم بعده زوجته زنوبيا التي بسطت سيطرتها مدفوعة بحبها للحرية والمجد على بلاد الشام في 270 واجتاحت مصر واطلقت قواتها حتى البوسفور قبل ان يطيحها في عام 272 الامبراطور الروماني اوريليان الذي استعاد تدمر واقتاد زنوبيا الى روما فيما انحسر نفوذ المدينة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي