القتل الجماعي في كاليفورنيا.. عملية ارهابية أم جريمة داخلية؟
مروة الاسدي
2015-12-06 07:47
اثارت حادثة اطلاق النار في كاليفورنيا الذي اسفر عن سقوط 14 قتيلا مؤخرا من قبل شخصين يدعيان سيد رضوان فاروق وتشفين مالك، خوفا وذعرا في معظم ارجاء أمريكا، فعلى الرغم أن المحققين الأمريكيين يرجحون فرضية العمل "الإرهابي"، أكد البيت الأبيض عدم وجود معطيات حتى الآن تشير إلى أن منفذي هجوم كاليفورنيا كانا ينتميان إلى منظمة إرهابية بما في ذلك حتى تنظيم "داعش" الذي قال إنهما من "أنصاره"، حيث ان اطلاق النار في كاليفورنيا يعتبر الاكثر دموية في الولايات المتحدة منذ المذبحة في مدرسة نيوتاون عام 2012.
وبحسب الكثير من المراقبين ان حادثة اطلاق النار في كاليفورنيا تشير الى طبيعة المجتمع الامريكي الذي يعيش اعمال عنف على نحو مستمر ومعدلات الجريمة هائلة، بسبب حرب العصابات المحترفة كعصبات المخدرات وتجار الاسلحة وكذلك بعض القوانين التي تسهم بإدامة العنف كما هو مع مستنقع بيع السلاح المباح في معظم امريكا، الذي ينشر وباء العنف في الولايات المتحدة مع ظل تصاعد الجريمة والكراهية والعنصرية ولا سيما مع الاقليات وهذا ما قد يشكل مجتمعا عنيفا وهشا في المستقبل.
لكن من بين كل التفاصيل الصادمة التي بدأت تظهر بعد واقعة القتل العشوائي في ولاية كاليفورنيا الأمريكية هناك تفصيلة تبرز بوصفها غير معتادة وهي أن أحد المهاجمين في حفل كان امرأة، ويقول خبراء إن أسباب ندرة ارتباط النساء بهجمات القتل الجماعي متنوعة ومن الصعب تحديد عامل واحد لذلك. ويقول البعض إن الرجال أكثر ميلا من النساء للتعبير الخارجي عن الغضب دون تمييز وإنهم يتماهون بشكل أكبر مع الأسلحة.
لكن مقربون من تشفين مالك التي شاركت في مذبحة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا قالوا إنها انتقلت مع أسرتها منذ 25 عاما إلى السعودية من مسقط رأسها في باكستان قبل أن تصل إلى الولايات المتحدة العام الماضي برفقة زوج أمريكي، وهذا يعني انها قد تحمل افكار متشددة ومتطرفة دفعتها الى قيام بعملية القتل الجماعي مع زوجها، لكن توجد ادل دامغ حول هذا الامر.
وعليه لا تزال هناك تفاصيل كثيرة غير واضحة في هجوم كاليفورنيا بينها دور مالك الفعلي ودافعها، وهل لها صلات بجماعات ارهابية أم ان الحادثة كانت كباقي حوادث التي يشهدها المجتمع الامريكي بين الحين والاخر؟!.
اوباما وفرضية الارهاب
من جهته شدد الرئيس الاميركي باراك اوباما على ان اميركا "لن تخضع للترهيب" بعد اطلاق النار في كاليفورنيا الذي اسفر عن سقوط 14 قتيلا فيما اكد تنظيم داعش ان منفذي الهجوم مناصران له، وياتي تعهد الرئيس وموقف الجهاديين بعد اعلان مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) انه يحقق في اطلاق النار في سان برناندينو بكاليفورنيا بوصفه "عملا ارهابيا"، وقال اوباما عن سيد فاروق (28 عاما) وزوجته الباكستانية تاشفين مالك اللذين قتلا 14 شخصا واصابا 21 اخرين خلال حفل نهاية السنة في مركز اجتماعي لرعاية المعوقين "من المحتمل ان ان يكون المهاجمان تطرفا لارتكاب عمل الارهاب هذا"، واضاف اوباما في خطابه الاسبوعي "نحن اميركيون. سندافع عن قيمنا- مجتمع حر ومنفتح- نحن اقوياء ونتحلى بالصلابة ولن نخضع للترهيب". بحسب فرانس برس.
واضاف "نعرف ان تنظيم داعش ومجموعات اخرى تشجع في العالم وفي بلادنا، اشخاصا على ارتكاب اعمال عنف رهيبة وفي معظم الاحيان يتصرفون بشكل منفرد"، وقد اكد تنظيم داعش عبر اذاعة "البيان" الناطقة باسمه ان اثنين من "انصاره" نفذا هجوم سان برناردينو في الولايات المتحدة الاميركية، من دون ان يتبنى رسميا الاعتداء، واورد التنظيم في نشرته الاخبارية الاذاعية باللغة العربية الخبر الآتي "هاجم اثنان من أنصار الدولة الإسلامية قبل عدة ايام مركزا في مدينة سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا الامريكية، وأطلقا النار داخل المركز، مما أدى إلى هلاك أربعة عشر شخصا وإصابة أكثر من عشرين آخرين"، واضاف "ثم حدث تبادل لإطلاق النار مع الشرطة الأمريكية التي طاردتهما لعدة ساعات مما تسبب في مقتلهما"، وبحسب محققي مكتب التحقيقات الفدرالي فان اطلاق الناراعد له بعناية، لكن لا شيء يشير حتى الان الى ان الزوجين اللذين نفذا الهجوم عضوان في مجموعة منظمة او "خلية".
منفذة هجوم كاليفورنيا عاشت في السعودية
قُتلت تشفين (27 عاما) وزوجها سيد رضوان فاروق (28 عاما) في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة استمر عدة ساعات بعد المذبحة التي أودت بحياة 14 شخصا، وقالت مصادر بالحكومة الأمريكية إن تشفين بايعت على ما يبدو زعيم تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلن المسؤولية عن هجمات باريس في 13 نوفمبر تشرين الثاني التي قتل فيها 130 شخصا، وامتد التحقيق في مذبحة كاليفورنيا إلى باكستان حيث استجوب مسؤولو مخابرات أفرادا من أسرة مالك بينهم عمها جواد رباني. وقال رباني إن جولزار والد تشفين ظهرت عليه سمات تشدد بعد انتقاله للسعودية، وأضاف رباني في مقابلة مع رويترز "عندما كان يزوره أقارب يعودون ويبلغونا الى أي مدى اصبح محافظا ومتشددا".
وقال قريب آخر لتشفين يدعى مالك أنور إن الأب شيد منزلا في ملتان حيث يقيم أثناء زياراته لباكستان، وقال كريستيان نواديكي الذي زامل فاروق في العمل لخمس سنوات متحدثا لمحطة (سي.بي.إس) التلفزيونية إن فاروق تغير منذ عودته من السعودية، وأضاف "أعتقد أنه تزوج من إرهابية".
وقال مسؤولان باكستانيان إن تشفين من منطقة لياة في إقليم البنجاب لكنها انتقلت الى السعودية مع والدها قبل 25 عاما. وأضاف المسؤولان أنها عادت لباكستان قبل خمس أو ست سنوات لتكمل دراستها في جامعة بهاء الدين زكريا في ملتان، وقال رباني إن المخابرات الباكستانية اتصلت به في اطار التحقيق في حادث اطلاق النار في سان برناردينو، وقال المسؤولان الباكستانيان إن لتشفين شقيقين وشقيقتين وإنها على علاقة قرابة بأحمد علي أولاك وهو وزير سابق بأحد الأقاليم. بحسب رويترز.
وقالت السلطات الأمريكية إن تشفين وفاروق كان بحوزتهما بندقيتان هجوميتان ومسدسان و6100 طلقة رصاص و12 قنبلة أنبوبية. وأضافت السلطات ان هذه الأسلحة والذخائر كانت إما في منزلهما أو معهما عندما قتلا، وقال المصدر الحكومي الأمريكي إنه بالنظر لهذه الكمية الكبيرة من الأسلحة والذخائر فإن المحققين يحاولون الجزم إن كان الاثنان عقدا العزم على شن المزيد من الهجمات.
داعش تقول إن مهاجمي كاليفورنيا من أنصارها
قال تنظيم داعش إن الزوجين اللذين قتلا 14 شخصا بالرصاص في ولاية كاليفورنيا في هجوم يحقق فيه مكتب التحقيقات الاتحادي باعتباره عملا "إرهابيا" هما من أنصاره، وجاء إعلان التنظيم عبر إذاعة البيان التابعة له على الانترنت بعد ثلاثة أيام من قيام سيد رضوان فاروق (28 عاما) المولود في الولايات المتحدة وزوجته تشفين مالك (27 عاما) وهي مواطنة باكستانية بتنفيذ الهجوم على حفل لموظفين في سان برناردينو على بعد نحو مئة كيلومتر شرقي لوس أنجليس.
وقال مسؤولان أمريكيان لرويترز إن المحققين الأمريكيين يدرسون دليلا على أن تشفين- وهي باكستانية الأصل كانت تعيش في السعودية حين تزوجت فاروق- قد بايعت أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية. وقال المسؤولان إن هذا الزعم إذا ثبت فسيقلب الأمور رأسا على عقب في التحقيقات.
مشاركة امرأة في واقعة القتل الجماعي بكاليفورنيا أمر نادر
قُتلت تشفين مالك (27 عاما) وزوجها سيد رضوان فاروق (28 عاما) - ولديهما رضيعة عمرها ستة أشهر - في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة بعد هجوم في مركز إنلاند ريجنال وهو مركز للخدمة الإجتماعية بمدينة سان برناردينو، وأظهرت أبحاث أجراها مكتب التحقيقات الاتحادي وشرطة مدينة نيويورك وجهات أخرى أن منفذي عمليات القتل الجماعي في العقود الأخيرة كانوا رجالا بأغلبية ساحقة.
وقال برايان جنكنز وهو خبير في هجمات المتشددين ومستشار كبير لرئيس مؤسسة راند كورب "فاجأني الأمر... هذا ليس النمط المعتاد.. إنه أمر غير معتاد للغاية. إطلاق النار بشكل عشوائي عادة ما يكون نشاطا ذكوريا"، ووفقا لتقرير من شرطة مدينة نيويورك فإن ثماني قضايا فقط من أصل 230 قضية اطلاق نار عشوائي في الولايات المتحدة من عام 1966 حتى عام 2012 شملت مهاجمات، وأظهرت دراسة أجراها مكتب التحقيقات الاتحادي لمئة وستين قضية قتل عشوائي بين عامي 2000 و 2013 أن ست قضايا فقط شملت نساء. بحسب رويترز.
ويحفظ الخبراء أسماء المهاجمات بسهولة لأسباب أهمها ندرة ارتباطهن بهذا النوع من الهجمات. وقتلت برندا سبنسر شخصين وأصابت ثمانية أطفال في ساحة مدرسة بكاليفورنيا عام 1979 بينما روعت لوري دان قرية وينيتكا بولاية إيلينوي في عام 1988 عندما حاولت تفجير مدرسة وأطلقت النار على ستة أطفال فقتلت واحدا، وتقول دينيس كينيد كولار وهي أستاذ مساعد في العدالة الجنائية في كلية ملوي في منطقة روكفيل سنتر بنيويورك "ثقافة السلاح لدينا ذكورية بشدة.. التماهي مع الأسلحة هو أمر ذكوري".
غموض حادثة كاليفورنيا
الى ذلك تسعى السلطات الأمريكية لتحديد لماذا فتح رجل وامرأة النار على حفل لزملاء الرجل في العمل بجنوب ولاية كاليفورنيا الأمر الذي أدى لمقتل 14 شخصا وإصابة 17 في هجوم يبدو أنه نفذ بتخطيط مسبق.
وقالت ميرديث ديفيز وهي متحدثة باسم مكتب الكحول والتبغ والأسلحة والمتفجرات إن البندقيتين والمسدسين التي عثر عليها في مسرح الحادث اشتريت في الولايات المتحدة بشكل مشروع، وقالت إن شخصا "له صلة بهذا التحقيق" اشترى اثنين من هذه الأسلحة ولكن مشتري السلاحين الآخرين غير مرتبط بالتحقيق، وقال جارود بورجوان قائد شرطة سان برناردينو إن الدافع لا يزال غير واضح. وقال هو وديفيد بوديتش مساعد المدير الإقليمي لمكتب التحقيقات الاتحادي إنه لم يتضح هل كان الإرهاب دافعا في الحادث.
ما هي المعطيات التي دفعت السلطات الأمريكية لتصنيف هجوم كاليفورنيا كـ"عمل إرهابي"؟
مبايعة عبر فيس بوك
أشار بوديش إلى نص نشر على موقع فيس بوك تعلن فيه تاشفين مالك مبايعتها لزعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي، وردا على سؤال لأحد الصحافيين عن تأكيد مارك زوكربرغ، مؤسس موقع فيس بوك، حصول هذا النشر تزامنا مع بدء الهجوم، قال بوديش "أنا على علم بما نشر (...) نحن في صدد كشف ملابسات ذلك (...) إنه فعلا إعلان مبايعة".
مناصران لتنظيم داعش
أكدت وكالة "أعماق الإخبارية" القريبة من تنظيم داعش أن منفذي هجوم سان برناردينو في كاليفورنيا "مناصران" للتنظيم المتطرف، مشيرة إلى أن "المهاجمين هما زوجان من أصول باكستانية".
وأشارت قناة "سي إن إن" في وقت سابق، نقلا عن مسؤولين، إلى أن فاروق كان على اتصال بأفراد يشتبه بعلاقتهم بالإرهاب في الخارج، ولو أن إمام مسجد محلي يرتاده أكد أنه لم يبد أي مؤشر إلى ذلك، كما نشرت صحيفة تايمز أن مكتب التحقيقات الفدرالي يملك أدلة على أن فاروق كان على تواصل مع متشددين محليا وفي الخارج قبل أعوام.
الهدف المقصود
من الأسباب الأخرى التي تدفع بالسلطات إلى ربط هجوم بالإرهاب الترسانة المذهلة التي جمعها الزوجان ورحلاتهما إلى الخارج وتخطيطهما الدقيق للهجوم، وأشار رئيس شرطة سان بيرناردينو جارود برجوان إلى أن الزوجين، اللذين أودعا لدى والدة فاروق ابنتهما البالغة ستة أشهر، أطلقا حوالى 150 رصاصة في المركز، قبل أن يقتلا لاحقا في تبادل لإطلاق النار بعد مطاردة واسعة النطاق، وتابع أن المحققين عثروا على خمسة آلاف رصاصة إضافية في منزل الثنائي إلى جانب 12 عبوة منزلية الصنع ومواد لصنع عبوات، وقال برجوان "لا أحد يغضب في حفل فيذهب إلى منزله ويضع هذا النوع من المخططات المعقدة" في تلميح إلى معلومات عن حضور فاروق الحفل ثم المغادرة بعد خلاف ليعود بعد قليل مع مالك.
ملابس سوداء عسكرية الطراز
ارتدى الزوجان ملابس سوداء عسكرية الطراز وحملا أسلحة ومسدسات شبه رشاشة وهاجما الحفل الذي حضره حوالى ثمانين شخصا قبيل موعد الغداء، وتعرفت السلطات إلى هويات الضحايا وهم ست نساء وثمانية رجال تراوح أعمارهم بين 26 و60 عاما. ويعمل جميع هؤلاء باستثناء شخصين في إدارة المقاطعة وهم زملاء لفاروق الذي كان يعمل مفتشا بيئيا لصالح وزارة الصحة.