طالبان وداعش.. اتحاد وشيك أم صدام محتوم؟
عبد الامير رويح
2015-12-08 08:20
حركة طالبان المتشددة وكما يرى بعض المراقبين اصبحت اقرب الى الانهيار والتفكك، بسبب تفاقم الخلافات والمشاكل الداخلية التي اعقبت إعلان وفاة الملا عمر الذي قاد الحركة لمدة 20 عامًا وتعيين الملا أختر منصور زعيما جديدا لحركة طالبان، التي حكمت أفغانستان وفرضت تفسيرها المتشدد منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وحتى 2001 حين أطاح بهم من السلطة غزو قادته الولايات المتحدة. هذا الامر أثار غضب واستياء العديد من قادة و اعضاء الحركة التي تعاني اليوم من انقسامات وصراع كبير على السلطة، وهو ما اكدته بعض المصادر الداخلية حيث قال قيادي في حركة طالبان الأفغانية، إن الحركة تواجه شبح الانقسام إلى فصيلين بعد الفشل في الاتفاق على الشخص الذي ينبغي أن يتولى زعامة الحركة. وقد يعرقل الانقسام ايضا محادثات سلام في مهدها بين الحركة والحكومة الأفغانية ويفتح الطريق أمام تنظيم داعش لتوسيع نفوذه في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابا.
وبحسب بعض الخبراء فان تنظيم داعش الارهابي سيسعى الى تكثيف تحركاته وسيعمل على الاستفادة من مجريات الاحداث في سبيل تقسيم طالبان إلى جماعات واحزاب متصارعة، خصوصا وان التنظيم قد نجح بالفعل في كسب بعض الاعضاء والقادة المنشقين، الامر الذي قد يسهم بتغير الكثير من الامور التي ستصب في مصلحة هذا التنظيم، الذي سيكون المستفيد الاكبر اذا ما تحقق نبأ اغتيال الملا اختر منصور زعيم حركة طالبان الجديد الذي اتهمه التنظيم بالخيانة والتعاون مع الكفار.
الملا أختر منصور ما زال على قيد الحياة
في هذا الشأن تزايدت الضغوط على حركة طالبان الأفغانية لتقديم دليل على أن زعيمها الملا أختر منصور ما زال على قيد الحياة، بعدما أفادت مصادر عن إصابته بجروج خطيرة في تبادل لإطلاق النار أثناء اجتماع داخلي لقيادات المتمردين. ولم تعد بيانات النفي الصادرة من قبل الحركة حول هذه الواقعة مقبولة لدى المشككين، خصوصا أنه سبق لطالبان وأخفت وفاة زعيمها التاريخي الملا عمر لمدة عامين.
وبلغت التكهنات حول مصير منصور ذروتها بعدما أشارت تقارير إعلامية غير مؤكدة إلى وفاته، رغم تعهد الحركة بنشر رسالة صوتية من زعيمها لإثبات العكس. وأقر المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد بأن الأمر سيستغرق بعض الوقت لتقديم دليل على أن منصور ما زال حيا. وقال مجاهد إن "قائدنا الأعلى في مكان بعيد حيث لا يمكن إلا لعدد قليل من القادة محل ثقة الوصول إليه". وأضاف "نحن نحاول الحصول على رسالة صوتية منه قريبا".
وبدت الحركة، التي شهدت أول انشقاق رسمي مذ فتره، حريصة على تهدئة التكهنات حول مصير منصور. وتأتي هذه التطورات بعد اشهر من تعيين منصور زعيما لطالبان، وتعكس الانقسامات العميقة داخل الحركة المتمردة. وفي حال تأكيد مقتل منصور فقد يندلع الصراع على السلطة مجددا في صفوف الحركة. وقال المحلل العسكري في كابول جواد كوهيستاني ان "طالبان تعاني من أزمة مصداقية بعدما اعترفت بإخفاء وفاة الملا عمر لسنوات". وأضاف "لكنها ستقوم بكل ما في وسعها لإخفاء إصابة منصور أو موته، ما يمكن أن يؤدي الى تجدد النزاع داخل الحركة أو الى مزيد من الانشقاقات".
ويعتقد ان الاستخبارات الباكستانية مارست ضغوطا متزايدة على منصور لاستئناف محادثات السلام مع السلطات الأفغانية، وهي مسألة خلافية أثارت استياء في صفوف المسلحين. ورفض بعض من كبار القادة مبايعة منصور، معتبرين ان عملية تعيينه كانت متسرعة ومنحازة. كما ان عديدين كانوا مستاءين من اخفاء وفاة الملا عمر لعامين فيما كانت تصدر بيانات سنوية باسمه خلال تلك الفترة. بحسب فرانس برس.
وفي وقت سابق تم تشكيل فصيل منشق عن طالبان بقيادة الملا محمد رسول، وهو اول انشقاق رسمي في الحركة الموحدة. وما يشكل تحديا اكبر في الوقت الحالي، هو انحياز فصيل رسول المنشق الى تنظيم داعش. وأكد مسؤولون أفغان تقارير أفادت عن موت نائبه الملا داد الله، وهو قيادي بارز ومنافس رئيسي للملا منصور. ورغم نفي الجماعة وفاة داد الله، تصر المصادر على انه قتل في اشتباك مع موالين لمنصور. ولم يحدد الفصيل المنشق حتى الآن ما اذا كان له دور في إصابة الملا منصور.
وطغى الغموض على احتمالات استئناف عملية السلام التي سهلتها باكستان بعد أن انهارت المحادثات في يوليو تموز في أعقاب تأكيد وفاة الملا عمر. ويلتزم مسؤولون أفغان الحذر بشأن دلالات المؤشرات المتزايدة على تزايد الانقسام داخل طالبان. وقال مسؤول طلب عدم نشر اسمه "الانقسام يضعف الحركة بالطبع وإذا لم يكونوا قوة واحدة متحدة فسيكون من الأسهل اقناعهم بالسلام أو تصفيتهم."
وأكد أعضاء آخرون في طالبان مقربون من منصور أنه أصيب في المعركة المسلحة التي حدثت بعد نزاع بشأن كيفية التعامل مع الانقسام بين الفصائل في الحركة وأنه نقل فيما يبدو إلى مستشفى خاص للعلاج. وقال أحد أعضاء طالبان الكبار المقربين من منصور "لا نعرف حتى إلى أين أخذ لكن بعض أتباعنا أبلغونا في وقت لاحق أنه أدخل مستشفى خاص وأن حالته لا تزال حرجة."
تخوض حركة طالبان معارك ضد الحكومة الافغانية وحلفائها في حلف شمال الاطلسي، بعد طردها من السلطة نهاية العام 2001 عبر تدخل عسكري بقيادة الولايات المتحدة. وفي تموز/يوليو الماضي، استضافت باكستان التي تمارس نفوذا كبيرا على المتمردين الافغان، جولة اولى من المفاوضات التاريخية، لكن المحادثات سرعان ما تعثرت مع تاكيد حركة طالبان وفاة زعيمها الملا عمر. وتحث الولايات المتحدة والصين على استئناف المحادثات لكن تدهور العلاقات بين كابول واسلام اباد عرقل هذه الجهود. وأعرب الرئيس الافغاني عن استعداده لإحياء هذه المفاوضات عقب اجتماع مع رئيس الوزراء الباكستاني.
مقتل العشرات
الى جانب ذلك قال مسؤولون إن فصيلين متنافسين من حركة طالبان اشتبكا في إقليم زابل بجنوب أفغانستان مما أدى إلى مقتل نحو 80 شخصا بعدما تحول العداء بين المجموعتين إلى العنف. وقال مسؤولون حكوميون ومتحدثون باسم المجموعتين الرئيسيتين في طالبان إن اشتباكات عنيفة تجري منذ عدة أيام ويتبادل الجانبان الاتهامات ببدء العنف.
وربما يكون لمتشددين بايعوا تنظيم داعش دور في العنف فقد عثر على سبعة من أعضاء طائفة الهزارة الشيعية بينهم ثلاث نساء وطفل مذبوحين في حادث ألقت الشرطة باللائمة فيه على متشددي داعش. ويبرز القتال في واحد من المعاقل التقليدية لطالبان في جنوب أفغانستان خطر التشرذم الذي يواجه الحركة المتشددة منذ أن أعلنت في وقت سابق هذا العام وفاة مؤسسها الملا عمر قبل نحو عامين.
وقال عضو بارز في الفصيل الرئيسي الذي يقوده الملا منصور وطلب عدم نشر اسمه "هذا ما كنا نخشاه ... نجح العدو في مهمته. كانوا يريدون انقسام طالبان واقتتالها وهذا بالضبط ما يحدث في زابل حاليا." وأضاف أن متشددي داعش يدعمون الفصيل المنشق الذي يسانده أيضا نحو 400 متشدد من أوزبكستان متحالفين مع الملا منصور داد الله أحد قيادات الفصيل المنشق. وقال "معظم هؤلاء المقاتلين الأوزبك مرتبطون بداعش في أفغانستان." بحسب فرانس برس.
لكن الملا عبد المنان نيازي المتحدث باسم الفصيل المناهض لمنصور قال إن الاشتباكات اندلعت حين هاجم مئات من المقاتلين الموالين لمنصور قرى يعيش بها أنصار منصور داد الله. وأضاف "كان رجال الملا منصور يريدون أن يستسلم منصور داد الله وإلا واجه تحركا منهم. حين رفضوا الاستسلام بدأ مقاتلو الملا منصور يقتلونهم هم وأنصارهم وسكان القرى." ولم يتسن التحقق من هذه الروايات من مصدر مستقل لكن مسؤولين محليين قالوا إن القتال بين الفصائل المتناحرة يجري في ثلاث مناطق في زابل. وزادت حالة الارتباك حين قال محمد عمر عمري عضو مجلس إقليم زابل إن السكان المحليين الذين شعروا بالغضب لقتل السبعة الذين عثر على جثثهم قبل ذلك بيوم انضموا للقتال. وأضاف أنهم أسروا 12 متشددا من داعش وأعدموهم.
مكاسب ميدانية
من جهة اخرى قال شهود ومسؤولون إن مقاتلي حركة طالبان خاضوا معارك ليشقوا طريقهم للاستيلاء على قلب مدينة قندوز بشمال أفغانستان واستولوا على مكتب الحاكم الإقليمي في أحد أهم انتصارات الحركة في الحرب المستمرة منذ 14 عاما. ورفع المقاتلون راية طالبان البيضاء في الميدان الرئيسي وحرروا مئات من زملائهم المقاتلين الإسلاميين من السجن المحلي بعد ساعات من سيطرة المتشددين على معظم أنحاء المدينة.
وهذه هي ثاني مرة خلال العام الحالي تفرض طالبان حصارا على قندور التي تحميها القوات الأفغانية دون دعم كبير من قوات حلف شمال الأطلسي الذي سحب معظم قواته من أفغانستان العام الماضي. وقال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد إن مقاتلي الحركة شنوا هجمات على العاصمة الإقليمية من ثلاثة اتجاهات في الفجر تقريبا وسيطروا على مجمع الحاكم الإقليمي ومقر الشرطة الإقليمية.
وفي وقت لاحق أكد صديق صديقي المتحدث باسم وزارة الداخلية أن "غالبية قندوز سقطت في يد طالبان" وقال إن القوات الأفغانية تعيد تجميع صفوفها في المطار. ويمثل الهجوم على قندوز تطورا مقلقا رغم نجاح القوات الأفغانية في رد طالبان عن معظم الأراضي التي استولت عليها خلال العام الحالي.
وقال جريمي سميث المحلل البارز بمجموعة الأزمات الدولية "هذا بالتأكيد هو أول اختراق كبير لعاصمة إقليمية منذ 2001. "إنهم يخنقون القوات الأفغانية من كل الجهات.. الموقف يبدو بائسا للغاية." وأخلت بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان مجمعها في قندوز عقب بدء الهجوم. وقال دومينيك ميدلي المتحدث باسم الأمم المتحدة "يعيدون الانتشار داخل أفغانستان". لكنه رفض التصريح بالمكان الذي قصدته القوات التي تم إجلاؤها أو بعددها. بحسب رويترز.
ودافع مراد علي مراد مساعد رئيس الأركان الأفغاني عن أداء القوات الأمنية وأشار إلى أن انسحابها جاء لتجنب إيذاء المدنيين في المنطقة في حرب مدن شاملة. وقال "كانت توجد قوات كافية داخل مدينة قندوز لكن المسلحين استخدموا طريقا اعتبر غير حساس بدرجة كبيرة. "قواتنا وصلت هناك في الوقت المناسب لكن كان علينا توخي قدر أكبر من الحذر كيلا تحدث خسائر بين المدنيين".