كسر الحصار عن بلدتي نبل والزهراء... إنجاز وإعجاز
مصطفى قطبي
2016-02-07 12:38
أكثر من ثلاث سنوات ونصف، وبلدة نبل والزهراء تحت الحصار من قبل عصابات الإرهاب... ووسائل الإعلام المعادية، تبشر بسقوط هذه البلدتين، في أي لحظة... لكن عصابات النصرة وأخواتها من التنظيمات التكفيرية الظلامية، لم تتجرأ على الاقتراب أو اقتحام من البلدتين، كانوا أمام صمود وبسالة المدافعين عن البلدتين... مهزومين، ومفزوعين... المشهد الذي تحقق، والذي يجب إظهاره، وتحويله إلى رواية سورية، تُدرّس للأبناء، والأجيال السورية القادمة... هي أن أبطال نبل والزهراء، زرعوا الخوف في نفوس من يحاصرونه...
في عمل عسكري مميز سيحتل موقعه البارز في التاريخ العسكري، سجل الجيش العربي السوري بصمود أبطاله وشجاعة رجال المقاومة إنجازاً عسكرياً رائعاً، حيث تمكنت وحدات الجيش العاملة في ريف حلب الشمالي بالتعاون مع مجموعات اللجان الشعبية من فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين من قبل التنظيمات الإرهابية. والعملية ليست الأولى في سجل القوات المسلحة السورية الباسلة، لكنها محطة بارزة في الزمان والمكان، فالقرب من تركيا كان يجعل إمكانية الإمداد مفتوحة أمام الإرهابيين للتزود الدائم بالأسلحة والعتاد والدعم بالمزيد من الإرهابيين، والانتصار يمثل إسقاطاً لجولة تخريب أردوغانية في سلسلة الجرائم العدوانية التي اعتادها السوريون من أردوغان وإرهابييه، أما الزمان والتوقيت فيمثلان العامل الأبرز في تطور المسار السياسي والدبلوماسي (جنيف3) ، وهو يقطع الطريق أمام قوى البغي والإرهاب والعدوان من السيطرة على مناطق أوسع يمكن أن تتخذ أوراق ضغط في المفاوضات واللقاءات السياسية بصورة تخالف حقيقة وجوهر الصراع في سورية المتمثل بحقيقة انتشار الإرهاب، بينما يسعى الغرب الأميركي والأوروبي والسعودي، لإعطائه صبغة مخالفة للواقع تفيد بوجود معارضة غير إرهابية لها مطالب سياسية واجتماعية وهي ستفرض شروطها في بنية وتركيبة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في سورية خلال الفترة القادمة.
من سلمى إلى ربيعة فالشيخ مسكين إلى ريف دمشق فحمص وحماة، إلى حلب الشهباء والرقة ودير الزور وكل شبر من ثرى هذه الأرض الطاهرة يعطرونها بدمائهم، يحصدون غدر التكفيريين إلى غير رجعة، ثم يزرعون الياسمين والفرح والتفاؤل بغد أفضل، بعد أن استعان أولئك المتطرفون بإسرائيل والدول العربية التي تدور في فلكها وتعزف على أوتار صلفها وغدرها لضرب أمن واستقرار سورية واستلاب البسمة عن الوجوه.
تقول رسائل فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء، الكثير من الكلام لكل من يهمه الأمر، للشعوب التي آمنت بالزند العربي السوري، أن رهانها لم يكن خاسراً، بل هي من ربح معركة انتظار المعارك الرابحة الأخرى، لقامة الجيش العربي السوري، وقامة سوريا التي لم تغيرها كل معارك الآخرين عليها. ولأولئك الموغلين بالدم السوري الذين نفرح ببقائهم على قيد الحياة كي يروا النصر الكامل الذي راهنا عليه وكسبناه، أنه تغيرت اللعبة، بعدما تغير شكلها، أصبحت المعركة تحت التعبير الاستراتيجي بأن خير الدفاع هو الهجوم، لا بل أن الصبر والصمود الذي تمتع به الشعب السوري وآمن به، أعطى قيادته الحكيمة الوقت الكافي لفتح معاركه على أساس واحد أن لا تراجع عن النصر، وصعبة أكانت الطريق أم سهلة، فسننتصر كما ردد كثيراً ''فيدل كاسترو'' أثناء ثورته المظفرة ويرددها السوريون الصابرون الذين امتحنوا في صبرهم، فقالوا استعدادهم له مهما كلف الأمر.
إنّ صمود بلدتي نبل والزهراء، أنموذج مصغر عن الصمود السوري الكبير... من القامشلي إلى حلب، إلى السويداء، ودرعا، وحمص، وحماه، واللاذقية... وإلى كل قرية سورية ومدينة سورية... صمود رجال ونساء وأطفال وشيوخ... ليس حالة ابتكار أنتجها هؤلاء الأبطال... هي حالة تواصل لصمود وشجاعة وصبر وأمل لجيش يقاتل منذ أكثر من خمس سنوات... إننا اليوم في الحالة السورية أمام محطة مهمة جداً... تقدم رسائل كثيرة لأبناء سورية... وللأصدقاء... وللأعداء... تقول إن سورية باقية، قوية، ولن تنهزم... وأن أبناءها شجعان وأبطال مُهابون يمتلكون الإيمان بأن الوطن غالٍ، وترخص له الدماء، والأرواح، وأن وطننا يمتلك أبناؤه الإيمان به، وروح التضحية من أجل ألا يسقط، ولا يتلاشى، ولا ينهزم... وتبشّر حلب، والرقة، ودير الزور، وتدمر، وكل المدن والقرى السورية التي اغتصبها الإرهاب... أن بواسل الجيش العربي السوري وحلفائه قادمون... وما هو إلا صبر وقت... وعلى الأعداء أن يفهموا أن جيشنا العربي السوري سيصنع الانتصار... فأبناؤه صامدون ومضحّون إلى آخر قطرة دم... ولو طال زمن القتال إلى آخر الدهر...
أما الرسالة المناسبة فقد تلقتها (جنيف3): لقد تغيرت المعادلة فغيروا من خطابكم ومن تصوراتكم ومن أحكامكم وأحلامكم... لتأكيد المصداقية السورية بأن الخيار الإستراتيجي السوري هو العملية السياسية، فإن سورية وافقت من حيث المبدأ على مؤتمر (جنيف3) لكن معها إنجازاتها وثوابتها وتضحياتها على مدى أكثر من خمس سنوات، والتي دافعت بها عن خياراتها وثوابتها الوطنية أي بمعنى أن السيادة وعقيدة ووحدة وقوة الجيش العربي السوري وسلامة ووحدة وسيادة أراضي الجمهورية العربية السورية ووحدة الشعب العربي السوري وراية الوطن، خطوط حمراء لا تقبل التفاوض مع أحد، والقول الفصل فيها للشعب السوري الأبي، الذي يحدد من يحكم ومن يجب أن يُحاكم، ونوافق ونتفق مع (جنيف3) من موقع القوة والحرص، ولا يمكن أن يحصل أعداء الشعب السوري بالسياسة والنفاق على ما عجزوا عنه باستخدام القوة والعدوان والإرهاب. لا بد لوزير الخارجية الأميركي من إبداء تراجع إن لم يكن ليونة، وأعتقد أن الأميركي الذي يقود جوقة ''الشبيحة'' من بقايا العرب والغرب، سيطالب بموعد واحد من الرئيس الأسد ''متى تحررون بقية بلادكم، نحن ننتظر''!
بعد نبل والزهراء غير ما قبلها... هي ليست بلدتين أو محورين متكاملين أو جغرافيا ساخنة، هي تعهد جديد وفاتحة جديدة للعبور الكبير نحو الانتصار الكامل الذي بات أقرب من حبل الوريد. ومن حق السوريين أن يفخروا بجيشهم، كما من حق العرب أجمعين أن يروا فيه جيش الأمة في أيامها المصيرية. ففي الوقت الذي يتحرك فيه على جبهات متعددة تلاحقه أصوات صفراء، نجدها تنسى في الوقت ذاته، الكذبة المخترعة التي إسمها التحالف الدولي ضد ''داعش''، والذي ثبت أنه نمر من ورق على التنظيم الإرهابي، ولما عليه ذاك التحالف من واقع هش لا يقدم ولا يؤخر، أصبح طي النسيان، الذي يعلن يومياً عن غارات لطائرات على الإرهابيين، وتأتي النتائج عكسية. فالأرض السورية ملك للشعب السوري، ولن يتوانى جيشها عن استرجاع ما ظن الشريرون وخصوصاً من هم وراءهم أن ما صارت إليه أمور الميدان قد أصبح ثابتاً، فيما هو لحظة إصغاء لواقع لا يلبث جيش الأمة أن يغيره بقدراته الفذة.
إن إنجاز الانتصار بفك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء، يؤكد جدوى ونجاعة نهج المقاومة وازدياد حضوره وفاعليته على الساحتين الإقليمية والدولية، وهذا يعني تلقائياً انحسار وانكماش دور قوى التآمر والخيانة التي لن تجد واشنطن حرجاً في تركها على قارعة الطريق بعد أن استنفدت تنفيذ الدور المشبوه الذي أوكل لها عبر عقود، ومن حق سورية ومن يقف معها البناء على ما أنجز ومراكمة الانتصارات الكفيلة بتبريد الرؤوس الساخنة، وإرغام أصحاب الأحلام المطاطة للاستيقاظ على دوي الانتصار وتبدد أوهام أطراف العدوان على سورية قادة ومرؤوسين وأدوات تنفيذية مأجورة. فعناصر الإرباك والإحراج والخيبة تسود المعسكر المعادي لسورية، وهذا ما سيقوده إلى المزيد من العصبية والتهور وفقدان التوازن، في المقابل فإن معسكر المقاومة الذي تقوده سورية وإيران وحزب الله وتدعمه روسيا والصين ومجموعة البريكس وشرفاء العالم في كل مكان دخل مرحلة الأمل والانتصار، ولا شك أن نظاماً دولياً جديداً سيولد من رحم الأزمة ستكون الغلبة فيه لأصحاب الحق والرؤية الثاقبة والإرادة الصلبة.